“لقد شيّدتَ عرشك من الأحقاد. لكن ذلك ما حجَب بصرك.
لو نظرتَ إلى البشر لا بوصفهم كراهية وقتلاً، بل كعالمٍ قائمٍ بذاته… لكان مصيرك غير هذا.”
‘لكن، ما جدوى القول الآن؟’
لقد مرّت سنونٌ طويلة، وغشاوة العناد التصقت بأجفانه حتى صارت لا تُنتزع.
لم يعد هناك ما يُفعل سوى أن يدفع ثمن حياته الشريرة.
وبهذا العزم، رفع إيريك سيفه إلى عنق ألهاداك.
“ألديك وصيّة؟”
الخيوط التي تكبّله راحت ترتجف، وقد تلاطمت مشاعره وحاول مرة أخرى أن ينهض بالقوة.
لكنه لم يُدرك أن الإصرار لا يعني تحقق النتيجة.
شخخخخـ!
إيريك قطع المانا نفسها التي تشكّل كيانه.
ارتدّت محاولته البائسة إلى العدم.
“ككك…!”
تدفقت الدماء من فمه ممزوجة بأنينه الأخير.
وارتسم في خاطر إيريك إدراكٌ حاسم:
“إلى هذا الحد فقط إذن. هذه هي كل قوة من أودى بعشرات الآلاف في حربٍ دامت عشرين عاماً.”
نهاية حياةٍ قضت على الكثيرين بالأسى والدوس، لم يكن على طرفها سوى تفاهة إنسانٍ يتخبط في يأسه.
“فلننهي الأمر قبل أن تزداد قبحاً.”
لمسة نصل إيريك بلغت ما بين حاجبيه.
تقلصت حدقتا ألهاداك، وفغرت شفتاه، وتوقف ارتعاش كل الخيوط في لحظة.
وفي إحساسه بدنوّ الموت، بدا كأنه يلامس شيئاً من البصيرة… شيئاً من التطور.
لكن لم يكن هناك أي سبب يجعله يُمهله.
بوغ!
سيف إيريك اخترق جبهته وخرج من قفاه.
ببطءٍ تلاشى نَفَسه، وخبت عيناه، وتراخت جثته.
موت يمكن أن يُسمى هباءً.
وإن شئنا القول: كذلك هي الحرب.
من سنين طويلة كمرتزق، كان إيريك قد أدرك أن حياة الإنسان واحدة، وأن الموت يأتي بغتةً ويعبر كلمح البصر.
فالفراغ واللاجدوى هما جوهر الحرب.
سحب سيفه واستدار.
كانت خطواته إعلان نهاية الحرب الغربية.
—
لم يطل الوقت حتى علا خبر النصر في كل مكان.
حين ارتفعت راية التحالف فوق قمة البرج في العاصمة الإمبراطورية، عرف العالم كله بانتصارهم، وتبع ذلك بداية مفاوضاتٍ طويلة.
جلس الأمير الثالث، كريدون ماهير، على العرش ممثلاً عن الإمبراطورية في تلك المفاوضات.
لكن التحالف تمزق إلى دولٍ متنازعة، تتشاجر كل يوم حول كيفية تقسيم غنائم الحرب من أراضٍ وثروات.
ومن الطريف أن القوى العظمى السبع ضاقت ذرعاً بهذه المهاترات وفرّت بعيداً.
فهي في النهاية كيانات فردية، لا يعنيها صراع الدول.
الاستثناء الوحيد كان “تشونيك لينداروس”، الذي ظل يجوب الساحات محاولاً استعادة ما يمكن من وطن ري.
لقد كان غارقاً حتى أذنيه؛ إذ اخترع في هذه الحرب سلاح “المدرعة السحرية المدفعية”، وكان انشغاله بترويج هذه التقنية الطاغية يستهلكه بالكامل.
وعليه أيضاً أن يراعي مملكة بلاده، ويتحمل تذمّر الشركاء، حتى كاد جسده يطلب عشرة أنفس إضافية.
لقد غبط جيرديا وهايمبرك.
الأول اكتفى بالحفاظ على أراضي نازاك ورحل، والثاني، دولة الكنيسة المقدسة، لم تهتم بشيء سوى “الأرض المقدسة”.
عضّت إيغريت أظافرها غيظاً وهي تتمتم:
“لا بد أن أذهب إلى ويبين! أريد… أريد أن أذهب أيضاً…!”
‘طبعاً…’
فجأة، خطرت لإدوارد صورة رجلٍ ما.
ذاك الذي ساعد الإمبراطورية في المفاوضات وفاءً بعهده مع إلبيرت، ثم أنهى الحرب بضربة واحدة وقال بعدها: “لا تبحثوا عني مجدداً بسبب هذا.”
ذلك الرجل… إيريك.
مضى على رحيله أسبوع واحد فقط.
اغرورقت عينا إدوارد وهو يتمتم في قلبه:
‘يا سيدي…’
هل أنت سعيد هناك الآن؟
—
بوووووـ!
توقف القطار بصوت بوقٍ مدوٍّ.
لقد وصل إلى ويبين.
نزل إيريك من القطار بخطوات متأنية.
هواء الخريف كان بارداً.
“إلى اللقاء!”
قالها المدير التنفيذي لشركة EW وهو ينحني تسعين درجة.
لوّح إيريك بيده ردّاً، وغادر المحطة.
وفي تلك اللحظة—
إحساس غامض اجتاح صدره، ففتح إيريك شفتيه هامساً في داخله:
‘إنه موسم الحصاد.’
حتى عند مدخل محطة ويبين كان عبير الأعشاب يملأ الأجواء.
غروب الشمس صبغ الأرض بلونٍ ذهبي شفيف، ومناظر الألفة والغرابة معاً كانت تهمس له بهدوء:
‘—هيا، عد إلى الديار.’
ابتسم إيريك بخفة وسار بخطواتٍ تحمل وخز الشوق.
كان بوسعه أن يستقل عربة، لكنه أراد أن يطيل متعة هذه اللحظات، فسار على قدميه.
وحين تعرّف عليه الناس من القرية، اتسعت عيونهم وارتسمت على وجوههم ابتسامة مشرقة.
بادلهم إيريك بابتسامةٍ مماثلة، ولم يحاول أحد أن يوقفه أو يعيق خطواته.
من المحطة إلى الساحة، ومن الساحة إلى الطريق الكبير، حتى بلغ الحقول الواسعة من القمح.
لقد استقبله وطنه.
السنابل التي ابتلعها وهج الغروب مالت كأنها ترقص،
أصوات الأعشاب المتمايلة، حفيف الحشرات، وصوت بعيد لبقرةٍ تنادي—كله كان يعزف في أذنه.
قلبه بدأ يخفق أسرع.
تسارعت خطواته شيئاً فشيئاً، وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة.
وحين بلغ مسافة يمكن منها أن يرى القصر من بعيد—
برررق!
اهتزت السنابل، والتفت إيريك.
في تلك اللحظة شعر كأن أنفاسه انقطعت.
من بين القمح خرجت امرأة.
“آه…”
كانت ترتدي ثوباً بسيطاً فضفاضاً يسهل الحركة،
وتحت قبعةٍ من القش انسدل شعرها الذهبي، كأنه امتداد لحقول ويبين.
وفي عينيها، التي مالت بنعومة واتشحت بخضرة نضرة، تلألأ بريق عشبٍ طريّ.
جمالها البديع شدّ قلبه حتى كاد يختنق.
‘لقد كانت تنظر إلى القمح…’
فكّر، لكنه لم يجرؤ أن يتكلم سريعاً.
وكذلك هي، لم تنبس بحرف.
وقفتا العينان متشابكتين، يملؤهما صمت الاعتراف.
شعور غريب بالديجا فو اجتاحه.
كأنه رأى هذا المشهد قبل عامٍ بالضبط.
‘لماذا….’
طفا على صدره حس الدعابة، فكتم ضحكة تكاد تنفلت وسألها مازحاً:
“وما الذي جاء بك إلى هنا؟”
صمتت المرأة—تيريا—برهةً، ثم أطلقت زفرة طويلة.
رفعَت بصرها نحوه مباشرة، وارتسمت على محياها ابتسامة ساطعة.
“لأني زوجتك… فمن الطبيعي أن أكون هنا.”
اقترب إليها.
وهي بدورها خطت نحوه.
ثم التقى جسدان بعناق، تبادل فيه الدفء والأنفاس،
وغمرتهما حرارة الغروب فوق حقل القمح.
وهكذا انتهى الأمر.
“لقد عدت.”
كانت زوجته بانتظاره بين السنابل.
كما هي، جميلةً كما كانت دائماً.
_النهاية_
100تعليق = الفصول الجانبية
لها 11 فصل جانبي
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل "104"