الفصل يحتوي على مشاهد غير لائقة .
──── ୨୧ ────
حاولتُ جاهدةً أن أُخفي الأمر، غيرَ أنّه أدركه على الفور.
فإن استخدمتُ تلك القدرة، انتقل إليَّ الألمُ الذي يعانيه المريضُ كما لو كان يسري في عروقي أنا.
“إذن، من أجلِي، لا تستخدميها. لا أريد أن أراكِ تتعذّبين.”
“ليوس…….”
“وعديني، أرجوكِ. فأنا…… لا أقوى على احتمال فقدانكِ، لا سيّما من أجلِ شفاءِ أحدٍ غيركِ.”
“لكنّ تلك القوّة قد تُنقذ إنسانًا يحتاجها.”
“كلا، ليست قوّةً كهذه. إنّها لعنة.”
ابتسمتُ له ابتسامةً ناعمةً، وعيناي تغوصان في عينيه الدافئتين.
“حسنًا، لكنّي سأستعملها فقط لأجل من أحبّ.”
“نيديا.”
“هذا وحده ما سأفعله. كما أنّك لا تطيق فكرة خسارتي، فأنا أيضًا لا أحتمل فكرة فقد أحبّائي.”
زفر أنفاسه الطويلة في استسلامٍ حزين.
“لا أستطيع أن أغيّر قلبكِ.”
“حتى وإن رفضتَ، سأفعل ذلك.
لكن بالطبع…… لن أستخدم هذه القوّة على رودسيل الآن.”
“نعم، من الأفضل ألّا تفعلي كما قلتُ سابقًا.”
“إذن، يا ليوس، هل ستقف إلى جانبي وتساعدني؟”
ابتسمتُ وأنا أُغمض جفنيّ قليلًا.
“في أيِّ أمرٍ تحديدًا؟”
“كي لا أستسلم وأستخدم القوّة حين أرى الطفل، هل ستبقى إلى جانبي وتمنعني؟”
“سأكون معكِ طوال الليل، أراقبك.”
“شكرًا لك.”
انجذبت عيناي نحو الطفل دون قصدٍ منّي.
كان يبدو متألّمًا رغم سكونه، فهل هذا هو الطريق الصحيح؟
هل يتعافى حقًّا؟
كبحتُ رغبتي في مدّ يدي، مؤمنةً أنّ الأمور ستسير كما يجب.
فأنا أثق بالدوق… بسيهليوس.
وبحلول الفجر، أخذ جسدُ الطفل يتعافى شيئًا فشيئًا.
جسده المبتلّ بالعرق أخذ يبرد تدريجيًّا، وتباطأ تنفّسه حتى صار أكثر هدوءًا وسلامًا.
قال سيهليوس بصوتٍ منخفضٍ دافئ:
“يمكنكِ أن تنامي الآن، نيديا. الطفل سيتعافى قريبًا.”
كنتُ أنوي القول إنّ رودسيل لن ينام حتى يستيقظ الصغير، لكن جسدي المرهق استسلم للنوم حين لامست أذنيّ تلك النبرة الهادئة.
وحين فتحتُ عيني من جديد، كانت الشمس قد بلغت كبد السماء.
استيقظتُ، فلم أجد أحدًا بقربي.
كأنّني كنتُ غارقةً في حلمٍ بعيد، والمقعد الذي كان بجانبي خاوٍ من كلّ شيء.
لا أثر لسيهليوس، ولا لرودسيل.
قفزتُ من السرير فزعًا، لأرى على طاولةٍ قريبةٍ طفلين يجلسان، أحدهما صغيرٌ بابتسامةٍ وديعة.
“رو… رودسيل……!”
“أمّي.”
“أ-أأنتَ بخير؟”
“نعم. لم أعد أشعر بألم. لا تقلقي. لكن لماذا استيقظتِ متأخّرة؟ لقد شعرتُ بالملل.”
“رودسيل، لا تقل ذلك.
