شعر ريتون وكأنه قد تملكه شبح.
ولم يتبدد هذا الإحساس حتى بينما كان إيريك يجرح جسده ويُكدّسه بالكدمات، ويمزّق ذئاب النصل تمزيقًا، ويحطّم الأشجار المقطوعة بعناية من حوله.
حتى بعد ذلك، لم يتغير الأمر.
قال إيريك وهو يعرج مبتعدًا عائدًا من حيث جاء:
“إذن سنفترق هنا. أنا سأنتظر في الكوخ.”
ظلّ ريتون مذهولًا حتى بعد اختفائه.
الإحساس بالوجع كان يدق كامل جسده، والدروع الملتوية جعلت الحركة شديدة الصعوبة.
لكنه تحمل كل ذلك حتى وصل إلى القرية، وهناك…
“يا… يا فارس!!!”
على صرخات الصيادين استعاد ريتون شيئًا من وعيه.
“آه…”
“لقد نجوتُ! لكن… مظهرك…”
عندما رأى قائد الصيادين ملامح ريتون، كاد يبكي، بينما اكتفى الأخير بابتسامة محرجة.
لم يكن بحاجة لمرآة ليدرك حالته، فقد كان جسده، الذي رآه عندما طأطأ رأسه، يشبه جسد رجل عاد تواً من معركة حامية.
فكّر كيف يمكنه أن يبرر ذلك، لكنه في النهاية أجاب:
“ليس أمرًا ذا بال.”
“كيف تقول ليس أمرًا ذا بال! جراحك بليغة للغاية! ثم… ماذا عن الوحوش؟ لقد أرسلنا طلب دعم لكن…”
“انتهى الأمر. كانت ذئاب النصل.”
تجمّدت أجساد الصيادين عند سماع ذلك.
ثم ما لبثت الدهشة أن تحولت إلى نظرات إعجاب مرسومة على وجوههم.
“ذ… ذئاب النصل؟”
“إنها من الوحوش العُليا! ثم قلت إن عددها كان أكثر من واحد…”
“كما هو متوقع من الفارس…”
والهمسات لم تقتصر على الصيادين فقط، بل امتدت إلى أهل القرية أنفسهم، الذين بدؤوا ينظرون إلى ريتون كما لو كان وحشًا يفوقهم قوة.
لم يجد سبيلًا لشرح ما حدث، فاكتفى بحك رأسه بتوتر.
ما خطر بباله لم يكن سوى سيف إيريك، ذلك الأسلوب الغامض الذي لم يستطع لا إدراكه ولا حتى مجرّد التفاعل معه.
‘الآن وأنا أفكر… لم يكن يحمل سيفًا أصلًا.’
فهل كان باستخدام عصًا؟ لكن هل يمكن لعصا أن تُحدث قطعًا بتلك النظافة؟
بل قبل ذلك كله… كيف أصبح إيريك بهذه القوة؟
نعم، لقد كان استثنائيًا بين أطفال القرية قبل عشرة أعوام.
لكن لم يكن بذلك المستوى الذي يوحي بأنه قادر على استخدام تقنيات كهذه.
تاه ريتون في حيرته، ثم استسلم وأوقف تفكيره.
رفع رأسه إلى السماء وابتسم.
‘كما توقعت… إنه القائد حقًا.’
بمجرد أن كفّ عن التفكير، شعر بالارتياح يغمره.
نعم، ما دامت الأمور قد انتهت بخير، فكل شيء على ما يرام.
وبينما كان يُلقي عن كاهله كل ما حمله في داخله، بدأت الهمسات تتصاعد بين الناس:
“ذئاب النصل… أليست الوحوش التي تحمل مخالب أشبه بالسيوف؟”
“أتُرى بشرًا يستطيع هزمها؟ بل عدة منها؟”
“إنه… إنه كاسر السيوف! كاسر السيوف ريتون!”
كاسر السيوف ريتون.
هذا اللقب الممزوج بالرهبة بدأ يتردّد خافتًا في أرجاء القرية الصغيرة الواقعة في ركنٍ من أركان ويبين.
—
أما إيريك وتيريا فلم يُنقذا إلا بعد ذلك بعدة ساعات.
قاد أهل القرية عربة تجرّها الثيران نحو الجبل، وجلبوا زوجي فورتمان اللذين كانا مختبئين في الكوخ إلى القرية.
ولم يَسلم الأمر من الأنظار، فقد كان مشهد ألديو وهو يحتضن إيريك بوجهٍ مبلل بالدموع سرًا شائعًا بين الناس.
وهكذا عادوا إلى قصر آل فورتمان.
“إن حرارة السيدة عالية جدًا. لا بد أنها ستحتاج إلى الراحة فترة من الزمن.”
“فهمت. سأبقى قليلًا بعد، أما أنت فاذهب وتولَّ عملك.”
“نعم، سيدي.”
انحنى ألديو برأسه وغادر غرفة تيريا.
ظلّ إيريك يحدّق صامتًا في تيريا الممددة على السرير.
كانت ملامحه متشابكة؛ نصفها قلقٌ على حالها، والنصف الآخر غاضب من تهوّرها.
‘حالما تستيقظ… لا بد أن أُحاسبها على ما فعلته.’
أطلق تنهيدة عميقة، ثم أخذت عيناه تتجولان في أرجاء الغرفة.
‘بسيطة للغاية.’
لقد كانت الغرفة متواضعة إلى حدٍّ يكشف بوضوح أن تيريا لم تُدخل أي شيء جديد إليها طوال عشر سنوات.
سرير، رفّ، خزانة كتب، وباب صغير يقود على الأرجح إلى غرفة الملابس.
أدرك إيريك فجأة أنها المرة الأولى التي يدخل فيها غرفة تيريا، فغمره إحساس غريب ومزيج من الحرج.
