وفي ارتعاش الشيخ أحسّ إلك بحميميةٍ افتقدها طويلًا.
—
لم يستعد ألديو هدوءه إلا بعد مضي وقت غير قصير.
وبينما كان يلتقط أنفاسه بشيء من الارتباك، بدا على وجهه صفاء تام وهو يقول:
“كدت أن لا أتعرف إليك، ما أشد ما تبدّلت ملامحك!”
قهقه إلك بخفة.
فآخر عهد ألديو به كان في صباه، قبل أن يشتدّ عوده وتبرز عليه سمات الرجولة.
ولذا، فعدم تمييزه إياه من أول وهلة أمر طبيعي.
بل إن مجرد تغيّر حجمه وهيئته لم يكن ليُعَد شيئًا مذكورًا.
عشر سنوات قضاها إلك في ساحات الحرب كانت كفيلة بصياغته من جديد؛ لم يكن للبقاء هناك سبيل سوى بصرامة التدريب ومجاهدة نفسه بما أتيح له من مانا.
فتوسّعت عظامه، وصار جسده متماسكًا بعدما كان نحيلًا هزيلًا، والأهم من ذلك أن عينيه، وقد صبغتهما المانا، غدت بلونٍ قاتم يميل إلى الحمرة الداكنة.
فمن الطبيعي أن يَصعُب على من لم يعرفه إلا صبيًّا أن يتعرّف إليه الآن.
“أجل، تغيّرت كثيرًا… لذا أفهم قولك…”
توقف فجأة.
“همم؟ ما بالك يا سيدي؟”
سأل ألديو في قلق، لكن إلك لم يسارع بالإجابة.
فهو لمّا تفوّه بكلماته تلك، تنبّه إلى أمر عجيب.
التفت بعينيه نحو القصر، وبالتحديد نحو المدخل الذي دخلت منه تيريا قبل قليل.
‘…ألم تتعرف إليّ في الحال؟’
رغم أن ملامحه قد تبدّلت تبدلًا عظيمًا، ورغم أن لقاءهما الأخير كان منذ يوم الزفاف ولم يتكرر بعدها، إلا أنّها أدركت هويته من أول نظرة، بلا أدنى شك أو تردّد.
فكيف تمكنت من ذلك؟ كيف استطاعت أن تعرف صبيّ الأمس وقد عاد رجلاً مختلفًا؟
ذاك التساؤل بدأ يثير الشك في أعماقه.
“سيدي؟ هل أنتم بخير؟”
“…لا بأس. فقط شردت قليلًا في التفكير.”
ربما لا يعدو الأمر أن تكون صاحبة بصرٍ حادّ لا أكثر.
أطرق إلك برأسه قليلًا، رافعًا يده ليمسح على عنقه محاولًا طرد تلك الوساوس.
—
في تلك اللحظة، كانت تيريا تقف خلف النافذة، تنظر إلى إلك وهو يتحدث إلى كبير الخدم.
لقد مرّت عشرة أعوام، ومع ذلك تعرّفت إليه من اللحظة الأولى.
وكيف لا؟
كيف لا وهي تحمل ملامح الرجل الذي ارتبطت به عهدًا مدى الحياة.
شَعرُه البنيّ، وانطباعه الكسول قليلًا، وانحدار أنفه البارز، والندبة الصغيرة بجانب شحمة أذنه… كلّها كانت على الهيئة التي حفرتها ذاكرتها تمامًا.
ما زال قلب تيريا يخفق بعنف.
كيف لا وهي، إذ خرجت من بين سنابل القمح بعد تفقدها، وجدته فجأة واقفًا هناك؟!
ارتبكت بلا شك، لكنها تمنت ألا يظهر اضطرابها، فتظاهرت بالهدوء. غير أنها حين أعادت التفكير، أيقنت أن شيئًا من الارتباك قد تسرّب إلى تصرّفاتها.
‘ليته لا يلحظ شيئًا….’
دخل القلق قلبها، فتنفست بعمق، وأخذت تستعيد في ذهنها لحظة لقائهما، تتحرى هل أخطأت بشيء.
“لِمَ….”
ارتجفت كتفاها الصغيرتان وهي تستعيد كلمته تلك.
تقطّبت حاجباها الرقيقان، وانطبقت شفتاها بإحكام، بينما انصبت نظراتها على إلك الذي كان يبتسم ابتسامة مشرقة خارج النافذة.
تلك الابتسامة لم تكن من نصيبها قط.
حين كانا يسيران معًا لم يكن يفيض إلا بالصمت الموحش، لا الآن فحسب، بل حتى يوم الرحيل… يوم الزفاف.
طوال المراسم كانت شفتاه منحنية إلى الأسفل بوضوح.
وعندما حانت لحظة تبادل الخواتم، كان وجهه غارقًا في العبوس.
تلك الملامح أدمت قلبها وأبكتها سرًّا، لكن ما أحزنها بحق كان ما وقع بعد ذلك.
في تلك الليلة، غادر إلك القصر ولم يعد.
أحست بضيق يطبق على صدرها، فشدّت بيديها على قلبها محاولة كبح الألم، لكن شيئًا لم يتغير.
لقد كانت لحظة الفرح قصيرة، وما أعقبها لم يكن سوى ثقل الواقع.
فبعد عشرة أعوام من الغياب، لم يعد إلك بالهيئة التي رجتها.
تساءل وكأنه كان يفضّل لو لم تكن موجودة أصلًا.
ابتسامة مضيئة لم ترها يومًا، تصرفٌ لا يشي بأي اهتمام بشأنها، ولا حتى بأبسط التفاصيل عنها.
ارتسمت على محيا تيريا ابتسامة حزينة مشوبة بمرارة.
‘كما توقعت….’
حتى بعد كل هذا الزمن، ما زالت هي في نظره زوجةً غير مرضية.
تلك الحقيقة أوجعتها بعمق.
لكن ما سيؤلمها أكثر من ذلك هو المستقبل… مستقبلٌ تعرف أنها لن تستطيع فيه التخلّي عنه.
كما فعلت في السنوات العشر الماضية، ستواصل انتظارها العقيم حتى يحين يوم يلتفت فيه قلبه إليها.
وربما كان القادم أشد قسوة من كل ما مضى، فقد انكسرت حتى قناعتها الأخيرة بأنه سيعود يومًا مبتسمًا ليضمّها بين ذراعيه.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات