146
تم اختيار الفرسان من كلٍّ من الإمبراطورية والمعبد، بمعدل شخصٍ واحد من كل جهة.
“السير آرلوت فارسٌ ممتاز، لذا ليس هناك داعٍ للقلق كثيرًا.”
“نعم. وقيل لي أيضًا إن السير بنباو فارسٌ مقدّسٌ واعد. لذا، أرجوكِ خففي من قلقكِ.”
لم تستطع ڤيولا النوم طوال الليل بسبب القلق، فبقيت تحرس خيمتي حتى الصباح؛ ولأنني أعلم أن هذا كان لحمايتي من أيّ خطر ٍمحتمل، لم أستطع إيقافها. وهكذا، أتى الصباح الذي يتوجب عليّ فيه المغادرة.
“عليكِ أن تكونِ حذرةً في كل زمانٍ ومكان.”
“أختي، أعلم أنكِ ستنتظرينني بفارغ الصبر، لذا سأُنهي كل شيءٍ بسرعةٍ وأعود. بالطبع، سأعود سالمةً وبصحةٍ جيدة.”
“هذا أمرٌ مطمئن.”
ابتسمت ڤيولا بخفةٍ وعانقتني بقوة.
“لا تتعرضِ لأيِّ أذى. إن حدث لكِ شيء …..”
ابتسمت بلطف وهي تمسح شعري بنظرةٍ مفعمةٍ بالمحبة.
“لقد رأيتِ بنفسكِ إلى أيّ مدى يمكن لأخواتكِ أن تصل، أليس كذلك؟”
“نعم، أعلم.”
لقد عقدا عقدًا مع أديليو وأسقطا العائلة الإمبراطورية والإمبراطورية نفسها، أليس كذلك؟
كيف يمكنني أن أنسى ذلك؟
كتمت هذه الكلمات داخلي وابتسمت بشكلٍ متردد، وبدلًا من ذلك بادلتها العناق.
“حقًا، لا داعي للقلق. أرجوكِ ثقِ بي.”
“في الحقيقة، أنتِ الشخص الذي أثق به أكثر من أيِّ أحدٍ في هذا العالم.”
تبادلنا حديثًا خفيفًا غير معتادٍ من ڤيولا، مما ساعد على تخفيف التوتر. في نفس الوقت، اقترب الفارسان اللذان أتما تجهيزاتهما.
“إنه لشرف لي أن أخدمكِ، أيتها القديسة. أنا آرلوت ستيڤ.”
“أنا بنباو. أُقْسم أن أُكرّس حياتي لحمايتكِ، أيتها القديسة.”
“أنا ديزي ليڤيان. أرجو أن نعمل معًا بشكلٍ جيد.”
وأخيرًا، حان وقت الرحيل.
قبل أن أركب القارب مباشرةً، ربّت رينارد على كتفي بابتسامةٍ مريبة، مُقدمًا كلمات تشجيع.
“لا بأس إن لم تُحضرِ نتائج جيدة. عودِ سالمةً فقط. بالطبع، إذا عدتِ، ستصبحين رمزًا للسلام.”
كان صوته مزيجًا بين المزاح والجدية، مما أضفى شعورًا يُخفف من التوتر.
اقترب چيوفانا بشكلٍ غير معتاد هذا اليوم، ووضع يده على كتفي التي ربّت عليها رينارد.
“نعم، اعتني بنفسكِ وعودِ سالمة.”
كانت كلماته قليلة، لكنها أوضحت لي مدى قلقه.
بعد ذلك، ظهرت العديد من الوجوه المألوفة. كانت ڤيولا وثيودور واقفين بثبات في أماكنهما بوجوهٍ متصلبة، بينما لم يتمكن فرسان وجنود الجيش الثالث من إخفاء نظرات القلق.
‘مع ذلك، أشعر أنني عشتُ هذه الحياة بشكلٍ جيد.’
قبل أن يزداد قلقهم، صعدت بسرعة إلى القارب.
“سأعود بسلام.”
لم أمتلك الشجاعة للنظر إلى الوراء. لسببٍ ما، شعرت أنني سأبكي إذا فعلت.
“هل أنتِ بخير؟”
سألني السير آرلوت بقلق عندما لاحظ تعابير وجهي الحزينة.
“بالطبع!”
