سمعتُ صوتًا غريبًا يهزّ المكان فجأة.
في تلك اللحظة، تجمدت أوصالي من شدة البرد والشعور المألوف الذي أثارته تلك النبرة.
والأسوأ أن صاحب الصوت اقترب بثقة، ثم ألقى نظرة متعالية إلى الكاهن.
كان رجلًا ضخم الجثة، يفوق الكاهن طولًا بكثير. ملابسه السوداء وجسده العريض أضفيا عليه هيبة مخيفة وثقلًا يصعب تجاهله.
حتى أنا شعرت بالذهول، وإن كان سببي مختلفًا عن سبب الكاهن.
ارتبك الكاهن بشدة، فتراجع بخطوات متعثرة، واصطدم برفّ زخرفي، مُحدثًا ضجيجًا قبل أن يهوي أرضًا.
“كَه!”
“هل تقدم عرضًا منفردًا؟”
“مَن… مَن أنت؟!”
“ومن تظنني؟ أنا الرجل الذي حاولت التعدي على زوجته…”
تردد الدوق بنظراته بيني وبين الكاهن.
“أنا الرجل الوحيد في حياة تلك المرأة.”
“لكن… أنتما لستما متزوجين!”
انفجر غضبًا:
“بل بيننا رابط خاص!
أليس كذلك، يا زوجتي؟”
“لست زوجتك…
أنا مجرد طليقتكَ.”
لم أكن أحبه، لكن شعورًا بالذنب ظلّ يعتصر قلبي.
من وجهة نظره، كانت نيديا امرأة غريبة الأطوار: تصرخ مطالبة بالحب تارة، ثم تهتم بابنها بشكل مهووس تارة أخرى، وبعدها تطلب الطلاق وتهرب.
قد يكون رجلًا سيئًا، لكن ذلك لم يمنعني من الشعور بالذنب، فخفّضت صوتي قائلة:
“لكن… لماذا أنت هنا؟”
كنت واثقة أنه لن يعثر عليّ.
لقد اختبأت جيدًا.
فكيف وصل إليّ؟
“شعرت أن شيئًا خسيسًا حقيرًا يحاول الاقتراب من زوجتي، فجئت.”
ما هذا الكلام؟
“ألم نتطلق منذ زمن؟”
“كما تريدين، لنسمّه طلاقًا.
لكن ابننا اشتاق إليكِ كثيرًا.
أرجوكِ أن تفهمي أنني لم آتِ بدافع مني.”
وفجأة:
“من الذي يجرؤ على لمس أمي؟!”
ظهر رودسيل فجأة، وركل ركبة الكاهن، ثم اندفع إلى أحضاني.
كان ذا شعر أسود لامع وعينين حمراوين مشعتين بالحماس.
“لقد أخطأت، يا بني!”
“تقولين إنني ابنكِ، ثم تعترفين بخطئكِ؟
ما هذا التناقض؟!”
“آه… أقصد…”
“ألم تكوني أنتِ من قالت إنه لا يوجد أحد سواي؟”
كلماته جرحتني.
أحيانًا يبدو أكبر من سنه، وأحيانًا يؤلمني ببراءته.
“رودسيل…”
“لقد تركتِني مع أبي…
هل ستتجاهلينني؟ هل مللتِ مني، يا أمي؟ ألم تكوني من قالت إنكِ تحبينني؟ ماذا يجب أن أفعل حتى لا تتركيني؟”
لمعة عينيه الحمراوين زادت حدة.
كانت مشاعره المتقلبة نتيجة تصرفات نيديا الأصلية.
سلوكها جعله غير قادر على عيش طفولة طبيعية.
صار يعرف حبًا واحدًا فقط: حب أمه، حبًا مشوهًا ومريضًا.
“بسبب هذا الحب، سيقتل رودسيل نيديا الحقيقية في النهاية…”
“أمي.”
أنا لست نيديا الحقيقية، لكنني إنسانة عادية.
لم أهرب كرهًا لابني، بل خوفًا من الموت.
عينا طفل في التاسعة، لا يرى في العالم سوى أمه، هزّتا شيئًا في أعماقي.
“سامحني، يا رودسيل.
لكن كيف وجدتني؟”
“لا أحد يملك شعرًا فضيًا وعينين بيضاوين كالملائكة مثلكِ.
كيف لا أجدكِ؟”
صحيح.
لقد نسيت مظهري اللافت.
حينها أدركت سبب عثور الدوق عليّ.
