منذ اللحظة التي اكتشفتُ فيها امتلاكي لقوة الشفاء، قضيتُ نصف اليوم وأنا ممسكةٌ بيد رودسيل، أحاول جهدًا أن أستثمر تلك القدرة.
ولكن الطفل لم يُظهر أيّ رد فعل.
‘إذا كنتُ أستطيع شفاء الآخرين، فلماذا لا أستطيع الآن؟’
هل لأنّني استخدمتُ هذه القدرة لشفاء إحدى الخادمات فلن أتمكّن من استخدامها مجددًا؟
لكن كلما خطرت في بالي رغبةُ شفاء طفلي، شعرتُ بحرارة تتصاعد في راحتي.
وهذا يعني أنّ القوة لا تزال فاعلة…
هل لأنني استعملتها سابقًا؟
لا أستطيع التبيّن.
‘كلا. بالتأكيد استخدمت كلوي هذه القوة لعلاج رودسيل…’
“آه…”
هل لأنّها لم تفقد السيطرة؟
هل يعني ذلك أنّ حالة الطفل لا تستدعي العلاج الكافي؟
مع ذلك، رودسيل يُغمى عليه بين الحين والآخر، فهل يمكن القول إنه بخير حقًّا؟
“لا أعلم… حقًا…”
كنتُ أظنّ أنّ بإمكاني فعلها، أنّني قادر على شفاء ابني، فلماذا أعجز الآن مرة أخرى؟
ظللتُ إلى جوار رودسيل أحاول تدارك هذا العجز حين قال أحدهم:
“هل يمكننا الحديث قليلًا؟”
دخل الدوق الغرفة.
“حسنًا… لنتحدث.”
“كلا، أريدك أن تخرجي معي قليلًا.”
“ورودسيل؟”
“لتراقبه فيليس، وسيتولّى الآخرون حراسة الغرفة فلا تقلقي.”
“أنتَ… ما زلتَ…”
ما زلتَ لا تقلق على ابنك.
وكالعادة، تقلّل من أهمية ما يحدث.
كنتُ أريد التعبير عن استيائي بغضب، لكنّني حين رأيت نظرات الحزن في عينيه، عجزت عن الكلام.
ذلك الرجل الذي كان دومًا متكبّرًا ويضع مشاعره فوق كل شيء، بدا وكأنّه صار شخصًا آخر.
“لنذهب.”
لم أستطع قول شيء، نهضتُ وتركّت فيليس برعاية رودسيل وخرجتُ.
منذ أن سقط طفلي مريضًا، توقّفت حياتي تمامًا.
لو كنتُ أعرف السبب، لربما هدأت نفسي قليلًا، لكنّ المرض الغامض استهلكني رويدًا رويدًا.
لذلك لم أعد أخرج للنزهة منذ زمن، وهذه أوّل مرة أتنفّس فيها الهواء الطلق منذ مدة طويلة.
كان البرد الليلي يخترق صدري مع كلّ نفسٍ أتنفسه.
‘جميل…’
كان شعورًا بالراحة وكأنّه مذنب، ومع ذلك شعرتُ بالسكينة.
لكن رغم خروجنا، لم يُبدِ الدوق أي حديث.
كل ما فعله هو السير بلا توقف.
“إلى أين نذهب؟”
“لا نتجه إلى مكان محدّد، فقط اتبعيني.”
إجابته كانت غريبة، لكن نظراته المغمورة بضوء القمر كانت حزينة وعميقة كالقمر نفسه.
“نيديا.”
“نعم؟”
“لقد كنت ضيّق النظر.
أعتذر.”
“هل تعتذر فجأة؟”
“نعم. لم أتحقّق بنفسي وظننت بك سوءًا.
ظننت أنّكِ قدّمت أوراق الطلاق، ولم أسألك.
كان عليّ أن أكون صريحًا…”
لقد بحث في الأمر خلال نصف اليوم الماضي.
“وهل علمت الحقيقة؟”
بدأت خطواته تتسارع، كما لو أنّ غموض الأمر يضغط عليه.
اضطررتُ للإمساك بطرف معطفه.
“تمهّل، ساقاي قصيرتان وألهث بالفعل.”
“آه… آسف.”
قالها وخفف سرعته، وكأنّ الاعتذار صار سهلاً عليه اليوم.
“فهل علمت الحقيقة إذًا؟”
“نعم. قبل ذلك، يجب أن أقول شيئًا.
في الليلة السابقة لظهور أوراق الطلاق، قالت لي كلوي إنّ إحدى خادماتكِ ذهبت لتقديمها بنفسها.”
“أصدّقتَ كلامها؟”
“لم أرد تصديقها، لكنها ادّعت أنّها القدّيسة القادرة على رؤية الحاضر والمستقبل.”
هل استخدمت علمها بمحتوى الرواية لخداعه؟
“إذًا قالت إنها شاهدت ذلك؟”
“نعم، وكان هناك من شاهد خادمتك تغادر فعليًا، فلم يكن لديّ خيار سوى التصديق.”
“حقًا… يا لِسذاجة الموقف.”
“أعتذر. كان خطأً أن أصدّقها أولًا، ولكن… حين سمعت منك الليلة السابقة قولك إنك تكرهينني، ظننت أنّك قد اتخذت القرار بالفعل.”
“قلتَ إنك سمعت ذلك في الليلة السابقة؟ أي أنّك قضيت الليل كله تفكر؟”
أومأ برأسه ببطء، كطفل مذنب أمام والديه، فشعرتُ أنني أنا المخطئة أيضًا.
“كنت فقط لا أريد تصديق ذلك.”
“إن كان الأمر كذلك، لما لم تسألني مباشرة؟”
أمضى الليل يفكر ويشك بدل سؤال بسيط كان سينهي الأمر.
“أعتذر، كان عليّ أن أتحقق أولًا.
صحيح أنّ خادمتك خرجت، لكن السائق الذي رافقها دوّن مسارها بدقة، فزالت سوءة الفهم.”
“لكنتَ ظننت أنّني قدمت الأوراق وأنكرتُ.”
“نعم…”
“كنتُ أستحق بعض الشك، أعلم. لكن يؤسفني فقدان الثقة التي بدأنا نزرعها.”
“كلّ الذنب عليّ.”
قالها بسهولة جعلتني أشعر أنني القاسية.
لو انفجر غضبًا كما في الماضي، لكان أهون عليّ.
لكنّه بدا نسخةً مطابقة من رودسيل الصغير.
“إذًا…”
“نعم؟”
“أخبرني، ما الذي قالت كلوي تحديدًا حتى تصدقها بهذا القدر؟”
“تنبّأت بأمور صغيرة في البداية، ثم قالت مؤخرًا إن أمرًا جللًا سيقع في العائلة الإمبراطورية.”
“أمر جلل؟”
“نعم.”
“هل تقصد سقوط ولي العهد؟”
“بالضبط. حين تحقق ذلك، ظننت أنّها قد تكون القدّيسة التي اختفت منذ زمن.”
كلوي كانت تعرف الرواية أفضل من أي شخص، فليس غريبًا أن تتوقّع الأحداث بدقة.
لكنّ هناك شيء واحد غريب.
‘لم يحدث أي خلل في العائلة الإمبراطورية في الرواية الأصلية…’
هذا الحدث لم يكن موجودًا، فكيف حدث؟
شعرتُ بانزعاج غامض.
هل هناك ما أجهله في أحداث هذا العالم؟
‘ربما أغفلت تفاصيل صغيرة… لكن كيف أغفل حدثًا جللًا كهذا؟’
“ما بالك متجهّمة؟”
“لا شيء… شكرًا لإخبارك.”
“الحديث لم ينته بعد.”
“هل قالت كلوي شيئًا آخر؟”
لم يرد، بل مد يده وقال:
“سنتحدث أثناء المشي. ما سأقوله مرتبط بها، وبقضيّة رودسيل، وبما يقلقك أكثر من أي شيء.”
“قضيّة رودسيل؟”
لم أدر متى تغيّر المشهد، كنا في البداية في الحديقة، والآن داخل غابة كثيفة لا يصلها ضوء القمر، ولم يكن أحد يحمينا.
“ما هذا المكان؟”
خطر لي شعور غريب: هل سيؤذيني هنا؟
حينها فقط شد على يدي وقال بنبرة باردة:
“نيديا.”
“نعم؟”
“ألست تكرهين أفعالي؟”
“ها؟ ماذا تقصد؟”
“ألست غاضبة لأنني لم أقلق على رودسيل رغم أنه ابني؟”
لم أجب، لكن أومأت برأسي.
في الظلمة، تلألأت عيناه الحمراوان وكأنها عيون الوحوش، مليئة بالشهوة والهيام.
“لِم تسأل هذا الآن؟”
“لأني… ما زلت لا أقلق على رودسيل.”
“ماذا؟!”
“ليس لعدم حبي له، بل لأنّ ما يعانيه هو ألم محتوم.”
“أي ألم محتوم؟!”
انفجرت غضبًا بعد صمتٍ طويل.
“هو موجود، لأنه من دمي.”
“ماذا تقصد؟”
تنفّس بعمق، وكانت يده الباردة ترتجف في يدي.
“قلها بوضوح، ماذا تقصد بكلامك؟”
بعد صمت طويل، قال كلمة واحدة:
“الجنون.”
التعليقات لهذا الفصل " 64"