لماذا كانت الحاجة مُلِحة إلى “دموع الحاكم”، وكيف اختفى الأثر المقدّس دون أن يلمسه أحد؟

“إنّه ليس كائنًا له أقدام، ولا يحمل أجنحة… يا له من أمر غريب! أم أنّه عاد بنفسه إلى المعبد؟”

“عاد وحده؟ طار؟ أم مشى على قدميه؟”

طار؟

لماذا تذكّرتُ في هذه اللحظة الطائر “بيبي” الذي ظهر فجأة في حياتي؟

ذلك الطائر الغامض، الذي لا يُدرى إنْ كان موجودًا أصلاً، يأتي ويذهب بلا أثر، وكأنّه يحيطني بسحره الشافي. حتى آخر مرة زارني فيها، دخل الغرفة المغلقة دون نوافذ، وبقي إلى جانبي قليلاً ثم اختفى.

‘لا يمكن…!’

أعلم جيّدًا أنّ هذه الفكرة لا منطق فيها، لكن وجود “بيبي” كان بحد ذاته غريبًا ومثيرًا للاستغراب.

ذلك الطائر الغامض ظهر حين منحني الدوق “دموع الحاكم”، ولون ريشه كان مطابقًا تمامًا للون تلك الدموع. 

وكلّما نقر يدي، شعرت بالطمأنينة تغمر قلبي. ومع ذلك، لم يتذكّر أحد وجوده، لا رودسيل ولا فيليس، وكأنّه لم يوجد أبدًا.

“آه…”

“ما بكِ يا سيدتي؟”

“في هذا العالم، لا يوجد ما يُسمّى صدفة. أليس كذلك؟”

“هاه؟”

“كل شيء يحدث لسببٍ حتميٍّ لا محالة.”

نظرت إليّ فيليس بعيونٍ متسائلة، لكنّي أدركت الحقيقة بجلاءٍ في تلك اللحظة.

قدوم “بيبي” لم يكن صدفة. في اليوم الذي اختفى فيه، تعافى رودسيل تمامًا من مرضه. 

كان الطائر يحتكّ بيدي ثم اختفى، لكن حرارة يدي اشتعلت بشدة.

في تلك الليلة، احتضنتُ رودسيل ونام بين ذراعيّ، وفي الصباح شُفي بشكل كامل.

لطالما حيّرني سرّ شفاء رودسيل المفاجئ. لكن، ماذا لو لم يكن “بيبي” مجرد طائر عادي؟ ماذا لو كان هو نفسه الأثر المقدّس؟

حالما افترضت ذلك، بدأتْ الأمور تتضح شيئًا فشيئًا.

“الآن… بدأت أفهم.”

الأثر المقدّس المفقود، والقدّيسة “كلوي” التي تجوب الأرض بحثًا عنه، الآن بلا قوّة شفاء.

في الرواية، شُفي رودسيل فجأة كما حدث الآن. 

أنا التي مرضت كما مرض، و”كلوي” التي كانت تعرف بحالي دون أن أُخبرها، كلّ هذا أصبح منطقيًا.

إن كانت على علاقةٍ بالمعبد وتُعامل كقدّيسة، فلا شك أنّها تعرف مكان الأثر المقدّس الآن.

‘لقد جاءت منذ البداية بحثًا عن الأثر المقدّس.’

لكنها لم تجده.

‘فهل كانت قوّة شفائها نابعة من دموع الحاكم؟’

لو أنّها اكتسبت قوّتها بفضل الأثر المقدّس، فسيكون منطقيًا أن تعرف ما أعانيه.

“حقًّا… حقًّا…”

“ما الأمر يا سيدتي؟”

إن “دموع الحاكم” تمنح قوّة الشفاء. و”كلوي” في الرواية نالت هذه القوّة بفضلها. لذا فهي قالت إنها ستكتسب قوّة الشفاء، والآن أنا أملكها. جاءت لتسرقها مني.

