قبضتُ على يده بشدّةٍ أكثر من أيّ وقتٍ مضى. عندها فقط ارتسمت على وجه الدوق ابتسامةٌ خفيفة، وهزّ رأسه موافقًا.
“لن أتعجّل، ولن أطالبكِ بأن تحبّيني. فقط… أمسكي بيدي وسيري معي، يا نيديا.”
“حسنًا. لكن إذا خفت مشاعر الحب يومًا ما، فأخبِرني. فأنا لَن أرغب أن أعيش كما كنتُ سابقًا، أترقّب وأتوقّع الحب وحده.”
“لن يحدث ذلك أبدًا. أعلم أنّكِ لستِ واثقة بي بعدُ، بسبب ما فعلتُه في الماضي، لكنّي سأُظهر لكِ كلَّ شيءٍ عبر أفعالي.”
غادرنا الحديقة السرّية، وأُغلِق الباب خلفنا بسلاسةٍ طبيعية.
“لكن… ألم تقل إنك لاحظت أثر شخصٍ دخل قبلنا؟”
“الباب مصنوعٌ بسحرٍ حساسٍ للغاية، لذا يكفي أن تمرّ به حيواناتٌ برّيّة فيتفاعل أحيانًا.”
“أليس هذا خطيرًا؟ خصوصًا أننا نزرع زهورًا لا يجوز رعايتها…”
ربّت على رأسي بلُطف، وقال:
“لا تقلقي، لم يحدُث أيُّ مكروهٍ حتى الآن.”
لكنّ مثل هذا القول أكثر ما يزيد القلق.
“إذن، ما خطوتك التالية؟ حول رودسيل…”
“أرغب في البحث عن زهرةٍ تُسمّى (أغنية الليل).”
“سأساعدكِ. لكن حتّى إن اكتشفناها، فلن نجد علاجًا. لقد حاول الناس معرفة أسرارها لقرونٍ طويلة بلا جدوى.”
ومع ذلك، كنتُ مصممةً على رؤيتها بعينيّ.
ويبدو أنّه لاحظُ ذلك، فتابع حديثه:
“لا يكاد يوجدُ أيُّ سجلٍّ عن (أغنية الليل). فقد سُلب اسمها منذ زمن بعيد، فلم يجرؤ أحدٌ على تدوينها. ومع ذلك، بقيت بعض النسخ في بيت الدوق، بفضل رغبة أسلافنا في تقليد مكتبة القصر الإمبراطوري.”
“تقصد أنّ نسخًا منها موجودة أيضًا في المكتبة الإمبراطورية؟”
“نعم.”
“فهمت.”
“هي ليست علاجًا، بل مجرد حكاية عن تلك الزهرة. لكن إذا أردتِ الاطلاع عليها، فافعلي. وعندما تُقنعي نفسكِ بما فيه الكفاية، قرّري ما إن كنتِ ستعطين رودسيل هذه الزهرة أم لا. وإن شعرتِ بالعجز عن ذلك، فسنبحث عن بديل آخر.”
لو أنّ الجنون ظهر إن لم يتناول رودسيل الدواء، فسأتمكّن من علاجه بنفسي.
لكن إن تناوله وأصابته أيُّ أذى، فهل سأستطيع إنقاذه؟
“إذا قررتُ في النهاية ألّا أعطي الطفل تلك الزهرة…؟”
“فلا بأس.”
لَمْ أعد أعرف أيُّ خيارٍ هو الأصح.
“هل هذا الدواء… حقًّا بلا آثار جانبية؟ سوى فقدان المشاعر؟”
“نعم. لقد تناولته الأجيال المتعاقبة. قد يتألّم يومًا واحدًا، ثم يستيقظ من نومٍ عميق.”
“حسنًا…”
“نيديا.”
حينها مدّ يده الكبيرة وربّت على رأسي.
“إذا كان القرارُ يُثقل كاهلك، فاتركيه لي. القرار المؤلم، والمشاعر المثقلة، ارمِها عليّ. فذلك العبء المؤقت سيمنح قلبك راحةً ولو قليلًا.”
“لَمْ أعلم أنّك بهذه الرِّقّة.”
“ولحسن الحظّ أنّها وصلت إليكِ.”
الدوق سيهليوس إيكارت، الذي طالما أنكر الحبّ، وعندما عرفه لم يدركه، ثم أصرّ على مشاعره دون وعي كامل.
ونيديا إيكارت، الدوقة التي أحبّت طويلًا بلا مقابل، وحين أدركت الحب ثانيةً، صارت تشكّ في صدقه.
لم أظنّ يومًا أنّ حبّنا سيستمرّ أبديًا؛ فهو لا يزال هشًّا، لا سيما أمام تحدّي صحّة رودسيل المتدهورة.
لكنّي أُفكّر أحيانًا أنّ تلك المحنة جعلتنا نواجه مشاعرنا بصدق.
فلعلّنا، بعد تجاوزها، نستطيع أخيرًا أن نرى بعضنا فقط.
بهذا الأمل، عدتُ ممسكةً بيده نحو غرفة رودسيل.
—
ما زالت صحّة رودسيل متدهورة.
وفي تلك الفترة رافقني الدوق إلى مكتبة القصر، حيث كان قد أعدّ الكتب مسبقًا لراحتنا. وهناك رأيتُ ذكر الزهرة:
“أغنية الليل:
أجمل زهرةٍ بين جميع الزهور، زراعتها صعبة للغاية، لا تنمو إلا تحت ضوء القمر، ونادرًا ما تزهر. حساسة للغاية، تموت إذا ابتُلّت بالمطر أو لمستها نسمة الريح.
تُستعمل زهرتها السامّة في تحضير دواء خاص، بشرط قطفها وهي في أوج ازدهارها البنفسجي وتحضيرها خلال ساعة واحدة فقط. إذا تأخّر التحضير، يصبح السم أقوى ويبدأ تأثيره بالتغيّر.
استُخدمت لقرون طويلة كوسيلة إعدام نبيلة للنبلاء، إذ يتلوّن الوجه بالبنفسيجي ويغفو الشخص في حلمٍ سعيد إلى أن يموت.
لكن إذا شُرب الدواء بعد مضي ساعة، يسبب كوابيس رهيبة، ولا يوجد حتى الآن ترياق لها.”
“هذا كل ما في الكتاب.”
أمضيتُ أيامًا أقرأ نفس الصفحات مرارًا حتى بَلِيَتْ.
حين اكتُشفت (أغنية الليل) أول مرة، ظنّ الناس أنّها هدية من الإله، لكنّهم اكتشفوا أنّها سمّ، فأحرقوها جميعًا.
“نعم.”
أهم ما جاء في الهامش:
“زهرة لا يجوز زراعتها. تختلف آثارها من شخص إلى آخر. في عائلة إيكارت الدوقية، استُخدمت كدواء فريد يناسب اللعنة الموروثة. لذلك تناولها كل دوق عبر الأجيال.”
“جميع النسخ تقول الشيء نفسه.”
“أجل. ولم أستطع العثور على المزيد من الكتب عنها، حتى العطّارون يجهلون وجودها.”
“هاه…”
“لستِ مضطرةً لإطعامه إياها. لا داعي للقلق.”
“لكن سأفعل.”
وبعد قراءة الكتاب مرارًا، ترسّخ قراري.
“حقًا، أنتِ واثقة؟”
“نعم.”
لا أستطيع رؤية رودسيل ينفلت من عقلِه.
وإن حدث ذلك، قد أتمكّن من إنقاذه، لكن من يعلم كم من الأرواح قد تُهدر قبل ذلك؟
أمّا (أغنية الليل)، فهي دواء استعملته العائلة الدوقية لأجيال، والكتب تشهد بذلك.
‘ربما في هذه المرحلة لستُ ذات فائدة كبيرة.’
إن حدث شيء للطفل بعد تناولها، فسأندم كثيرًا، لكن حينها سأستطيع استعمال قوة الشفاء.
منذ أن استخدمتها على الخادمة، اختبرتُ قوتي عدة مرات لاحقًا، وكانت فعّالة في شفاء الآخرين.
العيب الوحيد أنّني أتحمل جزءًا من آلامهم، لكنّي لا أُصيب بأذى دائم.
لهذا، حسمتُ أمري.
“نيديا، أنا قلق عليكِ. أخشى أن تنهاري سواء مرض الطفل أم لا.”
“ربما كنت كذلك في الماضي، لكنّي لست وحدي بعد الآن.”
مددت يدي نحوه.
“آه…”
“في الحقيقة، ما زلت خائفة جدًا.”
“من رودسيل؟”
“لا، منك أنت. أخشى أن أحبّك كما كنت سابقًا، فتتركني مرة أخرى.”
“لا تقلقي. بل أنا من يتألم شوقًا أكثر، لذا لا خوف، نيديا. لن أتركك وحدك أبدًا.”
ورغم صرامة نبرته، ظلّت الخوف في قلبي.
لكنه ظلّ يربّت على يدي بصمت، وكأنّه ينتظر أن أهدأ.
جلست بجانبه وأسندت رأسي على كتفه.
تصرف لم أكن لأفعله سابقًا، لكنّي الآن أردت أن أُصغي لقلبي فحسب.
‘لقد تعبت كثيرًا…’
كنت بحاجة إلى سند أتكئ عليه.
رغم أنّني قررت أن أغيّر مجرى القصة، شعرت بالإرهاق من الأحداث الخارجة عن توقعاتي.
لم يكن الأمر هكذا منذ البداية؛ قبل أن ينهار رودسيل، كنت واثقة أنّني أستطيع فعل كل شيء.
لكن ذلك الغرور كان سبب مشكلتي.
“هل أنت بخير؟”
“ألستُ كذلك؟”
“لا، تبدين متعبة. رودسيل يفيق أكثر من قبل، بينما أنت تتذبلين مثل زهرةٍ ذابلة.”
“أخاف فقط أن لا أستطيع حماية هذه السعادة.”
رفعني برفق من على كتفه، وأمسك وجهي بين كفّيه.
“إن فقدناها، سنصنعها مجددًا. فلا داعي لأي خوف، نيديا.”
وتغيّرت الأجواء بيننا بشكلٍ غامض…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 68"