في ذاكرة تيـريا، كان وجه إيريك مدوّرًا يضيئه بريق عينين مشاكسَتين. شعره البني كان ناعمًا منفوشًا، وملابسه بدت من لمحة واحدة أنها مصنوعة من قماش فاخر ولطيف الملمس.
كان مجرد فتى صغير، لكنه أيضًا أوّل صبي في عمرها تلتقيه يومًا.
“من أين جئتِ؟ لم أرَ وجهك من قبل.”
كان سؤاله المليء بالفضول نوعًا من الود لم تختبره تيـريا قط من قبل.
ورغم أن تعليقاته قبل لحظات على مظهرها كانت مزعجة، إلا أنها لم تستطع أن تمنع نفسها من الشعور بالارتياح تجاه صبي في مثل عمرها.
“…هناك.”
أشارت تيـريا إلى القصر القابع خلف التلة، قصر عائلة ويبين.
فقال إيريك على الفور:
“آه، وكر الطفيليات!”
ارتجفت من الدهشة.
فالكلمات التي خرجت من فمه كانت مبتذلة، من ذلك النوع الذي عُلّمت أن لا يُستخدم أبدًا.
“طف… طفيليات؟”
“أبي هو من قال ذلك. يقول إن الطفيليات التي تمتص أراضي الآخرين تعيش هناك.”
ضحك ضحكة بريئة صافية.
لم يكن من الممكن أنها لم تفهم معنى كلامه. والأسوأ أنه قال ذلك لشخص جاء من ذلك القصر بالذات.
وفيما بعد فقط ستدرك أنه كان مشاغبًا يطلق هذه الشتائم بلا أي حرج. لكن بالنسبة إلى تيـريا آنذاك، كان كل ما فيه صدمة حقيقية.
“على أية حال، هذا ليس مهمًا. تعالي معي أولًا.”
“هـ…؟”
“المسعف لم يأتِ اليوم، أمه عنّفته. ستصبحين أنتِ المسعف مكانه.”
ثم فجأة، خطف إيريك يدها.
فنسيت تيـريا أمر طلب المساعدة تمامًا، ووجدت نفسها منقادة خلفه.
لكن المسير لم يكن سهلًا.
فقد كانت ساقاها تؤلمانها بشدة من أثر الضرب، فمشت وهي تعرج، ووجهها المنتفخ كان يؤلمها حتى مع أقل نسمة هواء.
وحين لاحظ إيريك ذلك أخيرًا، برزت شفتاه بضيق.
“ماذا؟ رجلكِ مصابة؟ كان يجب أن تقولي ذلك.”
“هذا…”
“تعالي هنا.”
وما فعله بعد ذلك كان مفاجئًا بحق.
“هوب!”
رفعها إيريك بين ذراعيه بخفّة!
كان في السادسة من عمره، بينما كانت تيـريا في الثامنة.
وبطبيعة الحال، كانت تيـريا أكبر حجمًا، لكن مع ذلك رفعها بسهولة مذهلة.
وفي تلك اللحظة قال مبتسمًا:
“إذن لستِ المسعف، بل المريضة نفسها!”
ابتسم على اتساع وجهه.
وهو يواجه الشمس، كان وجهه المشرق مليئًا بالثقة.
كان الهواء باردًا، ورغم صِغر جسده، فإن حضنه كان غامرًا بالطمأنينة.
وكانت هذه أول مرة في حياتها يعانقها أحد.
أول مرة تختبر فيها دفء جسد آخر.
كان ذلك شعورًا مذهلًا، حتى إنها لم تستطع تفسير رد فعلها بنفسها.
“هـهك…”
فإذا بالدموع تتفجر من عينيها، وانفجرت بالبكاء.
“ما هذا، ليست قبيحة فقط، بل تبكي كالأطفال أيضًا.”
“أوووه…”
“لا تبكي، يقولون إن من يبكي ينبت الشعر في مؤخرته.”
“هـهـ… آسفة…”
“آه، ومن طلب منك الاعتذار؟ يكفي.”
أخذ إيريك يربّت بخفة على ظهر تيـريا.
وفي ذلك اليوم فقط، أدركت تيـريا الحقيقة.
البكاء ليس ذنبًا يستحق الاعتذار.
“أوووو…”
وفي حضن الصبي الذي كان يضحك ضحكة مكتومة، عرفت تيـريا لأول مرة في حياتها طعم العزاء.
وربما لهذا السبب لم تستطع أبدًا أن تنسى تلك اللحظة.
—
“اليوم هي من سيتولى دور المسعف!”
