حين ناديتُها فجأةً، اتّسعت عيناها دهشةً كمن لم يتوقّع استدعاءه في تلك اللحظة.
“يبدو أنّ فيليس قد بلغت السنَّ التي تُفكّر فيها بالزواج حقًّا. فهي تولي الأطفال عنايةً لافتة هذه الأيّام. لعلّي أتكفّلُ بخطبتها بنفسي؟”
ابتسمتُ ابتسامةً عابثةً، وشاركتُها ضحكةً قصيرةً كمن يُلقي مزحةً عابرة، فيما تبادلنا نظراتٍ تحمل أكثر ممّا تُظهر.
وفي غمرة تلك اللحظة، اقتربت كلوي بخطًى متردّدة حتى وقفت إلى جواري.
“سيّدتي…”
“كيف حالكِ يا كلوي؟”
“بـ… بخير، سيّدتي.”
“حقًّا؟ لا أراكِ تبتهجين برؤيتي كثيرًا. أكنتُ عبئًا عليكِ بحضوري؟”
“أبدًا، سيّدتي! فقط لم أتوقّع قدومكِ بنفسكِ، فارتبكتُ من شدّة المفاجأة. ولكن… منذ متى وأنتِ هنا؟”
كانت تحدّق بي بوجهٍ مشدودٍ، وقلقٍ يلوح في عينيها المرتجفتين كأنّها تخشى ما قد تكون لفظته قبل أن أظهر.
‘يا للمفارقة، كانت تتحدّث عنّي باستخفافٍ في العلن، وها هي الآن ترتبكُ أمامي كمن فقد جرأته القديمة. أضاعَتْ صلابةَ ثقتها أم أنّها خائفة من الوقائع التي خرجت عن حساباتها؟’
لم يكن يهمّني إن كانت متجسّدةً أم لا، فوجودها ضروريّ بالنسبة لي. لذا لم أشأ إشعال خلافٍ معها في تلك اللحظة.
“سؤالكِ غريب، كلوي. لم يمضِ على قدومي سوى لحظات.”
“آه… هكذا إذًا؟ أتقصدين أنّكِ وصلتِ لتوِّك؟”
“وهل أبدو لكِ كاذبةً؟ سؤالُكِ نفسه يثير الريبة. لِمَ تسألين؟ هل كنتِ تتحدّثين بأمرٍ لا ينبغي لي سماعه؟”
سارعت تهزّ رأسها نفيًا، وكأنّها تُرسل برسالةٍ مبطّنةٍ مفادها أنّها ستتغاضى عن كلّ شيءٍ سمعته، وأنّ الأمور ستجري كما أُريد مجدّدًا.
ولذلك بدت ملامحها تستعيد بعض الهدوء.
“بالطبع لا، ما كنتُ لأتفوّه بشيءٍ كهذا، سيّدتي.”
“أجل، لا يمكن أن تصدرَ مثل تلك الكلمات عنكِ يا كلوي.”
لاحظتُ فيليس تقف بجانبي بملامحٍ منزعجة، غير أنّي تجاهلتُها عن عمدٍ وتوجّهتُ نحو السرير القابع في وسط الغرفة.
“كلوي، كيف حال ميا الآن؟”
“بفضل إرسال سيّدتي الطبيب، وبفضلكِ إذ هرعتِ لإنقاذها بنفسكِ، تمكّنّا من السيطرة على حالتها، وهي بخيرٍ إلى حدٍّ كبير.”
تأمّلتُ وجه الطفلة المحمَرَّ كالجمر، وأنفاسها المضطربة التي تُذكّرني بمدٍّ ثقيلٍ من الحُمّى، تختلف عن أنفاس رودسيل الهادئة.
“لا تبدو بخيرٍ إطلاقًا.”
“ستتحسّن قريبًا، سيّدتي.”
‘يبدو أنّ الوقت مناسب لاستخدام قدرتي على الشفاء.’
ظللتُ أراقب ميا بصمتٍ مطوّل.
“لا داعي للقلق، سيّدتي. ليست سوى نزلة بردٍ شديدة، وحرارتها سترتفع قليلًا لا أكثر.”
“فهمتُ… ذلك يُطمئنني بعض الشيء.”
جلستُ بهدوءٍ على الكرسيّ المجاور للسرير.
“أخشى أن تُصاب سيّدتي بالعدوى إن مكثتِ طويلًا بجانبها.”
ورغم محاولاتها اللطيفة لإبعادي، لم أتحرّك من مكاني قيد أنملة.
“اطمئنّي، صحّتي جيّدة.”
“كما تأمرين، سيّدتي…”
“لكن بما أنّ الطفلة بخير، فلننتقل إلى شأنٍ آخر.”
“إلى أيّ شأنٍ تشيرين؟”
“ذاك اليوم، حين ظهرت ميا فجأةً، لم نُكمل حديثنا حول البركة. كنتُ قد نهيتُكِ عن التحدّث بشأنها، لكنّكِ خالفتِ أوامري، وكدتِ تتسبّبين في غرق ابني بدلًا من ميا.”
نظرتُ إليها بنبرةٍ حازمةٍ، فانحنت تعتذر بخجلٍ صادقٍ أو متصنَّعٍ لا أدري.
“أعتذر، سيّدتي. لقد تسرّعتُ، ولم أفكّر بعواقب أفعالي.”
“نعم، لم تُفكّري. ومع ذلك، ظننتُ أنّكِ ستتّعظين من كلامي، لكنّكِ لا تتغيّرين، وكأنّكِ تتجاهلينني عمدًا.”
“كلا، التدريب ضروريّ. ما دامت ميا لم تشفَ تمامًا، فستتولّى فيليس تعليمكِ يوميًّا.”
لكنّها لم تيأس بعد.
“لقد تعافت ميا تقريبًا، وأستطيع استئناف عملي في الحال!”
“غريب… قبل قليل كنتِ تخشين أن أُصاب بعدواها، والآن تدّعين أنّها شُفيت؟ أتنوين إصابة ابني أيضًا؟”
انعقد لسانها خجلًا.
“آه…”
“عودي إلى عملكِ فقط حين تتماثل ميا للشفاء، وبعد أن تُكملي التدريب. وإن قصّرتِ، فسنُعيد النظر في مكان إقامتكِ. عليكِ أن تتعلّمي ما يليق بمن تعمل في بيت الدوق. وفيليس، على صِغر سنّها، أقدرُ من غيرها على ذلك.”
لم أعد أرغب في مجاملة من تجرّأت على التقليل من شأني.
يكفيني أن نُبقي العلاقة في حدودٍ رسميةٍ تحفظ التوازن بيننا.
وحين أنهيتُ ما لديّ، نهضتُ واقفةً.
“اعتني بميا جيّدًا. سأعود الآن.”
“حاضر، سيّدتي… الوداع .”
انحنت باحترامٍ عميق، وغادرتُ المكان مع فيليس.
وفي طريق عودتنا إلى الجناح، كانت فيليس تمشي إلى جواري صامتةً كمن يختزن كلامًا كثيرًا، ثمّ قالت بعد حينٍ من الصمت:
“سيّدتي…”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 36"