ضحك إيريك ضحكةً متحرّجة على كلمات التاجر. غمره شعور عميق بالسرور.
“ما زلتم تذكرونني إذن.”
“كيف لي أن أنساك؟ ما زالت ذاكرتي تؤلمني حين أستعيد كم أفسدت من أقمشة متجري!”
ضحك صاحب محل الملابس بصوتٍ عالٍ، فيما ارتعش إيريك قليلاً.
“هـ، هل فعلت ذلك…؟”
“بل وفعلت وأكثر! ما زلت أذكر كيف كنتَ تقود أطفال الحي وتصيح بأنكم تخوضون حرب حصار وما شابه. يا للعجب… وذلك المشاغب صار هكذا الآن…!”
غرق التاجر في ذكرياته بابتسامة راضية، لكن إيريك لم يستطع أن يبتسم.
‘الآن وقد تذكرت… أجل، لقد فعلت ذلك حقًّا.’
بل لم يكن الأمر مقصورًا على هذا المحل وحده، بل تسبب في حوادث مشابهة في كل متجر تقريبًا بالجوار.
انجذب نظره إلى تيريا دون وعي.
دار بعينيه يمينًا ويسارًا، غير أنّها بدت بوجهٍ هادئ لا ينم عن شيء.
“ما الأمر، سيّدي؟”
“…إنه لأمر مخجل. لقد كنتُ طفلًا غريب الأطوار بعض الشيء.”
“كنت أعلم ذلك.”
“هـ… هكذا إذن؟”
أن تصل سمعته السيئة حتى إلى قصر ويبين… لقد شعر إيريك بالرهبة من ماضيه.
وبينما هو في أفكاره، قال التاجر:
“على أيّ حال، سعيد برؤيتك. لم نسمع إلا أنّك غادرت ويبين، وها أنت تعود بيننا، وهذا حقًّا يبهجنا!”
“…الأقمشة التي أفسدتها في ذلك الحين، سأعوّضك عنها.”
“لا حاجة لذلك. لم أعد أذكر كم كانت، وعلى كل حال فإنك كنت السبب في أن السوق صار عامرًا بالحركة يومها.”
لكن سرعان ما ارتسمت على وجه التاجر لمحة أسى.
“أما اليوم، فالأجواء هادئة للغاية حتى أنّني أحيانًا أحنّ لتلك الأيام. أتدري؟ معظم من كانوا يشاركونك المشاغبات قد رحلوا إلى المدن الكبيرة. مرّ خمس سنوات منذ غادروا طامحين بصفقة كبرى، ولا يظهر أنهم ينوون العودة…”
لم يكن ذلك أمرًا غريبًا.
فاختراع المحركات البخارية وتطورها قد قلّص المسافات بين المدن.
ومع حرية التنقّل، صار من الطبيعي أن يتجه الشباب الطموح إلى المدن الكبرى.
أمّا وراثة الزراعة كما كان من قبل، فقد غدت أمرًا نادرًا.
“…لكنهم على الأقل يرسلون رسائل بين حين وآخر. آه، أتذكر لويتن؟ ذاك الذي كان بمثابة يمينك.”
“كيف لي أن أنسى ذلك الصديق؟”
“لقد أصبح فارسًا.”
“أوه، حقًّا؟”
“نعم، صار فخر ويبين. ما زال أبوه يتفاخر به كل حين، حتى يُتعب آذان الناس…”
على كلمات التاجر شعر إيريك بفرحٍ صادق.
‘سنصبح فرسانًا! أفضل فرسان المملكة الملكيين!’
‘نعم! سأتبعك ما دمتَ قائدنا!’
‘آه، أجل… هكذا كنا.’
لقد كان صديقًا يحلم معه أن يصيرا معًا فارسَين.
وبإعادة التفكير، فقد كان لويتن قوي البنية شديد العزم، يملك كل المقومات ليبلغ غايته.
‘لقد حققتَ حلمك إذن.’
وكان ذلك أمرًا يدعو للارتياح.
فبينما انحدر هو إلى مرتبة مرتزق حرب، بلغ صديقه ما تمنى.
“سيّدي.” نادت تيريا.