لم أرغب في زيادة قلقهم، فأجبت بحيويةٍ مفرطة.
“قال الملاح إنه يمكننا الوصول خلال ساعة. ولحسن الحظ، هناك قوات الشياطين بالقرب، لذا سنحاول بدء حوار معهم.”
“فهمت.”
“نعم، لذا حاولِ أن تستريحِ ولو قليلًا.”
“شكرًا لك.”
بمساعدة الفرسان، جلست بحذرٍ حتى لا أفقد توازني. وبسبب ذلك، بدأت أشعر بالغثيان، ربما بسبب التوتر.
“هاه.”
أطلقت زفرةً طويلة بينما كان النسيم البارد يهبُّ من حولنا.
رفعت رأسي للسماء، لتظهر أمامي مشاهد مختلفة عن تلك الليلة.
كانت مياه النهر تحت ضوء القمر جميلة، ولكن انعكاس أشعة الشمس عليها نهارًا جعلها متألقةً بشكلٍ لا يوصف.
‘إنها جميلة.’
بينما كنت أنظر إلى التموجات المتلألئة، خطر في بالي شخصٌ معين.
‘سأراه قريبًا.’
مجرد التفكير في أديليو جعل قلبي ينبض بشدة.
ربما لم يكن الغثيان بسبب النهر، بل بسبب التوقعات التي تراكمت داخلي.
“أيتها القديسة، نكاد نصل.”
عند سماع صوت السير بنباو، أومأت برأسي، ولاحظت فجأة الغمد المعلّق على صدره.
“سير بنباو، هل أوكل سموّه ذلك السيف إليك؟”
“نعم. رأى سموّه أن حمل فارسٍ مقدّسٍ له سيكون أكثر طمأنينةً للقديسة، لذا أوكل لي هذه المهمة.”
بدلًا من التحديق في مقبض السيف الذهبي، رسمت ابتسامةً مشرقة وغيّرت الموضوع.
“نعم، أشعر بالاطمئنان أكثر الآن. السير بنباو هو فارسٌ مقدّسٌ من المعبد المركزي، صحيح؟ هل سبق لي أن قابلتك؟”
“…لقد مررتِ بي مرة وألقيتِ التحية.”
“فهمت.”
“يبدو أننا وصلنا بالفعل.”
استدار السير بنباو دون تردد، كما لو لم يكن هناك وقتٌ للمزيد من الحديث.
“فارسٌ مقدّسٌ وقحٌ إلى هذا الحد؟”
قال السير آرلوت بامتعاض وهو يقطب جبينه.
شعرت أنه ما زال مستاءً من المحادثة السابقة، لذا تحدثت بهدوء.
“لا بأس بالنسبة لي.”
“…أعتذر.”
“لقد وصلنا أسرع مما توقعت. أشكركم على جهودكم. وأنت أيضًا، شكرًا لك.”
بينما كنت أشكر الملاح وأستعد للنزول، فجأةً، ترك السير آرلوت يدي التي كان يمسكها، ودفعني بسرعة.
من شدة المفاجأة، فقدت توازني وسقطت على الأرض، وفور ذلك سمعت صوت تصادم سيوفٍ حادةٍ فوقي.
عندما رفعت رأسي، رأيت الملاح، الذي استلّ سيفًا من مكان ما، وهو يهاجم.
“إنه شيطان!”
صرخ السير آرلوت، لكن الملاح لم يُجب، واستمر في الهجوم بصمت.
بدت المعركة بينهما على القارب الصغير خطرةً للغاية. حاولت تقديم المساعدة، لكن السير بنباو كان أسرع في سحبي والوقوف بجانبي.
“هذا المكانُ خطيرٌ! عليكِ أن تَهرَبِ إلى مكانٍ آمنٍ على الفور!”
“ماذا عن السير آرلوت؟”
عند صرختي، صاحَ بينباو بصوتٍ قلقٍ ومُستميت.
“لقد أتينا لحمايتكِ، أيتها القديسة! أرجوكِ، من أجل السير آرلوت، اهربِ سريعًا!”
“قديستي! لا تقلقِ بشأنِي، اهربِ أولًا إلى مكانٍ آمنٍ!”
عند سماع كلمات الفارسين، عضَضْتُ على شفتي بقوة.
