“أبغض ما عندي هو التغيّر.
فحين يتبدّل الإنسان فجأة، كأنّه يقترب من موته.”
“ها… هاها.”
“لا تُعلّقوا أوهامًا زائدة، انصرفوا جميعًا. وأنتِ يا فيليس، ضعي هذا في مكانٍ آمن بعيدًا عن الأعين.”
لقد وضعه بيده حول عنقي، لكن من المؤكّد أنّ قصده لم يكن أن أرتديه علنًا، لذلك نزعت العقد.
ولأنّ دفء يده لامس العقد لوهلة، بقي فيه أثر من حرارة.
“حسنًا، فهمتُ.”
يا أيّها الأثر المقدّس، اعذرني.
لم يكن يليق بي أن أُصَيّرك إلى هذه الحال. كان ينبغي أن تُحاط بالتبجيل والمحبّة، لا أن تصير شيئًا تافهًا. ومع ذلك، لا أنوي حفظك بعناية.
فذلك الدوق المستبدّ لا يعمل إلّا بما يشتهي، ولا أرغب بالخضوع له.
‘قال إنّي لو نزعتُه سيضع طوقًا بدلًا منه… أيمكن أن يكون جادًّا؟’
راودتني الحيرة لوهلة، غير أنّ عزيمتي بقيت حاسمة. كيف لي أن أحمل أثرًا مقدّسًا حول عنقي وأتجوّل به؟
—
وفي مساء اليوم نفسه بعد حادثة الأثر المقدّس،
“أمّاه.”
دخل رودسيل إلى غرفتي وملامحه منقبضة.
“ما الأمر يا رودسيل؟ لِمَ هذا الوجه العابس؟”
“إيّاكِ أن تذهبي إلى أيّ مكان. اتّفقنا؟”
“نعم، لن أذهب.”
منذ تلك الليلة الأولى، لم يعُد يبيت معي في الغرفة.
ورغم أنّي أكّدت له أنّ الأمر لا يستحقّ القلق، إلّا أنّ كلمات نيديا القديمة بقيت تزعجه.
لذلك اجتهد في تقليد والده الدوق، ومع ذلك كان يراقبني بلا توقّف.
يجلس أمام الباب وأنا نائمة، أو يحرق الحديقة ليمنعني من الخروج في نزهة.
كان تشدّده يشبه أباه إلى حدٍّ لافت.
“لو خرجتِ، فلن أرحمكِ يا أمّاه.”
“لن أخرج إطلاقًا.”
ثم أمسك بيدي بقوّة.
ولأنّه أمسك بي مرّة وأنا على وشك الهرب، صار مفرطًا في التعلّق بي.
عينيه لا تفارقني، يحدّق فيّ كما لو كنتُ عالمه الوحيد.
كلبٌ وقطّ في هيئة طفل.
كلب–قط يُدعى رودسيل.
يلتصق بي مثل الكلب، ويعاند مثل القط.
“أحقًا؟”
“نعم، نعم.”
“إذن… افعلي لي ذلك الشيء.”
“أيّ شيء؟”
تطلّعتُ إليه باستفهام. عمّ يقصد؟
“ذاك الذي كنتِ تُحبّينه إن أجدتُ أنا. وقلتِ ألّا يعرف والدي به أبدًا!”
ابتسم ببراءة.
لم يُفصح تمامًا عمّا يريد، لكنّي أدركت فورًا.
كان يقصد السحر الأسود الذي اعتادت نيديا زرعه فيه. الطفل يتساءل لماذا لم أعد أفعله.
ابتسمتُ بتكلّف.
“ذاك الشيء…….”
“افعليه. كنتِ تبتسمين لي إن تحمّلته.
أمّا الآن فأنتِ لا تبتسمين وتبدين حزينة.
لذا افعليه. سأتحمّله جيّدًا! ابتسمي لي!”
شعرتُ بصدري يهبط فجأة.
رغم أنّه ليس ابني، شعرتُ أنّ قلبي يتمزّق.
هل هو إحساس نيديا؟ أم مشاعري أنا؟
‘إنّه شعوري أنا.’
لقد حزنتُ على رودسيل حقًا. لم يكن حبًّا، بل شفقة وحرقة على طفل مسكين.
“رودسيل.”
“نعم!”
“ذاك الأمر لن نفعله الآن.”
“لكن إن لم تفعليه، فلن تبتسمي. وسيظلّ الأمر مخيفًا. لا أحبّ ذلك.”
في مثل هذه الأوقات، بدا طفلًا ضعيفًا سريع الانكسار.
“لكن لو أحضرتَ لي أزهارًا، فسأفرح كثيرًا.”
“زهور!”
تلألأت عيناه حماسًا.
“نعم. ستحضرها لي، أليس كذلك؟”
“لكنّي أحرقتُ كلّ الحديقة… كي لا تذهبي للتنزّه…”
“هناك حديقةٌ واحدة لا يُسمح بدخولها إلّا لكَ.”
“حديقة أبي!”
قفز فرِحًا في مكانه.
فالدوق وحده أعطى الإذن لرودسيل بدخول حديقته الخاصّة.
لم يُكشف السبب يومًا، حتى إنّ نيديا لم يُسمح لها بزيارتها قطّ، بينما كلوي كانت ترتادها دومًا.
وفي الرواية، صارت تلك الحديقة علامة على أنّ قلب الدوق مال نحو كلوي.
“نعم. هل ستقطف لي منها أزهارًا؟ لم أرَ الزهور منذ زمن.”
“سأذهب حالًا!”
انطلق رودسيل مسرعًا كما لو كان ينتظر اللحظة، لكنّه توقّف فجأة.
“إيّاكِ أن تذهبي إلى أيّ مكان يا أمّاه.”
“همم؟”
“لا تهربي وأنا بعيد.”
“لن أذهب. لذا عُد سريعًا.”
غمرتني مشاعر الذنب.
فأنا لستُ نيديا، ولا أستطيع أن أعي قلبها كلّه. لم أفعل سوى الاهتمام بنجاتي، ولم أفكّر كثيرًا في رودسيل. لم أملك قلبها كي أحبّه أو أحنو عليه.
لذلك لم أتخيّل ألم طفلٍ يشتاق إلى أمّه الغائبة. كنتُ مشغولة فقط بالعيش.
ظلّ رودسيل يكرّر سؤاله مرارًا، وأكرّره بالوعد حتى غادر أخيرًا.
حينها نظرتُ إلى فيليس بجانبي.
فالسبب في إبعاد رودسيل هو أن أُوكل إليها مهمّة بالغة الأهميّة.
“فيليس.”
“نعم، سيّدتي.”
“أريد منك عملًا صعبًا.”
“الخروج ممنوع. المساعدة على الهرب ممنوعة. تدبير المال للهروب ممنوع.”
قالتها فيليس بصرامة، وهي خادمة نيديا الوفية.
لكنّها كانت ترمقني بقلقٍ شديد.
ربّما كان هروب نيديا السابق قد أتعبها كثيرًا.
فالكلّ في القصر صار يعتني بها بعد عودتها، لكنّ ما يجب أن يُقال لا بدّ أن يُقال.
“لا، ليس هذا ما أطلبه.”
“إذن ماذا؟”
“أريد البحث عن شخص… لا، أريد إنقاذ أحد. هل تقدرين؟”
“شخص؟”
اتّسعت عيناها دهشة.
“نعم. شخص. اسمه…….”
لا. بدت معرفتي بالاسم غريبة، فتوقّفت عن الكلام وهززت رأسي. فنظرت إليّ باستغراب.
“أفكّر بجلب مربية جديدة لرودسيل.”
“مربية؟ لكن هناك مربية حاليًّا.
مع أنّها تشتكي من أنّها تودّ التوقف، لكنها ما زالت تواصل عملها.”
“لكنّها مسنّة.”
إنّها المربية التي اعتنت بسهيلوس في صغره، ثم واصلت رعاية رودسيل بعده.
لكن بسبب تدخّل نيديا الدائم، كانت على وشك الاستقالة كلّ يوم.
ولذلك، كانت أشدّ من كره عودة نيديا هي تلك المربية.
“صحيح… فهمت. سأبحث عن أخرى.
هل هناك شروط؟”
“أُفضّل أن تكون امرأة معها طفل.”
“معها طفل؟! يكفي أن تكون مربية في بيت الدوق لتتقدّم الكثيرات، حتى لو لم يكن عندهن أولاد. لكن…….”
سكتت فيليس خشية أن تجرحني.
وفعلًا، قد يكثر أو يقلّ عدد المتقدّمات. فالمنصب مرغوب، لكنّ هوس نيديا بابنها أخاف الجميع.
ولهذا لم يثبت أيّ معلّم بجانب رودسيل طويلًا.
فقد كانت تتدخل في كلّ صغيرة وتُرهق المعلّمين حتى يرحلوا.
وبمعرفتي بذلك، أومأت وأنا أتنفّس بعمق.
“إن كان لها طفل، فستعتني بارودسيل بحنان أكبر.
ولو سمحنا أن يعيش ابنها معنا في القصر، فقد نجد مَن تقبل. وسيكون له صديق بعمره. أليس هذا حسنًا؟”
“إذن هذا قصدك.”
“نعم.”
“لكن… سيّدتي، ألم تكوني في السابق ترفضين أشدّ الرفض أن يختلط ابنكِ بأبناء الطبقات الدنيا؟ لذلك كنتِ تختارين بعناية كلّ من يقترب منه.”
“أهكذا كنتُ؟”
لو كانت نيديا نفسها، لانتقت كلّ مَن يقترب من رودسيل.
“لقد غيّرت رأيي. لا يمكنني حمايته إلى الأبد.
عليه أن يرى العالم.”
“آه…….”
“فابحثي عمّن تناسب.”
“ما دمتِ ترغبين، سأفعل.”
وبحسب مجرى الأحداث، فإنّ كلوي وابنتها ميا في العاصمة الآن. ومن المؤكّد أنّهما ستأتيان إن صدر إعلان.
كما في الماضي، حين جاءت كلوي إلى بيت الدوق عبر إعلان مماثل.
سترجو أن تُقبل، لكن بالطبع لم يكن ليُسمح بسهولة. فكيف يُؤتَمن على رعاية الابن مَن تسبّبت في موت الأم؟
لكن، كما في الرواية، سيقبل الدوق أن تراها ليوم واحد، وهناك ستقع المعجزة: يعود رودسيل إلى هدوئه أمامها.
كان ذلك أمرًا لا يُصدَّق، لكنه حدث، وبفضله دخلت كلوي وميا بيت الدوق. وهناك ابتدأت القصة.
ولذلك، إن صدر الإعلان الآن، ستأتيان لا محالة.
فبعد أن عاشتا في فقرٍ مدقع، لن تُفوّتا الفرصة.
‘ممتاز. إن جاءتا…… فسأتمكّن من قلب مسار الرواية.’
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"