كان ذلك يوماً من تلك الأيام.
ما إن خرجوا من الخيمة حتى تناهت إلى مسامعهم أصوات خدمٍ يركضون فوق الجسر يبحثون عنهم.
فهربت تيـريا مع إيريك متجهَين نحو الجبل الخلفي.
“اليوم هو يوم صيد الوحوش! كل فارسٍ حقيقي يجب أن يصطاد وحشاً في طرفة عين!”
“ق… قائد… لكن أمي قالت إن الوحوش خطيرة…”
“أحمق! الفروسية تعني المخاطرة أصلاً!”
“صحيح، لكن…”
تردد بارت، لكن إيريك لم يتزحزح قيد أنملة.
وكان الجو العام يؤيد إيريك.
“كما هو متوقع من القائد! حتى تفكيره مختلف عنا!”
“رائع! نحن نُعجب بك!”
“وااااه!!!”
لو عادت تيـريا إلى ذلك اليوم، لكانت أوقفت إيريك بقوة وأعادته إلى البيت.
وكيف لا، وقد واجه بالفعل في ذلك اليوم وحشاً ترك في جسده ندبة لا تُمحى.
لكن تيـريا ذات الثامنة لم تكن تدري شيئاً من هذا.
فالتربية في بيت ويبين لم تُعلِّمها شيئاً عن خطورة الوحوش.
ولم يُخبروها طبعاً أن الذهاب إلى الجبل الخلفي ممنوع، ولا حتى ماذا عليها أن تفعل إذا التقت وحشاً.
فكل ذلك ليس مما تحتاجه حياة النبلاء.
وأيُّ نبيلٍ يمكن أن يواجه وحشاً وجهاً لوجه؟
ولهذا السبب كانت تيـريا في ذلك اليوم سعيدة فقط لمجرد أن تكون إلى جانب إيريك.
“متى نذهب؟”
كان القلق يتململ في صدرها أيضاً.
لو لم يسرعوا إلى الجبل الخلفي، سيأتي رجال العائلة للبحث عنهم.
يجب أن يسبقوهم إذن.
إنها ما يمكن أن يُسمّى ‘هروباً بدافع الحب’.
قال إيريك إنه لا يريد الزواج بها، لكن ذلك لم يكن مهماً بالنسبة لتيـريا.
ما كانت تريده هي، هو المهم.
وبحسب ما كانت تسمعه من والديها: “النبلاء هم من يضعون كل ما يشتهون تحت أقدامهم”، لذا لم يخطر في بالها أصلاً أن رغبة إيريك قد تكون مهمة.
لذلك أمسكت تيـريا بطرف ثوب إيريك بقوة.
أما هو، فلم يُعِر لما جرى في الصباح أي اهتمام.
“أيتها القبيحة، أنتِ أيضاً متحمسة، أليس كذلك؟”
ابتسم إيريك ابتسامة واسعة.
فابتسمت تيـريا بخجل رغم نعته لها بالقبح.
“حسناً! إذن لننطلق بسرعة!”
لوّح إيريك بسيفه الخشبي فوق رأسه، فهتف الأطفال من حوله: “وااااه!”
وهكذا صعدت تيـريا إلى الجبل الخلفي.
—
“تفرقوا هنا! وإذا وجد أحدكم وحشاً، فليصرخ بأعلى صوته!”
قال إيريك، فانطلق الأطفال من مدخل الجبل متفرقين.
أما تيـريا، فبقيت بجانبه.
“هيا، لنذهب.”
“نعم.”
لم يكن الجبل الخلفي سهلاً في صعوده.
فهو مكان لم تطأه الأقدام إلا نادراً، إلا ربما جامعي الأعشاب، لذلك لم يكن مُعتنى به.
وكانت الأحجار البارزة وجذور الأشجار تعيق الطريق باستمرار.
وهكذا وجدت تيـريا صعوبة في التسلق.
خاصة وساقاها كانتا متورمتين من أثر الضرب بالعصا، فما كان بوسعها أن تتحمل مشقة هذا الطريق الوعر.
لكنها لم تُظهر ذلك.
إذ تخوفت أنه إن تسببت في إعاقة صيد الوحوش، فقد يتركها إيريك خلفه.
ومع ذلك…
“آه…!”
جسدها خانها وأطلق أنيناً صغيراً.
“ما الأمر، أيتها القبيحة؟”
سألها إيريك وهو يقطب وجهه، لكنها هزت رأسها بعنف نافياً.
غير أن إيريك كان أذكى مما تخيلت.
فما إن شعر بأن هناك شيئاً غريباً حتى اقترب منها فوراً، ورفع طرف ثوبها حتى ساقها ليتفقدها.
