هل يقرأ الأفكار؟ كيف عرف تمامًا ما دار في ذهني؟ ولماذا يبتسم بتلك الرقة؟
“تبدين متحفّزةً حذرة، كأنّني أغريكِ ثم أريد أن أكسر عنقكِ لمجرّد أن أراكِ ترتجفين.”
“توقّف عن قول أشياءٍ مرعبة كهذه.”
لو قالها غيره لظننتُها مزاحًا، لكنّ هذا الرجل لا يمزح. كان كلامه حقيقيًّا، يقطر صدقًا مروّعًا.
“ناديني بالحبّ المريع إذًا.”
“……”
“فلنتوقف هنا. لو واصلتُ أكثر، ستهربين.”
“وما فائدة الهرب وأنت ستجلبني مجددًا؟”
“على أيّ حال…”
رفع ذقنه كأنّه يمنّ عليّ بعطاءٍ عظيم.
‘أحيانًا أرى رودسيل نسخةً طبق الأصل عن أبيه.’
من جنونهما بالتفاصيل إلى تلك النظرات الغريبة المتشبّثة بالأشياء.
‘أنه وسيم… كلا، هو ليس وسيم! أبدًا ليس وسيمًا!’
لابدّ أنّ جسد هذه المرأة أفسد تفكيري أيضًا.
“ما بالكِ؟ هل علق شيءٌ بشعرك؟”
وفي تلك اللحظة، حين هززتُ رأسي بعنف، قبض الدوق على وجهي بكلتا يديه.
“اثبتي قليلًا.”
كم كانت يداه كبيرتين! كانت قبضته دافئة، حرارتها تسري في وجهي وتُلهب خدّيّ.
“لا أرى شيئًا عالقًا.”
“لا شيء، أرجوكَ أفلِتْ.”
وضعتُ كفّي فوق يديه.
لم أكن أشعر بخشونته حين لمس وجهي، لكن الآن بدا لي كأنّ كفّيه من حديد. حاولتُ أن أُبعدهما، لكنّهما لم تتحرّكا قيد أنملة.
“أيّها الدوق؟”
“وجهكِ طريّ على نحوٍ مدهش.”
كانت أصابعه الخشنة تُداعب خديّ برقةٍ شديدة، كأنّه يخشى أن يجرحني.
لم أكن أشعر تجاهه بشيء، لا محبّة ولا غيرها، ومع ذلك خفق قلبي بقوّةٍ تحت تلك اللمسة.
“فـ… فما هو طلبك إذًا؟”
“أريدكِ أن ترتدي الفستان الذي طلبتُ صنعه خصيصًا لكِ.”
“أتقصد أنّ عليّ الذهاب إلى الحفلة؟”
“لا. لكنّكِ أصبحتِ شديدة البساطة في لباسك مؤخرًا.”
شعرتُ بوخزةٍ في صدري.
مهما حاولتُ أن أعيش كنيديا، فلن أعتاد أبدًا على فخامة فساتينها.
كانت صعبة العناية، كثيرة الزخارف، حتى الغسيل لا يُجدي معها. فإذا تلوثتْ بشيءٍ تافه، تُتلف فورًا.
نيديا كانت تعتبر ذلك طبيعيًّا. بل كانت لا تلبس الفستان أكثر من مرة، حتى أنّ موظفي الصالون كانوا يرافقونها دومًا لتعديل فساتينها باستمرار.
كانت تشتري فستانًا بعد آخر وكأنّها تُقيم طقوسًا يومية للبذخ.
أما أنا… فلا أستطيع.
كنتُ أرتدي فساتيني القديمة مرارًا، ولم أحتمل فكرة إتلافها.
“ربّما أثّر عليّ هروبي الأخير. لم أعُد أحتمل الترف.”
“لو كنتِ هكذا آنذاك…”
“ماذا؟”
“لا شيء. لكنّكِ الآن صرتِ على النقيض تمامًا، لذلك ارتدي الفستان الجديد.”
فستان لا أستطيع حتى الأكل وأنا أرتديه… لأيّ سببٍ إذًا؟
“من يأخذ يجب أن يعرف كيف يُعطي، نيديا.”
“تقولها أنت؟ لستَ آخرَ من يحقّ له ذلك. لكن لا بأس، لن أجادلك. سأرتديه.”
“أودّ رؤيتكِ جميلةً.”
“كدمية؟”
“تمامًا.”
كان يسلك دومًا الطريق الخطأ حين يحاول أن يقول شيئًا لطيفًا.
ربّما لم يكن شريرًا في جوهره.
ربّما هو فقط، مثل رودسيل، يعاني من خللٍ في فهم المشاعر.
وإلا فإنّ خيبتي به ستكون مريرة.
“إذن هل انتهينا؟”
“نعم.”
“سأتحدّث أنا إلى كلوي.”
“……حسنًا. إذًا ما زال قلبك على حاله؟”
“نعم.”
“فهمت.”
غادر الغرفة بصمتٍ بعد أن أيقن أنّ إقناعي مستحيل.
أما أنا فاتجهتُ مباشرةً نحو كلوي.
لم يتبقّ على الحفلة سوى أسبوع، وكان علينا أن نبدأ التحضيرات في أسرع وقت.
“كلوي، سأدخلُ الآن.”
طرقتُ الباب وما إن سمعت صوتي حتى فتحتْه على الفور.
“سيّدتي!”
“هل أنتِ مشغولة؟”
“لا، أبدًا.”
“أريد التحدّث قليلًا، هل لي بالدخول؟”
أفسحت لي الطريق بسرعة، فدخلتُ الغرفة.
كانت ميّا ما يزال نائمة بعمقٍ هناك، وجهها شاحب وأنفاسها واهنة.
تمنّيتُ لو كانت قد تحسّنت منذ الأمس، لكنّ حالها لم يتبدّل.
‘أيعقل أنّها لا تستخدم قواها الشفائية؟ لماذا؟’
“سيّدتي؟”
نادَتْني كلوي حين رأتني أراقب الطفل بصمت.
“آه… كيف حال ميّا؟”
“بخير، على ما أظنّ.”
“تنام كثيرًا هذه الأيام.”
كانت كدميةٍ ناعسةٍ بيضاء البشرة، بشعرٍ ورديٍّ مجعّد كقطن الحلوى، وفي أحضانها أرنبٌ أبيض. منظرٌ يبعث على الشفقة والجمال معًا.
“ليته ينهض قريبًا…”
تنهّدت كلوي، وعيناها تلمعان بالحزن.
“ليس في العالم ما يؤلم كمرض طفلٍ تحبّينه.”
“صدقتِ.”
“لو كان بيدي قوةُ شفاءٍ سحرية، لجعلته أول من يبرأ. أليس كذلك، كلوي؟”
“بلى، سيّدتي.”
“مؤسفٌ أن لا وجود لمثل هذه القوى.
لكن تشجّعي، ما زال هناك أطباءٌ مهرة.”
ربّتُّ على كتفها مرّتين فبدت أكثر تماسُكًا.
‘إن كانت لا تُبدي أيّ ردّة فعلٍ حتى الآن، فربّما حقًّا لا تمتلك أيّ قدرةٍ علاجية.’
“لكن، سيّدتي… قلتِ إنّ لكِ أمرًا تودّين قوله.”
“صحيح. أعلم أنّكِ مشغولة بسبب ميّا، لكن هل يمكن أن تطلبي منّي طلبًا؟”
“قولي، تفضّلي.”
تردّدتُ قليلًا، ثمّ قلتُ:
“بعد أسبوعٍ من الآن سيُقام مهرجان تأسيس المملكة.”
“سمعتُ عنه. لم أحضر يومًا، لكن الجميع يقول إنّه حفلٌ مبهر.”
“أتودّين الحضور؟”
نظرت إليّ باستغرابٍ دون أن تفهم قصدي.
“كوني صادقة، أما كنتِ تودّين الذهاب؟”
“بالطبع، من لا يرغب بذلك؟ لكنّه ليس مكانًا لأيّ شخصٍ عاديّ…”
“حسنًا إذًا. كلوي، أريدكِ أن تذهبي مكاني.”
اتّسعت عيناها دهشةً، وبدت فيليس الواقفة جانب الباب مذهولةً هي الأخرى.
لم تكن قد سمعت شيئًا عن حديثي مع الدوق، فبدا الأمر كالصاعقة.
غير أنّها سرعان ما عضّت شفتها وأسدلَت نظراتها إلى الأرض مدركةً حدودها.
أما كلوي فبقيت تحدّق بي، وشفاهها ترتجف.
“أتقولين هذا حقًّا؟”
“نعم. ستذهبين بصحبة زوجي، وتحضرين الحفلة بدوري.”
“أتقصدين… أن أكون شريكة الدوق في الحفل؟”
“تمامًا. ألن تمانعي؟ وإن كنتِ ترفضين، فلن أُجبرك.”
لو كانت كلوي شخصيةً من روايةٍ، لما أضاعت فرصةً كهذه أبدًا.
فهي بحاجةٍ لأن تنسج خيطًا بينها وبين الدوق.
“كلا… ليس الأمر أنّني أكره ذلك، فقط…”
‘كما توقعت.’
لو كانت امرأةً عاديةً لساورها الشكّ في عرضٍ كهذا.
لكن كلوي، لم تُبدِ أيّ ذرةِ ريبة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 39"