‘شفاء رودسيل لم يكن صدفة. لقد سرقتُ ما كان من المفترض أن يكون لها.’

يمكن اختبار هذا الافتراض بسهولة.

“هل يوجد أحدٌ مريض في القصر؟”

“هاه؟”

“أيُّ شخص، مريض…”

“آه، أصغر الخدم أصيب هذا الصباح بحروق أثناء نقل إبريق الشاي.”

“أحضريه إليّ.”

توسعت عينا فيليس دهشةً، ثم أسرعت خارج الغرفة. لم يمضِ وقت طويل حتى عادت ومعها الفتاة الصغيرة.

“ها قد أحضرته، سيدتي.”

“اقتربي يا عزيزتي.”

اقتربت الفتاة بترددٍ واضح، غير مدركة ما الذي يحدث.

أدرك تمامًا أن ما أفعله يبدو جنونيًا. فكرة أن دموع الحاكم أثر مقدّس يمنح قوّة الشفاء تبدو مستحيلة، لكنّي أعيش في الرواية نفسها.

وأنا أم البطلة التي ستصبح شخصية رئيسية في الرواية.

فما الذي يمنع حدوث ذلك؟

“ما الذي عليّ فعله يا سيدتي؟”

“سمعت أنّكِ أُصبتِ هذا الصباح، أليس كذلك؟”

“نعم، يا سيدتي.”

“أتريني الجرح؟”

نزعت الفتاة الضماد عن ذراعها. كان الحرق أحمر فاقع، حتى النظر إليه يجعل الجلد يقشعرّ.

“إنّه مؤلم جدًا… أليس كذلك، يا سيدتي؟”

“لابأس. لا بد أنّه آلمك كثيرًا.”

“كنتُ مهملة لا أكثر.”

ابتسمت بخجل وهي تحاول سحب يدها، لكنّي نظرت إليها بحزم.

“أعطيني يدكِ.”

“هاه؟”

“لن أؤذيكِ.”

كانت الخوف والارتجاف يسيطران عليها، فأمسكت فيليس بيدها وقالت بلطف:

“اثقي بسيدتك.”

“آه…”

استسلمت الفتاة، فوضعته يدي على يدها المصابة.

“آه…”

لم يكن الجرح مفتوحًا، لكنه مدهون بالمرهم، ومع ذلك، شعرت الفتاة بألم حين لامست يدي الجرح، بينما أغمضتُ عينيّ وأطلقتُ أمنية أن يلتئم.

كما حدث مع رودسيل، أردت أن أشفيها وأزيل عنها الألم.

وفجأة، اشتعلت يدي بحرارة لافته، حتى شعرت بالألم. بعد لحظات، أحسست بالوخز في ذراعي، في نفس مكان ندبة الفتاة.

تمامًا كما حدث مع رودسيل… أنا أتألم بدلاً عنها.

“آه…؟”

رفعت الفتاة رأسها بدهشة.

“يا سيدتي… لا أشعر بالألم! لقد شُفيت! فيليس، انظري! لم أعد أتألم!”

تبادلت هي وفيليس النظرات المندهشة، ورأيت بأم عيني أنّ الندبة قد اختفت تمامًا.

“ما هذا بحق السماء…؟”

“الندبة اختفت حقًا؟ أهذا حقيقي؟”

تنفستُ متكئة على الأريكة، والضحكة ترتجف على شفتيّ.

“ها… هاهاها…”

“سيدتي؟ هل توقعتِ هذا؟ هل استخدمتِ قوّة الشفاء؟ تلك التي قيل إن القدّيسات وحدهنّ يملكنها؟”

“احفظي السرّ.”

“بالطبع.”

نظرت فيليس إلى الفتاة وأومأت صامتة.

“الأمور أصبحت مشوّقة. عليّ أن أرى رودسيل فورًا.”

“حالًا، سيدتي.”

غادرت الغرفة متجهة إلى غرفة رودسيل، وكانت فيليس قد بدأت بإصدار الأوامر للخدم فور وصولي.