كان من الممكن أن يوبّخ رودسيل على صرامته، ولكن ربما لأن الطفل كان مريضًا، لم يُمسّه بسوء، بل اكتفى بتصرف يدل على تفهّمه له.
“رودسيل.”
“نعم، أمّي!”
“ألا تحبّ أبيك؟”
هزّ الطفل رأسه الصغير الدائري نفيًا.
“لا…”
“إذن، لماذا تتحدث إليه بتلك الطريقة القاسية؟”
“ليس الأمر أنّي أكرهه، بل شعوري تجاهه ليس جيدًا الآن…”
تسرب القلق إلى صدري.
هل ما زالت آثار السحر الأسود عالقة بجسده؟
ربّتُّ على ظهره برفق ثم أبعدته قليلًا عن صدري.
“هل لا يزال جسدك يشعر بأيّ شي غريب؟”
“غريب؟”
“نعم، في كل شيء، سواء شعورك أو حالتك الجسدية أو مزاجك.”
“همم… أمّي، بعد أن استيقظت، شعرت أنّ جسدي أخفّ كثيرًا.
في الحقيقة، كلما مررتُ بتلك التجربة الغريبة معكِ، كان جسدي يثقل.
أما الآن، فقد أصبح خفيفًا.”
كان يبدو جادًّا في كلامه، وعيناه الحمراوان الكبيرتان لا تحملان أي أثر للكذب.
“حقًّا؟”
“لكن مزاجي ليس جيّدًا تمامًا.”
“ولماذا ذلك؟”
“يتقلّب فجأة.
أكون سعيدًا ثم أغضب بلا سبب. أتمنى لو كنتُ كلّ ما يخصّك، ولو لم يكن الأمر ممكنًا، لكانت أمّي طريحة الفراش إلى الأبد… لا أعني ذلك حرفيًا، لكن شعوري هكذا.”
شعرتُ بارتباك خفيف من صدقه البريء.
هكذا إذًا يكون شعور التعلّق والرغبة في التملّك.
هكذا كان ينظر إليّ سابقًا.
“فهمت.
جسدك بخير إذن، أليس كذلك؟”
“نعم! أعتقد ذلك. جسدي بخير، لكن رأسي يشعر بشيءٍ غريب.”
هل هذه من آثار السحر الأسود؟
اطمأننتُ لأنّ جسده بخير، لكن قلقي عاد بسبب ما شعر به في رأسه.
“لكن لا تقلقي، حقًّا.”
“أخشى أن تسقط فجأة كما من قبل. لقد كان ذلك مرعبًا حقًا.”
“الآن شعوري أفضل لأنكِ تهتمّين بي.”
“اوعدني، إن شعرتَ بأيّ شيء غير طبيعي، أن تخبرني فورًا، فهمت يا رودسيل؟”
“نعم!”
ابتسم ببراءة عندما التقت عيناها بعينيّ.
نعم، لن يحدث شيءٌ بعد الآن.
لا أعلم كيف تعافى رودسيل، لكنّي متأكدة أنّه ليس بسبب السحر الأسود، فالاستجابة هذه المرة اختلفت.
السحر الأسود يفسد الروح ويجعل المرء أنانيًا لا يرى سوى نفسه.
‘أو ربما… أبرّر لنفسي فقط.’
ربما أحاول إقناع نفسي أنّ ما حدث له لم يكن بسببي، ذاك العذر البسيط الذي أستعمله لتهدئة قلقي.
“على الأقل، اليوم شعوري أفضل!”
“وهذا يبعث الطمأنينة.”
“أريد مراجعة ما درستُه بجانبك، أمّي. إذا أصبحت أذكى من أبي، هل ستحبّينني أكثر؟”
“كلا، أمّك تحبّك بالفعل كما أنت، يا رودسيل.”
تورّدت شفتاه ببراءة طفولية.
“لكن بعد مرضي، صرتِ تنظرين إلى أبي كما كنتِ من قبل.”
“أنا؟”
“نعم، بل إنّ أبي أيضًا تغيّر.
كان لا يهتمّ بما تفعلين، والآن نظراته نحوك مختلفة. لذا سأفوز عليه، وسأجعل أمّي لي وحدي.”
“همم…”
حاولتُ إنكار ما قاله، لكن شعرت أنّه لن يصدقني.
“رودسيل.”
“نعم!”
“إذن، كن شخصًا أعظم من أبيك، من أجل أمك.”
“لا تقلقي!
سأصبح أطول منه قريبًا، وسأكون أفضل منه!”
“هاها، ولتحقّق ذلك، عليك أن تبدأ تدريب السيف، أليس كذلك؟”
“نعم!”
“رائع. وهل الدراسة مع المعلمين صعبة؟”
حينها خفّ بريق عينيه قليلًا.
“صحيح أنّها صعبة قليلًا، لكن أفكّر في أمّي، فأنطلق بطاقة.
لقد وعدت نفسي أن أكون ابنًا تفخر به أمّي!”
“وأمّك وعدت بذلك أيضًا.”
“بماذا وعدتِ؟”
“أن أكون دائمًا بجانبك.”
أن أبقيك الى جانبي بكل لحظة من نموّك، وأشهد كل ما تمرّ به.
أن أثبت هنا مهما كلّف الأمر.
“هذا بديهي!”
