ربّما كانت تلك الحَكّة التي شعرتُ بها في مؤخرة رأسي نذيرًا لما سيقع بعد قليل.
الخادمة التي جاءت تركض لاهثة لم تكد تلتقط أنفاسها، وقد سحبتني بسرعةٍ جنونية حتى وصلنا إلى القصر الرئيسي لعائلة الدوق.
أخبرتني أن جنود الإمبراطورية المبعوثين من القصر الإمبراطوري قد وصلوا، وأنّ الأجواء هناك مشحونة ومضطربة على نحوٍ غير مألوف.
سَرَت في نفسي ريبةٌ غامضة، فهرعت إلى المكان.
وهناك، وجدت جنود الدوق وجنود الإمبراطورية يقفون متقابلين في توترٍ حاد، كأنّ شرارةً واحدة قد تُشعل بينهم حربًا.
“لقد وصلت الأوامر الإمبراطورية.
دوق سيهليوس إيكارت.”
“أتلقّاها بكلّ خضوع.”
تقدّم أحد الرجال، وفكّ لفافةً من الرقّ الملكي وبدأ بقراءة محتواها.
في تلك اللحظة، اجتاحني إحساسٌ مريب ثقيل، كما لو أنّ شيئًا رهيبًا سيتجلّى تَوًّا أمامي.
“بناءً على أمر جلالة ولي العهد، يُعتقل دوق سيهليوس إيكارت بتهمة الشروع في اغتيال سموّه. وإن رفض الامتثال، فسيُستخدم القوّة لإخضاعه.
على أن يُساق إلى القصر ويُركِع أمامنا.”
“ماذا؟! الشروع في اغتيال وليّ العهد؟!!”
صُعقتُ من وقع الكلام، فاندفعتُ نحوهِم بلا تروٍّ، لكنّ جنود الإمبراطورية الذين كانوا متحفّزين أصلاً، أشهروا سيوفهم في وجهي دون تردّد، وكان بريقها الحاد يثير القشعريرة.
لولا أن فيليس جذبتني بقوّة إلى جانبها في اللحظة الأخيرة، لكانوا أصابوني لا محالة.
“سيّدتي……!”
“نيديا! ابقي مكانك. لا أسمح أن تُمسّي بأذى.”
“لكن……!”
“سيكون الأمر بخير. لا بدّ أن في الأمر التباسًا.
تلك القضيّة كنتُ أتابعها بنفسي، فلا تقلقي.”
أمسكت فيليس بذراعي بثبات، بينما هزّ سيهليوس رأسه ليؤكّد دون أن ينبس ببنت شفة.
“لا…… لا تفعل هذا. لا تذهب.
قل لهم إنهم مخطئون. سيهليوس، أرجوك……!”
“الامتناع عن الذهاب سيجعلهم يشكّون أكثر. سأعود، أعدكِ أن أعود سالمًا.”
ابتسم قبل أن يُساق معهم، لكن ابتسامته لم تحمل طمأنينةً قطّ.
فكونه متّهَمًا في حادثة الشروع باغتيال وليّ العهد كان في حدّ ذاته كارثةً لا تُصدَّق.
تجمّد الدم في عروقي، وبقيتُ أتابع بعينين مذهولتين كيف اقتادوه أمام أنظارنا.
وبما أنّه أمرَ جنوده بعدم التحرّك، لم يستطع أحد التدخّل، وبقي الجميع يشاهدونه يُسحب بعيدًا.
“لا…… لااا……!”
خارت قواي وسقطتُ على الأرض.
هل يُعقَل هذا؟ كيف يمكن أن يكون هذا حقيقيًّا؟
“سيهليوس…….”
في تلك اللحظة، جاء رودسيل متأخرًا بعد سماعه الخبر، ووقف إلى جواري بصمتٍ مطبق.
“رودسيل، عُد إلى الداخل يا صغيري.”
تظاهرتُ بالهدوء وأنا أحاول أن أُدخله الغرفة، لكن في قلبي كان الخوف من أن يتفوّه بشيءٍ بارد، بلا أيّ أثرٍ للعاطفة.
