لو أنّ “كلوي” قالت منذ البداية إنّها لا تملك قوّة الشفاء، ومع ذلك أعلنت أنّها ستبحث عن وسيلةٍ لإنقاذ ابني، فهل كنتُ سأقدر على ألّا أكرهها؟
لو أنّها لم تعتبر ابني، ولا هذا العالم بأسره، مجرّد عالمٍ من حروفٍ مطبوعة، ولم تتعامل مع الناس كأنّهم ليسوا بشراً، فهل كان كلّ شيءٍ سيتغيّر؟
ربّما عندها، ما كنتُ لأحمل تجاهها هذه الكراهية، وما كنتُ لأتمنّى أن لا يتحقّق لها أيّ شيءٍ في حياتها.
“فشلتِ، هكذا قولي ما تشائين. لكن النصر سيكون لي.”
“حسنًا. تشجّعي يا كلوي. أتمنّى أن يتحقّق ما تريدين. لقد سمعتُ كلّ ما يكفي، لذا سأغادر الآن.”
تُرى، وهي التي يُمجّدها الناس بوصفها قدّيسة، ما الذي كانت ترغب في تحقيقه حقًّا؟
ما زلتُ لا أعلم.
في تلك اللحظة، وقفتْ “كلوي” في طريقي وأنا أهمُّ بالمغادرة.
“سيّدتي، إلى متى تظنّين أنّكِ ستبقين في هذا المكان؟”
“أتشعرين بالخوف؟”
“الخوف؟ أبدًا.”
كانت ملامحها خبيثةً إلى أقصى حدّ، ومع ذلك بدتْ أكثر سعادةً من أيّ وقتٍ مضى.
“لنقل إنّه مجرّد تحذير.”
“ولِمَ؟ أتظنّين أنّكِ قادرةٌ على انتزاع مكاني؟”
“من يدري؟ لكنّ هذا المكان لا يليق بكِ.”
“وهل تظنّين أنّه يليق بكِ أنتِ؟ لو قلتِ لي ذلك حين لم أكن أرغب في هذا المكان أصلًا، وطلبتِه لنفسك، وقلتِ إنّكِ رغم افتقاركِ لقوّة الشفاء ستحاولين إنقاذ ابني، لكنتُ تخلّيتُ عنه لكِ طوعًا.”
ارتعشَتْ عضلاتُ وجه “كلوي” عند تلك الكلمات.
“لو أنّكِ أظهرتِ ولو ذلك القدر القليل من النِّيّة، لكان كافيًا. لو بذلتِ هذا المقدار فقط من المشاعر، لكنتُ وهبتُكِ مكاني بسعادة.”
“وهل تفكّرين الآن في منحي إيّاه؟”
“لا. فات الأوان.
لقد رغبتُ به أخيرًا. لذا، إن كان لديكِ ما تريدين فعله، فافعليه كما تشائين. و”كلوي”، كُفّي عن التمسّك المثير للشفقة هذا، وغادري من تلقاء نفسك.
وإن واصلتِ العناد، فقد أضطرّ إلى جرّكِ للخارج بنفسي.”
وبعد أن قلتُ كلّ ما في نفسي، خرجتُ من الغرفة.
لكن على غير توقّعي، كانت “فيليس” تقف مع “ميا” أمام الباب.
“قالت إنّها لن تغادر مهما كان.”
“فهمت. ميا، هل أنتِ بخير؟”
“ليس من شأنكِ، أيتها السيّدة!”
“سيّدة؟! مهما كنتِ صغيرة، لا يجوز أن تتحدّثي هكذا…”
صرخت “ميا” بشدّة، ولم تُبدِ أيّ تراجع.
“الطفلة لا تُلام، فهي لا تعرف. المسؤوليّة تقع على من يرعاها. ميا، ألا تدركين أنّ تصرّفاتكِ هذه ستؤذي أمّكِ؟ أهذا لا يهمّكِ؟”
قلتُ ذلك مبتسمةً وأنا أحدّق بها من علٍ.
“وهل يُهمّني؟! أنتِ مجرّد دوقةٍ تافهة!”
أن تكون بهذا القدر من الوقاحة، وأن تتجرّئي على مناداتي “بالتافهة”، فهذا يعني أنّكِ التقيتِ بمن هو أرفعُ منّي شأنًا.
