ازدانت قاعةُ الوليمةِ الملكيّةُ ببريقِ الذَّهَبِ ولمعانِ الكريستال، وتفتّحت فيها أزهارٌ ملوَّنة، فأُعِدَّت لتخليدِ ميلادِ وليِّ العهد.
“وُلِدَ وهو يحملُ النُّور، غيرَ أنَّ هذا النُّورَ سيبتلعهُ الظَّلام.
يا طفلَ القَدَر، الَّذي سيقضي بيدَيْه على أحبِّ النّاس إليه، إنَّ موتَكَ على يديكَ هو السبيلُ الوحيد لحمايةِ مَن تُحبُّ.”
كيف يُلقى مثلُ هذا النبوءةِ على طفلٍ لم يتجاوزْ الخامسة؟ لذا كان من الطَّبيعي أن يكون ردُّ فعل والده على هذا النحو.
‘صحيح أنَّ رودسيل في أحداثِ الرّوايةِ سار على خطى النبوءةِ عينها… لكن.’
ومهما يكن، فإنَّ الدوقَ كان يُحبُّ ابنه على طريقته.
لم يكن من أولئك الآباء المبالغين في الدلال، الخائفين من أن يُصاب طفلُهم بخدشٍ صغير، لكنَّه كان يرضخُ لرغباته غالبًا.
وحين أدركَ أخيرًا أنَّ نيديا كانت تُفسِدُ رودسيل، لم يستطع طردَها، فقط لأنَّ ابنه كان يتعلَّق بأمّه تعلُّقًا شديدًا.
“هل أخطأتُ فيما قلتُ؟”
“أتظنُّ أنَّك ستبقى سالمًا بعد هذا الكلام؟ سيُنزلُ الحاكم بك عقابًا شديدًا!!”
“الحاكم؟ أليس هذا مجرّدُ وَهْمٍ؟ وهل يوجدُ أصلًا شيءٌ كهذا؟”
“ك، كيف تجرؤ…! هذا تجديفٌ صريح…!”
كان الكاهنُ، بذراعٍ مكسورة ورقبةٍ ملتوية، يتحدّث بصعوبةٍ بالغة، مشهدًا يثيرُ الرثاء.
“أخطأتُ في شيء؟ إن كان هناك حاكم، فليظهرْ لي. عندها ربَّما أُظهِرُ إيمانًا به.”
لكنّ ذلك أمرٌ مستحيل.
“ع، على أيِّ حال… سواء آمنتَ أم لم تؤمن… فقد مددتَ يدكَ على كاهن، وهذا ذنبٌ عظيم. وهيئتُكَ تدلُّ على أنَّك من النُّبلاء، فهل تجهلُ ذلك؟ فضلًا عن تجديفِكَ! يجب أن تُقتادَ فورًا إلى المعبد الكبير وتنالَ جزاءك…”
“إن استطعتَ، فجرِّب.”
“……”
أرخى الدوقُ قبضتَه فجأة، فسقط الكاهنُ إلى الأمام وارتطمَ بالأرض.
“أوغَه…”
ارتطمَ ذقنُه بشدّةٍ فلم ينهض طويلًا، واكتفى بالتأوّه وهو مُمدَّد.
“قلتَ إنَّك ستأخذني، لكنّك لم تفعل شيئًا.”
تحوَّلت نظراتُ الكاهن الغاضبة إليّ في النّهاية.
“ما أعجبكِ يا نيديا. طفلٌ متمرّد، وزوجٌ يجدِّفُ على المعبد! أقسم أنّي لن أترك الأمر يمرُّ!”
“لم يكن هو من بدأ… بل أنتُم من هاجمتم.”
الغضبُ الّذي كان يشتعلُ في صدري تجاه الكاهن تلاشى دفعةً واحدة.
“هاه. وإن لم تتركه يمرُّ، فماذا عساكَ تفعل؟”
أنا أكثر مَن تضرَّر هنا. جئتُ لأهربَ من زوجي السّابق وابنه، لكنّهم وجدوني قبل أن أنعم بحياتي.
حتّى عندما كانت الكاهنةُ تُهينني وتُلقِي عليَّ أعمالًا مُهينة كتنظيفِ الأقذار، كنتُ أذعنُ وأصمت. لو عرفتُ أنّهم سيعثرون عليَّ بهذه السهولة، لما عانيتُ كلّ ذلك.
“ذلك…”
حوّل الكاهنُ سخطه إليّ، لكنّه بدا عاجزًا عن أيّ فعلٍ، فوقفَ مترنّحًا.
“كفى. لا يسرّني أن ترى زوجتي تتحدّثُ مع رجلٍ غريب.”
لو رآنا أحد، لظنَّ أنّه زوجٌ غيورٌ يعشق زوجته.
“لكن، يا كاهن، من كلامك أدركتُ أنّك لا تعرفني حقَّ المعرفة.”
“ومَن تكونُ لتكلّمني هكذا؟!”
“كان ينبغي أن تُمعن النّظر قبل أن تعبثَ داخل المعبد كخنزيرٍ جائع. فأنا أشهرُ رجلٍ في الإمبراطوريّة.”
ارتجفت شفتا الكاهن، وكأنّه صار ضحيّة.
“لقد طُردتَ من المعبد الكبير بسبب مخالفاتك، فجئتَ إلى هنا ولم تتعرّف إليَّ.
