“لننفصل.”
جملةٌ افتتاحيّة تُشبه بدايات الروايات الرومانسيّة المألوفة.
ثمّ:
“حسنًا، كما ترغبين.”
ردّ مقتضب، عاديّ.
وهكذا انتهى زواجنا.
أنا الدوقة التي لم تكن تفتقر إلى شيء، طلبتُ الطلاق فجأة، وكأنّ شبحًا يطاردني.
ثم غادرتُ البيت دون أن أترك لابني كلمة واحدة.
كان انفصالًا نظيفًا، سهلًا… وهروبًا كاملًا.
لكنّ تلك الوثيقة أُعلِقت:
[يبحث الدوق سيهيلوس إيكارت عن زوجته،
وابنه رودسيل إيكارت يبحث عن أمه بلهفة.
مكافأة باهظة لمن يدلّ عليهما.]
وتلاها تحذير صارم:
[من تجرّأ على اختطافها أو إخفائها، سنفصل رأسه عن جسده.
أعيدوها فورًا.]
لو لم تُعلّق تلك الورقة، لكان انفصالي مثاليًّا تمامًا.
—
كنت أصلّي في المعبد الجبليّ الصغير:
“أرجوكم، أيها الحكّام… احموني.
اجعلوني غائبة عن الأبصار.”
فقالت الكاهنة ببرود:
“اسم حاكمنا إليترا، وهو الحاكم الوحيد.
أي حكّام آخرين تعنين؟”
ارتبكتُ واعتذرت.
نظرت إليّ باستياء، ثمّ قالت:
“اليوم تبدين عاجزة عن التركيز.”
حاولتُ أن أخفي اضطرابي بابتسامةٍ خجولة، فأضافت بازدراء:
“ابتسامتكِ الجميلة لن تفيدكِ.
الحاكم يريد قلوبًا صادقة، لا وجوهًا حسنة.”
منذ جئتُ إلى هنا وهي لا تُخفي نفورها منّي.
قلت: “سأعود الآن.”
فأجابت: “نعم، وفي طريقكِ أعيدي تنظيف الإسطبل. لا يمكنكِ الاعتماد على مظهركِ للأبد.”
قلت ببساطة: “حسنًا.”
فتفاجأت: “همم… إذن نظّفي جيدًا.”
ولم أعترض.
فما دمتُ مختبئة هنا، فلن أتوانى عن جمع الروث إن كان ثمن الأمان.
—
أنا نيديا إيكارت، تلك التي يبحث عنها الدوق وابنه.
لكنني أعلم الحقيقة: نيديا ليست امرأة عاديّة، بل شخصيّة رئيسيّة في رواية.
زواج بلا حب، خوف دائم من أن يقع زوجها في غرام أخرى، ثم ولادة وريث العائلة.
ومنذ ذلك الحين، تحوّل حبّها إلى هوسٍ مريض.
أرادت أن تُبقي ابنها لها وحدها.
فأغرقته بالسحر الأسود، لتصنع منه دميةً تسيطر عليها.
ففقد الصبي مشاعره، وصار لا يسعى إلا وراء القوّة… حتى قتل أمّه في النهاية.
وهذه الأمّ صرتُ أنا.
دخلتُ القصّة بعد فوات الأوان، بعد أن اقترفت نيديا جريمتها.
لم يبقَ لي سوى طريقٍ واحد: الهروب.
في الرواية، تموت نيديا على يد ابنها، ثم تظهر كلوي وابنتها ميا، البطلة الحقيقية.
يهتمّ رودسيل بميا بجنون، ويبتزّها بأمّها، بينما تُعيده كلوي تدريجيًّا إلى إنسانيّته.
إذن، كل ما عليّ فعله هو الاختباء… والصبر حتى تبدأ البطلة الحقيقية قصّتها.
—
لكن…
حين أمسك أحدهم كتفي، شهقتُ في فزع.
كان الكاهن، الرجل الوحيد في المعبد.
قال مبتسمًا: “ما لكِ ترتجفين هكذا، كاهنتنا نيديا؟”
أجبته بفتور: “لا شيء.”
اقترب أكثر وهمس:
“تبدين شاردة هذه الأيّام.
ألستُ أنا منقذ حياتك؟ صدّقيني، أعرف كيف أُزيل عنكِ هذا القلق… فالشابّات لهنّ ليالٍ موحشة.”
قلت بصرامة: “عليّ تنظيف الإسطبل.”
أبعدتُ يدَه عني، فتجهّم:
“… أتعنين أنّ يدي قذرة؟”
ابتسمتُ ببرود: “لم أقصد ذلك ابدًا.
قصدتُ فقط أنّ الكاهنة أمرتني، وأنا ذاهبة.”
تجاوزتُه مسرعة.
فمنذ شهر وأنا أحتمله.
أنقذني حين وصلتُ مُنهكةً، لكنّه ما فتئ يتسلّل إلى غرفتي بحجّة أنّه صاحب فضل.
كنت على وشك أن أُحطّمه إن تمادى.
غير أنّ صوتًا آخر دوّى فجأةً:
“من هذا الوضيع الذي يجرؤ على لمس زوجتي؟”
التعليقات لهذا الفصل " 1"