نظر إليَّ رودسيل بدهشةٍ أكبر، وكأنّ وجودي وأنا أمسك بيده أثار لديه حيرةً عميقة.
“أمّي، تبدين قلقة. هل حدث شيء ما؟”
“لقد أغمي على ابني مجددًا، كاد عالمي كله أن ينهار…”
“آه! أنا بخير، حقًّا لا شيء يؤلمني!”
“حقًّا تقول ذلك؟”
أومأ رودسيل برأسه الصغير الممتلئ، لكنه بدا ضعيفًا قليلًا.
“مع ذلك… أشعر ببعض الوهن.”
“وأجزاء جسدك الأخرى؟ هل تشعر بأيّ ألم أو شيء غير طبيعي؟”
“لا شيء على الإطلاق… لا ألم، ولا أيّ فكرة تخطر ببالي.”
“ماذا تقول؟ بلا ألم نهائيًا؟”
“لست متأكدًا، لكن شعوري كأنّ جسدي بلا إحساس. لا أعلم إن كانت البطّانية ثقيلة أم خفيفة، ولا أستطيع تمييز ملمسها.”
رفع الطفل يده مباشرةً، ثم قرصها بيده الأخرى ليتأكد.
“رودسيل…! ما هذا التصرف؟”
“انظري.”
رغم أنّ يده احمرّت من شدّة القرص، إلا أنّ رودسيل هزّ رأسه نافيًا.
“لا أشعر بأي ألم.”
“ما هذا الغريب…!”
“بخلاف ذلك، أنا بخير.”
“فيليس، أسرعي بإحضار الطبيب.”
دخل الطبيب الذي كان ينتظر في الخارج، وما إن فحص حالة الطفل حتّى هزّ رأسه متعجبًا.
“لا أستطيع تحديد السبب، لكن لا يوجد أي خلل ظاهر.”
“كيف تقول إنّه لا يوجد خلل بينما فقد الإحساس بجسده؟!”
“سأبحث في الأمر، يا سيدتي، لكن لا داعي للقلق. الدوق على علم بهذه الحالة مسبقًا.”
“أتقصد أنّه كان يعلم أنّ إحساس الطفل سيختفي؟”
كان واضحًا أنّه قال ذلك لتهدئتي، لكنّي أدركتُ أنّ الدوق كان يتوقع كلّ شيء مسبقًا.
“إذن… سأخرج الآن.”
وغادر بسرعة، قبل أن أتمكّن من طرح أي سؤال آخر.
“أمّي، لا تقلقي من أجلي.”
قالها رودسيل محاولًا مواساتي، بينما جلستُ منهكةً على الكرسي وأطلقت تنهيدة ثقيلة.
“أنا حقًّا بخير يا أمّي! بل أشعر بالارتياح لأنّي لا أشعر بالألم!”
“حقًّا بخير؟”
لكنّي لم أستطع أن أعبر عن شعوري بالعجز أمامه.
“لا بأس يا رودسيل، ستكون بخير.
لن يلمّ بك أي ضرر بعد الآن.”
قلت ذلك مبتسمةً بجهد، وأربّت على شعره.
“هكذا يجب أن يكون. لن أسمح بعد اليوم أن تنهار مجددًا.”
ومنذ ذلك اليوم، بقيتُ بجواره لأيام عدة.
كان رودسيل يقول إنه لا يشعر بالألم ويريد الخروج، لكنّ قلقي منعه من مغادرة الغرفة.
تمامًا كما حبسني الدوق من قبل، ظننت أنّ حبس الطفل سيحميه. وبعد ثلاثة أيام، جاء الدوق بنفسه إلى الغرفة.
“ألستَ تفرط في الحزم؟ لقد علمت أنّ رودسيل أفاق، فلماذا لم تأتَ؟”
“قلتُ لكِ إن الأمر بسيط.”
تنفّستُ عميقًا لأكبح غضبي حتى لا أوقظ رودسيل النائم.
“وهل هذا ما يقوله أبٌ؟ على الأقل كان عليك أن تسأل إن كان بخير!”
“ما دام لم يحدث شيء خطير، فلا داعي لكل هذا القلق. دعيه يخرج كما يشاء.”
أيّ قلبٍ يملك هذا الرجل؟
“ابني شأني أنا وحدي.”
“قلتُ لكِ، لا داعي لذلك. كلّما حَبَستِه أكثر، ساءت حالته.”
“أتتمنّى له السوء؟ إن لم تكن تقلق عليه، فغادر من فضلك.”
حدّقتُ فيه برجاء مكبوت. كنتُ أعلق بعض الأمل طيلة الأيام الماضية، ظنًّا أنّه ندم على قسوته الأولى، وأنه قلق على رودسيل كأي أبٍ طبيعي، لكنّ ذلك الأمل تلاشى بالكامل.