“أتمنى ألّا تمرض مجدّدًا، يا رودسيل.
حين مرضتَ، توقّف عالمي بأسره.”
“هه… أبي قال الشيء نفسه، وهذا يزعجني. أنتِ وأبي تتشابهان!”
نظر إليّ بوجهٍ عابس.
“في أي جانب؟”
“قال إنّ عالمه توقّف أيضًا بعد سقوطك.”
“آه…”
“أتعلمين؟ لقد تألّم أبي كثيرًا.
كان خائفًا جدًا من فقدانك.
لستُ أقول هذا لتكوني لطيفة معه، لكن شعرت أنّه سينهار.
يحبّك كثيرًا، وأنا قليلًا فقط، لكن لا أريد أن يتأذّى أحد.”
أن تسمعي صدق قلبه الصغير…
كنتُ أظنّ أنّه لا يمتلك مشاعر حقيقية، لكن أفعاله كانت دليلًا على عكس ذلك.
‘هل حقًا هو صادق؟’
وإذا كان صادقًا، وإن كنتُ أنا أحبّه أيضًا…
فهل سيكون من الخطأ أن نرتبط؟
هززتُ رأسي.
لقد أحبّت نيديا الدوق لعقد من الزمن، ولم يبادلها الحب.
كيف له أن يحبّني الآن، وأنا لم أكن مختلفة عنها إلّا قليلاً؟
الحبّ لا يتغيّر بسهولة.
أن نكون معًا أمرٌ بعيد عن الواقع، لذلك عضّيتُ شفتيّ بصمت.
الحياة مع من تحبّ…
حلمٌ لا يناسبني ولا يناسب نيديا.
“لن يمرض أحد بعد اليوم، أليس كذلك يا رودسيل؟ هل تثق بأمّك؟”
“نعم! سأدرس هنا الآن!”
كما قال، ظلّ مزاجه يتقلب، فبعد لحظات من الكآبة بدا فرحًا من جديد.
“حسنًا، لا تبتعد عنّي كثيرًا، وواصل الدراسة بجانبي.”
“نعم!”
جلستُ على السرير أراقبه.
كان مستلقيًا بجانبي، يقلب صفحات الكتاب بيديه الصغيرتين.
‘هذا حقيقي وليس حلمًا.’
كانت الأيام الماضية مليئة بالارتباك والفوضى.
لم أصدق أنّي فقدت الوعي، أو أنّي لم أستيقظ أيّامًا طويلة.
كلّ شيء بدا حلمًا، حتى استيقاظ رودسيل وابتسامته بدت لي وهمًا.
لكن الآن فقط أستعيد إحساسي بالعالم.
ابني بخير، والسحر الأسود قد تلاشى تمامًا.
صحيح أنّ هذا لا يغفر ذنبي، لكنّنا عدنا إلى البداية.
‘هل يحقّ لي أن أسير مع مستقبله؟ هل أستطيع؟’
أريد ذلك.
حتى لو كانت كل الأحداث كما لو أنّها رواية، أريد أن أعيش الحاضر.
لا أريد عالم الحروف، بل هذا العالم الحقيقي.
أريد أن أطمع قليلًا…
‘لا، لن أطمع. سأكتفي بالعيش في الحاضر بامتنان.’
مددت يدي وربّتُّ على شعر رودسيل برفق.
—
بعد مرور ثلاثة أيام إضافية، استطعت التحرك أخيرًا.
ومع أنّ الدوق بالغ في حرصي فلم يسمح لي بمغادرة الغرفة، إلّا أنّي شعرت بالامتنان لأنّي أستطيع الجلوس مجددًا قرب النافذة.
“هل أحضر لكِ الشاي؟”
“نعم.”
يا له من شعورٍ جميلٍ وبسيط!
لكنّ النافذة كانت مغلقة بإحكام، فانتظرتُ خروج فيليس وفتحتها قليلًا.
غير أنّها عادت بسرعة ومعها إبريق الشاي، وأغلقت النافذة فورًا.
“فيليس… أريد أن أشمّ الهواء قليلًا.”
“حالُك لا يسمح بذلك بعد. لو أصابتك نزلة برد، فماذا سنفعل؟ هذا ممنوع تمامًا.”
“لكنّي تعافيت تقريبًا…”
تمتمتُ متذمّرة، لكنّها لم تصغ لي، بل أجابت بصوت مرتجف يحمل ألمًا دفينًا:
“سيّدتي… كلما تذكّرت أنّك ربما لن تنهضي مجددًا… أشعر بالرعب.”
ارتجف صوت فيليس القوي دائمًا، فأفاقتني سرعتي من تهاوني.
“حسنًا، سأكون حذرةً حتى أستعيد صحّتي تمامًا.”
“أشكرك لأنّك تفهمينني.”
شعرت بالخجل لأنّي جادلتها رغم قلقها عليّ.
ولكي أغيّر الجو، نقرت على العلبة الصغيرة الموضوعة على الطاولة.
“تُرى، ماذا حلّ ببيبي؟”
“بيبي؟”
“نعم، الطائر الذي كان يزورني دومًا.”
“طائر؟”
“نعم، كان ذا ألوان غريبة وجميلة.”
لكن فيليس هزّت رأسها نافية.
“لا أتذكر شيئًا من هذا القبيل.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"