“لا أستطيع البوح الآن. الوقت غير مناسب بعد. حين يحين الأوان، ستسير الأمور كما في الرواية تمامًا.
ألا تلاحظين؟ منذ أن استيقظتِ على نحوٍ غريب، ووجدتُ نفسي هنا، لم تقع سوى أمورٍ خارجةٍ عن المألوف.”
تملّكني الذهول وأنا أراها تُلقي باللّوم عليّ.
“ما الذي تقولينه بحقّ السماء؟”
“أقصد، دعينا نترك كلّ شيء يجري كما هو. في النهاية، سيتعافى السيّد الصغير، ثم تمضي القصّة على نحوٍ مطابق لما كُتب…”
“هل تعنين أنّي سأموت؟”
“وما المانع؟ هكذا تسير القصص. حين يتغيّر شيء، تُولَد المفاجآت. لا داعي لأن تحزني، فالعالم هنا ليس إلا كلماتٍ على ورق، أليس كذلك؟ لسنا بشرًا حقيقيين، فلماذا الحزن؟”
غلى الدم في عروقي.
أيّ جرأةٍ هذه التي تجعلها تتلفّظ بمثل هذا الكلام؟
أتقول إنّ هذا العالم محضُ حروفٍ لا حياة فيها؟
“هل فقدتِ صِلتكِ بالواقع؟”
“بصراحة، سيّدتي… أنتِ أيضًا تتصرّفين هكذا هربًا من الموت، أليس كذلك؟ لا أرى فرقًا بيننا، فجميع المتجسّدين يتصرّفون على هذا النحو.”
“كلا. على عكسكِ، أنا أرى هذا العالم حيًّا حقيقيًّا. لا أفعل ذلك خوفًا من الموت، بل لأنّي لا أطيق رؤية رودسيل يتألّم.”
لكنّها اكتفت بهزّ رأسها ببرود.
“اتركي كلّ شيء يجري كما هو، سيّدتي، أرجوكِ. عندما يحين الوقت، ستظهر قوّة الشفاء من تلقاء نفسها، وسأضمن أن لا تموتي. لذا دعيني أبقى، فهذا هو الطريق الصائب.”
بلغ الأمر من الالتباس حدًّا جعلني لا أميّز بين من هي الدوقة ومن هي المربّية.
‘لكن ما الذي تعنيه بقولها إنّ قوّة الشفاء ستظهر لاحقًا؟’
لم أفهم مغزاها.
هل تعني أنّها بلا قوّة الآن، لكنها ستحصل عليها فيما بعد؟
ومع ذلك، بدا أنّها غير واثقة من نفسها.
أدركت أنّ كلّ سؤالٍ آخر سيكون عبثًا.
“سؤالٌ أخير يا كلوي، إن كنتِ تعلمين أنّ الأمور ستنتهي على هذا النحو، فلمَ قبلتِ أن تصبحي مربيةً لرودسيل؟”
“لأنّي لم أتوقّع أن تنحرف الأحداث بهذه الصورة. ظننت أنّ الفارق الزمنيّ الطفيف لن يؤثّر، لكنّني أدركت في النهاية أنّ كلّ شيء يجب أن يمضي كما في الرواية. لذا، سيّدتي، استخدمي السحر الأسود، سيشفى الطفل عندها. فلماذا ترفضين؟ أتودّين الموت حقًّا؟”
لا أعلم إن كانت تتحدّث لأنّها تعرف تسلسل الرواية، أم لأنّها التقت بفيسريو، لكنّني لم أشعر سوى بالاشمئزاز منها.
“يا كلوي، إنّكِ حقًّا مثيرةٌ للسخرية.”
“وما المضحك في كلامي؟”
“كلّ شيء. كلّ كلمةٍ تنطقين بها.
تزعمين أنّنا شخصيّاتٌ مكتوبة، ثم تتشبّثين بالحياة بهذا الهوس. إن كانت القصّة تسير وفق ما كُتب، فلن يضرّك الطرد، فأنتِ…
ستحصلين على مكاني في النهاية.”
تجمّد وجهها في صمتٍ متوتّر.
“أرأيتِ؟ أنتِ خائفة، لأنّ مجرى الأحداث بدأ يخرج عن حدود الرواية.”
“…”
“حسنًا، يا كلوي، أنا امرأة تفي بوعودها. سأسمح لكِ بالبقاء.”
“حقًّا؟”
نظرتُ إلى ابتسامتها الواسعة، وتذكّرتُ وجهها البارد الذي لم يُبدِ أيّ تعاطف مع ألم طفلي.
منذ البداية، كنت أنفر منها، ربّما لأنها لم ترَ في أحدٍ من هذا العالم سوى ظلالٍ لا روح لها.
‘لهذا كانت تحتقر فيليس وسائر الخادمات.’
كلّ ما مضى أثبت أنّها متجسّدة، وأنّ مشاعرها تجاه الناس هنا كانت مجرّد قشرةٍ من الادّعاء.
لذا، لم أجد داعيًا بعد الآن لأن أُعاملها بصدق.
“حين قلتُ إنّك ستبقين، قصدت أنّ بقاءك مؤقّت.”
“مؤقّت؟”
“نعم، لن تدومي هنا طويلًا. ستبقين فترة وجيزة فحسب. ومن الآن فصاعدًا، لن تقتربي من طفلي إطلاقًا.
ستظلّين في غرفتكِ بصمتٍ حتى يحين موعد رحيلك. هذا هو أقصى ما يمكن أن أسمح به لمتجسّدةٍ مثلك.”
“وتظنّين أنّ هذا سيبدّل شيئًا؟ في النهاية، لن يتغيّر قدرُك. ستموتين كما في الرواية.”
“ربّما. سيحين يومُ قصّتكِ المنتصرة يا كلوي، لكن إلى أن يأتي ذلك اليوم، سأعيش وفق قراري أنا. سأريكِ أنّ القصص ليست دائمًا محكومةً بما كُتب. لو كان القدر محتومًا حقًّا، لما وُجدتُ في هذا العالم من الأساس. والآن… اخرجي.”
فتحتُ الباب بيديّ.
شعرت “كلوي” بأنّ الجدال لم يعد ذا جدوى، فارتجف جسدها، وغادرت مسرعة، تصفق الباب خلفها بقوّةٍ كأنّها تفرغ ما تبقّى من كبريائها.
“هاه…”
ما إن اختفى صداها، حتى انهارت قواي وجلست إلى الأرض قرب الباب. لم تعد ساقاي قادرتين على حملي.
في هذا اليوم، أُطفئ آخر بصيص أملٍ في صدري.
ومع ذلك، لم أستطع طردها نهائيًّا، فثمّة جزءٌ صغيرٌ في داخلي ما زال يعتقد أنّها قد تمتلك قوّة الشفاء لاحقًا، كما زعمت.
وإن كان هذا محتملًا، فعليها أن تبقى قرب رودسيل.
هكذا استقرّ قراري، وهدأت نفسي على هذا اليقين.
مرّ زمنٌ طويل قبل أن أزحف إلى سريره وأجلس إلى جواره.
“ما الذي ينبغي لي أن أفعله، يا رودسيل؟”
إن منحتك السحر الأسود، فهل ستعود إلى الحياة؟
ولكن، هل ستكون تلك حياةً سعيدة؟
ربّما أهرب من الطريق الأسهل لأنّي لا أريد الموت، وربّما، وأنا أسعى لإنقاذك، أحرِمك من نعمة الحياة نفسها.
لا أدري بعد الآن، هل أفعل هذا لأجلك أم لأجل نفسي؟ أم أنّي أُقنع نفسي بأنّ الأمر من أجلك؟
كلّها أسئلةٌ تتلاطم في صدري كما تتلاطم الأمواج.
غاب عنّي إدراك الزمن حتى حلّ الليل دون أن أشعر.
“نيديا.”
سمعت وقع خطواتٍ هادئة، ثم أحسست بيدٍ كبيرةٍ دافئةٍ توضع على رأسي. كان الدوق.
“حلّ الظلام، سأبقى إلى جوار الطفل، فارتاحي قليلًا.”
“أريد البقاء مع رودسيل هذه الليلة.”
“إنّك تقلقينني، أخشى أن تنهاري أيضًا.”
“لا تقلق، أنا بخير. أنا أمّ، وأقوى ممّا تظنّ.”
“قبل أن تكوني أمًّا، أو امرأةً ناضجة، أنتِ إنسانة يا نيديا. وإن سقطتِ أنتِ وطفلك، فلن أحتمل البقاء. من أجلي، خذي قسطًا من الراحة.”
رفعتُ بصري نحوه، فعكست عيناه الصارمتان فراغًا لم أعهده فيه من قبل.
“أرجوك، ليلةٌ واحدة فقط.”
“حسنًا، لكن غدًا في الصباح، حين أعود، يجب أن تنالي قسطك من الراحة.”
“نعم.”
“والآن… نيديا.”
توقّف عند الباب، وكأنّ في صدره كلامًا لم يجرؤ على قوله بعد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 53"