قبل عامين
داخل القطار، كان دينيس يقرأ ديوانًا شعريًا، بينما كانت تيريز تحدق في المشاهد التي تمر سريعًا من النافذة.
لم تَشْعُر بالملل، وظلت تطلّ لساعات طويلة.
“ألا تَشْعُرين بالملل؟”
“لا،أنا بخير.”
حوّلت وجهها نحوه.
كان محيّاها مشحونًا بالترقُّب.
كانت هذه أول رحلة استجمام يقومان بها منذ زواجهما.
كانت أول رحلة لهما كزوجين، كما أنها كانت المرة الأولى التي تغادر فيها تيريز العاصمة منذ ولادتها.
كانا قد استقلا القطار المتجه شرقًا من محطة “فيلرفان” المركزية، بعد أن وصلا من مدينة ليوبرن.
كانت رحلة هروب من صيف ليوبرن الحار، لذا فمكان الوصول كان مرحبًا به أينما كان.
“أهذه أول مرة تسافرين فيها خارج منطقتك، تيريز؟” سأل باستغراب.
“نعم.”
“أها.”
خفضت رأسها وخجِلت.
شعرت أنه قد يراها قروية.
كانت السفرات الخارجية رائجة في تلك الفترة في مملكة فالوا، بينما هي لم تكن قد تجوّلت حتى داخل المملكة نفسها.
بل الحقيقة أنها لم تتح لها فرصة السفر أصلًا.
فقد نشأت تحت رعاية والدٍ انهمك في العمل بعد وفاة والدتها.
نُشِّئت تيريز لغاية وحيدة فقط، كانت في صغرها أن تتفوّق وتتخرّج من الأكاديمية، وفي كِبَرها أن تصبح أميرةً وتُعلي شأن عائلتها.
ولم تُولِ أي شيء خارج هذا الإطار اهتمامًا.
لذلك، لم تستمتع بالحضور في المناسبات الاجتماعية كما تفعل السيدات الأخريات، ولم تحب شراء الفساتين والزينة أو بناء الصداقات.
فكل تلك الأمور لم تكن ضرورية لغايتها.
نظرت تيريز إلى أسفل لترى ما ترتديه.
فستان أبيض ناصع.
لو رآها أحدٌ يعرفها لَعاتَبها لأن لباسها كأميرةٍ كان غير رسمي أكثر من اللازم.
لكن تيريز لم تهتم.
كانت إجازة صيفية بعد كل شيء.
لقد مر وقت طويل منذ أن حظيت بمثل هذا الوقت الهادئ، حيث لا تقلق بشأن كيفية ظهورها للآخرين، ولا تتأمل في مغزى أفعالهم.
“إذاً، هل أنا أول من…؟”
“أول ماذا؟”
“أول من يسافر معك.”
“نعم.”
أجابت تبريز بهدوء.
“جيد سأجعل من هذا الوقت ذكرى تبقى في ذاكرتك.”
رفع دينيس ذقنه وابتسم بثقة.
بدا عليه هو أيضًا أنه يشعر بالسعادة، ربما لأن مثل هذا الاسترخاء كان جديدًا عليه أيضًا منذ فترة.
“نعم إنني أتطلع إلى ذلك حقًا، سمو الأمير.”
بدأت المشاهد تتغير.
اختفت المباني والناس، وأصبح القطار يمر عبر غابات كثيفة.
“سنصل بعد قليل.”
“هل سبق لسموك زيارة سكوني من قبل؟”
“نعم،عندما كنت صغيرًا.”
أضاف دينيس باقتضاب.
“لكنني لا أتذكرها جيدًا فهذه أول مرة منذ ذلك الحين لا بد أنها تغيرت كثيرًا.”
بدأت تشعر بتباطؤ سرعة القطار تدريجيًا.
يبدو أنهم وصلوا كما قال.
“لننزل، تيريز.”
أنزل حقيبتها الكبيرة من رف الأمتعة وحملها بسهولة بيد واحدة ثم خرج إلى ممر القطار.
تبعته تيريز.
كانت منصة محطة القطار تعج بالناس.
اختلط فيها المسافرون والمودعون، والمنتظرون، وباعة الفواكه والمشروبات والحلويات، وصِبية النشل، مما جعل المكان مزدحمًا للغاية.
“أوه؟! أليس هذا الأمير الأول؟”
“إنه الأمير!”
تعرف عليه أحدهم وهو ينزل من القطار وصاح بصوت عالٍ.
في الحال، تجمهر الناس حوله.
وفي وسط الحشود التي تدفقت كقطّاع طرق، نظر دينيس خلفه.
التفتت تيريز أيضًا لتنظر خلفها.
كان حشد هائل يتقدم نحوهم.
وكادت أن تفقد دينيس بسبب الزحام.
أصبحت المسافة بينهما تتسع شيئًا فشيئًا.
فتحت تيريز فمها لتناديه.
وفي تلك اللحظة، أمسكت يد مألوفة ساخنة بمعصمها.
لقد كان هو، مناضلًا ضد التيار البشري.
أمسك دينيس بمعصمها بقوة وبدأ فجأة بالركض.
ركضت تيريز خلفه.
حاولت مجاراة سرعته بجسدها غير الرياضي، لكنها وجدت صعوبة في ذلك.
كم من الوقت ركضا؟
مرا عبر المنصة، ثم عبر صالة المحطة، وتخلّصا من الزحام بالجري بين الأزقة الضيقة حتى وصلا إلى زقاق ضيق خلف محطة القطار.
كانت هناك عربة تجرها الخيل في نهايته.
“اصعدي بسرعة.”
قال ذلك قبل أن تتمكن من الرد.
“قبل أن يلحق بنا الناس.”
دفعها إلى العربة وأغلق الباب.
وبدأت العربة بالتحرك فورًا.
“طلبت العربة مسبقًا سنصل إلى الكوخ بها.”
قال وهو يمسح شعره المبلل بالعرق.
ظهر جبينه الأملس من بين خصلات شعره الأسود الداكن.
ثم فكّ أزرار قميصه الملتصق بجلده الرطب من العرق. رأت قطرات عرق تنساب بين ترقوته وعنقه.
في القصر، كان دينيس يرتدي ملابس أنيقة تمامًا على مدار فصول السنة: قميصًا وربطة عنق وسترة ومعطفًا.
لكنه اليوم، ولأنه في طريقهم لقضاء عطلة، كان يرتدي قميصًا فضفاضًا فقط.
وكأنه يشعر بالحر، فتح النافذة وبدأ بتهوية قميصه بيده.
ظهر صدره ثم اختفى بين الأزرار المفتوحة.
نظرت تيريز إلى هذا المشهد وبلعت ريقها دون أن تشعر.
رآها تجلس مذهولة فسألها على سبيل الاهتمام: “هل ألحقت بكِ أذية؟”
“لا،لا.”
“إذاً لماذا…؟”
شعرت تيريز فجأة بوجهها يحمرّ حرارةً.
“إنه الحر.”
“أحقًا؟”
حدّق فيها دينيس.
كانت ترتدي ملابس أكثر راحة من المعتاد، لكنها لا تزال ترتدي فستانًا طويلًا.
“إذاً اخلعيه.”
قال وهو يبتسم بخبث.
كان هذا التعبير الذي يفعله عندما يمازحها.
“لا بأس، حقًا لا بأس، سمو الأمير.”
كان دينيس ينظر إليها بمكر.
“آه، بحقك، زوجتي تحتاج إلى الكثير من العناية.”
قال ذلك بنبرة درامية ثم جذب طرف الشريط المثبت على صدر فستانها.
انحل الشريط بهدوء وانفرج صدر الفستان مظهرًا عظم الترقوة تقريبًا.
“سمو الأمير، لا بأس، حقًا.”
“همم؟ هكذا لن تشعري بالحر، تيريز.”
كان يبتسم وكأنه يستمتع كثيرًا.
عبست تيريز.
شعرت بأن الأمور تجري كما تشاء.
أرادت رفضه وفي نفس الوقت لم ترد.
كان قلبها يخفق بشدة من التوتر لدرجة أنها ظنّت أنه سيسمع دقاتها.
حدّق فيها بعد أن فك صدر فستانها بالكامل.
انحلت الأشرطة والأزرار وظهر صدرها الناهد من خلال قماش حمالة الصدر الرقيقة.
بدا عليه تعبير الرضا وهو ينظر إلى ما صنعه.
ثم اقترب حتى أصبح قريبًا جدًا منها.
شعرت بشيء يحترق في عينيّ دينيس وهو ينظر إليها.
وضع شفتيه على نقطة بين ذقنها وعنقها حيث ينبض الشريان، ثم تنفس بعمق ووضع قبلة حارة.
“أحب رائحتك.”
عاد إلى مكانه بهدوء وراحة، ثم وضع ذقنه على كفه ونظر إلى الخارج.
دخلت نسمة باردة من خلال الفستان المفتوح.
أحمرّت أذناها وشعرت وكأن وجهها سينفجر.
“لقد وصلنا.”
عندما أوقف السائق العربة، همّت تيريز بترتيب صدر فستانها على عجل.
كانت يداها ترتعشان من التوتر مما جعلها تخطئ في تثبيت الأزرار مرارًا.
دينيس الذي كان يحدق بها، أخرج كتلة بيضاء من حقيبته وألقاها عليها.
“ارتدي هذا.”
كان قميصه.
أخذته تيريز دون أن تنبس بكلمة وارتدته.
لم تلاحظ حين أخذته، لكن عندما ارتدته وجدت أنه كبير عليها كأن طفلة ترتدي ملابس بالغ.
“هل انتهيتِ؟”
“نعم.”
فتح الباب ونزل أولًا، ثم انتظر أسفل العربة ليرافقها أثناء نزولها.
وقفت تيريز ساكنة ونظرت إلى عينيه وهو ينتظر نزولها، فخفق قلبها من جديد.
تمسكت بذراعه ونزلت من العربة.
“واو!”
عندما رفعت رأسها ونظرت للأمام، رأت كوخًا صغيرًا منعزلًا وسط الغابة.
كان الكوخ المصنوع من جذوع الأشجار محاطًا بأشجار الصنوبر، وخلفه امتدت سفوح جبال سكوني.
كانت مشاهد طبيعية جميلة لم ترَ مثلها تيريز من قبل
“هنا إذاً…”
“نعم، هنا سنقضي الصيف.”
بعد أن انتهت تيريز من إبداء إعجابها، خرج زوجان مسنّان لتحيتهما.
“أهلاً وسهلاً بكم.”
“نحن لوران كولارو، مدير هذا الكوخ…”
قال الرجل ذو الملامح اللطيفة مقدمًا نفسه،ثم تلقفت الزوجة المسنة الكلام:
“وأنا أيدا، لابد أن الرحلة كانت متعبة.”
“شكرًا لاستقبالكم.”
حياهما دينيس بأدب.
“على العكس، كنا سنأتي لملاقاتكم في المحطة…”
قال الرجل الذي قدم نفسه باسم لوران،ثم تردد.
ابتسم دنيس وقال:
“أخبرتك ألا تفعل هل ندخل الآن؟ أتساءل إذا كان كل شيء كما هو.”
بدلالة من الزوجين المسنين، دخل دينيس وتيريز إلى الكوخ.
أول ما وقعت عليه أعينهم عند فتح الباب كان غابة الصنوبر الممتدة خلف النافذة الكبيرة.
أخفت تيريز تعجبها الذي كان على وشك أن يظهر بلا تحفظ.
نظر دينيس إلى وجهها المشحون بالفضول وابتسم ابتسامة خفيفة.
كانت المساحة التي دخلوها عبارة عن غرفة معيشة صغيرة.
في الجدار الأيسر كانت هناك مدفأة كبيرة مزينة بالحجارة.
أمامها كانت تفرش سجادة حمراء مزخرفة، وبجوارها أريكتان فرديتان موضوعتان على جانبي المدفأة.
على الجانب الآخر من المدفأة، خلف باب في الجدار الأيمن، كانت هناك غرفة صغيرة تحتوي على طاولة طعام لأربعة أشخاص ومطبخ.
كانت المساحة صغيرة لكنها قسمت إلى أماكن للاسترخاء وأخرى للطعام.
“يبدو أن كل شيء تقريبًا كما هو.”
قال دينيس وكأنه يستعيد ذكريات.
“ذاكرتك ممتازة، سمو الأمير.”
“هل تريدين الاطلاع على الطابق الثاني؟”
صعدوا على الدرج إلى الطابق الثاني حيث وجدوا سريرًا بأغطية تبدو دافئة.
خلف رأس السرير كانت هناك نافذة تطل على الغابة الكثيفة مرة أخرى.
تقدمت تيريز إلى النافذة ونظرت فرأت سفوح جبال سكوني.
“إنه مكان رائع حقًا.”
قالت تيريز رأيها بعد صمت طويل.
“أليس كذلك؟ كانت الملكة تشارل تحب هذا الكوخ كثيرًا.”
قالت أيدا وكأنها تسترجع ذكريات.
استفسرت تيريز بمفاجأة: “هل تقصدين الملكة تشارل؟”
“عندما كان الأمير في الرابعة من عمره، أظن؟ كانت تقيم في هذا الكوخ.”
كانت أيدا غارقة في ذكرياتها.
لم يذكر الملكة تشارل طوال رحلتهم إلى سكوني.
شعرت تيريز بثقل مفاجئ في قلبها.
“حسنًا، كان طفلاً بما أننا قد اطّلعنا على كل شيء، فلنضع أمتعتنا الآن.”
حاول دينيس تغيير الموضوع.
“أوه، يا إلهي لابد أنكم متعبون، لقد ثرثرت من فرحي برؤيتكم بعد فترة طويلة.”
قال لوران وهو يحك رأسه بإحراج.
“لنذهب سريعًا، يا عزيزتي سمو الأمير، سنراكم في وقت العشاء.”
“نعم،شكرًا لكِ، أيدا.”
وخزت أيدا جنب لوران واختفيا سريعًا إلى الطابق السفلي.
وجد نفسه وتيريز وحدهما في الكوخ فجأة.
كانت تيريز لا تزال مرتبكة.
لم تعرف إذا كان مسموحًا لها أن تسأله عن الملكة تشارل.
“تيريز، غيري ملابسك.”
“نعم، سمو الأمير، أنا…”
“لا تهتمي بما قالته أيدا، نحن هنا لنسترخي.”
“نعم، ولكن…”
“أنا أيضًا أريد الاسترخاء.”
“حسنًا،فهمت، سمو الأمير.”
لم تطرح تيريز موضوع الملكة تشارل مرة أخرى.
وقررت بدلًا من ذلك أن تتبع رغبته في الاسترخاء دون التفكير بأي شيء.
“هل تريدين تغيير ملابسكِ ثم الخروج؟”
“نعم.”
“جيد غيري ملابسكِ وتعالي للأسفل.”
[يتبع في الفصل القادم]
ترجمة مَحبّة
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
مُخادعتي الحُلوة!
تحتوي القصة على موضوعات حساسة أو مشاهد عنيفة قد لا تكون مناسبة للقراء الصغار جدا وبالتالي يتم حظرها لحمايتهم.
هل عمرك أكبر من 15 سنة
التعليقات لهذا الفصل " 20"