وحين رأى ساقها الزرقاء المتورمة، خرج من فمه كلام حاد:
“…ما هذا؟ هل أنتِ مصابة؟”
شعرت تيـريا وكأن قلبها سقط من مكانه.
ارتفع القلق في صدرها: ماذا لو غضب إيريك الآن وأصرّ على العودة إلى البيت؟
“لا…”
“لا ماذا! هذا ليس بلا شيء!”
ارتجف جسد تيـريا فجأة.
وكانت تلك اللحظة.
“إذا كنتِ تتألمين فعليك أن تخبريني أيتها الغبية! هيا! سأعالج حتى وجهك القبيح أيضاً!”
رفعها إيريك بخفة وحملها على ظهره.
فتسعت عينا تيـريا من الدهشة كعيني أرنب.
فما حدث كان عكس كل ما توقعت، وعقلها لم يستوعب الموقف بعد.
سألت بلا وعي:
“لن… تتركني…؟”
“ولماذا أتركك؟ الفارس لا يتخلى عن رفيقه.”
والآن لعلها مجرد مُصابة.
تمتم إيريك بذلك وضحك باستخفاف، ثم واصل الصعود حاملاً تيـريا على ظهره.
كانت أقدامه تدوس على الثلج بصوت *سحق سحق*.
إيريك يتمتم بتذمر، والريح كانت باردة.
لكن رغم كل ذلك، شعرت تيـريا أن دفء جسده الغريب جعلها أكثر حرارة من أي وقت مضى.
لذا ابتسمت من جديد مثل الحمقاء.
“هيهي…”
ومهما فكرت، كانت النتيجة واحدة.
“أنا أحبك.”
“وأنا لا.”
“سأتزوجك.”
“قلت لك لا أريد.”
شدّت تيـريا ذراعيها حول عنقه بقوة.
إيريك تمتم غاضباً، لكنه لم يُبعدها.
رغم أن ساقيها تؤلمانها ووجهها يلسعه الألم، إلا أن سعادتها فاضت فحرّكت رجليها بمرح.
فقال إيريك: “اثبتي مكانك!”، لكن حين لم تتوقف، أطلق تنهيدة طويلة وأضاف:
“إذا أردتِ الزواج بي، تعالي وأنتِ جميلة.”
“حسناً.”
“ويجب أن تكوني ذكية أيضاً. وأن تُنجيبي كثيراً من الأطفال.”
“ها؟”
“سأُنشئ فرقة الفرسان الخاصة بي. نحتاج إلى عشرة أطفال على الأقل، لذلك يجب أن تكوني قوية. ألديو قال إن المرأة القوية تُنجب جيداً.”
أضاف إيريك ألوانه إلى اللوحة التي رسمتها تيـريا في مخيلتها.
بيت كلوحة مضيئة تحت الشمس، إيريك وقد أصبح رجلاً ضخماً، وهي بجانبه، وأطفال صغار يحيطون بهم.
كان ذلك جميلاً للغاية.
فشعرت تيـريا أن صدرها يمتلئ فرحاً بتلك الصورة المستقبلية التي بدت كالحلم.
“لن أضرب أطفالي.”
“أليس ذلك بديهياً؟”
“سأحتضنهم كل يوم.”
“أيتها الحمقاء، إن فعلتِ ذلك كل يوم ستتعبين.”
“سأحتضنهم رغم ذلك. حتى لو كانوا انتقائيين في الطعام فلن أوبخهم.”
“هذا جيد فعلاً.”
وبينما يتحدثان، توقف إيريك فجأة.
كان المكان حيث وصلا قطعة أرض صغيرة مغطاة بالأعشاب.
“اجلسي هنا.”
قالها وهو يضع تيـريا على صخرة، ثم بدأ يقطف أوراق العشب.
“ماذا تفعل؟”
“هذه كلها أعشاب طبية. إنها مفيدة للجروح.”
أجاب ببرود، ثم سحق الأوراق بالحجر، وبدأ يدهن ساق تيـريا بها.
“آه…”
“اصبري، أيتها الغبية.”
كان الألم شديداً ليُحتمل.
لكن تيـريا تحمّلت.
فقط لأنه هو من كان يفعل ذلك بيديه، كان كل شيء جميلاً.
وبعد أن غطى ساقها حتى صارت خضراء بالأوراق، مزق إيريك كمّه وربط به ساقها.
“انتهيت!”
قال بوجه متفاخِر، فحدقت تيـريا فيه باندهاش وسألته:
“كيف تعرف كل هذا؟”
“لقد درست. وأنتِ، ألا تعرفين وأنتِ الطبيبة الميدانية؟”
“لا أعرف.”
“إذن ادرسي!”
ابتسم إيريك ابتسامة مشرقة.
“إذا كنتِ تريدين الزواج بي، فعلى الأقل تعلمي كيف تزرعين الأعشاب الطبية بنفسك!”
ابتسمت تيـريا بخجل وأجابت:
“حسناً.”
“هيا الآن. آه… كم أنتِ مزعجة، أيتها القبيحة.”
ثم حملها إيريك من جديد على ظهره.
وتواصل صعود الجبل.
ولم يكن يعلم…
أن هذا الحوار تحديداً سيكون السبب الذي دفع تيـريا إلى دراسة النباتات،
وأن تلك الدراسة ستصبح في النهاية هوايةً تُسمّى “البستنة”.
وكان ما يزال في خاطر تيـريا شيء تفكر فيه، حتى…
“كياااااااا!!!”
لو لم تذهب تيـريا إلى الجبل الخلفي ذلك اليوم،
“غرووو…”
لربما لم يكن في أذنك جرحٌ حتى الآن.
—
لم تتذكر بالضبط متى بدأ الأمر.
كل ما بقي في ذاكرة تيـريا هو أنها كانت على ظهر إيريك، تثرثر بأحاديث أشبه بالحلم، ثم فجأة خيّم جوٌّ غريب يبعث على القشعريرة.
في لحظة ما، اختفت حتى أصوات الطيور، وسيطر صمتٌ خانق على المكان… ثم ظهر.
“غرووو…”
جسده الأسود كان بحجم بيت كامل.
عيناه الصفراء اللامعة أيقظت في الأعماق خوفاً غريزياً، وفمه المفتوح يقطر لعاباً وتملؤه أنياب حادة كالسكاكين.
انتشرت رائحة عفنة، مقززة ومنفرة، أثقلت الصدر.
“غرووورك…!”
وفي اللحظة التي رأت فيها تيـريا الوحش، صرخت بكل قوتها:
“كيااااااا!!!”
ومن شدة الارتباك سقطت من على ظهر إيريك.
ارتطم جسدها بالأرض، وأحست بألم حارق في خاصرتها.
وفي اللحظة التالية، اهتزت مخالب الوحش.
فووووش!
ما رأته كان مشهداً لا يُصدق.
رفعت رأسها بصعوبة، فإذا بدماء حمراء تتفجر من عنق إيريك.
تساقط السائل القرمزي على الثلج الأبيض في مشهد يفوق الخيال، والتباين بين اللونين كان صارخاً إلى حد لا يُحتمل.
ورائحة الحديد الثقيلة اخترقت صدرها حتى الأعماق.
“آه…”
غشى البياض عقل تيـريا.
ثم سمعت صوته.
“…اهربي.”
قال إيريك بصوت مبحوح، وهو يدير رأسه ببطء، ملامحه مليئة بالعجلة والذعر.
“اهربي أولاً أنتِ!”
رفع سيفه الخشبي بيد، وضغط باليد الأخرى على جرح عنقه.
تهرب؟
إلى أين؟
ومن سينقذه؟
وأنت؟
تدافعت الأسئلة في رأسها، لكن إيريك صرخ مجدداً:
“أسرعي!!!”
ارتجفت ساقاها.
لم تستطع الوقوف.
امتلأت عيناها بالدموع، حتى تساقطت قطرات باردة على وجنتيها.
عندها فقط رأت تيـريا.
ساقا إيريك كانت ترتجفان.
لقد كان خائفاً، تماماً مثلها.
لكن رغم ذلك، لم يهرب.
‘بسببي….’
شعرت وكأن أحشاءها تحترق.
“اختفِ!!!”
صرخ إيريك واندفع نحو الوحش.
وفي تلك اللحظة، كان آخر ما تتذكره تيـريا أنها رأت شيئاً أشبه بدخان أحمر يتفجر من جسده.
تشاااق!!!
مخلب الوحش ضرب إيريك، فطار جسده وارتطم بتيـريا.
تدحرجا معاً على منحدر الجبل، فيما أحاطت ذراعاها بجسده بكل قوتها.
الوحش لحق بهما بخطى واثقة.
وفي النهاية، اصطدما بجذع شجرة ضخمة، فأطبق الألم على جسديهما حتى العظم.
حينها فقط أدركت تيـريا أن إيريك قد فقد وعيه.
وفي اللحظة نفسها، غطى ظل الوحش جسدها.
لكن بعد لحظة متأخرة،
“عثرت عليكما.”
جاء صوت رجولي غليظ.
تشاااق!!!
انشق الوحش إلى نصفين بخط مستقيم.
وفي خضم فقدانها للوعي، أبصرت تيـريا مشهداً ضبابياً.
رجلٌ يرتدي ثياباً من جلود الحيوانات الخشنة، يحمل إيريك المغمى عليه فوق كتفه، مبتعداً.
سحق، سحق―
كان صوت خطواته على الثلج يبتعد شيئاً فشيئاً،
حتى غابت تيـريا في ظلام الإغماء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "35"