حين ظللتُ أحدّق بها صامتًا، اتّسعت عينا كلوي بدهشة، ثمّ بعد فترة من الصمت تجرّأت على الكلام.
“هل ارتكبتُ خطأً ما؟”
حتى رودسيل، الواقف إلى جانبي، كان ينظر إليّ متحيّرًا لا يدرك السبب.
“أمّي… هل في البركة مشكلة؟”
“كلا، لا يوجد أيّ خلل فيها.
فقط… كان مكانًا منعتُك دائمًا أن تعرفه.”
“ولِمَ يا أمّاه؟”
“لأنّه محفوف بالمخاطر.”
“البركة مكان خطر؟”
كان أطفال ذلك الزمن كثيرًا ما يُفارقون الحياة بسبب أمور يسيرة.
فحتى بوجود الأطبّاء، كانت الطّبابة ضعيفة، فيموت المرء أحيانًا من مغص بسيط أو علّة تافهة.
ولأنّ حوادث الغرق في البرك شائعة، حرصت نيديا ـ على الرغم من حبّها الملتوي ـ أن تحمي طفلها من أدنى تهديد، فآثرت أن تُخفي عنه أصلًا وجود البركة. عندها تبادلتُ مع رودسيل نظرات صامتة.
‘بحسب أحداث الرواية، لن يقع أيّ مكروه لرودسيل في البركة.
ولو كنتُ أظنّ أنّها خطر حقيقي، لَما تركتُه يطلب الذهاب إليها أساسًا.’
“إنّه مكان قد يحمل بعض الخطر يا رودسيل.
أنت تعلم أنّ أمّك تُحبّك فوق الجميع، أليس كذلك؟”
كنتُ قد اندمجتُ تمامًا في قلب نيديا، فأصبحتُ أرى رودسيل طفلي الذي أنجبته، مع أنّه ليس من دمي. لكنّه وحده ينظر إليّ، وربّما لهذا السبب أحببته بسرعة.
“نعم…”
“لم أشأ أن أُبقي إلى جوارك أيّ شيء يُهدّدك ولو قليلًا. هذا كان قلب أمّك.”
“إذًا لن أذهب!”
دار بجسده فجأة.
“هاه؟”
“لأنّك تقلقين.
لا أريد أن أجعلك تقلقين. ثمّ إنّي لم أكن متشوقًا كثيرًا للبركة، لكنّ كلوي قالت إنّها مكان شديد الجمال وأرَتني صورًا عنها في كتاب، فاشتدّ فضولي فقط.”
راودني شعور عجيب.
إذًا كلوي هي من تحدّثت عن البركة أوّلًا؟
‘ألستُ متشدّدة في ظنّ السوء بها؟’
فلعلّ فيليس هي من نسيت، أو أنّ كلوي كانت مشغولة فأهملت الأمر.
“إذن لا بأس إن لم نذهب.”
“بل سنذهب يا رودسيل.
فأنا نفسي لم أرها من قبل. وحين أعلم أنّ ابني لن يُخاطر هناك، فلن أقلق.”
تلألأت عيناه من جديد.
“حقًّا أيمكننا أن نذهب؟ لقد رأيتها فقط في الكتب وأتمنّى أن أراها بعيني!”
“نعم. فلنذهب.
لأنّي أنا من يرغب.
ألن ترافق أمّك؟”
“لا مفرّ إذن.
سأرافقك!”
يا له من طفل يخجل من صراحته.
فهو في بعض المواقف مكشوف تمامًا، وفي أخرى يخفي شعوره بإفراط، مما يجعلني ألوم نيديا في قلبي، فلو نشأ طبيعيًّا لَما صار هكذا.
‘لا… إن نظرنا إلى والده الدوق، حتى لو نشأ طبيعيًّا، لظلّ غريبًا إن ورث طباعه.’
هززتُ رأسي نافضة تلك الأفكار.
“أمّي؟”
“نعم، فلنذهب!”
خشيت أن يكون قد لمح تلك الإيماءة، فأسرعتُ أبتسم وألوّح له بيدي ثمّ سرنا معًا نحو البركة.
كانت البركة موجودة في الرواية، لكن لم تطأها نيديا من قبل. وبعد نحو عشرين دقيقة من السير شمالًا من القصر، وعبر طريق تحيطه الأشجار قرب الحديقة، وصلنا إليها أخيرًا.
“واو…”
انفلتت منّي شهقة دهشة.
“إنّها ساحرة الجمال يا أمّي!”
ماء صافٍ يُرى قاعه، وصفحته تتلألأ تحت الشمس كأنّه مرآة للنجوم.
أجل، ما تراه العين في الطبيعة يفوق الوصف، وها قد بدا جليًّا.
“إنّها رائعة حقًّا!”
وما إن أُعجبنا بها، حتى بادرت الخادمات بترتيب المكان وفرش الحصير.
