في المعتاد، كنتُ لأطرح عليه أسئلة حول ما يريد قوله، لكن اليوم لم أشأ معرفة أيّ شيء. كلّ ما رغبتُ به كان أن أبقى وحدي، في هدوئي الداخلي.
لذلك، لم أنطق بأيّ سؤالٍ بينما استدار مبتعدًا، بل ركّزتُ نظري مجددًا على رودسيل.
الغرفة كانت غارقةً في صمتٍ مطبق، لا يُسمع سوى صوت احتراق الحطب. في هذا السكون العميق، أمسكتُ بيد الطفل الصغيرة بحنانٍ شديد.
“فقط اليوم… اليوم سأكون أمًّا سيئة، يا صغيري.”
غدًا سأحقن في جسده السحر الأسود. وإذا كان ذلك سيُبقيه حيًّا… فما قيمة موتي إذًا؟ لقد كنتُ سعيدةً بفضله، سعيدَةً بكل يومٍ مرّ.
“يا للعجب، يا صغيري، كيف صرتُ أحبّك بهذا العمق؟”
أنا لستُ أمّه الحقيقية، أنا روحٌ مستعارة فقط. ومع ذلك، أحببتُه من أعماق قلبي بطريقة لم أتخيلها.
ابتسمتُ بخفّة وأنا أحدّق في رودسيل النائم بعمق، بلا حراك.
“يا صغيري، أعلم أنّ أمّك تحبّك بصدق. ولهذا أشعر بالأسى تجاه كل لحظة كهذه.”
حقن جسده الصغير بالسحر الأسود، دون أن أملك القدرة على تطهيره أو شفاءه، كان يُمزّق قلبي. لم أجد ما أستطيع فعله سوى تكرار السحر نفسه مرّة بعد أخرى… كان ذلك يُثقل قلبي بالألم والحزن، حتّى شعرتُ بأنّ التنفّس صار معاناة. الآن فقط أدركتُ معنى ألمٍ يائسٍ لا يُطاق.
“أنا… أنا فقط… كنتُ أتمنّى أن تنشأ كطفلٍ طبيعي، يا صغيري.”
لا أعرف طفولته الحقيقية، ولا شكل ولادته، ولا أول مرة نطق فيها كلمة “أمّي”. كلّ ما أعرفه مجرد ذكرياتٍ من حياة امرأةٍ أخرى.
“ومع ذلك، يا رودسيل، يا طفلي العزيز، كنتُ أرغب أن أعيش ما تبقّى من حياتك معك. كنتُ أريد أن أكون هناك في يوم تمتطي فيه الحصان لأول مرة، لأصفّق لك بفخر. وعندما تمسك السيف بيدك، كنتُ سأرتجف خوفًا لكنّني سأذرف دموع الفرح لرؤيتك تكبر. وحين يأتي اليوم الذي تهوى فيه قلبك شخصًا آخر غيري، كنتُ سأودّعك بمزيجٍ من الحزن والفرح. أردتُ أن أكون جزءًا من كل تلك اللحظات.”
شدَدتُ شفتيّ حتى نزف الدم مجددًا، نتيجة القضم.
“ثم، عندما تجد شريكة حياتك وتتزوّج وتنجب أولادًا، أردتُ أن أكون أوّل من يركض نحوك، أكون جزءًا من حياتك السعيدة البسيطة.”
في الحقيقة، وعدتُ كلوي أن أُعطيها لقب الدوقة إذا شُفيت، لكنّ طموعي جعلني أريد أكثر من ذلك.
أردتُ أن أملك كلّ لحظاتك بعد أن تعافى جسدك، لأنّي أحببتك بلا حدود.
“حتى لو قدّمت كلّ ما أملك… أريد فقط أن أراك بصحّةٍ جيّدة. أردتُ أن أشفيك بكل قواي… لكن ما أستطيع تقديمه لك الآن ليس سوى الألم، يا رودسيل.”
وفجأة…
رغم إغلاق النوافذ، حلق الطائر “بيبي” إلى الداخل، وبدأ ينقر كفّي كما اعتاد.
“بيبي؟”
“رودسيل، هل تتذكّر هذا الطائر؟ إنه نفس الطائر الذي أمسكه من أجلنا ذلك اليوم.”
حتى مع ذلك، لم يكن الطفل ليستيقظ. ابتسمتُ برفق وربّتُّ على رأس الطائر الصغير.
“ليس هنا طعام يا بيبي. لا أعلم كيف دخلت، لكن اذهب إلى غرفتي، هناك حبوب تركتها لك.”
“بي؟”
رغم ذلك، لم يُبدِ نيّةً للرحيل، بل اكتفى بأن يُداعب كفّي برأسه الصغير. ظللتُ أربّت عليه طويلًا، حتى شعرتُ بحرارةٍ شديدة في كفّي، كأنّها تحترق.
حين فتحتُ عينيّ مذعورة، لم يكن بيبي موجودًا.
“بيبي؟”
اختفى كما أتى، بلا صوت أو رفرفة، كأنه كائنٌ سحريّ. لكن ما تغيّر هذه المرة أنّ حرارة كفّي كانت لا تُطاق.
وضعتها في الماء البارد، لكنّها لم تهدأ. الماء كان باردًا، ويديّ ما تزالان تحترقان.
“ما هذا…؟”
لم أستطع إيقاف الحرارة بأي وسيلة، فعُدتُ إلى رودسيل. ومع مرور الوقت بدأت أعتاد هذه الحرارة شيئًا فشيئًا، وتركز قلقي على رودسيل بدلًا من جسدي.
ازداد الليل عمقًا.
ابتسمتُ برفق وأنا ألتفت إلى الطفل.
“رودسيل، ماذا ستفعل إن هربت أمّك هكذا بينما تنام عميقًا؟”
بعد لحظة، تمدّدتُ بجانبه. كان يفرح جدًا حين أنام بجانبه… فاحتضنته بقوة وحنان.
“يا صغيري، كفّ عن جعل أمّك تقلق… استيقظ غدًا، سأوقظك بنفسي. لذلك دعنا ننام الليلة هكذا…”
كنتُ أعلم أنّ عليّ حقنه بالسحر الأسود بسرعة، لكن قلبي كان يرفض. شعرتُ أنّني إن فعلت، فلن أستطيع العودة أبدًا. كأن قوة غامضة تمنعني. لذا اكتفيت باحتضانه وأغمضت عينيّ.
ثم شعرت فجأة بالبرودة في جسدي، كأنّ حرارة جسدي انسحبت بالكامل. يديّ التي كانت حارّة حتى الألم أصبحت باردة جدًا. حاولت وضعها في الماء البارد، لكن الحرارة لم تهدأ.
“لماذا…؟”
لم يكن أمامي خيار سوى العودة إلى رودسيل، وشعرت أن قلقي عليه يفوق شعوري بالألم.
الليل ازداد عمقًا.
ابتسمتُ برفق وأنا ألتفت إلى الطفل.
“رودسيل، ماذا ستفعل إن هربت أمّك هكذا بينما تنام بعمق؟”
نظرتُ إليه، ثم تمدّدتُ بجانبه. كان يفرح كثيرًا عندما أستلقي بجانبه… فاحتضنته بين ذراعي بقوة وحنان.
“يا صغيري، كُفّ عن جعل أمّك تقلق… استيقظ غدًا، سأوقظك بنفسي. لذلك دعنا ننام الليلة هكذا…”
كنتُ أعلم أنّ عليّ حقنه بالسحر الأسود بسرعة، لكن قلبي رفض. شعرتُ أنّني إن فعلت، فلن أستطيع العودة أبدًا. كأن قوة غامضة تمنعني. لذا اكتفيت باحتضانه وأغمضت عينيّ.
ثم شعرت فجأة بالبرودة في جسدي، كأنّ حرارة جسدي انسحبت بالكامل. يديّ التي كانت حارّة حتى الألم أصبحت باردة جدًا. حاولت وضعها في الماء البارد، لكن الحرارة لم تهدأ.
سمعتُ وقع أقدامٍ مسرعة، ثم أحسست بمن يحتضنني بقوّة، وكأنّ الأرض تدور بي.
“أشعر بالدوار…”
“هل أنتِ بخير؟!”
“بالطبع أنا بخير… لمَ كل هذا القلق؟”
“كيف لا أقلق؟!”
“لكن رودسيل… صغيري… هل أنت بخير؟”
التفتُّ إليه.
“أنا بخير يا أمّي، لكن أنتِ، هل أنتِ بخير حقًّا؟”
“بالطبع بخير. لا تقلق، يا صغيري… لم يكن هناك ما يدعو للقلق.”
قلت ذلك رغم أنّني بالكاد كنت أملك القدرة على تحريك ذراعي. لم أستطع حتّى دفع الدوق الذي كان يضمّني. حلقي جافّ، كأنّي نمتُ في صحراء.
حين أنزلني على السرير، لاحظتُ أنّ وجهه تغيّر كثيرًا.
“لقد أصبحت شاحبًا جدًّا… ما بك؟”
كان وجهه بالأمس أكثر حيوية، لكن يبدو أنّه عانى كثيرًا.
“هل تعلمين كم ندمتُ؟”
“على ماذا؟”
“في تلك الليلة… كان عليّ ألّا أترككِ وحدك. كان يجب أن أجبرك على الراحة، أو أحضر الطبيب. لو فعلت، لما سقطتِ هكذا، ولما شعرتُ بهذا اليأس. لقد قضيتُ أسبوعًا أتعذّب بهذه الفكرة.”
“ماذا تعني…؟”
“لقد مضى أسبوع منذ أن غشي عليكي النوم، يا أمّي.”
قال رودسيل بهدوء.
“أسبوع…؟”
“نعم. لقد استيقظ رودسيل قبل أسبوع بالضبط، وبعدها مباشرة سقطتِ، تمامًا كما سقط هو، تتقيّئين دمًا.”
“لا أفهم… ظننت أنّني غفوتُ قليلًا فقط…”
“كأنّكِ تحملين مرضه عنه، وتحملتِ الألم مكانه.”
جلس بجانبي يهيّئ الوسادة، فيما التزم رودسيل بالتصاقي مراقبًا.
“أنا… نمتُ أسبوعًا كاملًا…؟”
“نعم.”
“أمّي أنقذتني! حلمتُ أنّكِ حضنتني في مكانٍ شديد البرودة، لكن دفء ذراعيكِ جعلني أرى طريق النور. مشيتُ فيه حتى استيقظت، وكنتِ بجانبي!”
“الأطباء قالوا الشيء ذاته… كأنّ مرض رودسيل انتقل إليك بالكامل، بكلّ أعراضه…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 54"