“أنا أعلَمُ أكثر من أيِّ أحدٍ آخر أن وجودي هنا لن يُساعدَ بشيءٍ، ولكن…”
دفعتُ يدَ السير بينباو بعنفٍ، تلك اليد التي كانت تُمسكُ بي بإحكام، ثم نظرتُ إليه بنظرةٍ صارمة.
“أليسَ من المضحك أن تقولَ هذا الكلامَ وأنتَ مُتَنكِّرٌ في هيئة السير بينباو؟”
“ما الذي تقولينه، أيتها القديسة؟! ليس لدينا وقتٌ لهذا الآن!”
بدَا السير بينباو مرتبكًا، وكأنهُ شخصٌ فوجئَ بأن الأمور لا تسيرُ كما كان يُخطِّط.
توهجت عيناي الحمراء ببرود، وحدَّقتُ في السيف المعلَّقِ على صدره.
‘كيفَ يُمكنني أن أنسى؟’
السيفُ الذي غُرسَ في جسدي مباشرةً، والذي كان يحملهُ الفارسُ الذي خانني قبل أن أعود بالزمن.
‘لم أكن أعلم أن الأميرَ رينارد كان يَملكه.’
كنت أعتقد فقط أن أحدَ الفرسانِ قد أبرَمَ عقدًا مع الشياطين وخانني.
‘هل كنتَ تظنُّ أنني سأسمحُ بحدوثِ ذلك مرةً ثانية؟’
طلبتُ عمدًا ألّا أحتفظ، بل أن يُوكَلَ لشخصٍ موثوق.
لديَّ فارسان مكلَّفان بحمايتي. أحدهما سيتَّبعُ أوامر الأمير ويُحضرُ السيف، وهكذا سأعرفُ من يُحاولُ قتلي.
كنتُ قلقةً من أن يكون كلاهما على علمٍ بأمر السيف، لكن لحسنِ الحظ، كان الخائنُ واحدًا فقط.
“السيفُ الذي بحوزتِكَ تنبعثُ منهُ طاقةٌ شريرة. إنها طاقةٌ شديدةُ القسوة، تُشيرُ إلى مدى قِدمِها! هل أمرَ الأميرُ رينارد بطعنِي به؟”
“يا لكِ من امرأةٍ حقيرة. متى أدركتِ ذلك؟”
خرجَ صوتهُ الحقيقي فجأةً، وكأنهُ نَسِيَ أن يُخفيه بسببِ صدمتِه.
“…هذا الصوت. أأنتَ الكاردينال فيلهلم؟”
“حقًا، أنتِ امرأةٌ أشبهُ بالشبح. دائمًا تُفسدين خططنا، ولا تُقدِّمين أيَّ مساعدةٍ تُذكَر!”
غير قادرٍ على كتمان إحباطه، خلعَ فيلهلم خوذتَه وألقاها بعيدًا.
كان وجهُهُ المألوف مليئًا بالغضبِ والحنق.
“كيفَ يُمكنُ لرجلِ دينٍ أن يُحاولَ إشعالَ حربٍ في الإمبراطورية؟”
“لماذا كلُّ هذه الضجةِ من أجلِ حربٍ؟! على أيِّ حال، ستكونين في أكثرِ الأماكنِ أمانًا، مُحاطةً بحمايةِ الجميع!”
بابتسامةٍ ساخرة، أخرجَ صفَّارةً من متاعِه وبدأَ في النفخِ بها.
وكأنهم كانوا ينتظرونَ هذه الإشارة، بدأَ القتَلةُ المرتدونَ ملابسَ سوداءً بالظهورِ من كلِّ مكان.
“اهربي الآن، أيتها القديسة!”
قفزَ السيِّد آرلوت أمامي، بعد أن هزمَ صاحبَ القارب، ورفعَ سيفَه ضدَّهم.
لكن أمله لم يتحقق، فقد كنا مُحاصَرين بالفعل، ولم يكُنْ هناك سبيلٌ للهرب.
“قديستنا، عليكِ أن تموتي من أجل رغبتنا.”
“هل، هل أعطى صاحبُ السموِّ هذه الأوامر؟ لماذا…؟”
عند رؤيةِ تعابير السير آرلوت البائسة، نَقَرَ فيلهلم بلسانه.
“سير آرلوت، ولاؤك محلُّ تقدير، وصاحبُ السموِّ الأمير رينارد سيضمنُ التعاملَ مع جثَّتك بشكلٍ لائق.”