لا يمكن إخفاء هذه الهيئة مهما حاولت.
كان والد نيديا يقول إن السبب الوحيد الذي جعله يوافق على زواجها من الدوق هو مظهرها: شعر فضي وعينان بيضاوان تلمعان بزرقة ساحرة.
قد تكون هناك من هن أجمل، لكن لا أحد يجذب الأنظار مثلها.
“لكن الدوق لم يخترني لهذا السبب فقط…”
كان هناك العديد من النساء اللواتي تمنين الزواج منه.
فأعلن رسميًا عن إقامة حفل لاختيار زوجته.
لم يكن زواج مصالح كما في القصص، بل اختيار علني.
وكانت نيديا الوحيدة التي اجتازت الاختبار.
“إنه مهووس بالإعلانات حقًا.”
رجل يعشق السلطة.
“هاه…”
في ذلك الوقت، لم تجرؤ نيديا على عصيان أوامر والدها.
كما في العديد من القصص، كان والدها يرى المرأة مجرد أداة للزواج.
لكن الدوق لم يخترها بسبب والدها، بل لأنه أراد عائلة ضعيفة لا تُنازعه النفوذ.
لذلك اختار من بين الحاضرين ذوي الأصول المتواضعة، الذين يرتدون رغم فقرهم ثيابًا فاخرة.
وهكذا دخلت نيديا، بعد أن أنفق والدها نفقات عام كامل على فستانها.
“في النهاية، كان سيختار نيديا.
هكذا تبدأ القصة.”
امرأة غير متزنة، يجب أن تنجب طفلًا.
هذا كان جوهر الحكاية.
“لا تتركيني مجددًا، يا أمي.”
“رودسيل…”
في تلك اللحظة، بدا أن الدوق لاحظ حرجي، فاقترب منا بهدوء.
“ألم يكن من المفترض أن تتأثري بظهوري في لحظة حرجة كهذه؟”
“أي تأثر؟”
“أترين؟ أنتِ في موقف صعب بالفعل.”
وكعادته، رفع ذقنه ونظر إلى الكاهن بازدراء.
ضاعت مني الكلمات، وتوقف عقلي عن التفكير.
لولا حضوره، ربما كان الكاهن قد تمادى أكثر.
لقد صار جريئًا في إظهار نواياه.
“…”
“أم أنكِ متأثرة لدرجة أنكِ عاجزة عن الكلام، يا زوجتي؟”
في تلك اللحظة، نهض الكاهن وهو يمسح ساقه التي ركلها رودسيل، ثم اندفع نحونا محاولًا الإمساك بشعر الطفل.
“أيها النذل! كيف تجرؤ على ضربي؟!”
لم يكن حولنا سوى الدوق وابني، فأطلق الكاهن العنان لغضبه، عازمًا على ضرب رودسيل.
استدرت بسرعة لحمايته، لكن يده أمسكت برأسي بدلًا منه، فشعرت بألم حاد وشعري يُنتزع.
“آه…”
“يبدو أنك تحب الحاكم كثيرًا، أيها الكاهن…
ربما تتعجل للقائه.”
فجأة، أفلت رأسي.
“أم تظنني ضعيفًا؟ ألم تسمع بمكانتي بعد؟”
نظرتُ لأرى ما يحدث.
كان الكاهن منكسر الجسد، وقد أمسكه الدوق بسهولة.
“آه… أرجوك، أتركني…!”
“من الممتع أن يتمرد الضعيف، لأنه لا يدرك أنه مجرد حشرة.”
غضب بارد تسرب من الدوق.
“آه، هذا مؤلم… أرجوك، أتركني…!”
الكاهن الذي صرخ على طفل، صار الآن يتلوى خوفًا أمام هيبة الدوق.
كان الدوق يمسكه بثبات، وكأنه يعرف تمامًا كيف يؤلمه بأقل جهد.
وحين لم يُفلته رغم توسلاته، صرخ الكاهن:
“أنا رسول الحاكم!
من تظن نفسك لتفعل هذا بي؟
سأرفع أمرك إلى المعبد…”
“لا شأن لي بجماعتكم المخادعة.”
“ماذا…؟ مخادعة؟!”
كان الدوق بعيدًا عن المعبد أصلًا.
وسمعت أن السبب يعود إلى نبوءة سيئة تلقاها ابنه رودسيل من الكهنة في طفولته.
التعليقات لهذا الفصل " 2"
استمري💕💕🙆♀️