التفت إليها مجددًا. كان وجهها، الذي اعتاد أن يراه شاحبًا حد البياض، محمرًا كالجمرة.
أخذ إيريك يمسح جبينها بمنديله، وكلما فعل ذلك تراجع عبوس وجهها قليلًا، حتى بدت تعابيرها أكثر راحة.
ضحك بخفوت، إذ بدا له رد فعلها مضحكًا على الرغم من الموقف.
“لقد عانيتِ كثيرًا، أليس كذلك؟”
تذكّر كيف اندفعوا وسط الجبال يطاردون خمسة من ذئاب النصل، دون أن يفكر مطلقًا في ركبته المصابة.
وقد أدى ذلك إلى إعادة فتح إصابته التي بالكاد شُفيت، حتى غدا الألم يشتد عليه لمجرد الجلوس ساكنًا.
‘أمر مزعج حقًا…’
لكنه اكتشف نفسه مطمئنًا لكون إصابته ستُبقيه هنا فترة أطول، وذلك ما أزعجه أكثر.
“أشعر أنني صرت رجلًا بلا حياء…”
توقف يده فجأة عن المسح.
“لقد بدأت أعتاد على حياتي هنا. والأسوأ أنني أجدها غير سيئة… أستيقظ كل صباح وكأنني أكثر نشاطًا من أي وقت مضى.”
في تلك اللحظة ارتجف جسد تيريا قليلًا، ثم فتحت عينيها ببطء.
اتسعت عينا إيريك دهشة.
“سيّدتي… أووه!”
هبّ واقفًا ناسيًا إصابة ركبته، فما لبث أن انحنى متألمًا وهو يتماسك.
ثم نظر إليها.
عينها شاردة، تحدّقان في الفراغ وهي تطرف ببطء، حتى التقت عيناهما.
مدّت يدها المرتعشة وأمسكت بإصبعه السبّابة.
“سيّدتي…؟”
لم تكن قبضتها تحمل أي قوة.
حدّقت في إصبعه لحظة، ثم جذبت يده نحو صدرها، واحتضنته بقوة طفولية.
تجمّد إيريك في حيرة، يراقبها عاجزًا عن الفهم. لكن سرعان ما أغمضت عينيها مجددًا، وعادت إلى النوم العميق.
ابتسم بارتباك.
“إذن، كنتِ بحاجة لشيء تعانقينه أثناء النوم.”
بدا وجهها أكثر هدوءًا، وكأن ثِقلًا قد انزاح عنها.
—
بعد أن تأكّد إيريك من أنها غارقة تمامًا في النوم، غادر متوجهًا إلى المكتب.
فبما أنها تحتاج إلى الراحة، وجب عليه أن يتولى شؤون القصر مؤقتًا.
وبما أنه تعلّم شيئًا من إدارة الأعمال مؤخرًا، فقد كان قادرًا على معالجة المعاملات البسيطة.
لكن ما إن أمسك بالقلم، حتى داهمته أفكار أخرى.
‘هل خفّ إحساسي بعض الشيء؟’
عاد بذاكرته إلى معركة ذئاب النصل في الجبال الثلجية.
‘كان يمكنني أن أقطعها بدقة أكبر…’
في ذلك الوقت كان الموقف عاجلًا فلم يلتفت كثيرًا، لكن حين أعاد التفكير وجد أن تحكمه بالمانا صار أضعف مما كان عليه في ساحات الحرب.
ألم يكن هدفه الأساسي أن يتجنب الأشجار المحيطة ويقطع ذئاب النصل وحدها بمهارة ونظافة؟
صحيح أنه لم يكن يرى بوضوح، وصحيح أنه لم يكن يمسك بسيف، لكن ذلك لم يكن عائقًا قط؛ فالأسلوب أساسًا يقوم على صقل المانا كحدّ السيف ونفثها حول الجسد، فلا حاجة لسلاح مادّي.
قطّب إيريك حاجبيه. السبب كان واضحًا.
‘لقد خفّت حدّة نية القتال.’
في فنون السيف، يُستخدم حدّ “نية القتل” لضبط المانا والتحكم فيها.
وعلى خلاف أساليب استخدام المانا التقليدية، كلما ابتعد المرء عن تلك النية، ازداد صعوبة التحكم.
الأمر لم يكن يعني أن كمية المانا أو القوة نفسها قد تراجعت، بل إن الدقة وحدها التي تتلاشى، لأن الانفجار يصبح أوسع وأشد بلا تحكّم.
وبهذا، لو دخل المعركة على حاله الآن، قد يجرف بضربة واحدة العدو والحليف على السواء.
لقد وقع ذلك غير مرة في الماضي، حين كان التحكم ضعيفًا، وكان يطيح بالحلفاء وسط قلب المعركة. وقد خلّف ذلك أحقادًا لا تُمحى.
ولهذا أدرك أنه يحتاج إلى الحذر. فالاستمرار على هذا الحال قد يعيده إلى نفس الكارثة.
‘هل أبدأ تدريبات إعادة التأهيل؟’
لكن ما إن يفكر في الأمر حتى يتردّد بلا وعي.
فأجواء ويبين الهادئة الوادعة قد جعلت حسّه القتالي يبلد تدريجيًا.
‘العودة إلى ساحات القتال…’
كلما استحضر هذه الفكرة، كلما ثقلت في قلبه غمامة من التردّد تزداد قتامة يومًا بعد يوم.
“هُووو…”
زفر إيريك تنهيدة طويلة.
في تلك اللحظة سُمع صوت طرق على الباب.
“سيّدي.”
“همم؟ ما الأمر؟”
“اللورد ريتون يود أن يودّعك قبل أن يغادر.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات