كان صوتها خافتًا متزنًا، لكن نطقها واضح متماسك، فيه قوة تجعل الإصغاء إليها أمرًا يسيرًا.
قوامها المستقيم ويديها المتشابكتين برقةٍ أعطيا انطباعًا بالضعف وكأنها قد تنكسر من قبضة، لكن خلف ذلك كان يكمن إصرار وهيبة.
بكلمة واحدة، كانت غامضة وأنيقة.
إنها فتاة تذكّر المرء بجنيّة تغفو بسلام في برعم زهرة.
‘كان لا بد أن أجد وصفًا أرقى.’
هنالك فقط، لام إيريك نفسه على ماضيه الذي كان ينأى فيه عن الكتب ويقضي وقته في المشاجرات.
“إيريك، قُم بالتحية.”
“أ… مرحبًا.”
لم يخرج من فمه سوى صوتٍ واهن بالكاد يُسمع.
رغم أن الفارق بينهما لم يتجاوز العامين، إلا أن صورته المبعثرة بجانبها بدت بائسة للغاية، فاجتاحه الخجل دفعةً واحدة.
شعر وكأن جمرةً قد دُسّت في صدره، أو أن أحدهم انتزع شعره وهزّ رأسه بعنف.
كل شيءٍ كان مربكًا حدّ الفوضى، وفي خضم ذلك خطر بباله خاطرٌ واحد:
لقد تزوّجا، وهذا يعني أنه سيعيش مع هذه الفتاة طيلة حياته.
في ذلك الوقت لم يعرف الكلمة التي تعبّر عن تلك الأحاسيس الغريبة التي تثير الوخز في صدره، لكن عندما استعاد ذكرياته أدرك أنّها كانت أول حبّ له.
كان الزفاف متواضعًا، بلا ضيوف سوى أفراد العائلتين.
في فستانها الأبيض النقي، دخلت الفتاة ذات الستة عشر عامًا، لتوقظ في إيريك مفهوم “الأنثى” لأول مرة.
شعر بالخجل من ابتسامةٍ ارتسمت بغير وعي على محيّاه، فجرّ شفتيه للأسفل.
وعندما تبادلا الخواتم، لم يتمكن من كبت ابتسامةٍ عريضة، فقبض على ملامحه بحدة ليرسم تكشيرة.
وبعد أن انقضت تلك اللحظة وبقي وحده، دفعه فضوله المتفجر حتى آخره ليسأل الخادم:
“لماذا تزوّجت بي تلك الفتاة؟”
كان ذلك شعورًا أقرب إلى القلق.
‘ماذا لو لم تُعجب بي وأرادت فسخ الزواج؟
ماذا لو لم أستطع رؤيتها ثانية؟’
وقد بلغ به التوتر حد أن أمسك بتلابيب الخادم وهزّه ليحصل على الجواب، فما كان من الخادم إلا أن اضطر للكلام:
“إنها زيجة مدبّرة.”
كانت الحقيقة صادمة.
على الأقل للفتى ذي الأربعة عشر عامًا، إيريك فورتمان .
“بارون ويبين فقير. ليس لديه ما يكفي حتى ليواصل عيش النبلاء، وهو غارق في الديون. وقد سدد سيدنا ديونه وقدم له المال مقابل هذا الزواج. وهكذا نصبح جزءًا من طبقة النبلاء.”
وكيف لفتى في مثل عمره أن يفهم ما وراء تلك الصفقات المعقدة والمتشابكة بالمصالح؟
إلا أن إيريك، الذي امتلك حاسةً دقيقة لالتقاط لبّ الكلام، أدرك حقيقةً واحدة:
“إذن… إذن هي بيعت لي؟”
لم يُجب الخادم.
ربما كان امتناعه عن الكلام لئلا يقول شيئًا قد يُهين سيده الصغير، لكن بالنسبة للفتى إيريك، لم يكن ذلك سوى موافقة صامتة.
التعليقات لهذا الفصل " 1"