تذكّرتُ كيف أنّ والدة سيهليوس رأت ابنها يومًا وحشًا حين كان مثل رودسيل الآن، جامد الملامح، خالٍ من الانفعال.
ولم أُرِد أن أكون مثلها في هذه اللحظة.
لكن رودسيل مدّ يده نحوي فجأة.
“فلنذهب معًا، أمّي.”
“……ماذا قلت؟”
“فيليس، ساعدي أمّي على النهوض. سأُمسك بها.”
كان صوته متوازنًا، خاليًا من الارتجاف، كما لو كان يتحدّث عن أمرٍ عاديّ.
“رودسيل…….”
“قال أبي ذات يوم: إنْ حدث له شيء، فسأكون أنا حاميكِ.
عليّ أن أحميكِ، وأبقى بقربكِ كي لا تحزني، حتى لو لم أفهم معنى الحزن.”
“يا صغيري…….”
“كان أبي محقًّا. لا أشعر بالعواطف مثل الآخرين، وأعرف أنّ هذا غير طبيعي. لكن لا أريد أن أترككِ وحدك. أبي أوصاني، وقلبي يشعر بذلك أيضًا. لذا، فلنذهب، لنتناول الطعام، ونستريح معًا. لن يحدث لأبي مكروه.”
حدّقتُ بيده الصغيرة طويلًا، ثم تماسكت بصعوبة ووقفت.
اقترب رودسيل مني بخطواتٍ حذرة، كأنّه يخشى أن يؤذيني.
“أبي هو أكثر شخصٍ أحترمه في العالم. لا أصدق أنّه يمكن أن يؤذي وليّ العهد. وأنتِ تثقين به، أليس كذلك؟ فلنفعل ما بوسعنا.”
“……نعم. معك حقّ، يا صغيري.”
أمسكتُ بيده وأطبقت عليها بقوّة.
صحيح، لا ينبغي أن أظلّ هنا غارقةً في الصدمة.
يجب أن أعرف كيف حدث هذا، ولماذا اتُّهِم سيهليوس ظلمًا.
استندت إلى فيليس ورودسيل وسرتُ معهما نحو غرفتي.
**
عمَد رودسيل عن قصدٍ إلى التصرّف كأنّ شيئًا لم يحدث، فانشغل بالدراسة كعادته.
جلستُ أحتسي الشاي محاولةً تهدئة ارتجاف يدي.
“فيليس…… هل تظنين أنه سيكون بخير؟”
“سيكون بخير، يا سيدتي. إنّه الدوق سيهليوس بنفسه. ثم إنّكِ تتذكّرين، حين سقط وليّ العهد مريضًا في المرة السابقة، لم يكن الدوق قد غادر القصر أصلًا.”
“صحيح…….”
“وفوق ذلك، لو كانت هناك جريمة حقيقية، لكانوا فتّشوا القصر بأكمله. لكن بما أنّهم أخذوه دون أيّ تفتيش، فهذا يعني أنهم لم يجدوا دليلًا قاطعًا بعد. بالتأكيد هو إجراء للتحقّق فقط.”
قدّمت لي فيليس شايًا مهدّئًا وهي تكلّمني بصوتٍ مطمئن، فأومأتُ لها ببطء.
نعم، لن يحدث شيء. لابد أن كلّ هذا مجرّد التباس.
بعد ساعة تقريبًا، جاء كبير الخدم ومعه قائد فرسان الدوق.
كانا يحملان الخبر نفسه.
“لن يُصاب سيدنا بمكروه.”
“لا يمكن أن يكون هو الفاعل.”
“ألم يكن هو من كُلّف بالتحقيق في قضيّة محاولة اغتيال وليّ العهد؟”
قدّم قائد الفرسان بعض المستندات وقال:
“ثمة نقاطٌ مريبة كثيرة. من الظاهر أنّها حالة تسمّم، لكن نوع السمّ لم يُعرَف بعد. قيل إنّ وليّ العهد تقيّأ دمًا وانهار في غيبوبةٍ بعد العشاء مباشرة.”
