عادةً حين يُقال ‘غابت الشمس’ يتبادر إلى الذهن مشهد يغمره السكون، والعالم يكتسي برداء الظلام.
لكن ذلك اليوم كان مختلفًا.
“آنستييي!”
“سيديييي!”
كان خدم العائلتين يجوبون أنحاء القرية بصخب وهم يبحثون عن إيريك وتيـريا اللذين لم يعودا إلى المنزل.
بالنسبة لتيـريا، كان الموقف كفيلًا بأن يجعل قلبها يهوي من الخوف، أما إيريك فابتسم كأن الأمر مألوف لديه، وأمسك يدها قائلًا:
“هيا! سأريكِ قاعدتي السرّية!”
قادها إلى أسفل جسر حجري عند مدخل القرية.
كانت هناك خيمة صغيرة منصوبة بشكل مريح، وبرغم أن المكان مظلل، إلا أنه لم يكن رطبًا.
وفي داخل الخيمة، حيث بدا المكان معزولًا تمامًا عن العالم الخارجي، أوقد إيريك مصباح زيت صغير.
تراقص ضوء النار، وكشف عن وجهه المرح الذي لم يكن يحمل أي أثر للقلق.
نظرت إليه تيـريا بدهشة وسألته:
“ألستَ خائفًا؟”
“مما؟”
“إذ… إذا اكتشفونا سنتعرض للعقاب…”
لم يكن الأمر مجرد عقاب عادي.
كانت واثقة أن عقوبة هذه المرة ستفوق كل ما مضى، وربما يفرض عليها حبس دائم يمنعها من الخروج مجددًا.
سألته إن كان لا يخاف من ذلك، فجاء جوابه كما في المرة السابقة:
“لا بأس! أبي لا يهتم لأمري أصلًا!”
قالها بزهو، لكن تيـريا رأت بوضوح ظلًّا يخيم على ملامحه.
لقد اعتادت أن تراه دائمًا صلبًا ومبتهجًا، ولهذا بدا هذا الوجه المائل إلى الكآبة مشهدًا جديدًا عليها.
ومن هنا، نما فضولها نحوه أكثر.
تراكمت في عينيها أسئلة:
‘كيف هي عائلتك؟ لماذا لا تسير الأمور بينك وبينهم؟ وكيف تتحمّل حين يرهقونك؟’
لكن قبل أن تسأل، كان هو من سبقها بالكلام.
“يقولون إني وُلدت بعدما التهمت أمي.”
ارتجفت أصابع تيـريا فجأة.
واصل إيريك حديثه وهو يحدّق في ضوء المصباح:
“يقولون إنني كنت ضخمًا جدًا، فتعسّر على أمي أن تلدني. حتى أنهم جلبوا طبيبًا من العاصمة، لكن في النهاية لم تستطع النجاة.”
“…”
“في ذلك اليوم بكى أبي بكاءً شديدًا. غريب، أليس كذلك؟ فأنا لا أستطيع أن أتخيله يبكي، لأنني لم أرَ على وجهه سوى البرود.”
طقطقة… طقطقة…
تراقص لهب المصباح مع تيارات الهواء، ورسم على وجه إيريك ملامح حزينة.
تساءلت تيـريا في نفسها:
‘هل هي كلماته التي تبعث الحزن؟ أم أن الظلال هي التي تجعله يبدو هكذا؟’
قال وهو يلوّح بعصا في الهواء:
“لم أتحدث مع أبي كثيرًا. نادرًا ما يتبادل معي الكلمات.”
ظل يحدّق في طرف العصا قليلًا، ثم ابتسم فجأة وقال:
“لهذا السبب سأصبح فارسًا.”
“…فجأة هكذا؟”
“فجأة؟! ألا تفهمين؟!”
“…؟”
لم تفهم تيـريا.
بالنسبة لها، لم يكن هناك أي رابط بين علاقته المتوترة بوالده ورغبته في أن يصبح فارسًا.
تنهد إيريك وهز رأسه بعناد، ثم شرح:
“إذا أصبحت فارسًا، فسأكون أعلى منزلة من أبي! وفوق ذلك سأكون رائعًا. لن يتمكن من تجاهلي بعد ذلك، أبدًا!”
كان إيريك متكئًا واضعًا ذراعيه على صدره، في غاية التفاخر.
رمشت تيـريا بعينيها مرارًا، ثم أومأت برأسها في النهاية.
