بينما كان إيريك يحمل تيريا فاقدة الوعي بين ذراعيه، شعر بألم حاد في ركبته تحت ثقل وزنها.
“آه…!”
تجعدت ملامحه من الألم لا إرادياً. مد ليوتين يده للمساعدة لكن إيريك هز رأسه رافضاً:
“سأحملها بنفسي. تقدم وارشدنا الطريق.”
“لكن ركبتك يا قائد!”
“لا بأس. بسرعة الآن.”
جزّ ليوتين بأسنانه قبل أن ينطلق بخطوات متسارعة. حمل إيريك تيريا على كتفه، متكئاً على عصاه للحفاظ على توازنه بينما تساقط الثلج بكثافة محدقاً الرؤية.
وبينما كان يركز بقوة على استشعار المحيط بطاقة “المانا”، صرخ ليوتين من الأمام:
“القائد! وجدت الكوخ!”
التقط إيريك أنفاسه عندما رأى الكوخ القديم الذي علّمه فيه سيده الفنون القتالية ذات يوم. كان المكان مهجوراً منذ رحيل المعلم.
بصوت صرير مزعج، فتح الباب المتآكل ليجد داخلاً مغبراً.
“سعال! سعال!” – بدأ ليوتين يلوح بيديه في الهواء لابعاد الغبار.
أمر إيريك الصيادين بإشعال النار في الموقد بينما وضع تيريا على سرير خشبي. كانت ترتجف رغم الملابس الثقيلة.
“سأنزل إلى القرية لأطلب المساعدة. لا نعرف متى سيتوقف الثلج.”
“أوكلك الأمر.”
بعد إشعال النار ودفء المكان، بدأت تيريا تستعيد بعض الاستقرار. غادر ليوتين مع الصيادين تاركاً إيريك يتنفس الصعداء أخيراً.
“يا له من يوم…” – ضحك ضحكة مريرة.
جسده المجروح، العاصفة الثلجية المفاجئة، وحالة تيريا… كلها حوادث غير متوقعة. اقترب من النار لتدفئة نفسه، مفكراً في كيفية إطالة فترة تعافيه بسبب هذا الإجهاد الزائد.
وبينما كان يدلك رقبته المتعبة، خطرت له فجأة:
“لو سمع سيدي بهذا لقام قيامته…”
كانت ابتسامة صغيرة تعلو وجهه رغم التعب. الكوخ القديم الذي شهد تدريباته القاسية أيام الصبا، ها هو يعود إليه في ظروف لا تقل صعوبة.
النار تشتعل، والثلج يهطل خارجاً، وتيريا تتنفس بهدوء… مشهد يحمل في طياته ذكريات الماضي وتحديات الحاضر.
“العناية بالجسد هي الفضيلة الأولى التي يجب على الفارس أن يُوليها اهتماماً فوق كل شيء” – تلك كانت تعاليم معلمه.
وها هو الآن يجلس في الكوخ نفسه الذي عاش فيه المعلم ذات يوم، فتزداد ذكرياته وضوحاً.
نظر إيريك حوله داخل الكوخ.
كل شيء كان كما هو:
السيف الخشبي المعلق على الحائط، ريشة الكتابة والأوراق الصفراء على الطاولة، الموقد القديم، وحتى ذلك السرير الخشبي البسيط.
لم يكن معلمه يحمل سوى سيفه عندما غادر، فمن الطبيعي أن يترك كل شيء كما هو.
‘أين أنت الآن، وماذا تفعل؟’
بعد أن هدأت نفسه، بدأ عقله يتجول في الذكريات.
أمام كل هذه الآثار التي تذكره به، استعاد إيريك فجأة ذكرى أول لقاء جمع به معلمه.
* * *
قبل 18 عاماً…
كان إيريك في السادسة من عمره، مشاغباً معروفاً في القرية.
في ذلك اليوم، كان الشتاء قارساً مثل اليوم، تتساقط فيه الثلوج.
مفتوناً بألعاب الفرسان، قاد إيريك أطفال القرية إلى الجبل خلف القرية.
“مطاردة وحش!” – رحلة غير مدركين للمخاطر التي تنتظرهم.
لم يكن الأطفال يدركون الخطر، فكثيراً ما لعبوا في الجبل تحت نفس الذريعة.
في ذلك العمر، كانت تحذيرات الكبار مجرد إزعاج لا أكثر.
مع أصدقاءٍ لم يعد يتذكر وجوههم بوضوح، بما فيهم ليوتين وبارت، تسلق إيريك وأصدقاؤه الجبل في صفٍ متعرج…
“غرررر—”
وفي ذلك اليوم بالذات، واجهوا وحشاً.
جسد أسود قاتم، وعيون صفراء متوهجة.
هذا آخر ما يتذكره إيريك بوضوح.
ما حدث بعد ذلك ظل غامضاً في ذاكرته كضباب كثيف.
كل ما يعرفه أنه أصيب بجرح عميق في رقبته، ولا يزال أثر الندبة واضحاً تحت أذنه حتى اليوم.
وكان المعلم هو الشخص الذي التقى به في ذلك اليوم.
“أفاق أخيراً.”
استيقظ إيريك على سرير في الكوخ.
أمامه رجل أشعث الشعر، بلحية غير مهذبة وملابس غريبة مصنوعة من جلود الحيوانات، أشبه بلص جبلي.
لكن وراء ذلك الصوت الخشن، كان هناك قوة غامضة تشع من الرجل العجيب.
“لكن لديك جرأة لمواجهة وحش بهذا العمر الصغير!”
كان المعلم هو من أنقذ إيريك من مخالب الوحش.
حسبما أخبره لاحقاً، كان إيريك يقف أمام الوحش وهو يمسك بغصن شجرة!
لو لم يكن الوحش يلعب معه، ولو لم يكتشف المعلم الموقف، لكان الصبي قد لقي حتفه خلال لحظات.
ما حدث بعد ذلك لا يزال واضحاً في ذاكرته حتى الآن:
مع ضمادات ملفوفة حول رقبته وذقنه، قدم إيريك شكره:
“ش-شكراً لك…”
“لا داعي للشكر. لم أنقذك مجاناً.”
“ماذا؟”
“يا صغير، ستتعلم السيف مني.”
بالنظر إلى الوراء، كان الأمر مضحكاً حقاً.
“ومن أنت يا عم؟”
كم كان وقحاً! شعر إيريك الآن بالانزعاج من طفولته الغبية.
وأصبح يقدر صبر معلمه عليه أكثر فأكثر.
لكن المعلم قال جملة واحدة فقط…
جملة سحرت إيريك إلى الأبد:
“فارس.”
تلك العيون الذهبية المتوهجة لا تزال واضحة في ذاكرته.
“أنا فارس.”
وذلك كان أول لقاء جمعه بمعلمه.
* * *
*طَقْ.. طَقْ..*
(صوت احتراق الخشب في الموقد)
خشب الموقد يصدر صوت تشققه كأنه يصرخ.
أدار إيريك الجذوع بعصا بينما ترتسم على شفتيه ابتسامة حنين.
‘كان شخصاً غريباً حقاً.’
كلما تذكر معلمه، اكتشف المزيد من الغرابة في تصرفاته.
أولاً: هويته – حتى الآن لا يعرف إيريك من كان ذلك الرجل حقاً.
كان يعيش منعزلاً على سفوح الجبال الخطرة، يعتمد على الصيد، دون أي صلة بأهل القرية.
عندما سأله إيريك مرة: “لماذا لا تنزل إلى القرية؟” أجاب: “أنا لاأتعامل مع البشر فقط.”
ولكن الغرابة لم تتوقف عند هذا الحد.
‘إذا فكرت في الأمر، حتى أسلوب تدريبه كان غريباً.’
كان يدعي أنه فارس، وكان خبيراً حقيقياً في فنون السيف، لكن أساليب تدريبه – بالنظر إليها الآن – كانت غريبة للغاية.
بعد سنوات من التجربة في ساحات القتال، أدرك إيريك أن الجسد القوي والـ”مانا” المنضبط هما أساسيات الفارس الحقيقي.
لكن تدريب معلمه كان مختلفاً:
“افتح عالم السيف.”
كان يكرر هذه الجملة فقط، ويقتصر التدريب على المبارزة المستمرة.
لا، حتى كلمة “مبارزة” غير مناسبة.
ما كان يفعله هو تعريض إيريك باستمرار لخطر الموت.
“انهض! البشر لا يموتون بهذه السهولة.”
كان يردد هذه الكلمات بينما يلوح بسيف حاد كالموس.
صحيح أنه علمه طريقة لتحريك الـ”مانا”، لكنها كانت بعيدة كل البعد عن الطرق التقليدية للتأمل الروحي.
حتى الآن، لا يعرف إيريك اسم تقنية الـ”مانا” تلك.
يسميها فقط “عالم السيف” تيمناً بكلمات معلمه.
والغريب أن هذه الطريقة الغريبة نجحت فعلاً!
أسلوب سيف يعتمد على الهجوم فقط دون أي اعتبار للدفاع، وتقنية “مانا” غريبة تصبح أقوى كلما زادت رغبة القتال.
لا يمكن لإيريك أن ينكر الدور الكبير الذي لعبته هذه الأساليب في وصوله إلى قائمة أقوى 7 مقاتلين في القارة وهو في الـ19 من عمره.
ثم خطر له سؤال:
‘هل ما زال على قيد الحياة؟’
غادر المعلم هذا الكوخ عندما كان إيريك في الـ12 من عمره.
لم يترك سوى كلمة: “حان وقت الرحيل”، دون أن يعرف إيريك وجهته.
بما أنه كان قوياً جداً، من المستبعد أن يكون مات في معركة، لكنه كان رجلاً مسناً حينها.
ربما وافته المنية بسبب الشيخوخة؟
‘همم… لا أظن ذلك.’
لا يمكن لإيريك أن يتخيل ذلك الرجل العجوز يموت في فراشه.
بينما كان يبتسم ساخراً من هذه الفكرة—
*ارتعاش*
اقشعر جسم إيريك فجأة.
رفع رأسه بسرعة، واتجهت عيناه نحو اتجاه القرية.
شبكة الـ”مانا” التي نشرها رصدت وجوداً ما.
“تباً…!”
قفز إيريك واقفاً.
ما رصده كان كائناً قوياً محاطاً بكمية هائلة من الـ”مانا” تعادل ذئب النصل.
‘ليس واحداً فقط!’
كانوا مجموعة.
خمسة ذئاب.
يتوزعون في تشكيل محكم، وفي المنتصف—
“ليوتين!”
كان ليوتين محاصراً!
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 27"