“وهل هذا كلّ ما توصّلوا إليه؟”
“يبدو أنّ تحرّكات سموّه في ذلك اليوم غامضة. بعد الغداء، خرج للتنزّه في حديقة المتاهة وحده، وبقي فيها مدة طويلة قبل أن يعود.”
“وهل انتهى مساره عند هذا الحدّ؟”
“لا. بعد خروجه لم يحدث شيء حتى موعد العشاء. ثم بعد الوجبة مباشرة بدأ يتقيّأ وسقط.”
أومأتُ برأسي.
“وماذا عن التحقيق؟”
“فُحِصَ كلّ ما أكله، وتحقّقوا إن كان هناك من دسّ شيئًا في طعامه، لكن لم يُعثر على أيّ خلل.”
“أها…….”
“لذا لم يتمكنوا من تحديد السبب. ظنّ البعض أنه التقى أحدًا في المتاهة، لكنه لم يكن الشخص نفسه الجاني. ثمّ، تمّ العثور على دليلٍ آخر.”
“دليل؟ ما هو؟”
أشار إلى قطعة صغيرة من الورق كان يحملها.
“ورقة بحجم الكفّ تقريبًا.”
“ورقة؟”
“نعم، ورقة عادية لا تحمل أيّ ختمٍ أو شعار يدلّ على أصلها.”
وربّما كانت بحجم راحة يدي بالفعل.
“بحثنا عنها، لكن لم نعرف سوى أنّها استُعملت لتغليف شيء ما. لم يكن عليها أيّ كتابة أو تهديد، ورغم أنّ الدوق فحصها بعناية، لم يتوصّل إلى شيء.”
“……هاه.”
“في النهاية، ظنّوا أن قاتلًا مجهولًا دسّ شيئًا مغلفًا بتلك الورقة وقدّمه لوليّ العهد. غير أنّ الزمن كان ضيّقًا للغاية. لم تتجاوز فترة رفع أطباق العشاء وتقديم الحلوى دقيقتين، وهي مدة لا تكفي لأحدٍ أن يفعل شيئًا. لذا، لا أحد يعلم كيف وقع ذلك. لقد كان الدوق أشدّ من تولّى التحقيق جدّيةً، فمن غير المعقول أن يكون هو الجاني.”
“أحسنتِ. وماذا عن كبير الخدم؟ هل علم بشيء آخر؟”
“لا يا سيدتي…….”
“شكرًا لكما. واصلا التحقيق. أنا واثقة أنه بريء.”
انحنى الاثنان برؤوسهما وغادرا.
أما أنا، فجلستُ متظاهرةً بالهدوء فيما كانت يداي ترتجفان فوق فنجان الشاي.
“كيف يمكن أن يُتَّهَم دون دليل؟ لا يُعقل أن يكون هو الفاعل…….”
“صدقتِ…….”
“سمٌّ مجهول…… أيّ نوعٍ هذا حتى عجز الأطباء عن معرفته…….”
فجأة، دوّختني الفكرة.
هناك عشبة واحدة لا يعرفها حتى العشّابون، وهي تنمو فقط في أراضي الدوق.
“آه…….”
“سيّدتي، ما بكِ؟ وجهكِ شاحب.”
تذكّرت ما قالته فيليس قبل أيام:
‘في الآونة الأخيرة، خرجت كلوي خفيةً في منتصف الليل. وقد لاحظت ذلك إحدى الخادمات لكنها لم تُخبرنا لأنّها لم ترَ شيئًا غريبًا في غرفتكِ. لكنّي أتساءل ماذا كانت تفعل تلك الليلة.’
وتذكّرت أيضًا أنّ سيهليوس، في اليوم الذي أخذني فيه إلى الحديقة السرّية للدوق، قال إنّ هناك أثرًا يدلّ على مرور أحدهم هناك.
قال إنّه ربما حيوانٌ بريّ، ولم يُعر الأمر اهتمامًا.
لكن، ماذا لو لم يكن كذلك؟
ماذا لو كانت كلوي هي من ذهبت إلى هناك؟
‘لقد كانت مهووسةً بتلك الحديقة السرّية على نحوٍ مريب.’
فهل تكون هي…… الجانية؟
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 73"