148
كان عليّ أن أبذل جهدًا كبيرًا في محاولةٍ لتهدئة ستيلا، التي بدت وكأنها ستنفجر في أيِّ لحظة.
“سأقبض عليه وأعطيه درسًا قاسيًا. ستيلا، سأعاقبه عقابًا شديدًا لدرجة أنه لن يتجرأ على فعل ذلك مجددًا. إذًا، ما رأيكِ أن نعالج الأمور العاجلة أولًا؟”
لحسن الحظ، أثمرت جهودي في تهدئتها.
“همف. حسنًا، بما أنكِ تطلبين ذلك، سأتركه هذه المرة. لو كان شخصًا آخر، لما حدث ذلك أبدًا—خصوصًا لو كان الطلب من أخي النذل.”
على الأقل، وضعت ستيلا جانبًا رغبتها في تمزيق رينارد في الحال.
“حسنًا. اخرجوا واربطوا هؤلاء الأشخاص. حضّروا سفينةً كبيرةً تكفي لحملهم جميعًا.”
بأمرٍ من ستيلا، ظهر جنود الشياطين من حيث كانوا مختبئين، وبدأوا في تقييد الأفراد المغمى عليهم واحدًا تلو الآخر.
“أوه، صحيح! السير آرلوت! أديليو، أرجوك أيقظه بسرعة.”
أمسكت بيد أديليو وحثثته على المساعدة لضمان سلامة شاهدٍ آخر. تبعني على مضض، معبرًا عن استيائه على وجهه.
“ألّا يمكننا أن نجعله يستقيظ بنفسه؟”
“علينا أن نتفق على أقوالنا.”
“عندما يستيقظ، لن يلتفت لي حتى، منشغلًا بالقلق عليكِ.”
“سيهتم، فقط افعل ذلك.”
“وعد؟”
بإشارةٍ بسيطةٍ من يد أديليو، فتح السير آرلوت، الذي كان نائمًا، عينيه على الفور.
“أوه، أين أنا؟ أوه، أيتها القديسة!”
جلس السير آرلوت بسرعة، لكنه عند رؤيتي بجواره، تنفس بارتياحٍ وهدأ.
“أنتِ بأمان.”
“نعم. لحسن الحظ، وصل السير أديليو في الوقت المناسب لإنقاذي. بسبب الفوضى، جاء جنود الشياطين، وقد انتهينا للتو من تسوية الأمور بسلام.”
“أشعر بالخجل. حتى مع ذلك، أن أنهار بهذا الشكل غير اللائق…”
“لا بأس. لقد بذلتَ قصارى جهدك، سير آرلوت. لو أننا لاحظنا أن السير بينباو مشبوه، لربما جرت الأمور بشكلٍ مختلف.”
“هذا ليس خطأكِ أبدًا، سيدتي! إنه كله تقصيرٌ مني!”
بينما كان صوت السير آرلوت يزداد حدّة، تسلّل شخصٌ ما بيننا.
“ما رأيكم أن ننهي الأحاديث الجانبية هنا؟ نحن في حاجةٍ إلى الوقت لترتيب اجتماع مفاوضات السلام.”
“أعتذر. لم أكن أفكر بشكلٍ صحيح.”
انحنى السير آرلوت اعتذارًا، ثم نهض سريعًا وبدأ في مساعدة جنود الشياطين على تقييد المجرمين.
رغم ما قد يشعر به من عدم ارتياح، إلّا أنه عمل بجدٍ وإخلاص، مما أثار إعجابي بموقفه المشرّف.
“يا له من فارس رائع.”
“م…!”
“كيف لم أتعرّف على شخصٍ مميزٍ مثله إلّا الآن؟”
“…هل أُعجِبتِ به؟”
“ماذا؟”
“هل مللتِ مني بالفعل؟”
“لماذا تقول شيئًا كهذا؟ كل ما فكرت فيه هو كم سيكون من الرائع لو كانت الإمبراطورية مليئةً بأشخاصٍ مثله.”
“حتى هذا يجعلني أغار.”
طريقته في إظهار غيرته دون تحفظ، كالأطفال، جعلتني أبتسم بلا وعي.
“أنت تعلم جيدًا أن الشخص الوحيد الذي أحبّه هو أديليو.”
“هذا لا يكفي. قول المزيد.”
“ماذا؟ أنا أُحبُّك؟”
“نعم.”
“هممم. إذا قلت ذلك كثيرًا، فسيُصبح عديم القيمة.”
“مستحيل. في الواقع، كلَّما قلتِ ذلك، شعرت بأنه غير كافي. أُحبُّكِ يا ديزي.”
“يا إلهي.”
غطيت فمي بيدي لأخفي ابتسامتي العفوية، إلّا أن صوتًا متذمرًا جاء من الجانب.
“اييو …. توقف الآن ….”
كانت ستيلا تضع تعبيرًا يقول إنها لديها الكثير لتقوله لكنها لن تُزعج نفسها، ومرّت بجوارنا.
شعرت بالإحراج، فتظاهرت بالسعال لتغطية الموقف.
