“كلّما سمعتُ هذا الكلام، ازددتُ يقينًا أنّ البقاء إلى جانبك أمرٌ مستحيل.”
“وإن لم تستطيعي البقاء؟ ماذا ستفعلين؟ هل ستذهبين لتخبري الدوق؟ لتقولي له إنّي أنا من دسّ الدواء لكِ؟ أهذا ما تنوين قوله؟”
“بالطبع…”
“أتظنّين أنّي سأقف مكتوف اليدين؟
إن علم الدوق أنّي أغرقتُ ابنكِ بالسحر الأسود، أتُراهُ سيغفر لكِ؟”
قشعريرةٌ تسلّلت إلى بدني.
عندها فقط فهمتُ سبب جرأته على الاعتراف بمحاولته قتلي؛ لكلّ شيء عنده دافعٌ مُسبق.
شعرتُ بأنّني أُحاكُم على ذنبٍ لم أرتكبه.
“كنتَ تبتزّني…”
“لا أكذب من غير باعث، يا نيديا العزيزة.”
مدّ يده الطويلة مرّةً أخرى، فصفعتُها بعيدًا.
“لا تلمسني.”
“حادّةٌ كعادتكِ، أليس كذلك؟ على أيّ حال، أليست مفارقةً أن الدوق لا يحبّكِ، بينما ابنكِ يُبجّله؟ لو علِم أنّكِ استعملتِ السحر الأسود على طفلكِ وأنّه يتألّم بسببه، فكيف سيكون وجهه؟”
“…”
“هل سيغضب؟ أم سيترككِ متعبّةً مُنهارة؟ أتساءل حقًّا، يا نيديا.
لو نبذكِ الدوق، هل ستنظُرين إليّ بعين الشفقة أخيرًا؟”
إنّه يعرف.
يعرف مكامن ضعفها أكثر من أيّ أحدٍ آخر.
وحين أدركتُ ذلك، دبّ في نفسي الفضول.
“مع علمك بكلّ هذا، لِمَ لم تستخدمه لابتزازي من قبل؟”
“ردًّا للجميل.”
“الجميل؟”
“أجل. رغم أنّ والدكِ أرادكِ زوجةً للدوق، وكان ذلك يُفتّت قلبي، فإنّ المعروف يُرَدّ بالوفاء، أليس كذلك؟”
“حقًّا؟ أهذا هو السبب فحسب؟”
راودني شعورٌ بالعبث.
أهو مهووسٌ إلى هذا الحدّ ليصمت كلّ هذه السنين تحت ذريعة ردّ الجميل؟ أيُّ تبريرٍ أكثر خرافةً من هذا؟
نظرتُ إليه بعينٍ مُتسائلةٍ يملؤها الازدراء.
“لكن، يا نيديا، لستُ أفهم سبب توقّفك عن معالجة ابنكِ فجأة… من الأفضل أن تُواصلي تغذيته بالقوّة.”
“ها أنتَ تعود لهذيانك مجددًا…”
“حين تخبو القوّة، يسهُل الأمر قليلًا، لكن السحر الأسود لا يُشبه غيره.
إذا لم تُدخلي إليه طاقةً خارجيّة، فسيبدأ بابتلاع الهدف.
عليكِ أن تُدركي ذلك قبل فوات الأوان.”
“أتظنّ أنّني سأُصدّقك؟”
“صدقتني أو لا، هذا شأنكِ.
لكن ما سيحدث سيحدث، شئتِ أم أبيتِ.
أنا لا أكذب أمامك.”
غمرني شعورٌ غريب.
كلماته تُشبه الهراء، ومع ذلك تسري فيها نبرةُ الصدق.
‘في الحقيقة، لم يكذب.’
لقد أجاب عن كلّ أسئلتي بصراحةٍ قاتلة، حتى حين قال إنّه حاول قتلي.
‘حقًّا… هل قد يحدث أمرٌ لرودسيل؟’
تملّكني الهلع فجأة.
ماذا لو صدق؟ ماذا لو أصاب ابني مكروه؟
“حتى هذه النظرة المفعمة بالقلق… فاتنة.
ماذا عساني أفعل بكِ؟”
“اصمت.”
