شعرتُ وكأنَّ أنفاسي قد انحبست فجأة، وكأنَّ الهواء من حولي صار أثقل من أن يُستنشق.
إن كانت كلوي حقًّا هي المذنبة، وإن كان ما قدّمته للإمبراطور هو زهرة “أغنية الليل” التي تُزرع في قصر الدوق… فهل بقي لنا طريقٌ للنجاة؟
‘لا بدّ أنّها هي من قدّمتها لوليّ العهد… أيمكن أن تكون فعلت ذلك حقًّا؟’
إن صحّ هذا، فلن يكون بُدّ من أن يُتَّهم الدوق في كلّ ما حدث.
لقد مرّ وقتٌ طويل منذ بدأ التحقيق، ورغم ذلك، لم نعرف إلا القليل. وحتى إن صرّحتُ بشكّي في كلوي، فلن يتبدّل شيء.
بل لعلّني، لو أفصحتُ عن هذا مبكّرًا حين كان سيهليوس يُحقّق بنفسه، لربّما توصّل إلى ما لم يُكشف بعد…
‘أترى انتهت الحِيَل؟ أليس هناك أيّ مَخرج بعد؟’
اجتاحني اليأسُ كمدٍّ أسودٍ يبتلع قلبي.
فإن هي أخذت الإمبراطور إلى الحديقة السريّة، ورأى هناك زهرة “أغنية الليل”، فلن يُكتب لسيهليوس النجاة مهما حاول التبرير أو الاحتماء بالكلمات.
حقًّا، لم يَعُد هناك سبيل لإنقاذه.
“فيليس.”
“نعم، سيدتي.”
“هل تعرفين موقع الحديقة السريّة التابعة لقصر الدوق؟”
“لا يا سيدتي… لا أحد يعلم مكانها. لكنّكِ تعرفينه، أليس كذلك؟”
هززتُ رأسي نفيًا. لم أكن أعرف، إذ إنّني لم أدخلها إلا مرّة واحدة، عندما تبعتُ سيهليوس ليلًا.
ربّما يجدر بي أن أعدّ هذا حُسنَ حظّ.
فـرودسيل وحده يعرف موضعها، وقد قطف لي منها زهرة حين طلبتُ ذلك سابقًا. وهذا يعني أنّه يستطيع دخولها.
‘لو أني أُحرِقها الآن… لربّما انتهى كلّ شيء.’
حتى إن كانت زهرةً لا يمكن أن تزهر ثانية، وحتى إن لم يعد بمقدورنا إطعام الطفل الذي سيولد من نسل الدوق، فعليّ الآن أن أحرقها من أجله.
“الآن، فورًا…”
“الآن؟”
‘لكن، هل رودسيل بخيرٍ حقًّا؟’
لقد راقبتُه طيلة الأيام الماضية، وتيقّنت أنّه على ما يُرام.
بيد أنّ نوبات الجنون لا تُنبئ بموعدها، ولا أحد يضمن ألّا تعود فجأة.
ثمّ إنّ سيهليوس لم يوضّح لي إنْ كان الدواء يُعطى مرّة واحدة أم على دفعات.
وهذا يعني أنّه قد نحتاج لإعطائه إيّاه مجدّدًا…
‘ولكن، ماذا لو أصيب نوبةً حين أُحرِق الزهرة؟ وماذا لو لم تعد قُدرتي تنفعه بعد أن تناول “أغنية الليل”، ولم يبقَ ما يُنقذه إلا تلك الزهرة؟ ماذا سأفعل حينها؟’
تردّدتُ، وقد كان عزمي على إحراقها لأجله قد بدأ يتهاوى.
“سيدتي؟ أأستدعي السيد؟”
“لا، لا داعي.”
عليّ أن أفكّر جيّدًا.
قد أكون الآن على وشك ارتكاب الخطأ الأعظم.
فلعلّ ثمّة طريقًا آخر لرفع الظلم عن سيهليوس…
‘لكن، كيف تمكّنت كلوي من دخول الحديقة السرية أصلًا؟ هي لا تملك أيّ قوّةٍ سحرية. كيف فتحت بوابتها؟’
من المؤكّد أنّ الدخول إليها لا يتمّ إلا بمساعدة ساحر…
“هاه… كم هو أمرٌ محبط.”
“سيدتي؟”
“لا شيء. تحدّثتُ مع نفسي فحسب.”
تذكّرتُ فجأة أنّ حولي ساحرًا واحدًا فقط… فيسريو.
ذاك الذي انقلب عليّ، وتواطأ مع كلوي، وحاول قتلي بنفسه.
لا شكّ أنّ له يدًا في كلّ ما يجري الآن.
“هل هناك ما يمكنني مساعدتكِ فيه، سيدتي؟”
“مساعدةً؟ كنتُ أتمنّى لو أعرف فقط أين فيسريو الآن.”
“السيد فيسريو…؟”
ضحكت فيليس بخجلٍ وهي تلتقط نبرتي الهازئة.
“هل تعرفين شيئًا عنه؟”
“ليس على وجه الدقّة… لكن، بعد أن اقتيد الدوق، تردّد أنّ بعض الخدم رأوه في القصر. لم أعتبر الأمر مهمًّا آنذاك، فلم أُخبر أحدًا.”
“لماذا عاد؟”
“لا أحد يعلم. ظنّوا في البداية أنّهم توهّموا رؤيته، لكنّ شاهدَين أو ثلاثة أكّدوا ذلك.”
آه… إذًا جاء بحثًا عني بعدما شهد ما جرى بسيهليوس.
“فيليس.”
“نعم.”
“أغلقي الأبواب بإحكام، ولا تسمحي لأحد بالدخول حتى آمركِ. وإن أنهى رودسيل دروسه وجاء يبحث عني، فأخبريه أنّني خرجتُ في أمرٍ آخر.”
“كما تأمرين، سيدتي.”
رغم ما بدا على وجهها من فضولٍ جارف، لم يكن لديّ وقتٌ لأشرح شيئًا.
فيسريو… ظهوره مجددًا في القصر لا بدّ أن سببه أنا.
فتحتُ باب التراس وانتظرته هناك.
ولم يطل الانتظار. دخل فيسريو بهدوءٍ متعجرف.
“مرحبًا، نيديا.”
“كنت أعلم أنّك ستأتي.”
“أكنتِ تنتظرينني إذن؟”
“حين علمتُ أنّ زوجي أُخذ عنوة، وسمعتُ أنّك شوهدتَ هنا، علمتُ أنّ وجهتك التالية ستكون أنا.”
دخل الغرفة بخطواتٍ واثقة، وجلس على الأريكة كما لو كانت ملكه.
“ما رأيك؟”
“بماذا؟”
“بما جرى… بما آل إليه كلّ شيء بسببك.”
“بسببي؟”
“نعم، نيديا. أنتِ السبب. رغبتِ في ما لا يخصّكِ، ولهذا حدث كلّ هذا.
كان ينبغي ألا تملكي شيئًا سواي. طمعتِ في موضع الدوق إلى جوارك، فكان هذا جزاؤك.”
يا لسخافاته.
حدّقتُ به مذهولةً من جرأته.
“تقول إنّ كلّ ما حدث سببي أنا؟”
“بالضبط.”
لعلّه مُحقّ بطريقةٍ ما.
فلو أنّني غادرتُ معه حين طلب، أو اخترتُه دون سواه، لما تحالف مع كلوي.
ولو لم أستفزه، لما اقتربت هي منه أصلًا.
نعم…
ربّما هذا كلّه خطئي فعلًا.
“إذًا، أنت من صنع كلّ هذا؟”
“ربّما.”
“وماذا عليّ أن أفعل كي لا يُصاب سيهليوس بأيّ أذى؟ ماذا أفعل؟”
اكتفى بابتسامةٍ باردة، دون أن ينبس بكلمة.
“هل ستبقى صامتًا هكذا؟”
“لِمَ هذا التوتّر يا نيديا؟”
“أجبني إذًا عن سؤالٍ واحد. من دبّر كلّ هذا؟ أنت، أم كلوي؟”
“ولِمَ تفترضين أنّنا نحن الاثنان؟”
“نحن؟ أأصبح بينكما ما يُقال له (نحن)؟”
وقف من مجلسه بخطواتٍ هادئة واقترب حتّى كاد يُلامس وجهي، ثمّ مدّ يده ليمسح على خدي.
“لا تقلقي، فأنا لا أعني سوانا. قلتها مجازًا فحسب.”
في الظروف العادية كنت سأتراجع فورًا، لكنّي هذه المرّة حدّقت فيه بثبات.
“إذن، أخبرني. من فعل هذا؟”
“ربّما الاثنان معًا، وربّما لا أحد منهما وحده. أهذا الجواب يرضيكِ؟”
رغم أن جسدي اقشعرّ من النفور، إلا أنني كتمت انفعالي.
“كم أنتِ فاتنة حين تصمتين هكذا.”
“…”
“لذا، نيديا، دعينا نترك كلّ شيء ونرحل سويًا.”
“وأين سأذهب معك؟”
“اليوم انتهى باقتياد الدوق، لكن الغد لن يكون كذلك.”
اتسعت عيناي دهشةً.
“ما الذي تعنيه؟”
“الإمبراطور سيخرج بنفسه غدًا، ومعه تلك المرأة. سيدخلان الحديقة السريّة ليتحققا من الأمر بنفسيهما.”
“ألستَ بذلك تُلمّح لي أن أحرق الحديقة؟”
“لقد قدّمت هي الدليل للإمبراطور بالفعل.
أفينفع الحرق الآن؟ بل سيُعدّ تدميرًا للأدلّة، ولن يبقى لكِ سبيلٌ للدفاع.”
انعقد لساني عجزًا عن الردّ.
“إذًا، وجدَتْ الحديقة بنفسها؟ وأنت من فتح لها الباب؟”
“أحسنتِ، تمامًا.
لو كنتِ وقفتِ إلى جانبي لما حدث هذا كلّه. لو أنكِ فقط اخترتِني.”
“…”
“تعالي معي إذن، قبل فوات الأوان. غدًا سيجرّونكِ أنتِ أيضًا للمساءلة. تلك المرأة تتلهّف لرؤيتكِ تنهارين. أخذت الدوق أوّلًا فقط لتمنحني فرصة أخيرة كي أهرب بك.”
قهقهتُ بسخريةٍ باردة.
“وهل سيأتيان غدًا لأجلي؟ هي والإمبراطور معًا؟”
“نعم.”
“يا إلهي… ما أتعس هذا الحبّ!”
“نعم، أتعس، وأشدّ جنونًا.
لكن حتّى لو أغرقكِ في الهاوية، سأبقى أريدكِ.”
إزاء هذا الاعتراف المريض من شخصين دمّرا حياتنا باسم الحب، عرفتُ أنني وصلت إلى قراري الأخير.
“في النهاية… كانت كلوي هي من دخلت الحديقة السريّة، وقطفت زهرة (أغنية الليل) وقدّمتها لوليّ العهد، أليس كذلك؟”
“صحيح.”
لو وُجدت وسيلةٌ لتسجيل كلماته، لكان الأمر أسهل بكثير.
لكنتُ هرعت إلى القصر وأظهرت الحقيقة للجميع.
لكن للأسف، لا أملك شيئًا كهذا.
“إذن لا مهرب. وأنت تدرك ذلك، أليس كذلك؟”
“بكلّ تأكيد.”
“فلنهرب إذًا. إن أردتِ رؤية ابنكِ مجدّدًا، ولو من بعيد، فاهربي معي. على الأقل سنبقى أحياء لنسمع أخباره.”
“أدركتُ الآن أنّه إن أصاب سيهليوس مكروه، فلن تبقى لي رغبةٌ في الحياة.
أتعلم؟ الحبّ… يمكن أن يُفتدى بالروح ذاتها.”
“نيديا.”
“ولهذا، سأتوقّف هنا.
إن كنتَ تُريدني أن أعيش، فاترك تلك المرأة، وافعل شيئًا لأجلي.”
“أتظنّين أن تهديدك بالموت أمام من يحبّك سيُقنعه؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 74"
حبيت شكرا على المجهود الجبار في انتظار المزيييييد😍😍😍😍😍