ألا تهتمّ لأمّك؟ ألا تحبّها؟”
“أووه…….”
جلس سيهليوس أمامه يتحدّث إليه بلُطفٍ ووقار.
ذلك الطفل الذي كان لا يرى في العالم سواي، صار يتحدّث معي ببرودٍ كأنّي غريبة.
أدركتُ حينها معنى كلماته السابقة.
“في مثل هذه الحالة يا رودسيل، كان عليك أن تقول: ‘أمّي، كنتِ قلقةً عليّ.’
ألا تشعر بشيءٍ دافئٍ في صدرك؟”
“نعم!”
“هذا هو القلق، ينبع من الحبّ.
والآن، اذهب إليها وقل لها: ‘شكرًا لكِ يا أمّي’.”
تأمّل رودسيل برهةً، ثم قفز نحوي بعاطفةٍ مفاجئة.
“أمّي، اشتقتُ إليكِ. وشكرًا لكِ.”
كان يبدو معافًى تمامًا، كأنّ ما حدث لم يكن سوى حلمٍ طويلٍ عابر.
“هل نمتَ جيّدًا يا صغيري؟”
“نعم، وحلمتُ بأنّنا ذهبنا إلى البحر، أنا وأنتِ وأبي.
إلى المكان الذي كنتِ تنهينني عنه دائمًا لأنّه خطر.”
“وكيف كان شعورك هناك؟”
“سأخبركِ بعد أن نتناول الطعام.”
ضحكتُ واحتضنته بحرارةٍ غلبتني حتى البكاء.
أمّا سيهليوس فاستدعى الخدم، وأمرهم بتحضير المائدة.
تناولنا الطعام سويًّا بعد زمنٍ طويلٍ، كأنّ الحياة عادت إلى بيتنا.
ثم دخل الأطبّاء، وبعد فحصٍ مطوّل طمأنونا أنّ لا خطر بعد الآن، ومع ذلك ظلّ قلبي مرتجفًا.
“ابْقَ قليلًا في الغرفة، رودسيل.”
“لا أريد.”
“لكنّ أمّك قلقة عليك.”
“لا يعنيني قلقكِ. أريد الخروج.”
كان تغيّرُه واضحًا.
ذاك الطفل الذي كان لا يفارقني لحظةً صار يُظهر شيئًا من الجفاء.
قال الدوق إنّها آثار أريّات الليل.
اختفاء المشاعر…
ربّما لهذا كانت والدة الدوق تنظر إليه يومًا كما لو كان وحشًا.
وأظنّ أنّني بدأتُ أُدرك إحساسها أخيرًا.
ومع ذلك قلتُ له بحزمٍ لطيف:
“لن أسمح لك بالخروج قبل مرور ثلاثة أيّام دون إغماء.”
“هذا قاسٍ.”
“قد يكون قاسيًا، لكنّني لا أملك خيارًا، لأنّي أحبّك.”
“وهل للحبّ قيود؟”
تأمّلني بنظرةٍ غريبةٍ وأجاب بنبرةٍ مختلفة:
“لا. الحبّ لا يُقيّد. إنّه فقط يخشى الفقد، فيطلب القرب من محبوبه.”
“لهذا أريدك بقربي دائمًا، يا رودسيل. أحبّك كثيرًا.”
فابتسم أخيرًا ابتسامةً خفيفةً، تعيدُ شيئًا من وجهه القديم.
“إذن، فلنقرأ معًا بجانب أمّي.”
“كما تشائين.”
كان كلامه قصيرًا، لكنّي شعرتُ أنّ الدفءَ بدأ يعود إلى قلبه شيئًا فشيئًا.
تعاقبنا أنا وسيهليوس على الجلوس بقربه والحديث معه.
كانت كلماته قليلة، لكنها تزداد صدقًا مع مرور الأيام.
لم نُخبر أحدًا بحقيقته.
قلنا فقط إنّه مريض، واحتفظنا به في نطاقنا الضيّق.