‘في تلك اللحظة تذكّرتُ الرسالة التي قالت “كلوي” إنّها تلقّتها من القصر الإمبراطوري.’
“إذًا لم تَعدْ هناك حاجة لأن تتصرّفي معي بلُطف. أحقًّا التقيتِ برجالٍ أعظم مقامًا؟ أم أنّني في نظركِ مجرّد امرأةٍ عجوز؟”
“أمّاه…”
“ميا!”
خرجت “كلوي” من الغرفة متأخّرةً، وأسرعت باحتضان ابنتها.
“ولِمَ لا تدعينها تكمل؟ لقد كانت تقول أشياء مثيرةً للاهتمام. يبدو أنّكِ يا “كلوي” عدتِ من مكانٍ عظيم. الرسالة لم تكن آخر ما حصلتِ عليه، أليس كذلك؟”
‘واصلي فقط، يا كلوي. وامنحيني مزيدًا من التلميحات كي أصل إلى الحقيقة بنفسي.’
“هيا بنا يا فيليس.”
“نعم، سيّدتي.”
وانتهى الأمر هناك.
‘ما زلتُ لا أفهمكِ يا كلوي. ما الذي تريدينه بالضبط؟’
في النهاية، لعلّها تريد أن تُنهي القصّة كما كُتِبَت في الرواية.
لكنّني لن أسمح أبدًا أن يكون ابني الشريرَ المزعوم في تلك الصفحات.
قبضتُ على قبضتيّ بقوّةٍ وعدتُ إلى غرفتي بعزمٍ جديد.
—
بعد أيّامٍ قليلة،
بدأ الصباح على فنجان شايٍ مع الدوق. بات حضورُه لجلسة الشاي الصباحيّة عادةً، يجلس أمامي ويُقلّب الأوراق بهدوء.
“أليس من الأفضل أن تُنجز هذا في مكتبك؟”
“لو فعلتُ، لما رأيتُكِ. ألا يُزعجكِ وجودي؟”
“ربّما لا. فوجودُ شخصٍ آخر أفضل من شرب الشاي وحيدةً… ربما.”
رغم أنّي أقنعتُ نفسي بألّا أسمح للحبّ أن يتسلّل إلى قلبي، إلّا أنّه كان يفعل دون إرادتي.
في الماضي كنتُ سأطلب منه الخروج دون تردّد، أمّا الآن…
‘هو وسيمٌ حقًّا.’
انجرفت عيناي نحوه بلا وعي.
وسامته لا يُنكرها عقلٌ ولا قلب.
إنّه يعرف تمامًا أيّ زاويةٍ تُظهره بأبهى صورة، وأيّ حركةٍ تزيد من جاذبيّته.
‘هاه… لا، ليس وسيمًا، عيناه ضيّقتان كعيني قطّ… لا، توقفي!’
هززتُ رأسي بقوّةٍ لأطرد أفكاري تلك، لكنّ الأمر لم يدم طويلًا.
“سيّدتي!!”
كان يومًا صافياً وجميلاً، يومًا كنتُ أظنّه سيكون هادئًا بلا قلقٍ على ابني.
“الدوق الصغير… لقد… لقد أغمي عليه!”
كالإعصار، ضربني الخبر.
وضعتُ كوب الشاي جانبًا، وأسرعتُ إلى “رودسيل”.
قالوا إنّه أغمي عليه بعد أن أنهى دراسته وهمَّ بالنهوض من مقعده.
كانت تلك المرة الثانية التي يسقط فيها أمامي، ورغم مرور التجربة الأولى، فإنّ هذا الألم لا يُعتاد أبدًا.
“يا صغيري…”
حتى لو تكرّر الأمر مئات المرّات، فلن أعتاد رؤية ابني هكذا.
حين رأيتُه ممدّدًا على السرير، اجتاحني اليأس من جديد.
كان الدوق هذه المرة حاضراً، فاستدعى الطبيب بنفسه، بينما بقيتُ أنا إلى جوار الطفل أمسح شعره بيدي.
“ظننتُ أنّ كلّ شيءٍ سيكون بخير، فلماذا…”
دموعي انهمرت.
لماذا مرضت مجددًا؟
هل أنا السبب؟
هل كان عليّ أن أظلّ حاضنةً له لا أتركه لحظة؟
ربّما لهذا السبب لم تسمح “نيديا” لأيّ أحدٍ بالاقتراب من “رودسيل”.