“حسنًا. لكن حين يحين الوقت، ستتذكّرين كلماتي جيّدًا.
حين تَرَين ابنكِ يتقيّأ دمًا، ستُدركين كم كنتُ صادقًا.”
“إيّاك أن تلمسه!”
“لم ألمسه أنا، بل أنتِ.
رغم علمكِ بالخطر، اخترتِ أن تُقدّميه قربانًا لحبّ الدوق، أليس كذلك؟”
كانت كلماته صادمةً بقدر ما كانت دقيقةً، فلم أجد ردًّا.
“ستفقدين صوابكِ، أليس كذلك؟”
“…”
“انظري، يا نيديا.
ذلك الرجل لا يفهم قلبكِ. وحدي أنا مَن يقرأكِ ككتابٍ مفتوح.”
“كلا، أنتَ لا تعرف عنّي شيئًا.”
على عكس البداية، رغبتُ أن أجادله. كانت كلماتي أشبه بمحاولةٍ أخيرة، لكنّه ظلّ باردًا لا يتأثّر.
“إن كنتِ لا تعرفين، فستعرفين لاحقًا.
لن تتمكّني من فعل شيءٍ على الإطلاق.”
“صحيح. كما تقول، لن أستطيع.
لن أبوح لأحدٍ بأنّك دسستَ لي السمّ، ولن أخبر أحدًا بشأن ابني.
لكن هناك أمرًا واحدًا أقدر عليه، فيسريو.
لن أبقى بجانبك لحظةً أخرى… من الآن فصاعدًا.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خفيفة، كما لو كان ينتظر هذا القرار تحديدًا.
“حسنًا.”
“حسنًا؟”
“جرّبي أن تُحوّلي أعزّ من تُحبّين إلى عدوّ، لترَي كم هو الألمُ مرير.
في النهاية، ستعودين إليّ، نيديا.
سأضمّكِ كما وعدتُكِ في طفولتنا.”
“كلا. لن أعود إليك أبدًا. حتى لو انهار كلّ شيء.”
حرّك أصابعه الطويلة كمن يُنذر بشيءٍ قادم.
“أبدًا؟ لا، يا نيديا. أنتِ هشّة للغاية.
حين تتهاوى الجدران من حولكِ، ستبحثين عن مأوى… ولن تجدي إلا أنا.”
“…”
“أتعلمين يا نيديا؟
حتى لو تهشّمتِ كلّيًّا، لا بأس.
سأظلّ أحبّك، أيا كانت صورتك.”
لقد كان مختلًّا.
لم يُبالِ بما إن كنت أتألّم أو أحتضر، كلّ ما يعنيه أن أعود إليه في النهاية.
وأثارتني رغبةٌ غريبة في معرفة حدود جنونه.
“فيسريو… هل تُحبّني إلى هذا الحدّ؟”
“أكثر من نفسي.”
“غريب. أن يوجد مَن يحبّ هكذا، ومع ذلك لا يُدرك الحقيقة.”
“وأيّ حقيقةٍ تقصدين؟”
أنّ نيديا التي يُحبّها لم تعُد هنا.
لقد تغيّرت.
لكنّه لم يلحظ ذلك، أو تجاهله عامدًا.
“أجل، هناك أمرٌ كهذا.”
‘في النهاية، لم يكن حبّه إلا ولعًا مريضًا بصورةٍ قديمةٍ من نيديا.’
نظرتُ إليه وابتسمت.
“افعل ما تشاء، يا فيسريو.
اجتهد كما شئت لتحصل عليّ، وسأُريك أنّك مهما فعلت، لن تملك قلبي أبدًا.”
“ثقةٌ جميلة.
حسنًا، نيديا… آنستي.
أتمنّى أن تعودي إليّ بكامل هيئتك، مثل طائرٍ يحطّ في كفّي.”
“طائر؟”
التفتُّ إلى النافذة بعد كلماته، فرأيت بيبي جاثمًا هناك بصمتٍ عميق.
لم يُحرّك جناحه، ولم يُصدر أدنى صوت.
وبينما أُحدّق في بيبي، تراجع فيسريو خطوةً إلى الوراء.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 30"