سيهليوس، الذي لم يكن يستخدم مثل هذه الكلمات من قبل، أظهر هذه المرة هيئةً من الغضب العارم والتهديد، وكأنّ ثورته لم تسبق لها مثيل.

 

“ما معنى ذلك؟ لم يمضِ سوى أيام قليلة منذ أن سقطتُ أرضًا!”

 

“صحيح.”

 

“ولكن ألم يحدث أي شيء منذ ذلك الوقت؟”

 

“ليس تمامًا. لم يُحكم بالإعدام لمجرّد أنّها كانت تحمل طفلًا، وفوق ذلك تم تقديسها في المعبد كقديسة. قالوا إنّ الموقف معقّد ويستحق التفهّم، فذلك كل ما في الأمر.”

 

اشتعل الغضب في داخلي فجأةً.

 

“ماذا تقول؟ إذًا، ما شأن هذا بالوليّ العهد……؟”

 

“بيت الدوق لم يكن مسؤولًا عن أي شيء. كان هناك سوء فهم، وتم تجاوز الأمر بكلمات بسيطة. الإمبراطور بطبعه هكذا، همه الوحيد حماية نفسه. وحتى هذا لم يكن ممكنًا لولا أنّك، نيديا، لقد أنقذتِ حياة وليّ العهد.”

 

لم يكن هناك أيّ نهاية سعيدة كما اعتدنا أن نعرفها.

 

 لا مستقبل تُحلّ فيه كل الأمور بعد أن يستيقظ الإمبراطور ويعاقب الجميع.

 

“إذا لم يكن مستيقظ، فسأجبره على استعادة وعيه.”

 

“وماذا ستفعلين؟ يمكن تركه، لعلّه يتغير……”

 

“لا. لن أسمح بإنهاء الأمور هكذا. لقد كدتُ أموت، وكدتُ ألا أرى أحبّائي مجددًا، فهل سأترك المذنب يفلت؟ لا. لن أعيش هكذا مستسلمة.”

 

كان سبب تصرّف الإمبراطور واضحًا جدًا.

 

كلوي لا تمتلك القدرة على الشفاء، لكنها تمتلك موهبة النظر إلى المستقبل. القدرة التي يتوق إليها الجميع. باستخدامها يمكن التنبؤ بالكثير من الأحداث القادمة، ومن خلالها يمكن جني المال أو اكتساب السلطة.

 

الإمبراطور لم يستطع التخلّي عن هذه القدرة.

 

ركبتُ فورًا العربة مع سيهليوس متجهةً إلى القصر الإمبراطوري.

 

على الرغم من أنّ سيهليوس ورودسيل كانا معارضين تمامًا لذهابي إلى القصر بعد استيقاظي، إلا أنّ شعوري الداخلي دفعني للصعود إلى العربة رغم اعتراضهما. في النهاية، تركتُ رودسيل خلفنا، وتوجّهتُ أنا وسيهليوس إلى القصر.

 

“سيهليوس، هل انتهت جميع التحقيقات؟”

 

“للاطمئنان، أمرتُ بجمع كل الأدلة التي ظهرت لاحقًا.”

 

“عمل ممتاز.”

 

“لكن، حتى لو ذهبنا، لن يتغيّر شيء.”

 

“سيحدث فرق.”

 

كان سيهليوس يبدو وكأنه فقد كل الأمل. خلال خمسة عشر يومًا من غيابي، ظلّ الإمبراطور صامدًا مهما قيل له. كان يعرف جيدًا سوء العلاقة بين بيت الدوق والأسرة الإمبراطورية، ورغبة الإمبراطور في إخضاع الدوق بأي ثمن.

 

لكن هذه المرّة، لن أسمح بذلك.

 

“لم يعجبني أصلًا أن نذهب فور استيقاظي.”

 

“لكن، ماذا يمكننا أن نفعل؟”

 

على الرغم من أنّ الجميع حاول منعنا من الذهاب، رفضتُ الاستماع لهم وركضتُ متجاوزةً الجميع.

 

الجميع لم يستطع تحمّل عبثية هذا الوضع.

 

“أخبِريني فورًا إذا شعرتِ بأي ألم. غيابك…… سيكون جحيمًا.”

 

“فهمت.”

 

بدت كلماتُه وكأنها نابعة من رغبة في أن أستسلم، لكنني لم أفعل. تمسكتُ بعزيمتي منتظرةً وصول العربة بسرعة إلى القصر.

 

“جئتُ لرؤية وليّ العهد.”

 

وأرسلتُ رسالة لرؤية وليّ العهد، لا الإمبراطور.

 

“ماذا……؟ وليّ العهد؟”

 

“إذا قلتُ إنّني نيديا، من أنقذت حياتك، وسيتتذكّر.”

 

“آه……”

 

“لماذا، أليس هذا ممكنًا؟”

 

حتى سيهليوس، الذي اعتقد أنّني ذهبت لرؤية الإمبراطور، أُصيب بالدهشة.

 

“سأبلغه فورًا.”

 

ركض الخادم سريعًا إلى الداخل.

 

“كنتُ أظن أنّكِ جئتِ لرؤية الإمبراطور.”

 

“هل تعتقد أنّ الإمبراطور الذي عاملني هكذا يريد مقابلتي؟”

 

“آه.”

 

“ليس دائمًا الحل هو المواجهة المباشرة.”

 

ابتسمتُ وانتظرت وصول الخادم.

 

“هل سيخرج حقًا؟”

 

“لقد وعدته بذلك.”

 

لم تمضِ لحظة حتى خرج من الداخل من يتمايل شعره الذهبي.

 

“نيديا!!”

 

رودسيل وأنا، جميعنا لم نعتبر ما عايشناه حلمًا. الحاكم يجعل الشخص الذي استيقظ باستخدام القدرة على الشفاء يتذكّر بقوة من استخدم تلك القدرة.

 

وكانت هذه المرة كذلك.

 

“وليّ العهد، هل بخير؟”

 

في الرواية، كان وليّ العهد معارضًا تمامًا لابني رودسيل، كلاهما كانا يحبان نفس الفتاة ويكرهان بعضهما بلا سبب.

 

“نعم! نيديا، سمعت أنّك أنقذتني.”

 

“نعم، أليس كذلك؟”

 

“أنت الشخص الوحيد الذي أخرجني من ذلك الظلام، بالتأكيد أتذكّر!”

 

لم أرغب في استخدام هذا الطفل، لكن مددت يدي نحو وليّ العهد.

 

“هل نتحدث ونحن نمشي قليلًا؟ هناك ما أريد قوله.”

 

في تلك اللحظة، ظهر الإمبراطور مسرعًا.

 

“وليّ العهد! لست بخير، ومع ذلك تخرج!”

 

“جلالة الملك!”

 

لقد أمسك وليّ العهد بيدي بالفعل.

 

“أمرتُك بالبقاء في الغرفة!”

 

“لكن من يستطيع البقاء ساكنًا حين يزورني من أنقذت حياتي!”

 

“منقذ……؟”

 

توجه نظر الإمبراطور إليّ تلقائيًا.

 

“أحقًا أنتِ على قيد الحياة، زوجة الدوق إيكارت؟”

 

“بالطبع، وليّ العهد. كدتُ أموت، لكنني نجوت بعد سماع أنّك لم تفي بوعدك.”

 

قالت كلماتي بلا تردد، وتحوّل وجه الإمبراطور إلى الجدية القصوى.

 

“وعد…… هاها.”

 

“نتحدث هنا؟”

 

“……دعونا نذهب إلى مكتبي. وليّ العهد، اذهب للراحة، صحتك لم تكتمل بعد.”

 

“لا، لا يمكنني ذلك. أنا هنا لرؤية وليّ العهد، وإذا لم يكن ممكنًا، سأتحدث معه وحده.”

 

“الدوقة، لماذا تفعلين ذلك؟”

 

الإمبراطور كان قلقًا للغاية على ابنه الوحيد ووريثه.

 

“جلالة والدي، نيديا هي منقذتي. فلماذا تعاملها هكذا؟”

 

“لا، وليّ العهد، الأمر……”

 

“يبدو أنّ الإمبراطور لا يعرف للفضل قيمة، حين طلبت منه أن ينقذك لم يكن هكذا.”

 

“زوجة الدوق إيكارت! الآن أنت……!”

 

رأيتُ غضب الإمبراطور واشتدت ملامحي فورًا.

 

“كان يجب أن تحافظ على الحدود. هل تعتقد أنّني سأتراجع الآن؟ أنقذت وليّ العهد على حساب كل شيء، ماذا من وعدك أحترمته؟”

 

“أمر…… لنذهب ونحدثك.”

 

أخيرًا، توجّه الإمبراطور إلى المكتب ومعه وليّ العهد، الذي بدأ يروي تفاصيل ما بعد استيقاظه من الجحيم، بحماس.

 

“حقًا، نيديا تعرف ما مدى رعب الوحوش هناك.”

 

“أعلم، وجوههم بحجم البيوت! وأنيابهم حادة جدًا!”

 

“نعم! الجميع لا يعرف ما مررتُ به.”

 

“كان مكانًا غريبًا مع قمر أحمر.”

 

“نعم، صحيح!”

 

وصلنا أخيرًا إلى مكتب الإمبراطور.

 

“الآن، دعِ وليّ العهد يعود.”

 

“لا! لدي وعد مع نيديا.”

 

“وعد؟”

 

“وليّ العهد، سنتحدث عن ذلك لاحقًا.”

 

“حسنًا!”

 

تلألأت عينا وليّ العهد.

 

“أحضِر له أفضل الطعام.”

 

“وليّ العهد…… أنا قلقة، صحتك ليست جيدة……”

 

“أنا بخير! لكن نيديا بخير؟ سمعت أنّها لم تستيقظ وأن اليوم جنازتها، لكنها استيقظت لأنها خاصة جدًا؟”

 

“استيقظت بسبب الغضب الشديد.”

 

التفتُّ إلى الإمبراطور.

 

“إذا أيقظتُ وليّ العهد، ستفي بما وعدت، أليس كذلك؟ لتحديد كلوي كمسؤولة عن هذه الأحداث، لكنها بخير تمامًا؟”

 

“هناك ظروف لذلك.”

 

“ما الظروف؟”

 

الإمبراطور قال بلا تردد:

“ماذا أفعل؟ إنها قديسة.”

 

لو كانت القداسة لمجرّد معرفة المستقبل، فأنا قديسة بحق.

 

“زوجة الدوق.”

 

“جلالة الإمبراطور، لم أظن أنّك ستتجاهل وعدك بالكامل. أنقذت وليّ العهد.”

 

“بصراحة، قد يكون مجرد صدفة. ابني استيقظ حين حان وقته!”

 

هل هذا هراء حقًا؟

 

لكن وليّ العهد قال بحزم:

“نيديا أنقذتني! لم أكن لأخرج، لكنها أمسكت بيدي.”

 

“ذلك……”

 

“ألا تصدق ما أقوله، يا والدي؟”

 

“لا، وليّ العهد، أصدقك…… صدقًا!”

 

“أذن لا تشك في منقذتي مجددًا!”

 

أخيرًا، أومأ الإمبراطور موافقًا.

 

“حسنًا، نيديا أنقذت وليّ العهد، بالتأكيد.”