“حسنًا. سأغادر إذًا.”
“أنا… لن أستطيع أن أحبّك. إنّي أكرهك.”
أخبرته بما في صدري، فبدت على وجهه صدمة خفيفة، ثم زفر تنهيدة قصيرة وخرج.
دخلت فيليس بعده بوجهٍ متجهّم.
“سيّدتي، يبدو أنّ أمرًا جللًا وقع في القصر الإمبراطوري.”
“أمر جلل؟”
“نعم. في اليوم نفسه تقريبًا الذي أغمي فيه على رودسيل، أو في اليوم التالي، سقط وليّ العهد مغشيًّا عليه.”
رفعت حاجبيّ بدهشة.
هل يُعقل أنّ ما أصاب رودسيل مرضٌ معدٍ بين الأطفال؟
“ما الأعراض؟”
“قيل إنّه تقيّأ دمًا، كما لو أنّه تناول سمًّا.”
خمدت آمالي الضعيفة تمامًا.
“تقيّأ دمًا؟ هذا خطير فعلًا.”
“نعم، وقيل إنّه لم يفق بعد، والقصر يعيش حالة توتّر.”
“أفهم.”
راقبتني فيليس للحظة قبل أن تضيف بصوتٍ متردّد:
“ولهذا السبب، أوكل الإمبراطور التحقيق إلى الدوق نفسه.”
“الإمبراطور؟”
“نعم، ويبدو أنّه مشغول جدًّا بهذا الأمر.”
الآن فهمتُ لماذا بدا وجهه مضطربًا حين غادر.
“فيليس.”
“نعم، سيدتي؟”
“مهما حدث… لا أريد سماع أي تبرير له.
لا أعذار تبرّر ما فعل.
مهما كانت الأسباب، لن يتغيّر شيء.”
خفضت فيليس رأسها بأسف.
“لقد تجاوزتُ حدّي في الكلام. أعتذر.”
“لا بأس. أريد أن أركّز على رودسيل فقط.”
“مفهوم.”
تلك كانت نهاية الحديث، ولم تتحدث فيليس بعدها.
ومنذ ذلك الحين، أخذ رودسيل يتحسّن يومًا بعد يوم، لكنّه بدأ فجأة يُغمى عليه مرارًا، كما لو كان آلةً تفرط في العمل ثم تتوقف.
عجز الأطباء عن تفسير حالته وتجنّبوني خوفًا، إلى أن فرّ أحدهم بعد أسبوع، قائلاً إن عليّ مقابلة الدوق لمعرفة الحقيقة.
اضطررتُ أن أترك رودسيل وحده لأستحمّ سريعًا قبل مقابلته، بعد أيّام قضيتها بجواره دون راحة.
لقد نصحني الجميع بالاسترخاء، لكن قلبي كأمّ لم يطاوعني على ذلك.
كنتُ على وشك سؤاله عن حالة رودسيل، لكنّ هيئته القاتمة حجزت لساني.
بعد صمت طويل، قال:
“يُقال إن إحدى وصيفاتك خرجت مؤخرًا من القصر.”
“وماذا في ذلك؟”
“لماذا فعلتِ ذلك؟”
“ماذا تقول؟”
هل يتحدث عن تتبّعي لكلوي؟
“لم يكن أمامي خيار آخر.”
“لم يكن أمامك خيار؟ أهذا عذر لإحباطي؟”
ما الذي أصابه فجأة؟
“بأي شيء خيّبتُ أملك؟”
“ظننت أنّك تتغيرين تدريجيًا… وأنكِ قد تحبّينني يومًا. كنت أظن أنّك ستصدّقين حبي، لكن…”
لماذا يقول هذا الآن؟
‘هل لاحظ أنّني أميل إليه؟’
حدّقتُ فيه بقلق، لكنه عضّ شفته وزفر بعمق.
“هل ترغبين بالطلاق بهذا الشكل؟”
“طلاق؟ ماذا تقول؟”
“تتصرفين كأنك لا تعلمين، بعد أن قدمت أوراق الطلاق؟ إلى أيّ مدى تنوين إذلالي، نيديا؟”
“أوراق الطلاق؟ أنا؟”
نظر إلي بدهشة أكبر.
“تأكدتُ من خروج وصيفتك عدة مرات.
أليست هي من أرسلتها لتقديم الأوراق؟ لقد كرهتني فجأة أكثر، وأخذت تلك الأوراق التي أعطيتك إياها، فظننت أنّك تدستين على آخر مشاعري.”
صُدمت تمامًا.
“هل جننت؟”
“ماذا تقصدين؟”
“كيف أقدّم أوراق الطلاق وأنا راضية تمامًا عن حياتي؟”
“إذًا… لستِ أنت من قدمها؟”
في تلك اللحظة، تذكرت كلّ كلماتِه الغريبة السابقة…
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 61"