“ليس رفضًا مني، بل عجزٌ عن ذلك. كنتُ أتوقُ فعلًا للذهاب، وأنتَ تعلم كم كنتُ أترقّب مهرجان التأسيس بشغف.”
“…….”
أطلق ضحكةً قصيرةً كأنّه لم يجد ما يقوله إزاء جرأتي.
“لا أفهم ما الذي تحاولين الوصول إليه.”
“لستُ أسعى لشيءٍ محدّد. ولا أطلب منك أن تفعل شيئًا على الإطلاق.”
كنتُ أعتزمُ أن أحقّق رغبة كلوي كما أرادت. سأقرّبها من الدوق تمامًا كما جرى في القصّة الأصليّة. فذلك هو السبيل الوحيد لخلاصي من هذا العالم، والطريقة الوحيدة لإنقاذ رودسيل من الهلاك.
“أتقصدين أن أذهب وحدي؟ أنا، الدوق، بلا شريكة؟”
“ذلك غير ممكن.”
رأيتُ في عينيه طيفَ ألفِ تساؤلٍ غامض.
“اذهب مع امرأةٍ أخرى.”
“……ماذا؟ امرأةٍ أخرى؟ أحقًّا تعنين ما تقولين؟”
“كلّ الجدّ. أتراني من النوع الذي يمزح في مثل هذا الأمر؟”
“هذا النوع من المزاح باردٌ ومزعج.”
“لم تكن دعابةً أصلًا.”
بيننا علاقةٌ بلا حبّ.
ورابطٌ يستحيل أن يزهر.
شيءٌ انتهى منذ زمنٍ بعيد. وأنا فقط أريد أن أخلق لك بدايةً جديدة.
“سأبحث لك عن شريكةٍ مناسبة. لذا، اذهب معها. كلوي مثلًا؟ سنّها ملائم، ولا تبدو من النساء اللواتي يخشينك.”
رأيتُ ملامح الانزعاج ترتسم على وجهه شيئًا فشيئًا.
“أتتكلّمين بصدق؟ ألن يهمّك إن ذهبتُ مع امرأةٍ أخرى؟”
“ربّما؟ لا أرى في الأمر مشكلة.”
“حقًّا لا أستطيع فهمك.”
ولا أنا نفسي كنتُ أفهمني. فمن ينظر إليّ سيظنّني متناقضةً حتى الجنون؛ يومًا أتشبّث بالدوق حبًّا، وفي اليوم التالي أدفعه نحو صدر امرأةٍ غيري.
من الطبيعي أن يشعر بالاضطراب. لكن لم يكن لي خيارٌ آخر.
إن لم يتقرّب الاثنان، فكلّ ما فعلتُه سيكون عبثًا لا طائل منه.
ورودسيل سيبقى مريضًا إلى الأبد.
“لا تُجهد نفسك بفهمي. فقط افعلْ ما أريده منك، كما وعدتَني من قبل.”
“أتقصدين أنّ حديثك منذ أيّام كان تمهيدًا لهذا؟”
أومأتُ برأسي، إذ بدا أنّ الأمر صار كذلك دون قصدٍ منّي.
“تلك الأيّام… كنتُ…”
هبط صوته، وقد ثقلته الغصّة المكبوتة. ثمّ أطلق تنهيدةً عميقة، كمن يحاول أن يخمد نيران قلبه.
“نيديا.”
“نعم؟”
اشتدّت قبضتاه بغتةً.
“هل تفعلين هذا عن قصد؟ لتستدرّي اهتمامي بهذه الطريقة؟”
أيّ اهتمامٍ يُستدرّ حين أبعثه إلى حفلٍ مع امرأةٍ أخرى؟ هززتُ رأسي نافيةً.
“ما حاجتي لاهتمام رجلٍ لا أحبّه؟”
لكنّه لم يُصغِ، كأنّ أذنيه قد أُغلقتا عمدًا.
“أو لعلّكِ…”
رفع عينيه فجأة، وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ غامضة تتلألأ بخبث.
“أتفعلين هذا لتؤذي كلوي بعد الحفل؟ لتُفرغي غضبكِ عليها؟”
“هاه؟”
يا لها من فكرةٍ عبقريّة!
إن تصرّفتُ بغيرةٍ طفيفةٍ وقلتُ كلامًا جارحًا، فستلوذ كلوي بالدوق دون وعيٍ منها، وهو بدوره سيكره سلوكي ويواسيها.
وجود عدوٍّ مشتركٍ كفيلٌ بتقريب الأرواح بسرعة.
وحينها، قد تنبت بينهما بذرةُ الحبّ التي أرجوها.
لم يخطر ببالي ذلك أصلًا، فحدّقتُ به بعينين متّسعتين دهشةً.
“ما تلك النظرة؟”
“لا شيء.”
“على أيّ حال، إن كان هذا ما تريدينه، فليكن.
لكن إن كنتِ تنوين إزعاجي لاحقًا، فقوليها الآن.”
“لن أفعل.”
“صادقة؟”
ظننتُ أنّ الحديث انتهى، لكن بدا أنّ في صدره ما لم يُقل بعد.
“سأنفّذ ما تريدين هذه المرّة فقط. بعدها، لن أتنازل مجددًا.”
“……تطلبين منّي حقًّا أن أذهب إلى الحفل برفقة امرأةٍ أخرى؟”
“نعم.”
“أتدرين كيف سيتحدّث الناس في المجتمع عن ذلك؟”
بالطبع أعلم. أنا أدرى الناس بتلك الألسنة.
“المرأة التي كانت تشتعل غيرةً إن اقتربتْ أخرى منّي…”
“صحيح، كنتُ كذلك. أمّا الآن، فلا.”
“لا أفهمك. وإن ذهبتُ مع كلوي، ألا يُضعف ذلك من مكانتي؟”
نطقه لاسم “كلوي” كان كطعنةٍ في قلبي.
أنا لا أحبّه، لكن نيديا كانت تفعل، فشعرتُ بوخزٍ حارقٍ يخترق صدري كلّما تنفّست.
“سيهليوس إيكارت، متى كنتَ تُبالي بنظرات الآخرين؟”
“…….”
“ألستَ أكثر رجال الإمبراطوريّة شرفًا ورفعة؟”
“كنتِ تقولين هذا دومًا، ولم أكن أحبّ سماعه. لكن الآن… لِمَ يبدو صوته بهذا الجمال؟”
“لأنّه الحقّ، لا مدحٌ فارغ.”
خفّت حدّة صوته وبهتَ بريق الغضب في عينيه.
“حقًّا لا أستطيع مجاراتك. كنتِ تشدّينني إليكِ، أمّا الآن فتمزّقين صبري. أحاول أن أنساكِ فلا أستطيع. أكاد أفقد عقلي.”
هل صرتُ ساحرةً دون أن أدري؟
‘وما جدوى ذلك الآن؟’
كم وددتُ لو أستعيد نيديا الحقيقيّة لأخبرها أنّ دوقها، الذي كانت تهيم به، صار أسيرًا لي. لتعود وتفعل ما تشاء. لكنّها رحلت.
وأنا، التي حلّت محلّها، لا جسدَ لي أعود إليه. لذا، عليّ أن أعيش حياتها، لكن قلبي لا يطيق حبّه. غريزتي تنفر منه.
“لا تعدْ إلى لقائي. إنْ لم نلتقِ، سنبتعد مع الوقت.”
“لستُ متأكّدًا. غريزتي تدفعني إليكِ كلّ يوم. لكن اسمعي يا نيديا، من الأفضل أن تتصرّفي بعقلٍ قبل أن ينفد صبري تمامًا.”
“أهذا تهديد؟”
“نعم. لستُ رجلًا طويل البال، وها أنا أشعر بأنّ صبري بدأ يذوب.”
تبدّلت ملامحه فجأة، وعاد ذاك البريق المتوحّش إلى عينيه.
أدار وجهه قليلاً ومضى بجانبي، ثمّ قال بصوتٍ منخفضٍ وهو يُريني جانبه الأجمل كما لو كان يدرك أيّ زواياه أكثر فتنًا:
“إن رغبتُ بشيء، أجعل صاحبه يركع. لطالما عشتُ بهذه الطريقة. لا حاجة لكلّ هذا العذاب.”
“…….”
“وإن عصيتِ أمري، فلن أمانع أن أُقيّدكِ إلى الأبد بجانبي. لكنّي لم أفعل بعد، لأنّي أريدكِ حيّة.”
“تهديدٌ مرعب.”
لو قالها شخصٌ آخر لما اهتممت، لكنّها خرجت من فمه فشعرتُ بقشعريرةٍ تسري في ظهري.
“أتمنّى فقط أن تُحبّيني قبل أن ينفد صبري. أن تنظري إليّ بتلك العينين الساحرتين، وأن تهمسي لي بذاك الفم الجميل: أحبّك.”
“في المرّة القادمة، لن أسمح لذلك الفم أن ينطق بالأسف مجددًا.”
عاد ذاك الوحش الذي يرتدي جلد الحمل.
ولأنّي كنتُ أنا من ترجوه هذه المرّة، لم أملك سوى الصمت.
بل لم أرغب حتى بالردّ.
كنتُ أكرهه حين يفرض حبّه عليّ، أمّا الآن فصار سلوكه هذا يبعث فيّ شيئًا يشبه الودّ.
عيناه القاسيتان، وصوته الصارم، يبدوان لي كمخلوقٍ ضخمٍ مدلّل…
أشبه بقطٍّ متكبّرٍ رائع.
“على أيّ حال، يا نيديا، يبدو أنّي استعدتُ شيئًا من رشدي بفضلك.”
“أيّ رشَدٍ هذا؟”
“حين قلتِ إنّني لا أُبالي بنظرات الآخرين. كنتِ على حقّ. لا يليق بي أن أُكترث لتوافه كهذه. لذا، سأفعل ما أردتِه. لكن هذه المرّة فقط.”
“حقًّا؟”
“أيعجبكِ الأمر إلى هذا الحدّ؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 38"