كلّ شيءٍ كان يبدو وكأنّه خطئي.
“سيكون بخير.”
عاد الدوق بعد حديثه مع الطبيب واقترب منّي.
“ماذا قال؟ لماذا حدث هذا؟ هل هو مريض؟ هل الأمر خطير؟”
“لا شيء خطير. مجرّد حالاتٍ يمرّ بها الأطفال أثناء النمو.”
“أيّ أطفالٍ ينهارون من الإرهاق هكذا؟ ما السبب؟ هل هو نفس السبب السابق؟”
“لا، هذه المرة مختلفة تمامًا. لذا لا تقلقي.”
كان يتحدّث ببرودٍ تامّ وكأنّ الأمر لا يعنيه، فأحسستُ بالغضب يشتعل في صدري.
“كيف يمكنك أن تكون بهذا الهدوء؟ كيف تتحدّث وكأنّ ما يحدث لا يهمّ؟”
“لأنّه لا يستحقّ القلق.”
“كيف لا يستحقّ؟! إنّه طفلنا وقد أغمي عليه! كيف يمكنك أن تقول إنّه لا شيء؟!”
“يبدو أنّكِ متوتّرة. حاولي أن تهدئي.”
قبل فترةٍ قصيرةٍ فقط ظننتُ أنّه تغيّر، صار أكثر إنسانيّة.
لكنّ هذا الهدوء البارد أعاد إليّ صورته القديمة، صورة الدوق الذي لا يهتمّ بآلام الآخرين.
“حين يمرض الطفل، لا بدّ أن يكون أحدنا متماسكًا، هذا أفهمه. لكن ألا يمكنك أن تقلق قليلًا فقط؟”
“لأنّ الأمر لا يستحقّ القلق.”
كلماته كانت دائرةً مغلقة، مهما قلتُ لا يُغيّر رأيه.
ابننا سقط مجددًا، ومع ذلك لم يبدُ عليه أيّ قلق.
“لا أريد أن أتحدّث أكثر. كنتُ أظنّ أنّي بدأتُ أحبّك، لكن يبدو أنّي أعود الآن إلى كراهيتك. سأبقى إلى جانب “رودسيل”، أمّا أنت فاذهب، فعملك أهمّ منّا على ما يبدو.”
كان بإمكانه أن يُنكر، أن يقول “لا”، لكنّه اكتفى بكلمة “حسنًا” وغادر الغرفة.
“سيّدتي…”
لم يبقَ إلى جواري سوى “فيليس”.
“هل أنا من أخطأ؟ هل كلّ ما أفعله خطأ؟”
“لا يا سيّدتي. لا تقولي هذا. لا تدمّري نفسكِ هكذا.”
“أجل…”
لو أنّ الدوق قال تلك الكلمات فقط، لكان الألم أخفّ.
تلك الكلمات وحدها كانت كافية.
‘لكن ما الذي كنتُ أرجوه منه؟’
تبدّدت الذكريات الجميلة الأخيرة كالدخان.
القلق على ابني كان ينهشني من الداخل.
‘لو فقط، كما في المرة السابقة، أستطيع أن أتحمّل ألمَه بدلًا منه… لكان كافيًا…’
لكن المعجزة لا تزور الإنسان مرّتين.
الطبيب أعطاه الدواء كالسابق، لكن الفرق أنّهم هذه المرة لم يُخبِروني بأيّ شيء.
لا شكّ أنّ الدوق أمرهم بذلك.
وغدت نار الغضب في داخلي تتأجّج أكثر فأكثر.
مكثتُ إلى جواره ساعاتٍ طويلة بلا طعامٍ ولا نوم.
حلّ الليل، و”فيليس” ترجوني أن آكل ولو قليلًا، لكنّي رفضتُ.
عندها، سمعتُ صوته الضعيف.
“أمّي…”
“رودسيل…!”
كان الأمر مختلفًا عن المرة السابقة، فقد استعاد وعيه بسرعةٍ هذه المرة، كما لو أنّ كلام الدوق كان صحيحًا.
“صغيري، هل أنت بخير؟”
“أنا متعبٌ قليلًا… لكن بخير.
أمّي، ما بكِ؟ هل حدث شيء؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 60"