وبحلول اليوم الثالث، لم يُغَشَّ الطفل بعدُ، وإن بدا أكثر نحولًا.
وأخيرًا خرج إلى دراسته.
“سأذهب الآن.”
“حسنًا.”
“أمّي.”
“نعم؟”
“إن لم يكن لديكِ عمل، يمكنكِ البقاء أمام الغرفة حتى أنتهي.
وبعد ثلاث ساعاتٍ تقريبًا…… سنخرج في نزهةٍ معًا.”
“سأكون هناك، أعدك.”
ضمّ كتبه الصغيرة إلى صدره وقال:
“أعرف أنّ السبب ليس مجرّد نزهةٍ، أليس كذلك؟”
“نعم.”
وفي تلك اللحظة، دخل سيهليوس بعد أن أنهى أعماله.
“إذا رغبتَ بالمجيء، فتعال.
سأذهب الآن!”
خرج رودسيل على عجلٍ، خجلًا من نظراتنا.
“إلى أين؟”
“إلى نزهةٍ صغيرة بعد ثلاث ساعات.
هل يمكنك الحضور في ذلك الوقت؟”
“بالطبع. وهذه أيضًا، أحضرتها لكِ اليوم.”
ناولني أوراقًا بدا أنّها مألوفة.
“أوراق الطلاق…….”
“نعم.
قالوا إنّ الخادمة استلمتها عنكِ، لكن لم نعرف من كانت.”
“آه…….”
“لقد أحرقتُها. فلا تقلقي بعد الآن.”
“ألا يجب أن نكتبها مجددًا إذًا؟”
تغيّر وجهه فجأة، وارتسم عليه توترٌ حادّ.
“هل تُفكّرين في إعادة كتابتها؟”
“نعم!”
“……هذا مستحيل.
فمنذ أن سلّمتك إيّاها، عشتُ في قلقٍ لا يُطاق.
لا تفكّري في ذلك مرّةً أخرى.”
“حسنًا، حسنًا.”
ضحكتُ من جديّته، وقلتُ بهدوء:
“في الحقيقة، أنا أيضًا لا أريد الطلاق منك.
لنتعاهد ألّا نتحدث عن أمورٍ كهذه مجددًا.”
ابتسم بخفوتٍ وقال:
“أعددتُها لأبدو جديرًا بكِ،
لكنّني الآن أريد أن أُريكِ كم أنا قادرٌ على إسعادك.”
“إذن فقد أحسنت التفكير.”
اقتربتُ منه، ووقفتُ على أطراف أصابعي لأطبع قبلةً على وجنته.
“هذه مكافأةُ الإعجاب.”
“……ألا يمكنكِ مكافأة أماكنَ أخرى أيضًا؟”
“انتظر قليلًا.”
“سأختنق إن انتظرتُ طويلًا.”
ابتعدتُ بخطوةٍ صغيرة وأنا أبتسم.
“من يصبر، ينل حظّه.
فالليلُ العميق أجمل من السطحي.”
“يا لحظّي العظيم إذن.
سأنتظر حتى تكوني جاهزة.”
لكنّه لم ينتظر طويلًا.
اقترب بخطوةٍ أخرى، وضمّ شفتيه إلى شفتيّ دون تردّد.
تسلّلت أنفاسه الحارّة إلى صدري في لحظةٍ واحدة.
“هُف…….”
أحاط بعنقي بيده الكبيرة، يمنعني من التراجع.
ثم ترك لساني حين شعر بأنّه تجاوز الحدّ.
“هذا تحذير.”
“قسوتَ عليّ…….”
“بل أنتِ من قسوتِ عليّ.
أنظري إليّ، أُطلق التحذير كلّ يومٍ وأكتم ما في قلبي.
على الأقل، بهذه الطريقة أملأ فراغه بكِ.”
التعليقات لهذا الفصل " 62"
هل هذا الفصل هو الفصل 62؟