سأُعرّفك بنفسي: مَن أنا، ومَن ذلك الطفل الّذي اعتديتَ عليه، ومَن تلك المرأةُ الّتي حاولتَ النيل منها.”
“ماذا تقول…؟”
في تلك اللحظة دخل فارسٌ قائلًا:
“يا سيّدي، بعد التحقّق، تبيّن أنّ السيّدة لم تُختطَف.”
“ا، اختطاف؟”
رددتُ بدهشة، لكنّ زوجي السّابق تجاهلني.
“أتظنّ أنّني خطفتُ نيديا؟ لم أرتكب خطأ! لقد جاءت وحدها إلى المعبد، وأنا فقط آويتُها ورعيتُها!”
“ومتى صار معنى الرّعاية التعرّضَ للنّساء؟”
“لم يكن تعرّضًا، بل…”
“أبي. لقد حاولَ هذا الرّجل فعلَ شيءٍ سيّئ بأمّي.
أنا رأيت.”
“صحيح. وذلك يُسمَّى تعرّضًا. أتعرفُ ماذا يجب أن نفعل بمثل هؤلاء؟”
ابتسم رودسيل وأشار بيده كما لو كان يحمل سيفًا.
“نقطعُه فلا يعود رجلًا أبدًا!”
“أحسنت. هذا يليقُ بابني.”
“أيّ تربيةٍ هذه؟!”
أسرعتُ إلى سدّ أذنَي رودسيل.
هذا الرّجل مختلّ.
“هيهيهي. أمّي لمست أذنَي.”
“هاه… رودسيل، لا تُصغِ إلى هذا الكلام.”
يبقى طفلًا مهما حدث. والأطفالُ يجب أن ينشأوا كالأطفال، لا أن يُحرَّفوا بهذه التّربية.
“وكأنّكِ تجهلين.”
بعد أن عشتُ في كوريا، لم أحتمل هذا المشهد.
“حقًّا… لا أستطيع أن أتركَ الولد عندك.”
“إن كان يعني لكِ كثيرًا، وتخشين أن أُفسد تربيته، فعودي.”
“……”
رغم أنّني لم أرغب في العودة، فقد أجبرني.
سلبني مكان هروبي الوحيد، وأمسك بأكبر نقاط ضعفي: رودسيل.
“هاه… سأفكّر في الأمر.”
ربّما العودة الآن أفضل، لكن شعورًا ثقيلًا راودني أنّني إن عدت فلن أستطيع الهروب مجدّدًا.
قدّم الفارس صُرّةً صغيرة.
“جمعتُ أمتعة السيّدة تحسّبًا.”
هل كان هذا مخطّطًا منذ البداية؟ ضحكتُ بسخرية.
“والآن، حان وقت الاستمتاع بالمهرجان. أحرِقوا المكان.”
“ماذا؟ تحرقونه؟!”
لكنّ كلامي لم يُسمَع.
“أمركَ، يا سيّدي.”
دخل الفرسانُ بدروعٍ منقوشٍ عليها شعارُ الدّوق، فابيضّ وجه الكاهن.
“أأنت… الدّوق إيكارت؟!”
استدار زوجي السّابق مبتسمًا.
“عرفتَ متأخّرًا. كان ينبغي أن تعرفَ قدرك. على مَن تجرّأت؟”
جثا الكاهن على الأرض، وقد أدرك خطأه.
“أرجوك. أبقِ على حياتي. لم أعلم! لو علمتُ، ما تجرّأت!”
“إذًا فأنت تُقرّ بفعلتك.”
“ذا… ذلك…”
“لا تقلق. سأُبقيكَ حيًّا وآخذك إلى المعبد الكبير. لن أقتلك هنا، لستُ راغبًا بحمل جثّة.”
كيف يستطيع إنسانٌ أن ينطقَ بمثل هذا الكلام بلا وجل؟
‘هل المظهرُ واللقبُ يكفيان لسترِ هذا الطّبع القاسي؟ ما الّذي أعجب نيديا فيه أصلًا؟’
“سيّدي، أرجوك…”
“أخرسوه بحجرٍ في فمه.”
“أمرك.”
“وأحضِروا الكاهنة أيضًا. سنعود.”
ثم أمسك بخصري فجأة.
“ماذا تفعل؟!”
“ألا تشعرين بالأمان وأنا أُمسك بكِ؟”
“أبدًا!”
“ردّ فعلِكِ جميل أيضًا.”
لم يعبأ بكلامي، بل تابع سيره وهو يجرّني.
وفي الأمام، كان رودسيل يضحكُ وهو يمشي للخلف.
“أمّي احتضنتني! وغضبتْ لأجلي!”
“جيّد.”
جرّوا الكاهن والكاهنة أمامنا، وأنا أحدّق في المشهد.
“لِمَ تمشين ببطء؟ ألا ترغبين بالعودة؟”
“لا أرى سببًا يجعلني أعود.”
“ألَا يكفي أنّني جئتُ أبحث عنك؟ إذن يجب أن تعودي معي.”
كلماتٌ متعالية تُثير الضّيق.
“كيف عثرتَ عليّ أصلًا؟”
“لطالما قيل إنّ الأطفال إن ضلّوا، يمضون قُدمًا فقط. لذا فتّشتُ كلّ قريةٍ في طريقي.”
تطلّعتُ إليه بدهشة.
ولم أجد في نفسي إلّا سؤالًا: لماذا؟
“ألم ننفصل؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 3"