قادها إيريك إلى ساحة صغيرة عند مدخل القرية.
وهناك فتحت تيـريا عينيها بدهشة، إذ لم تكن تدري أن في ويبين أطفالًا في مثل عمرها بهذا العدد الكبير.
لكنهم لم يكونوا مثل إيريك.
كان بينهم من يبدو قذرًا، ومن يرتدي ملابس بالية لا تكاد تختلف عن قطعة خيش، وآخرون لم يغسلوا شعرهم منذ زمن.
لم يكن ذلك يثير نفورًا خاصًا في نفسها، لكنها أدركت بوضوح أن إيريك بدا غريبًا وسط هذا الجمع.
“هيه! يا قبيحة!”
هكذا ناداها إيريك.
وفي تلك اللحظة شعرت تيـريا بالخجل يتصاعد إلى وجهها.
“…لست كذلك.”
“بل أنتِ قبيحة! وجهك منتفخ جدًا ومشوّه! ألديو قال إن الجميلين وجوههم رشيقة ونحيفة!”
كان من المبتذل أن يسخر شخص من شكلها أمام الآخرين.
ومع ذلك، لم تستطع إنكار كلامه، فهي نفسها رأت أن وجهها الآن في غاية القبح.
كانت الشمس تميل إلى الغروب.
السماء احمرّت بلون الغسق، والجو صار أكثر برودة.
بدأ الأطفال، الذين كانوا مصدر الضوضاء، يتفرقون واحدًا تلو الآخر، حتى ساد السكون في الساحة.
“أنتِ أيضًا ستذهبين، أليس كذلك؟”
سألها إيريك.
لكن تيـريا لم تستطع الإجابة بسهولة.
وكيف تفعل، وهي قد خرجت من البيت خلسة دون إذن والديها، وفوّتت دروس اليوم كلها؟
بل أكثر من ذلك، لم تقدّم اعتذارها عن خطأ الأمس الذي بسببه تلقت عقابًا قاسيًا.
ومن يدري، ربما يُضرب جسدها الليلة أشد من الأمس.
وفجأة، اجتاحها خوف شديد.
‘لماذا! لماذا لا تفهمين مشاعرنا!’
تذكرت تلك اليد الضخمة التي كانت تملأ مجال بصرها، فارتعش جسدها كله.
ابيضّ عقلها تمامًا، وبدأت أنفاسها تخرج متقطعة من بين أسنانها.
“ما هذا؟ ما الذي يحدث لك؟”
قطّب إيريك حاجبيه وهو يمعن النظر فيها.
انكمشت تيـريا قائلة:
“…لا شيء.”
“لا شيء ماذا! تعالي هنا.”
أمسك إيريك بيدها بإحكام، ثم رفع رأسه ليتفحص وجهها عن قرب.
فأطرقت برأسها نحو الأرض بقوة.
وفي النهاية صرخ إيريك:
“آه! عرفت!”
“…”
“أنتِ لا تريدين العودة إلى البيت، صحيح!”
رفعت تيـريا رأسها فجأة.
لقد كان أمرًا مدهشًا، كيف استطاع أن يخترق قلبها دون أن تنطق بكلمة واحدة.
حتى إنها شعرت بالذهول.
أما إيريك فابتسم ابتسامة ماكرة وقال:
“إذن فلنلعب أكثر!”
“قائد؟”
“هل ستتسكع خارج البيت مجددًا اليوم؟”
“نعم! تريدان أن تفعلا مثلي أيضًا؟”
لكن الطفلين اللذين بقيا، ريتون وبارت، هزّا رأسيهما نافيَين.
فأخرج إيريك شفتَيه بتبرّم:
“هيا، يا جبناء. تعالي يا قبيحة.”
لم تستطع تيـريا أن تستوعب الأمر كله.
كان إيريك يتصرف باندفاع مطلق.
لكن في قلبها، ارتفعت مشاعر متناقضة: توتر وخوف، يقابلهما ارتياح خفي.
‘هروب؟ يعني أني لن أعود إلى البيت الليلة؟
إذن… لن أُضرَب؟’
شعرت أن الخوف يبتعد شيئًا فشيئًا.
ومع ذلك، لم تستطع كبح قلقها فسألت إيريك:
“هل سيكون الأمر بخير…؟”
“ماذا، تقصدين الهروب؟”
والآن، حين تعود بذاكرتها، تتذكر أنه قال مبتسمًا بلامبالاة:
“لا تقلقي، أبي لا يهتم لأمري أصلًا.”
وفي تلك اللحظة، ما شعرت به تيـريا كان شعورًا بالانتماء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "33"