“أنتَ…! كيفَ أمكنَ لأمثالِكم، أنتمُ المتشبِّثونَ بالسُّلطةِ في الإمبراطورية، أن تُوصلونا إلى هذا الحال؟!”
عند صرخةِ آرلوت الغاضبة، لم يُكلِّفْ فيلهلم نفسهُ عناءَ الرد، بل أكملَ كلامه.
“والآن، حانَ الوقتُ لإنهاءِ الأمر. سأقضي على حياتكِ بضربةٍ واحدة. سأضمنُ ألّا تُعاني.”
“أزِلْ ذلك السيفَ قبل أن تتفوَّهَ بمثلِ هذا الكلام.”
بدأ الغضبُ يتصاعدُ في داخلي من هذا الشخصِ المتكبِّر، الذي لا يعلمُ حتى حقيقةَ السيفِ الذي يحملُه.
“هل هذه هي القُوى التي أعددتموها؟ هل تظنونَ حقًّا أنكم ستوقفوننا بهذا المستوى؟”
“هاه. هل تظنينَ أنكما، فقط اثنان، تستطيعان التغلبَ على ثلاثين فارسًا مدرَّبًا؟”
“لمَ لا؟”
“مهما كانت قُدراتُكِ المقدَّسةُ استثنائية، فإنَّ نقصَ خبرتكِ يجعلُ من المستحيلِ عليكِ أن تهزِميني!”
كانت صرختُه أشبهَ بعواءٍ، مليئًا بالإحباط.
مدَّ فيلهلم يدَه، لتنتشرَ هالةٌ معتمةٌ من الطاقةِ المقدَّسةِ في المكان.
“هل تظنينَ حقًّا أنني سأغفرُ لكِ بعد أن دمَّرتِ كلَّ شيءٍ بنيتُه؟”
بدَا وكأنهُ يشعرُ بالظلم.
لكن هل سيُزيلُ هذا الظلمُ ذنوبَه؟ بالتأكيد لا.
“يا لَك من رجلٍ أحمق.”
لابدَّ أنَّ أمامَه العديد من الفرصِ التي كان بإمكانهُ التوقفُ فيها والتأملُ في أفعاله.
لكنَّهُ لم يتوقف، ولم يندم.
النتيجةُ التي وصلنا إليها الآن هي من صُنعِ يديه.
تأملتُ المكانَ بهدوءٍ.
رغمَ المواجهةِ الطويلة، لم يأتِ مزيدٌ من القتلة، ما يعني أنَّ هؤلاء جميعهم.
“هاه. مجردُ كلماتٍ بلا أفعال.”
عندَ أمرِ فيلهلم، بدأَ الفرسانُ هجومَهم جميعًا في آنٍ واحد.
“لنُنهِ هذه المسرحيةَ الآن.”
أخذتُ نفسًا عميقًا، ونظرتُ إليهم بنظرةٍ باردة.
“وبالمناسبة، أنا أكثرُ خبرةً منك.”
“ما الذي…”
لم يستطعْ إكمالَ حديثه.
تشكّل عمودُ ضوءٍ قوي، لدرجة أنه أضاءَ العالمَ بأسره، وأحاط بالمكانِ الذي كنا فيه.
بعد أن خمدت موجةُ الضوء الهائلة، لم يتبقَّ سوى ظلالِ أعداءِ منهارة.
بدَا فيلهلم وكأنه قد أصيبَ بجروحٍ داخلية، حيثُ تقيَّأَ دمًا واهتزَّ قبل أن يسقطَ أرضًا.
كما أن الفرسانَ لم يستطيعوا تحمُّلَ هذه القوةِ العظيمة، فتخلَّوا عن سيوفِهم ووقعوا مغمًى عليهم.
“حسنًا، يا لها من مشاهدَ ممتعة.”
وعندما كانتِ الأمورُ على وشكِ أن تستقرَّ، سمعتُ صوتًا لا يُفترضُ أن يكونَ هنا.
“لم أرَ من قبلُ تحيَّةً بهذه الروعة.”
كانتِ الضحكةُ المكتومةُ الممتلئةُ بالسرورِ ترافقُ هذا الصوت.
[ يُتبع في الفصل القادم ……. ]
ترجمة خلود