مع أنّها داخل أراضي القصر، فقد بدت كعالم آخر، فجعلت قلبي مسرورًا.
“ما أروعه.”
“أمّي، سأجلس هنا أراجع دروسي وأنا أنظر إلى البركة!”
“ما أذكاك.”
“هل أنا جميل؟”
“نعم.”
“في الماضي كنتِ تمدحينني بطريقة مؤلمة… أمّا الآن فأيّ شيء أفعله تقولين إنّه جميل.
وهذا يُسعدني.”
ابتسمتُ لا إراديًّا لذلك الوجه الطفولي.
“لذا يجب أن تُحبّيني وحدي. لا أبي ولا سواه. أنا فقط.”
“نعم، سيكون ذلك.”
ظهرت لمحة طفيفة من التملّك في حديثه، لكنّي مررتُها بهدوء.
جلس على الحصير ووضع كتابه وأشار لي بالجلوس بقربه.
جلستُ، والشمس الدافئة تبعث في جسدي استرخاءً، وصوت تقليب صفحاته موسيقى هادئة، والنسيم يمرّ خفيفًا. فكّرت أنّ قيلولة قصيرة هنا ستكون مثالية، فإذا به يتمدّد مسترخيًا.
غطّيته بلحاف صغير، ثمّ سرحتُ بالنظر في البركة.
هدوء… سكينة مطلقة.
لكنّ أحدًا ما ظلّ يعبث بهذا السكون.
وحين غرق الطفل في نوم هادئ، التفتُّ إلى جانبي.
“كلوي.”
“نعم، سيدتي.”
“أتعلمين خطأك؟”
“هاه؟”
“سمعتِ عن البركة أم لم تسمعي؟”
أرادت فيليس أن تتكلّم، لكنّها أطبقت شفتيها لتنتظر جواب كلوي.
“أنا…”
“لا تحاولي المراوغة.”
نظرتُ نحو فيليس كي أقطع عليها التفكير في أعذار.
عندها فقط تنفّست كلوي بعمق وأومأت برأسها.
“سمعتُ… نعم.”
جاء اعترافها سريعًا.
“وماذا سمعتِ تحديدًا؟”
“هاه؟”
تردّدت قليلًا ورفّت بعينيها.
“هل كلامي غامض؟”
“لا، سيدتي.
سمعتُ أنّ البركة من الأماكن التي لا ينبغي ارتيادها، وأنّك لا تحبّين أن يذهب السيّد الصغير إلى موضع خطر.”
“إذن كنتِ تعرفين. فلماذا أخبرتِه عنها؟”
“لأنّه كان ضجرًا… فأردتُ أن أُدخل السرور على قلبه. سيدتي، أعتذر.”
أكان هذا هو السبب؟
هل لهذا السبب فتح رودسيل قلبه لها في الرواية بعدما فقد أمّه؟ لأنّها كانت تفكّر فيما يُفرحه؟
رغم أنّي رأيتها تجتهد فعلًا، بقي في داخلي شعور مُربك، كأنّ أحدهم يحرّكني من الداخل ويُنذرني أنّ هناك أمرًا آخر.
“لقد كان قصدي فقط أن أُسعده…”
“فهمت. وأنا شاكرة لاهتمامك.”
لو أمرتُها أن تبقى ساكنة، لَما استخدمت حتى قوّة شفائها من أجله.
أردتُ أن أقول شيئًا آخر لكنّي التزمتُ الصمت.
سكن المكان بصمت ثقيل.
أمّا فيليس، التي كانت تنتظر أن أوبّخ كلوي، فقد حدّقت بي متعجّبة.
“سيدتي.”
بدت وكأنّها تهمّ أن تسأل: لِمَ لا تعاقبينها؟ لكنها تردّدت.
“نعم.”
هذه المرّة ظهرت على ملامحها غصّة واضحة.
كنتُ أرغب في أن أوبّخها.
ولو كانت نيديا بنفسها، لَما تردّدت في طردها ومعاقبتها. لكنّي، بما أنّي أعرف ما سيجري لاحقًا، لم أستطع.
“إذن، سيدتي، هل تسمحين أن أتولّى تعليمها؟”
قالتها فيليس بلهجة جدّية.
“آه…”
“أدرك أنّ هذا قد يُعدّ تجاوزًا، فالمربّية ليست كالشغالات. لكن كان لا بدّ أن أُوضّح.
لقد نبهتها من قبل.”
بدا كلامها صادقًا إلى أبعد حدّ.
“سأضمن أن لا يتكرّر الأمر أبدًا. ولكن لا يليق بالسيّد الصغير أن يرى مربّيته تُوبَّخ من خادمة.”
هزّت كلوي رأسها نافية بشدّة.
وفجأة…
انبثق من بين الأعشاب حفيف غامض.
في البداية ظننته حركة حيوان صغير، لكنّ الصوت أخذ يعلو شيئًا فشيئًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات