الغرفة الصغيرة الملحقة بمكتب تيريز.
وسط أوراق ووثائق وصحف متناثرة هنا وهناك، كان عدة أشخاص يتحركون بسرعة.
“أين نتائج التحقيق التي أمرت بها صاحبة السمو المرة السابقة؟”
“ها هي،سيدة دانيال.”
سلمتها إيلي الوثائق.
“حسنًا ستطلبها أولًا وأيضًا تقرير تحركات النبلاء.”
“نعم، حسنًا.”
بينما كانت دانيال وحاشيتها من وصيفات القصر مشغولات، دخل رجل بهدوء.
انساب بلطف إلى وسط الغرفة المضطربة التي بدت وكأنها تعرضت للقصف، وألقى تحية منعشة.
“صباح الخير، سيدة دانيال.”
“سمو الأميرة خارج القصر حاليًا، ولا يمكنني إخبارك إلى أين ذهبت.”
نادت دانيال بمكان وجود تيريز دون أن تلتفت حتى نحو الجانب الذي دخل منه الرجل.
نظر إليها سيلبانغ نظرة خاطفة.
بدت بشرتها خشنة، كما لو كانت تعمل لساعات إضافية لعدة أيام.
ذلك الفستان أيضًا…يبدو كالذي رأيته عليها قبل أيام.
“لم آتِ اليوم لرؤية صاحبة السمو، بل لرؤيتكِ أنتِ يا سيدة دانيال.”
قال سيلبانغ برشاقة.
“ما الأمر؟”
“أيمكنني إلقاء تحية والاطمئنان عليكِ بعد غياب طويل؟”
ابتسم سيلبانغ ابتسامة ودودة وتقدم ليدلك كتفي دانيال ورقبتها برفق.
شعرت دانيال بارتياح لانحلال العقدة في رقبتها تحت يديه، لكنها لم تُظهر ذلك.
“إنك كالصبي الذي لو وقع في الماء،لطفا بي فحسب! وأي غياب طويل هذا؟ لقد جئت إلى هنا قبل ثلاثة أيام فقط.”
دفعت دانيال يديه بعيدًا.
كان الوقت يقترب لوصول صاحبة السمو إلى مكتبها، وبدأ صداع يخفق في رأس دانيال.
أن يأتي ذلك المتهور إلى هنا في وضح النهار!
“لقد مرت ثلاثة أيام! ألا تعتبرين هذا وقتًا طويلًا؟ شعرتُ كأنها ثلاث سنوات!”
تظاهر سيلبانغ بالبكاء وتعلق بدانيال بإلحاح.
“أوه،بحقك! ابتعد أنت تشتت انتباهي!”
“لا تتعاملي معي هكذا يا سيدة دانيال الأمير خارج القصر أيضًا، لذا جئت لأتسلى!”
كأن صراخ دانيال لم يصله، جلس سيلبانغ بأناقة على الكرسي الوحيد الشاغر في الغرفة المضطربة.
ثم رفع يده ونادى إيلي، بتصرف أشبه بمن ينادِي النادل في مقهى.
“إيلي، كوب قهوة واحد من فضلك.”
“نعم.”
نهضت إيلي، التي كانت تُرتب الوثائق، دون تردد.
عندها صفعت دانيال مؤخرة رأس سيلبانغ بقوة.
“أيها الوغد! اذهب واسكبها لنفسك! إيلي موظفة عالية المستوى.”
“آه!”
“أوه! ماذا تحمل في رأسك؟ يبدو فارغًا تمامًا! أأنت أيضًا من هذا النوع؟”
“عمَّ تتحدثين؟”
تظاهر سيلبانغ بأن عينيه تدمعان من ألم الصفعة، ثم نهض وسخن الماء بشكل طبيعي، وكأنه كان ينوي فعل ذلك منذ البداية.
أخرج برطمانًا زجاجيًا يحتوي على حبوب القهوة ببراعة، كأنه يعرف مكان كل شيء.
“يُقال إن هناك أناسًا في المملكة يسعون لحياة الحد الأدنى هذه الأيام؟ ماذا يُسمُّون هؤلاء… ماذا كان الاسم…”
“ماذا تقصدين بكلامك غير المفهوم هذا، سيدة دانيال؟”
وبخها سيلبانغ.
“آه، ذاكرتي ليست كما كانت على أي حال… يُقال إن وظيفتهم هي التخلص من كل شيء وإخلاؤه أأنت منهم؟”
“لماذا تسألين؟”
“أشك في أنك خفَّضت محتويات دماغك إلى الحد الأدنى.”
“ربما فليس في رأسي سوى حبي واهتمامي بكِ يا سيدة دانيال هذا كل شيء.”
فتح سيلبانغ عينيه على اتساعهما واتخذ تعبيرًا بريئًا.
“أوه،حقًا!”
قبضت دانيال على يدها وفتحتها بينما تحدق في سيلبانغ.
بدا أن المناوشات اللفظية بين دانيال وسيلبانغ كانت أمرًا معتادًا، فكل من في الغرفة كان منشغلًا بعمله، غير مكترث بهما.
“بالمناسبة، أيمكنك الخروج واللعب هكذا بينما الأمير خارج القصر؟ ألم تخبر سموه؟”
“الأمير يؤمن بالجدارة، طالما أنهى الشخص عمله، فلا يعترض على استراحته.”
“أوه، أيها الصبي! على الأمير أن يرى جانبك هذا أنت تتظاهر بالوقار أمامه فقط.”
“أليس الأمير منافقًا مثلي؟ كلانا يعرف نفاق الآخر لكننا لا نُظهره فحسب!”
رد سيلبانغ على دانيال بحدّة دون أن يخسر كلمة.
“ماذا؟ يجب أن تبحث عن عمل وتنجزه قبل أن يطلبه الأمير أيها الصبي الطائش، الذي لا يفعل سوى ما يُؤمر به.”
فجأة، أطلقت دانيال خطابًا مطولًا تغيرت تعابير وجه سيلبانغ، وكأنه توقع شيئًا ما.
“في زماننا كنا ننهي العمل، حتى لو اضطررنا للسهر طوال الليل، قبل أن تأمرنا صاحبة السمو أليس كذلك؟ وأيضًا، في زماننا، لم نكن نتصور حتى الخروج واللعب في منتصف وقت العمل…”
عندما بدا أن توبيخ دانيال سيطول، ألقى سيلبانغ القهوة التي كان يصبها ونهض بسرعة.
“يا للهول! يبدو أنني نسيت عملًا لم أكمله إلى اللقاء إيلي سيدة دانيال، سآتي لاحقًا!”
ثم هرب مسرعًا.
“ماذا؟أ هذا الصبي! يعطيه الكبار نصائح غالية ثم يهرب دون أن يصغي؟ أنت! قف هناك!”
“سأغادر الآن…!”
كاد الكتاب الذي ألقته دانيال أن يصيب سيلبانغ بفرق شعرة.
كان سيلبانغ لم يُنهِ تحيته بعد.
انتشر ضحك الحاضرين الذين كانوا يراقبون الاثنين.
***
“سلسلة وفيات بين العاهرات – التحقيق في أسباب الوفاة جارٍ'”
“شائعات خلاف بين الأمير الأول والأميرة – مصدر: ‘احتمال الطلاق وارد'”
“تحليل عميق للسيدة إل – شخصيات الأميرة الأولى والأميرة الثانية المقبلة كما تتجلى في ذوقهما بالأزياء”
“أمام خيار صعب… ما قرار الأمير الأول؟
الأمير الأول، الذي استفاد من فضيحة الأمير الثاني، يواجه محنة جديدة.
وذلك لأن خطيبة الأمير الثاني تم تحديدها لتصبح ابنة عائلة لوماكسينغ النبيلة.
عائلة لوماكسينغ الكونتية هي من النبلاء الجدد الذين جمعوا ثروتهم عبر بنك لوماكسينغ وشركة لوماكسينغ التجارية.
يكتسب الزعم بأن ثروة عائلة لوماكسينغ الهائلة ستدعم الأمير الثاني بدعم ثابت زخمًا.
كما أن الشائعات بأن شخصية مؤثرة في المنطقة الوسطى تدعم الأمير الثاني أصبحت حقيقة مسلَّمًا بها، مما يرفع من قاعدة تأييده.
في المقابل، واجه الأمير الأول عقبة ليس له فيها حل.
بينما يثني البعض على كفاءته الإدارية لتعامله الناجح مع أضرار الفيضان، يرى آخرون، استنادًا إلى مساعدات الإغاثة من مانح مجهول، أن الأمير الأول لم يفعل شيئًا يذكر.
وسط هذا الانقسام في تقييم الأمير الأول، يواجه صعوبة في غياب أخبار واضحة عن الوريث لسنوات، وعدم وجود دعم معلن من شخصيات مؤثرة.
من المراقب باهتمام كيف سيتغلب الأمير الأول على هذه المحنة الصعبة.
جريدة لو فيغارو – المراسل جيريمي أندريه”
عبست تهيز حاجبيها.
المراسل جيريمي أندريه.
يبدو أنه من الضروري التحقق من هوية هذه الشخصية.
” أي شيء تقرئين بكل هذا التركيز؟”
أصبح ظهور دينيس المفاجئ دون طرق الباب مألوفًا إلى حد ما الآن.
محَت تيريز علامات الدهشة من وجهها وطوت الجريدة بهدوء ووضعتها على جانب المكتب.
ثم حوَّلت الموضوع كما لو كانت تقرأ مقالًا آخر.
“يبدو أن بطولة التنس ستُعقد قريبًا.”
“زوجتي لا تهتم حتى بالرياضة.”
“الأمر مختلف الآن أتمشى يومًا بعد يوم وأمارس ركوب الخيل أيضًا.”
أضافت تيريز أن ذلك بناءً على نصيحة طبيب القصر.
“بالتأكيد.”
رد دينيس بفتور وجلس مترهلًا على الأريكة الموضوعة أمام مكتب تيريز ،فك ربطة عنقه.
بدا لونه شاحبًا، وكأنه لم ينم لعدة أيام.
“أنا متعب.”
مستلقيًا في جلسته، رفع دينيس ذراعًا ليغطي عينيه.
“ألا تريد بعض الشاي، سمو الأمير؟”
نهضت تيريز وأمسكت بإبريق الشاي.
“لا حاجة للشاي، تعالي هنا، تيريز.”
نقر دينيس على المكان بجانبه.
جلسَت تيزيز إلى جانبه.
“هل يمكنكِ أن تريحيني قليلًا حتى أنام؟”
وضع دينيس رأسه على حِجر تيريز.
كان وزنه خفيفًا كالريشة.
“خمس عشرة دقيقة فقط.”
“ألا تنام أكثر؟”
“حسنًا، لديَّ حوالي ساعة لديَّ… اجتماع بعد الظهر… ولم أنهِ المراجعة بعد.”
أغمض عينيه وسرعان ما بدأ يتنفس بتناسق.
نظرت تيريز إلى وجهه النحتي صامتة.
كانت حاجباه الطويلتان المغلقَتان بأناقة جميلتين حقًا.
كانت هذه أول مرة تنظر فيها إلى وجهه من هذه الزاوية.
كان دائمًا هو من ينظر إليها من فوق.
ربما يجدر بي الاستراحة قليلًا أيضًا.
مدَّت تيريز يدها وأخذت الكتاب الموضوع في زاوية المكتب.
كان يوميات مغامرة لمستكشف اكتشف قارة جديدة.
لم يكن لديها وقت لقراءته، لذا لم تَقدُم فيه كثيرًا.
كم من الوقت قرأت؟
كانت الشمس المرتفعة وقت الظهيرة تملأ مكتب تيريز.
شعرت فجأة بأن أشعة الشمس لاذعة، فمدت يدها فوق وجه دينيس لتصنع ظلًا.
كان دينيس ينام وينفس كطفل.
واجبي…مسؤوليتي… حبي الأول… المدمر.
تأملت تيريز دينيس النائم تحت ظل يدها وغطت في التفكير.
قلتُ إن بيننا واجبات ومسؤوليات فحسب.
في الحقيقة، ربما كان ذلك خداعًا للنفس.
حب شخص يكرهكِ أمرٌ شديد الصعوبة.
لذا، فإنني…
لا أحبك.
رسمت تيريز وجه دينيس بإصبعها، وكأنها تنقشه.
لامسَته تقريبًا .
“هذا يدغدغني.”
فتح دينيس عينيه المُغمضتَين.
ظهرت عيناه الخضراوان النضيرتان المخبأتان تحت جفنيه.
كان صوته المبحوح قليلًا من النوم جذابًا أيضًا.
“لم ألمسك حتى، سمو الأمير.”
أخفت تيريز يديها خلف ظهرها، كطفلة سرقت شيئًا.
“كم من الوقت مرَّ؟”
“ثلاثون دقيقة، سمو الأمير حان وقت ذهابك الآن.”
أجلسَت تيريز دينيس ببرود.
“رائع! زوجتي باردة المشاعر حقًا.”
لم ترد تيريز على كلام دينيس ونهضت من مكانها.
شعرت بوخز خفيف في ساقها.
“شكرًا لكِ على إعارتي حجركِ، يا زوجتي أودُّ أن أردَّ الجميل.”
نظر دينيس إلى تيريز وهو يعيد ربط ربطة عنقه.
“……”
حدَّقت تيريز فيه وهو يربط ربطة عنقه بذهول.
بدا أكثر لمعانًا مما ينبغي، وهو يعود إلى صورته الأميرية المثالية المعتادة.
“هل يمكنني دعوتكِ لموعد؟”
انحنى دينيس بشكل مبالغ فيه وتحدث بأدب ثم رفع زاوية فمه في ابتسامة عريضة باردة.
كانت تلك الابتسامة التي جعلتها تقع في حبه.
“ما رأيكِ في مشاهدة التنس معًا؟”
“…حسنًا.”
هل هناك امرأة في فالوا يمكنها رفض عرضه؟
كانت تستطيع الجزم بأنه لا توجد.
لأنه كان جذابًا أكثر من اللازم.
(يتبع في الفصل القادم)
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"