“…نعم.”
لم يكن لديها ما تحتج به أكثر من ذلك، فأجابت إجابة عابرة.
لكن إيريك انفجر غاضبًا:
“لهذا السبب لا أستطيع التفاهم مع البنات أبدًا!”
انهمرت الدموع بلا توقف.
ورغم تذمّر إيريك، فإنه لم يتوقف عن مواصلة التربيت على ظهرها.
وشعرت تيـريا بامتنان عظيم لذلك.
دفنت وجهها في صدره، فاشتد الدفء حولها أكثر وأكثر.
المكان هنا كان دافئاً إلى حدٍّ جعل تيـريا تشعر أنه أدفأ من غرفة مريحة في قصر فاخر، وكان جسد الفتى داخل الخيمة تحت الجسر يبعث من الحرارة ما جعل قلبها يغمره الدفء.
لعل ذلك هو السبب.
في تلك الليلة، لم ترَ تيـريا كابوساً وغفت بسلام.
وبدل الكابوس، حلمت بأنها تستلقي على ربوةٍ دافئة تحت أشعة الشمس.
وكان عجيباً أن تشعر بكل هذا الدفء في مجرد حلم، لكن تيـريا أدركت السبب في صباح اليوم التالي.
حتى لحظة استيقاظها، لم تفلت إيريك من حضنها، بل تشاركَا دفء جسديهما طوال الليل.
وحين بزغ الصبح وفتحت عينيها، رأت إيريك ما يزال هناك بجانبها، فأدركت.
‘لست خائفة.’
مع وجود إيريك، لم يعد النوم أو الاستيقاظ في الصباح أمراً مخيفاً.
هذا الفتى جعلها تشعر بذلك.
لقد كان شخصاً يمكن أن يصبح سياجاً عظيماً يحميها من كل ما تخشاه في العالم.
كانت مشاعرها صغيرة وبريئة، لكنها ثمينة.
مشاعر جعلت قلبها يخفق بقوة.
رغبة في ألا تفترقا، في البقاء متلاصقين دائماً.
كان التفكير بخلودٍ أبدي تفكيراً طفولياً بحتاً، لكنه في الوقت ذاته بلغ جوهر الحب الأول.
وعلى الرغم من أنها عاشت حياتها حتى ذلك اليوم من دون إيريك، فقد وقعت في اعتقاد مفاجئ بأنها لن تستطيع العيش بدونه. عندها ابتسمت تيـريا بخجل وحرّكت يدها بخفة.
حينها استيقظ إيريك.
“أه… لا أستطيع التنفس.”
قال إيريك وهو يفتح عينيه نصف إغماضة ويقطب وجهه.
كانا قد ناما متلاصقين تحت الغطاء لدرجة أن وجهيهما كانا متقاربين حتى طرف الأنف.
ارتجف قلب تيـريا بقوة.
حتى عينا إيريك حين استيقظ كانتا صافيتين، تماماً مثل أمير من حكاية خيالية.
“آه، قبيحة.”
…لو لم يفتح فمه لكان أفضل.
“أبعدي وجهك، شكلك مخيف.”
“لا.”
“ماذا؟”
“لا. ولن أعتذر أيضاً.”
في ذلك اليوم، وُلد حلم جديد في قلب تيـريا.
لم يكن حلماً يُرى أثناء النوم، بل أمنية واقعية تريد تحقيقها.
أرادت أن تنام وتستيقظ كل يوم مع إيريك.
وكانت تعرف الطريقة لتحقيق هذا الحلم.
“أريد أن أتزوجك.”
كانت تسمع دوماً من أبيها ومعلمها أن الزواج يعني العيش معاً كل يوم.
والفتاة العاشقة تندفع بلا تردد، وهكذا حين أدركت لأول مرة رغبتها الخاصة بدلاً من العيش برغبات الآخرين، قالتها بجرأة ووضوح.
لكن، كان هناك أمر لم تعرفه تيـريا في ذلك الوقت.
“لا أريد. أنتِ قبيحة.”
فالزواج في الأصل لا يتم إلا باتفاق الطرفين.
ثم أضاف:
“سأتزوج من حسناء فائقة الجمال. ألم تسمعي؟ الفرسان يتزوجون الجميلات.”
في ذلك اليوم، كان إيريك صبياً في السادسة، غارقاً في طفولته، لا يعرف شيئاً سوى براءته الممزوجة بوقاحة الصغار.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "34"