في هذه الأثناء، انتهى العمل على تقييد الأسرى.
تم تحميل الفرسان المقيّدين على سفينة أكبر بعشر مرات من القارب الصغير الذي وصلنا به. استقلّت ستيلا، وجنود الشياطين النخبة، وكذلك السير آرلوت السفينة.
عندما حاولت الصعود مع أديليو، ساعدني على الصعود لكنه لم يركب السفينة بنفسه.
“بما أن السير ڤيولا تطارد الأمير رينارد، سأبقى هنا لألاحق الكاردينال فيلهلم.”
كان رينارد وفيلهلم، أهم شخصين، لا يجب أن يُسمح لهما بالهرب.
على الرغم من أنني أردت الذهاب معه، إلّا أنني كنت أعلم أنني سأكون عبئًا عليه، لذلك هززت رأسي بالموافقة دون جدال.
“عد بسلام.”
وضع أديليو قبلة خفيفة على جبيني قبل أن يبتعد.
من خلفي، سمعت ستيلا تشتم مرة أخرى، لكنني تجاهلت الأمر وكأنني لم أسمع شيئًا.
✲ ✲ ✲
كان أديليو يشاهد السفينة وهي تبحر في النهر، وقد اختفت الابتسامة عن وجهه.
‘لم يتبق الكثير الآن.’
منذ أن افترق عن ديزي، كانت أيامه مليئةً بالأعمال الشاقة واحدة تلو الأخرى.
لكن الأمر لم يكن صعبًا عليه.
ففي النهاية، كانت تلك الكائنات تحت سيطرته بالفعل. لا يهم كم حاولوا المقاومة، فبإشارةٍ واحدةٍ منه كان يمكنه السيطرة عليهم.
ما كان يشغل تفكيره هو وجه ديزي الذي رآه قبل مغادرته. كان هذا المشهد يلازمه، مما جعله في بعض الأحيان يُفرغ غضبه أكثر.
كان يتوقع رد فعل ديزي مسبقًا.
ومع ذلك، لم يُفصح عن كل شيء، على أملٍ داخليٍّ أن ديزي ستظل تثق به حتى النهاية.
كان أديليو يثق بديزي.
لقد آمن أنها ستثق به، وأنها ستفعل كل ما في وسعها لمنع الحرب.
الآن، كل ما تبقّى هو أن ينتظر أديليو ويستعدّ كي لا يتأخر.
في النهاية، ظلت ديزي تثق بأديليو حتى النهاية، مما قوّى علاقتهم أكثر.
الإمبراطور جبانٌ لدرجة أنه لن يحاول حتى التفاوض مع الشياطين.
رينارد هرب، وبلير ماتت.
أما منصب ولي العهد فقد أصبح الآن حتمًا من نصيب چيوفانا.
لم يعد أمام الإمبراطور أيُّ خياراتٍ أخرى.
إذا تنازل أديليو عن منصبه كملك الشياطين، فإن ستيلا ستصبح الحاكمة التالية.
سيكون اتفاق السلام بين ملكة الشياطين ستيلا والإمبراطور چيوفانا إنجازًا عظيمًا للطرفين، وسيُعتبر خطوةً أولى نحو تحقيق السلام الدائم.
كان هذا الإنجاز ممكنًا فقط بفضل تعاون ديزي وأديليو معًا.
لذلك، لن يُسمَح لأيِّ شخصٍ بالتدخل في هذا الأمر.
‘أين يمكن أن يكون؟’
الآن، إذا تمكن من القضاء على الأفراد الذين أزعجوه منذ أن عاد بالزمن إلى الوراء، فسوف ينتهي كل شيء أخيرًا.
قبل لحظات، أمر ڤيولا بمحاصرة رينارد في موقعٍ معين.
إذا تم دفع رينارد إلى الموقع المقصود، فسوف يجد ممرًا يؤدي مباشرةً إلى أراضي الشياطين، ولن يستغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل أن يقع الأمير رينارد في يديّ أديليو.
‘أن تتجاهلا رسائلي عمدًا! يا لهما من متعاقدتين وقحتين.’
الآن بعد أن أصبحت ديزي بأمان، فإن العقد طويل الأمد الذي كان يحافظ عليه قد وصل إلى نهايته.
في كف أديليو، اشتعلت نيرانٌ مشرقة على عقدين، مشيرةً إلى تنفيذهما.
“حسنًا، لنبدأ البحث.”
بدأ أديليو في نشر طاقته بشكلٍ رقيق وواسع مثل شبكة.
كانت هذه تعويذة تُستخدم غالبًا في ساحات المعارك، وكانت فعالة جدًا للكشف عن موقع الأعداء.
وسرعان ما وقع هدفه في شباكه.
“أقرب مما كنت أعتقد.”
كان فيلهلم مختبئًا بين الأشجار الكثيفة المظلمة، لكنه أطلق صرخةً مرعوبة عندما أدرك أنه تم اكتشافه.
“طريقة عثوري عليك ليست مهمة.”
في لمح البصر، أغلق أديليو فم فيلهلم ووقف أمامه.
“هل تريد أن تعيش؟”
أومأ فيلهلم برأسه بعنف ودموعه تنهمر على وجهه.
“بعد أن دفعتَ الكثيرين إلى الموت، لديك الجرأة لتتوسل من أجل حياتك؟ يا لك من أنانيّ.”
لم يتمكن أديليو من أن يوقف نفسه عن الابتسام بسخرية.
بينما كان يرفع فيلهلم عن الأرض، ما زال ممسكًا بفمه، شعر بشخصٍ يقترب.
لقد كان رينارد الهارب.
“آه، سير أديليو؟”
اتسعت عينا رينارد عند رؤيته للمشهد أمامه، لكن وجهه تحول سريعًا إلى الابتسام براحةٍ كبيرة.
“آه، بالتأكيد أُرسلت لإنقاذي. إذًا، يبدو أن سوء الفهم قد تم تصحيحه، أليس كذلك؟”
بدأ رينارد، وهو يتصبب عرقًا، في اختلاق الأعذار.
“نعم، إنه كله سوء فهم. لم أشرب قط النبيذ المصنوع من عشبة الشياطين، ولم أوّقع أيّ عقدٍ مع الشياطين. حتى حقيقة عن أن أتباعي فعلوا ذلك، هذه أخبارٌ جديدةٌ بالنسبة لي.”
“همم، حقًا؟ لقد ظُلمت حقًا. “
“نعم! يبدو أن أتباع بلير الباقين قد تسللّوا إلى أتباعي. لذا، أرجوك، لا تسيء الفهم وأعدني إلى معسكرنا …..”
توقف رينارد فجأة، حيث تسللّ شعورٌ غريبٌ إلى داخله.
كانت الشياطين قد زارت مؤخرًا معسكرهم وهي تحمل عقودًا موقعة مع البشر، مطالبةً بإلغائها. معظم أولئك المتورطين كانوا من أتباع رينارد المقربين، مما دفع چيوفانا لاعتقال من أطلقت عليهم الشياطين لقب المتعاقدين.
بعد هروبه مذعورًا، كان قد وجد أخيرًا فارسًا مقدسًا يعرفه ويثق به.
شعر بالراحة… حتى الآن.
“ما الذي تحمله في يدك ….”
كان فيلهلم.
حدّق رينارد في صدمة برؤية فيلهلم معلقًا في الهواء، بفمٍ مُغلق بشدة، عاجزًا عن إصدار صوت.
“سير أديليو؟”
خفض أديليو قبضته عن فيلهلم، مما جعله يسقط على الأرض.
ما إن لمس الأرض، صرخ فيلهلم بكل قوته.
“هذا الرجل شيطان! أرسلوا الجنود فورًا ….”
لكن صرخته اليائسة انقطعت فجأة وتلاشت في الهواء.
“ماذا…”
غطت طاقةٌ سوداء جسد فيلهلم.
اختفى فيلهلم بالكامل، دون أن يُترك حتى رمادٌ خلفه.
عند رؤية ذلك المشهد الرهيب، تراجع رينارد خطوةً إلى الوراء، غير مصدق.
“ش…شيطان؟ كيف يمكن لفارس مقدس أن يكون شيطانًا؟ آه! لقد خدعتنا! من البداية كنت تتآمر مع القديسة لخداعنا. هل تظن أنكم ستفلتون بفعلتكم؟”
“تابع الثرثرة، فهذه ستكون كلماتك الأخيرة.”
توقفت كلمات رينارد المذعور عند سماع التحذير القاطع.
“هل انتهيت؟”
بدأت الطاقة السوداء التي التهمت فيلهلم تتحرك ببطءٍ نحو رينارد.
حاول الفرار، لكنه وجد نفسه مقيدًا بنيران سوداء ظهرت كالسحر من الأرض وأمسكت بقدميه.
“أرجوك! أنقذني! أرجوك!”
صرخ رينارد بيأس.
لكن صرخاته لم تصل إلّا إلى أديليو.
على عكس فيلهلم، كانت النيران تحرقه ببطء، مُسببةً آلامًا شديدة على رينارد. تجمد وجهه بسبب الألم، وسالت دموعه بغزارة.
“لطالما أردت أن أقتلك بيدي.”
كم عدد الدموع التي أسقطتها ديزي بسببه؟
حتى مع مرور الوقت، لم ينس أديليو تلك المشاعر التي راودته آنذاك. بدلاً من ذلك، حوّلها إلى تصميمٍ راسخ ليمنح رينارد موتًا لائقًا.
والآن، حان وقت الحصاد.
نظر أديليو ببرودٍ إلى رينارد الذي كان يحترق ببطءٍ ثم رفع شفتيه.
“يجب أن تظل هذه المسألة سرًا عن ديزي.”
مسح أديليو يديه ببطء واستدار مبتعدًا.
مات رينارد دون أن يتمكن حتى من الصراخ.
كانت تلك النهاية المأساوية لرجلٍ كان ينعم برفاهيةٍ شديدة.
[ يُتبع في الفصل القادم ……. ]
ترجمة خلود