“لقد أنهينا الفحص الأمني. لنتوجّه إلى المتجر التالي.”
“آه، أجل.”
لقد أنجزوا العمل فيما كانوا يتجاذبون أطراف الحديث.
فأحس إيريك بالحرج وقال للتاجر:
“إذن سأعود لزيارتك مرّة أخرى.”
“ستجدنا بانتظارك متى احتجت إلى ثوب جديد.”
“نعم، سأفعل ذلك.”
ثم ودّعه وغادر المحل، متنقّلًا بعدها بين متاجر عدّة.
وكانت آخر محطة له هي المطعم الذي اعتاد أن ينال منه طعامًا بالمجان.
ورغم أنّ المالك قد تغيّر، فإنّه كان ما يزال شخصًا يعرفه.
“إيريك؟ أأنت إيريك حقًّا؟!”
كان لا بدّ أن يعرفه، فابن صاحب المطعم الذي ورث المتجر كان صديقًا لإيريك.
“يا لهذا الجنون! لقد عدتَ حقًّا!”
كان اسمه بات.
في ألعاب الحرب كان دومًا يتقمّص دور الممّون، وكان أوّل من يفرّ هاربًا عند وقوع أي ورطة، سريع البديهة في النجاة.
إيريك عانقه بحرارة، فقد كان اللقاء بعد زمن طويل.
ثم تلا العناق حديث طويل لا ينتهي.
فمهما أفرغوا من ذكريات، ظلّ الحنين متدفّقًا لا ينضب.
الفرحة باللقاء لم تخفت قط.
“أتذكر ذلك اليوم؟ ها؟ يوم تسلّلنا إلى الجبل الخلفي!”
“رأينا من بعيد وحشًا ذئبيّ الشكل، ففرّ الجميع هاربين. كان معجزة أن لم يمت أحدنا في ذلك اليوم.”
“بالضبط! تتذكّره إذن!”
غرقا في الضحك العالي، وإذ تماهى الماضي بالحاضر وبهتت صورة المرتزق الذي خاض غمار الحرب، ارتسمت ابتسامة أعمق على وجه إيريك.
لعلّ هذا ما أوقعه في غفلته؛ إذ إنّ إيريك في هذا المتجر تحديدًا لم يجرِ الفحص الأمني.
تولّت تيريا تلك المهمّة بدلاً عنه.
“سيّدي، انتهينا من العمل. فلنعد الآن.”
“آه…”
تسرّب صوته بحرج واضح، فقالت تيريا:
“لا بأس. أفهم تمامًا فرحتك بلقاء صديق قديم.”
“آسف.”
“إيريك، أنت زوج سيّئ.”
قهقه بات ساخرًا، فرمقه إيريك بنظرة حادّة.
فاكتفى بات بهزّ كتفيه وقال:
“اذهب بخير. لكن لا تنسَ أن تأتي لتأكل عندي وقت المهرجان.”
‘ما أزال ماكرًا كما عهدتك.’
ابتسم إيريك ابتسامة خفيفة وودّعه:
“نعم، نلتقي يومها.”
وغادر المطعم، فيما ظلّ بات يلوّح له بيده حتى غاب عن ناظريه.
“يا رجل.”
“آه، آسف. سآتي حالًا.”
“إلى ماذا تنظر هكذا؟ أعلم أنّ لقاء صديق قديم يفرحك، لكن أمامنا تحضيرات كثيرة.”
“فقط… الأمر يثير دهشتي لا أكثر.”
كان بصر بات ما يزال معلّقًا على المكان الذي مضى منه إيريك.
“لم أتخيّل قط أن يتزوّجا.”
“ماذا؟”
“لا شيء، مجرّد خاطر.”
حكّ بات خدّه وأدار رأسه جانبًا.
لقد عاد إلى ذاكرته مشهد قديم:
“هيه! أيتها القبيحة!”
“…لستُ قبيحًة.”
“بل قبيحة! وجهك منتفخ وبشع! آلديو قال إنّ الجميلات لهم وجه نحيف جدًّا!”
ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي بات.
‘أم أنّه لم يكن غريبًا أن يتزوّجا؟’
فذلك الفتى كان جريئًا في الاقتراب من تلك الصبية دون تردّد.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات