“صحيح.”
“لكن، لماذا أتيتَ؟ ألسنا قد أنهينا زواجنا بلا تعقيد؟”
“الأمر هو…”
لم أستطع أن أقول شيئًا وأنا أراه يمرّر أصابعه على ذقنه.
كان جميل الطلعة إلى حدٍّ قاتل.
وجهٌ خالٍ من أيّ عيب. ولعلّ هذا ما جعل نيديا تهيم به حبًّا.
في الرواية، كانت نيديا تعيش في قلق دائم خشية أن يُعجب زوجها بامرأة أخرى، فصبّت كلَّ مشاعرها على ابنها. لكن بعدما وجدتُ نفسي في جسدها، أدركت أنّ نيديا لم تكن ترى في الدنيا أغلى من زوجها.
كانت تدور حوله ليل نهار، تبحث عن أيّ طريقة تكسب بها ودّه. لم تتورّع حتى عن الوسائل المذلّة. ومع ذلك لم يمنحها نظرة واحدة.
فلم تجد سوى أن تستغلّ ابنها.
فعلى الأقل حين كانت تستعمله، كان يلتفت إليها.
لم يُحبّها يومًا، لكنّه أحبّ ابنه بصدق.
صحيح أنّ في تربيته عيوبًا كما حدث قبل قليل، لكن حنانه على طفله كان عظيمًا. ولهذا فقط استطاعت نيديا أن تبقى بقربه.
لكن لا يعني ذلك أنّها كانت على صواب. فقد حاولت أن تجعل من ابنها وسيلة، وكانت بهذا أسوأ أمّ. وإنْ كان لها عذر، فجزء من قلبها المشوّه كان سببه ذاك الرجل.
“لِمَ تصمتين؟”
“لأنّك تركتِ شيئًا وراءك.”
“أنا؟”
“نعم.”
“لا حاجة لي به.
تخلّص من كلّ شيء.
لا أريد شيئًا يربطني بك.
كل ما أريده هو الخلاص منك.”
لو كان بوسعها الهرب، لرمَتْ حتى الذهب والجواهر. آه… لا بأس، أليس من الأفضل أن تستعيد بعضًا منها؟
‘لا، إن ذهبتُ لأجلها، قد لا أخرج بعدها…’
تخلّتْ بسرعة عن تلك الفكرة. لكن زوجها السابق لم يتراجع:
“عليكِ أن تستعيديه.”
“أيًّا يكن، فلن أعود.”
“بل ستعودين. لأنّك تركتِ أعزّ ما تحبّين.”
لا يمكن أن يقصد نفسه.
أجل، هو وسيم، لكن هذا كلّ ما لديه.
رجلٌ لم يملك من السحر سوى مظهره. لا أفهم كيف تعلّقت نيديا به أصلًا.
“ألم يشتق قلبكِ؟”
إنسان مثير للحنق.
فتح الدوق فمه بهدوء وكأنّه يجهل ما أشعر به.
لِمَ أنعم الله بكلّ هذه النعم على رجل كهذا؟
كتفان عريضان، ملامح كمنحوتة، عينان محمرّتان تتقطّر سحرًا. لكنني لستُ من تُغريه الوجوه. لا أريد أن أبيع مستقبلي لأجل طلعة جميلة.
“إن كنتَ أنت ما أفتقده، فالجواب قطعًا… لا.”
“لا أعني نفسي. هل بيننا شيء آخر يمكن أن تشتاقي إليه؟”
حين نطق بتلك الكلمات بثقة، شعرتُ بوجنتَيّ تسخنان. أردتُ أن أبدو ثابتة، لكن بدا كأنني خُذِلت.
“……إذًا، ماذا تعني؟”
“ابنكِ.
ذاك الذي أحببتِه أكثر من روحك.”
“آه…”
وما إن قالها، حتى اندفع رودسيل وارتمى في حضني.
“أمّي! كنتِ مشتاقة إليّ، صحيح؟ كنتِ تتمنين رؤيتي، أليس كذلك؟”
إنّه يعرف جيّدًا حبّ نيديا لابنها.
ويعرف أنّها لن تقدر على الهرب إن كان رودسيل حاضرًا.
“……رودسيل.”
“أبي قال إنّك لم تهربي.
فقط ذهبتِ في رحلة بعيدة. وإنّك لن تتخلّي عني أبدًا. صحيح؟ هذا صحيح، أليس كذلك؟”
هل قال ذلك ليحميه من الألم؟ كي لا يُجرَح؟
“أمّي… ألن تجيبي؟”
حدّقتُ بالطفل طويلًا.
لستُ نيديا، لكن أكثر ما شغل بالي بعد خروجي من قصر الدوق كان رودسيل. طفل في التاسعة، في عمر يحتاج أمّه بقدر ما يمكن أن يستغني عنها.
ولدٌ عاش في أحضان أمّه دومًا.
“رودسيل، الحقيقة هي…”
كيف أقول له: “هربتُ لأنّي خفتُ أن تقتلني”؟ كيف أواجه بذلك قلبًا غضًّا لم يعرف بعد قسوة الدنيا؟
وفجأة…
“نيديا. إن أردتِ أن تهربي، فافعلي. لكن كلّ خطوة لكِ سأجعلها جمرًا. وكلّ من يمدّ لك يدًا، سأقلب حياته جحيمًا.”
“أنت بلا رحمة.”
“إذن عودي معي. أو ارحلي ما شئتِ.”
غطّت ظلاله وجهي وهو يحدّق بي من علٍ، بفضل قامته الطويلة.
“لكن لن تتمكّني من الفرار إلى الأبد.”
“……إن متُّ، هل ستتركني؟”
“ذلك سيكون الأفضل.
لا أحتمل أن تكوني قرب رجل آخر.”
“بعد أن لم تُحبّني، تأتي اليوم وتقول هذا؟”
“الحبّ… سأبدأه الآن.”
يا للمهزلة.
“فما جدوى طلاقك إذًا؟”
“لأنّي حينها لم أُحبّك.”
“وهل ينبت الحُبّ فجأة؟”
حين تاقت نيديا لحبّه، لم يمنحها حتى نظرة.
“ربما كذلك.”
يا له من رجل متكبّر بغيض.
“أمّي، فلنرجع. سأكون ولدًا مطيعًا. وإن لم ترجعي… سأكسر ساقيك لأعيدك.”
[تخيلوا رياكشني واني عندي امتحان ثاني يوم ودَاقرا هذا الفصل]
“وإن فعل رودسيل ذلك، سأكسر ذراعَيك. يكفيني أن أبقيكِ حيّة إلى جانبي.”
كان يتكلّم كالكبار، وعيونه الصغيرة تلمع بالجنون. عيناه الحمراوان ازدادت حمرة، وزوجه السابق كان أكثر جنونًا منه.
“رودسيل…”
“ذاك الذي تُحبّينه فوق كلّ شيء يقول لك ذلك. فهل ستظلين ترفضين؟”
إنسان خسيس يستعمل طفلاً سلاحًا. نقطة ضعف نيديا كانت ابنها، وأصبحت الآن نقطتي أنا.
لم يمضِ وقت طويل منذ أن صرتُ مكانها، لكن حبّها لطفلها انسرب إليّ.
ذنب، قلق، ومشاعر كثيرة لولدٍ لم يعرف شيئًا من قسوة العالم.
لكن تردّدي طال، فأشار الدوق قائلًا:
“انقادِي بهدوء. إلا إذا أردتِ أن تصيري مثل ذلك الكاهن.”
كان الكاهن قد جُرّ إلى مدخل المعبد، يتوسّل مذلولًا، بعدما حاول أن يؤذيني. بخلاف ما كان يخطّط، بدا الآن بائسًا مستعطفًا.
‘أتُراكَ تريد أن تجعلني مثله؟ أجل. رجل يصرّح بأنّه سيعجز أطرافي ليُبقيني إلى جانبه… لن يتردّد.’
“الخيار ليس لكِ. الخيار لي. وأنا اخترتُك. فاتبعي أوامري بهدوء. لن أكرّر كلامي.”
رجل متغطرس لا يُطاق.
أحيانًا تكون الشائعات محض كذب، لكن كلّ ما قيل عن الدوق كان حقيقة.
إنسان لا يعرف رحمة ولا شفقة.
أكمل ما خلق الله من شياطين. لا يُفكّر إلا في مصلحته. لا يتردّد في قتل أحد.
في ساحات الحرب كان إلهًا، وفي الإمبراطورية كان كلبًا مسعورًا.
الوصف يليق به.
‘لا ينبغي لإنسان أن يعيش هكذا.’
غطرسته وقوّته ولقبه صارت عبئًا على الإمبراطور. فبيت الدوق يجب أن يكون خاضعًا، لكن كثرة مناصريه جعلت الإمبراطور يسعى لإسقاطه.
ولعلّ هذا السبب…
ميّا، التي التجأت إلى وليّ العهد هربًا من رودسيل المهووس بها، نالت إعجاب الإمبراطور، حتى عَدّها زوجة ابنه المستقبلية. ومن خلالها، ومن خلال ولع رودسيل بها، وجد وسيلة لإسقاط الدوق.
ثم تسلّلت ميّا إلى بيت الدوق متظاهرة بالطاعة، لتسرّب الأسرار وتدمّره من الداخل.
‘بيت الدوق… قشرة فارغة.’
اليوم هو أقوى البيوت، لكن في النهاية…
“ألن تتحرّكي إذن؟ أتريدين أن أحملك بنفسي؟ أم تفضّلين أن تري كلّ خطواتك تتحوّل إلى دربٍ من الشوك؟”
“سأعود! سأعود!”
لم يبقَ مهرب.
“أنتِ مطيعة… وهذا يعجبني.”
“……يعجبك؟”
أسوأ البشر مَن يتفوّه بكلمات حبّ وهو لا يُحبّ.
“عودتي هذه من أجل رودسيل، فلا تُسيئ الفهم.”
“كما تريدين. فليكن الآن هكذا.”
وفي النهاية، جلستُ في العربة راجعةً إلى قصر الدوق. وانتهى شهر واحد من هروبي.
ما إن جلسنا وأُغلقت الأبواب، حتى انطلقت. رودسيل التصق بي وأمسك بثوبي.
رؤيته هكذا أثارت فيّ ألمًا وغضبًا.
وفجأة، من نافذة العربة، رأيت ألسنة اللهب تعلو. المعبد، الذي احتميتُ به شهرًا، صار يلتهمه الحريق.
“حقًّا…”
“وجودكِ هو السبب.”
هل يتعمّد استفزازي؟ رجل بارع في إثارة الغيظ حتى بوسامته.
“وتُلقي اللوم عليّ! وأنت مَن أشعل النار! أطفئها، ولا تُضرّ الآخرين.”
“كما تريدين.”
“ولا تُؤذِ الكاهن.”
“ولِمَ؟”
“……لأنّه مهما كان، ساعدني.”
“تدينين لرجلٍ أراد استغلالكِ؟ يا لها من نزعة غريبة.”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"