147
“من….”
سقط السير آرلوت فجأة إلى الأمام أثناء محاولته التحدث.
“السير آرلوت!”
بينما كنت أحاول الاقتراب منه بسرعة للتحقق من حالته، أوقفتني يدٌ ما.
“ديزي، هل تُفكّرين حقًا في شخصٍ آخر أمامي؟”
أمسك أديليو يدي بلطف وجذبني إلى حضنه.
“لقد مر وقتٌ طويلٌ منذ لقائنا الأخير، ومع ذلك، توجّهين اهتمامكِ إلى شخصٍ آخر أولاً. أنا أشعر بالإحباط.”
“آه، لا. إنه فقط… لقد سقط أحدهم هناك!”
“إنه نائمٌ فقط.”
“مستحيل…”
عندما نظرت إليه بنظرة معاتبة، ابتسم برقة.
كانت ابتسامةً بريئة إلى درجة جعلتني أشعر بالذنب لمجرد الشك فيه!
“كيف وصلتَ إلى هنا؟”
“لا يمكنني تجاهل هذا الضوء. بما أنك جئتِ تبحثين عني بنفسكِ، كان عليّ أن أخرج لاستقبالكِ.”
“…هل كنتَ تنتظر مني أن آتي؟”
“بصراحة، كنتُ قلقًا قليلًا. كنت أفكر، ماذا لو لم تأتي لرؤيتي؟ وبعد الطريقة التي افترقنا بها آخر مرة، ظننتُ أنكِ قد تكونين غاضبةً مني.”
بدأت وجنتا أديليو تتحولان تدريجيًا إلى اللون الوردي الفاتح.
“ولكنني كنتُ واثقًا أنكِ، ديزي، ستأتين لتبحثي عني.”
كانت كلماته الخجولة مليئة بالثقة بي.
عند سماع تلك الكلمات الصادقة، شعرت بوخزة في قلبي، ولم أستطع منع نفسي من معانقته بشدة.
“شكرًا لكِ، لأنكِ وثقتِ بي.”
“أنت من قال هذا—دعينا نبذل قصارى جهدنا بطريقتنا الخاصة.”
ابتسمت وأنا أشعر بالدفء المألوف وهو يلفُّ ذراعيه حولي، ودفنت وجهي في صدره.
“كنتُ في الواقع خائفةً قليلًا. كنتُ أفكر، ماذا لو كنتَ ترغب حقًا في السيطرة على عالم البشر؟ لم أكن أريد أن أحوّلك إلى عدو.”
ربما لأنني كنتُ سعيدة بلقائه بعد غياب طويل، بدأت مخاوفي التي لم أجرؤ على التعبير عنها تظهر واحدةً تلو الأخرى.
“هذا لن يحدث أبدًا. لقد قطعنا عهدًا أمام شجرة العالم.”
“أنا آسفة لأنني شككتُ فيك ولو للحظة.”
“لا بأس. لو أردتُ أن أعدّد الأمور التي يجب أن أعتذر عنها، لما كفتني يدان.”
ضحكت بخفة على مزاحه غير المتوقع، ورفعت رأسي.
اكتشفت أنه كان ينظر إليّ منذ البداية، والتقت أعيننا.
ما رأيته في نظرته كان موّدةً واضحة.
“بالمناسبة، ديزي.”
“نعم؟ ما الأمر؟”
“ماذا نفعل بشأنهم؟”
أشار أديليو إلى الأشخاص المغمى عليهم.
“آه، ماذا؟”
ولكن حينها ظهرت مشكلة.
“الكاردينال فيلهلم غير موجود. أعتقد أنه… هرب.”
شعرت بالارتباك وحاولت دفع أديليو بعيدًا، لكنه شدد قبضته عليّ بدلًا من ذلك.
“أديليو؟”
“ديزي، لم تنسي أين نحن، أليس كذلك؟”
توقفتُ عن المقاومة عند سماع كلماته.
يا لغبائي. لقد نسيت.
هذا المكان يقع تحت سيطرته.
“جنودي بالقرب. يمكنني أن آمرهم بالبحث.”
“ولكن إذا تمكن الكاردينال فيلهلم من الوصول إلى معسكرنا، فقد يتم كشف هويتك يا أديليو.”
“ما تقلقين بشأنه لن يحدث. سأضمن ذلك.”
رغم قلقي، إلا أن أديليو لم يكذب عليّ أبدًا، لذا قررت الوثوق به.
“أنا أمتلك من القوة ما يكفي لتحقيق ذلك.”
دفعني حديثه الواثق إلى الإيماء تلقائيًا.
“بالمناسبة، هل ليليانا وڤيولا مشغولتان جدًا؟”
“ماذا؟”
“حاولتُ الاتصال بهما، لكنهما لم تردا.”
“يمكنك التواصل معهما؟”
“بما أننا أبرمنا عقدًا، يجب أن يكون ذلك ممكنًا. لكن ربما يتعمدان تجاهله، أو ربما لم يسمعا.”
أخواتي، لماذا لم تخبراني بهذا؟
كانت هذه أول مرة أسمع فيها بهذا، ولم أستطع إخفاء دهشتي.
