130
بدأت طاقةٌ هائلةٌ لا يمكن وصفها بالكلمات تدور حولي.
كانت ساقاي ترتجفان بشدة، وصار من الصعب عليّ الحفاظ على توازني بسبب استنزاف القوة المقدسة التي كانت تملأ جسدي.
صار التنفس أصعب، والحرارة المتأججة داخلي جعلتني أرغب في الصراخ، لكن الضغط الشديد الذي كان يثقل كاهلي كان قويًا للغاية لدرجة أنني لم أستطع حتى الصراخ.
أم أنني لم أكن قادرةً على التنفس؟
شعرت وكأنني أغرق في أعماق مياهٍ عميقة بسبب هذا الثقل الساحق.
كنت أعلم أن الأمر يتطلب كميةً هائلةً من القوة المقدسة، لدرجة أن البابا كان يقدمها وهو في سباتٍ عميق، لكن لم أتوقع أن يكون الأمر بهذا الألم.
‘إذا لم أتحمل، فسينتهي الأمر بجدي إلى فقدان حياته.’
لم أكن أريد أن أفارقه دون أن أقدّمُ له نفسي بشكلٍ لائق.
ما كان يثقل كاهلي لم يكن مجرد مسؤوليةٍ ثقيلة، بل كان شعورًا قويًا بالواجب الذي لا يمكنني التراجع عنه.
ولكن هل كان هذا الشعور وحده كافيًا لتحمل هذا الألم؟
من خلال رؤيتي المشوشة، استطعت رؤية وجه أديليو المليء بالذعر.
كان يصرخ بشيءٍ ما على عجل، ويبدو غاضبًا، لكنني لم أتمكن من تمييز ملامحه بوضوح.
عندما رأيت وجهه يتلوى وكأنه على وشك البكاء، مددت يدي المرتجفة، فأمسك بمعصمي.
دون أن أهتم بذلك، لمست خده. توقف عن الصراخ ونظر إليّ بتركيز.
“تبًا، أنتِ دائمًا تجعلينني أفقد صوابي.”
أصبح وجهه، الذي كان غائمًا، واضحًا كما لو أنه اقترب.
لا، لقد اقترب بالفعل.
عندما التقت شفاهه بشفاهي، تدفق الهواء بيننا، مما منحني متنفسًا خفف من ألمي قليلاً حيث استطعت التنفس أخيرًا.
“تماسكِ. إذا حدث لكِ شيءٌ الآن، فسأدمر كل شيء بدلاً منكِ، حتى شجرة العالم.”
لماذا جعلني هذا التهديد الجاد أبتسم؟
لأن أديليو كان هنا، لم أكن وحيدة.
كنت أعلم أنني أستطيع أن أفعل ذلك.
شعرت وكأنني قد وصلت إلى الحد الأقصى، لكنني شعرت أيضًا أن تجاوز هذا الخط سيؤدي إلى الحل.
قليلاً فقط، مجرد القليل بعد.
أغلقت عينيّ بشدة وركّزت على الطاقة التي تكمنُ في داخلي.
بفكرة نشر الطاقة المجمعة بعيدًا، وملء هذا المكان بالكامل، بذلت كل جهدي.
وسرعان ما بدأت الأجواء المحيطة تتغيّر.
مع استنزاف القوة المقدسة من جسدي، كدت أن أسقط، لكن أديليو أمسك بي بخفة قبل أن أسقط.
رغم أنني كنت أتنفس بصعوبة، لم أفقد وعيي.
“إنها جميلة.”
بدأ الضوء المشبع بالقوة المقدسة يتغلغل في شجرة العالم.
الضوء الباهر بدأ يعيد الحياة للشجرة التي كانت تحتضر، ومع امتصاص الشجرة لهذه القوة الحياتية، بدأت تستعيد مظهرها الأصلي تدريجيًا.
كان المشهد مذهلاً للغاية لدرجة أنني لم أستطع إلّا أن أبتسم، رغم التعب الذي أصابني.
شعرت بالقوة المقدسة التي كانت تحيط بشجرة العالم تعود إليّ، تملأني مرة أخرى.
ربما كان هذا هو السبب الذي منعني من الإغماء.
“لقد نجحنا.”
“أجل، نجحنا. كنت أعلم أنكِ ستنجحين، ديزي.”
“كاذب. لقد هددت بتدمير كل شيءٍ مرة أخرى.”
حتى وأنا أتذكر كلماته التي سمعتها بوضوح أثناء سقوطي، تظاهر بالجهل وأدار رأسه بعيدًا.
يبدو أنه لم يصدق أنه قد هددني.
“هممم.”
مع سُعالٍ محرج منه، قررت أن أتظاهر وكأنني لم ألاحظ شيئًا.
“حقاً، الحياة تصنع معجزاتٍ جميلة كهذه.”
عند سماعي للصوت الذي أصبح أكثر حيويةً من ذي قبل، هززت رأسي بحماس.
[أنا سعيدةٌ لأنكما أتيتما إلى هذا المكان. أرجو أن تواصلا حماية هذا العالم. لتُكن مباركتي معكما دومًا.]
مع هذه الكلمات، بدأت رياحٌ عاتية تهبُّ في المكان.
وصوت شجرة العالم لم يُسمع بعد ذلك.
على الرغم من أن كل شيء لم ينتهِ بعد، وأننا بالكاد خطونا الخطوة الأولى، تذكرت القول بأن البداية هي نصف المعركة.
كان من الجيد أن أبتسم الآن.
“فلنعمل بجدٍ من الآن فصاعدًا.”
مددت يدي لمصافحته.
نظر أديليو بهدوء إلى يدي الممدودة، ثم ابتسم بهدوء.
“بالطبع.”
رغم أن ابتسامته المليئة بالمعاني تركتني أشعر ببعض القلق، قررت أن أركز على الجانب الإيجابي فقط.
“هممم؟”
في اللحظة التي محوت فيها أفكاري غير الضرورية، سمعت صوتًا غريبًا قادمًا من مكانٍ قريب.
عندما أدرت نظري نحو مصدر الصوت، رأيت البابا، الذي كان مستلقيًا وكأنه ميت، يفتح عينيه.
“قداستك!”
بفرحةٍ غامرة، ابتسمت ببهجة، أمسكت بيد أديليو، وركضت نحوه.
عندما سمعت تأوهاته وكأنه يعاني من صعوبة في النهوض، أسرعت لدعمه، لكنه بدأ بالسعال العنيف.
“ماذا نفعل؟ لا يوجد ماءٌ هنا.”
بينما لم أستطع إخفاء نظرات القلق التي في عينيّ، توقف البابا بصعوبةٍ عن السعال وبدأ يتحدث.
“كح… كح… لا أعرف من أنتما، ولكن شكراً لكما. أنا…”
لكنه توقف عن الحديث ونظر إليّ بعيونٍ واسعة ومندهشة.
بدأت عيناه تهتز بعنف، ودموعٌ شفافة بدأت تتجمع فيهما.
“سيانا؟”
“عذرًا؟”
سيانا …..
كان هذا الاسم مألوفًا لي، فقد كان اسم أمي البيولوجية.
“آه، أعتذر. أنتِ تشبهين ابنتي كثيرًا لدرجة أنني أخطأت ….. لقد ظننتكِ هي. لكنها قد رحلت بالفعل، فلا يمكن أن تكون هنا.”
بصوتٍ مليء بالمرارة، بدأت دموعه تتساقط على وجنتيه.
“س-سيانا هو اسم أمي البيولوجية.”
“أمكِ؟”
“أ-أنا ديزي. أنا ابنة إيلاند وسيانا. لذا…”
قبل أن أكمل حديثي، فجأة احتضنني بقوة.
“حفيدتي ….. حفيدتي ديزي. حفيدتي التي تركتها سيانا.”
“آه…”
شهقت دون وعي.
“قال لي الدوق إنه يربيكِ جيدًا، لكن هذه أول مرة أراكِ. لقد كبرتِ بسلام وبشكلٍ رائع.”
“ق- قداستك، أنا…”
“رجاءً، ناديني فقط بجدي.”
عندما قال هذه الكلمات، تأثرتُ بشدة، وبدأت دموعي تنهمر بحرية.
“أنا سعيدةٌ جدًا لأنك استيقظت وأخيرًا.”
كنت قلقةً بشأن حالته الصحية بعد تلك الفترة الطويلة من السبات.
وبالنظر إلى أنه استيقظ للتو، فإن البكاء لم يكن جيدًا لصحة جسده.
“رجاءً، لا تبكِ يا جدي.”
“ألستِ أنتِ من يبكي، صغيرتي؟”
بصوته الحنون، لم أستطع منع نفسي من التوقف عن البكاء.
حتى عندما كنت أبكي بصمتٍ لفترةٍ طويلة، لم تتوقف يده عن التربيت على ظهري.
رغبةً مني في عدم إرهاقه أكثر، سارعت إلى مسح دموعي بابتسامة مشرقة.
شعرٌ أبيض، ولحيةٌ شاحبة، وتجاعيد عميقة تروي قصة حياته، كانت هيئته تملأني بالإعجاب.
لم أستطع النطق بكلمةٍ واحدة وأنا أنظر إلى عينيه المتورمتين بالدموع، لكنه بادر بالسؤال.
“هل تعرفين أين نحن؟ كيف لم تُصابي بأيِّ أذى رغم وجودكِ داخل هذا الحاجز المقدس؟ هل تفتقرين إلى القوة المقدسة تمامًا؟”
هززت رأسي نافيةً، وبدأت أشرح الأحداث التي قد تهمه أكثر.
“لقد نادتني شجرة العالم. وطلبت مني حمايتها لمنع العالم من الانهيار. كما أنها تمنت أن تستيقظ، جدي.”
“حقًا؟”
“نعم. وأنا أعلم أنك ضحيت بنفسك لملء احتياج شجرة العالم للقوة المقدسة. وقد ساعدتك في ذلك جزئيًا.”
“ساعدتِ؟”
بدهشةٍ واضحة، أخذ يتفحصني من الرأس إلى القدمين قبل أن يطلق تنهيدة.
“يا لها من قوةٍ هائلة… إنها قوةٌ لم أشعر بها من قبل.”
“بطريقةٍ ما، حتى أنني تلقيتُ أوراكل بكوني القديسة.”
“بالطبع. أنتِ حفيدتي، وابنة سيانا. لقد كانت فتاةً متدينة بعمق، وروحًا تستحق المباركة بحق.”
بينما استذكر ذكرياته السعيدة، ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ لطيفة.
“على الرغم من أنها رحلت عنا بسرعةٍ في حادث مأساوي… إلا أنها كانت فتاةً رائعةً بحق.”
مع أنني كنت أعلم أن ذلك حقيقةٌ لا يمكن تغييرها، إلا أنني لم أستطع محو الابتسامة المريرة التي ارتسمت على وجهي بسهولة.
“لا تصنعِ هذا التعبير. لقد تركت كنزًا ثمينًا مثلكِ في هذا العالم، أليس كذلك؟”
“هل تعتقد ذلك حقًا؟”
“بالطبع. بما أننا لم نتمكن من اللقاء سابقًا بسبب صحتكِ الهشة، فلنعوّض عن الوقت الضائع—بل أكثر من ذلك.”
وبما أن كلماته كانت ما أردت سماعه، أومأت بسعادة.
“أوه، انتظر! هذا ليس الوقت المناسب لهذا. قال چيوفانا إنه سيُعدُّ لنا عربة.”
ما إن استدرت، حتى تقدم أديليو وكأنه كان ينتظر الفرصة ليقدّم نفسه.
“تشرفت بلقائك، صاحب القداسة. اسمي أديليو جوينوس.”
“هممم. يبدو أنني أظهرت جانبًا غير لائق عند لقائنا الأول. اسمي أغناتيوس. يبدو أنك أيضًا ساعدت حفيدتي في إيقاظي، أليس كذلك؟”
“كل ما حدث كان بفضل ديزي.”
“لولا أديليو، لما تمكنت من فعل ذلك.”
ربما أعجب جدي برؤيتنا نتحدث عن فضل الآخر، حيث لم تفارق الابتسامة وجهه.
“أن تصبحِ صديقةً لأحد الشياطين… أمرٌ مثير للدهشة.”
تجمدنا للحظة عندما ألقى بهذه الكلمات فجأة أثناء مراقبته بصمت.
“ك-كيف علمت؟”
“في عمري، يمكنني معرفة ذلك بنظرة واحدة.”
مدعومًا بي، بدأ جدي الوقوف ببطء.
“وبينما كنت هنا مع شجرة العالم، شاهدت كل شيء لفترة طويلة. لقد تخلّيت عن تحيزي ضد الشياطين منذ زمنٍ بعيد. رغم أن قواكما قد تكون متعارضة، إلّا أنني أؤمن بأنكما ستكونان بخير.”
مع ادعائه بمعرفته لأسرار العالم، تبادلنا أديليو وأنا نظرة هادئة.
كنت أفكر في كيفية شرح كل هذا، لذا كان من المريح أن يتم حله بسهولة.
“بفضل هذا، رأيت أيضًا جميع الأفعال البشعة التي ارتكبها فيلهلم في المعبد. يا للأسف—لقد وثقت به تمامًا.”
ثم، رغم جسده الضعيف، قادنا جدي للأمام بنظرةٍ حازمة وباردة.
“هيا، دعونا نعيد المعبد إلى حالته الأصلية.”
[ يُتبع في الفصل القادم ….. ]
– ترجمة خلود