“يا إلهي. من تعابير وجهكِ يبدو أنكِ لم تكوني تعرفين.”
“ل-لا، هذه أول مرة أسمع بهذا. أنا متأكدة أن أختيّ لم تعرفا أيضًا.”
“إذا قالت ديزي ذلك، فلنقل إن الأمر كذلك.”
ما زال ممسكًا بي، قام أديليو بتعديل وضعي، فأصبحتُ مستندةً عليه بطريقة خففت من توتري.
“انظري إلى هناك. ألا يبدو المكان صاخبًا بعض الشيء؟”
“لا أستطيع رؤية شيءٍ من هنا.”
“هناك شياطين يتوجهون إلى ذلك الاتجاه.”
“ماذا؟”
تفاجأت بما قاله بشكلٍ عابر وحاولت أن أستدير، لكنه وضع ذقنه على رأسي وأحاطني بإحكام.
“الشياطين الذين أبرموا عقدًا مع البشر ذهبوا لطلب المغفرة عن خطاياهم.”
“أرجوك اشرح لي الأمر بوضوح. لماذا يفعلون ذلك؟”
“لقد أبرموا عقدًا معي. وافقوا على إنهاء عقودهم أمام الجميع.”
“لكن لماذا فجأة؟ كلهم كانت لديهم أهدافٌ عندما أبرموا هذه العقود، أليس كذلك؟”
“لأنهم يريدون البقاء على قيد الحياة.”
جعلني حديثه الهادئ أتصلب للحظة.
نعم، لا يجب أن أنسى.
على الرغم من مظهره الهادئ واللطيف، إلّا أن أديليو يمتلك شخصيةً قاسيةً وقائدٌ مستبدٌ إلى حدٍ كبير.
‘لا، بل هو طاغيةٌ حقيقية.’
“الشياطين الذين أبرموا عقودًا غير نزيهةٍ مع البشر وألحقوا ضرارًا بهم سيتلقون العقاب المناسب. مجرد البقاء على قيد الحياة يُعد نعمة، أليس كذلك؟”
“…عندما تفكر بالأمر هكذا، يبدو الأمر معقولاً.”
“يا للعجب. الأمير چيوفانا يحاول بالفعل القبض على الأمير رينارد. أود أن أريكِ هذا المشهد.”
“…لا تقل لي؟”
“نعم. أحد الشياطين البارزين يطالب الأمير رينارد الآن بإنهاء عقده. أوه، الأمير رينارد يصرخ متهمًا إياه بالكذب. كنتُ أتساءل إلى أين سيصل هذا، لكن يبدو أن حقيقة أن النبيذ الذي كان يستمتع به مصنوعٌ من عشبة الشيطان قد انكشفت.”
“لحظة، هل كان الأمير رينارد يشرب نبيذًا من عشبة الشيطان؟”
كيف يمكن أن يكون بهذا السوء والانحطاط؟
من المدهش كيف يصعب العثور على فردٍ صالح في العائلة المالكة.
وهذا يجعل الأمير چيوفانا يبدو أكثر روعة.
“لا أستطيع أن أفهم. لماذا يقوم أشخاصٌ لديهم كل هذه الثروة والقوة بمثل هذه الأفعال الحمقاء؟ هل كل هذا من أجل السُّلطة؟ وما الذي يجعل السُّلطة مهمة لهذه الدرجة؟”
“من يعلم. ربما كانوا يشعرون بالملل وقرروا البحث عن إثارةٍ جديدة، وهذا ما أدى بهم إلى هنا.”
على الرغم من حديثه العادي، كنت أعلم أكثر من أيِّ شخص أن هذا مستمدٌّ من تجربة أديليو الشخصية.
غيّرت الموضوع بسرعةٍ لتجنب البقاء في هذا النقاش غير المرغوب.
“إذًا، ما الذي يحدث الآن؟”
“الأمير چيوفانا يحاول القبض على رينارد، لكن… همم. لا أعرف كيف يمكن أن يكون قويًا لهذه الدرجة وهو في حالة سكر، لكنه أطاح بكلِّ الفرسان المحيطين به وهرب.”
“ماذا؟ في هذه الحالة، علينا أن نذهب للإمساك به على الفور!”
“يبدو أنه لا داعي للقلق بما أن ڤيولا اندفعت للخارج. رينارد لا يستطيع التغلب على ڤيولا.”
كان ذلك أمرًا لا يمكن إنكاره.
“إذًا، أظن أننا يجب أن نعود نحن أيضًا.”
“بهذه السرعة؟”
أدلى أديليو بتعبيرٍ واضح عن خيبة أمله.
“لكن مع كل هذه الفوضى، علينا أن نذهب لنرتّب الأمور فورًا، وأنا بحاجة إلى الإدلاء بشهادتي أيضًا. يمكننا تقييدهم جميعًا وأخذهم معنا. إلى جانب شهادتي، سيشهد السير آرلوت أيضًا.”
بعد التفكير العميق للحظة، قبضت يدي وضربت كفي.
“وهنا لدينا شاهدٌ جيد آخر.”
فورًا، استدرت ونظرت إلى أديليو، الذي أمال رأسه وأشار إلى نفسه بإصبعه السبّابة.
“أنا؟ أيُّ شخصٍ يمكنه أن يرى أن ديزي هي من قامت بكلِّ شيء. لا يمكن أن يكون هناك من لم يلاحظ عمود الضوء الضخم ذاك.”
“اسمع!”
عندما أشرت إليه، انحنى أديليو مقتربًا.
لم يكن أديليو ينوي الكشف عن هويّته الحقيقية.
لو كان يخطّط لذلك، لما أقدم على هذه التصرفات من الأساس.
ولكن كيف سنشرح وجود أديليو هنا؟ الأمر بسيط.
“أديليو كان قلقًا جدًا على خطيبته لدرجة أنّه خاطر بسُمعته وتسلّل إلى معسكر الشياطين.”
“هممم؟”
هذه هي القصة التي خطّطت لها.
أديليو، الذي كان قلقًا بشأن خطيبته، تبعها، واكتشف هوية السير بينباو الحقيقية. وبعد أن حاول إيذاءها برفقة فرسانٍ آخرين بأوامر من الأمير رينارد، قام بتقييدهم.
“ما رأيك؟ أليس ذلك مثاليًا؟”
“نعم، إنه مثاليٌ للغاية.”
ربّت على رأسي بابتسامةٍ مليئة بالمرح.
“إذًا، يجب أن نعود إليهم. سيكون لدينا الكثير لنفعله، أليس كذلك؟”
“بالطبع، صحيح؟”
كان هناك جبل من المهام ينتظرنا.
اليد التي كانت تربت على رأسي انزلقت بلطف إلى أسفل وأمسكت بذقني.
“في هذه الحالة، هل يمكنني أن أقبّلك قبل أن نعود؟”
“ماذا؟”
“عند التفكير، لم نحظَ حتى بقبلة اللقاء.”
بالرغم من أنّنا حصلنا على قبلة الوداع.
صوته الهامس كان مليئًا بالمكر.
كان من الواضح أنه قال ذلك عمدًا، لأنه يعلم أنني لن أرفض.
وفعلًا، لم أتمكن من الرفض.
شعرت بالحرارة تتصاعد إلى وجهي، وبدا أن أديليو استمتع بهذا المشهد وابتسم بحنان.
استسلمت لتلك الابتسامة.
أخذت الفرصة بينما كان أديليو ينتظر الإذن وسحبت ياقته بإحكام.
أديليو، الذي كان مذهولًا، اقترب على الفور، ثم تلاقت بادلني القبلة.
لم تستمر المفاجأة طويلًا، إذ سرعان ما فتح أديليو عينيه وابتسم.
رفعت ذراعي حول عنقه، وانحنى أكثر ليعمّق القبلة.
استمر الوقت الخاص بيننا لفترة طويلة، وبعدما ابتعدنا عن بعضنا، بدلاً من الشعور بالخجل، ضحكنا بشكلٍ تلقائي.
“هل انتهيتما؟”
“كيااااه!”
قبل أن أستمتع أكثر، جاء صوتٌ أذهلني، فاستدرت على الفور بارتباك.
“لقد مضى وقتٌ طويل، ديزي.”
“س-س-ستيلا.”
“بعد كل هذا الوقت، أول ما أراه هو مشهدٌ حميميٌ بينكِ وبين ذلك الشخص المدعو بأخي. صدقًا ما الذي يعجبكِ في أديليو الحثالة؟ أنا حقًا لا أفهم.”
“توقّفي عن قول أمورٍ غير ضرورية، ستيلا.”
تجاهلت ستيلا تعليق أديليو، ونظرت حولها بنظراتٍ حادة.
“أتعلمين يا ديزي، لقد عملت بجدٍ شديد من أجل اتفاقية السلام لأنني وثقت بما قلتيه. لقد تخلّيت عن النوم للتحضير، وكنت أذهب إلى كل من يعارض الاتفاقية وأقنعهم مباشرةً.”
خلف ستيلا، بدأت طاقة سوداء تتصاعد.
كان الأمر غريبًا. لقد قالت “أقنعهم”، لكن بدا وكأنها استخدمت قبضتيها أكثر من الكلمات.
“عملت بجدٍ شديد، ولكن بسبب ما حدث للتو، كادت الأمور أن تنهار. لا أحد يعلم كم كنت قلقةً من اندلاع حربٍ في أيِّ لحظة عندما انفجر عمود ضوءٍ مقدس.”
لأنّ ذلك كان خطأي، أبقيت فمي مغلقًا، لكن ستيلا ابتسمت بابتسامةٍ تشبه تلك التي لدى أديليو.
“لقد قمتِ بشيء مسلٍّ حقًا في أراضي الشياطين.”
بابتسامة مليئة باللطف لكنها مفعمة بالتهديد، سألتني.
“إذًا، من هو العقل المدبّر وراء هذا الأمر، ديزي؟”
[ يُتبع في الفصل القادم ….. ]
– ترجمة خلود