126
إذا استمر الوضع على هذا الحال، قد ينتهي الأمر بإنهيار أخواتي.
رغمَ أن الأمورَ كانتْ مضطربةً بعضَ الشيءِ، إلّا أن أديليو تمكنَ بطريقتهِ الخاصةِ من طرحِ مَوضُوعٍ مهمٍ.
الآن، أصبحَ من واجبي أن أُرتبَ هذه الفوضى.
“لنبدأ بالجلوس والتحدث.”
“ديزي، إذا لمْ تقومِ بتجفيف شعركِ الآن، فقد تصابينَ بنزلةِ بردٍ.”
“هل يُمكنكَ تجفيفهُ من أجلي لي؟”
“كنتُ أنتظرُ منكِ قولَ ذلك.”
عندما جلسنا، وقفَ أديليو خلفي، وبدأ يُربِّتُ بلطفٍ على شعري ويُزيلُ الرطوبة بعناية.
ابتسمَ بهدوءٍ وكأنه يقولُ لي ألّا أقلقَ بشأنهِ، مما أشعرني ببعض الاطمئنان، على الأقلِ لن يقومَ بأيِّ تصرفٍ متهورٍ الآن.
“همم… لا أعرفُ من أينَ أو كيف أبدأُ بالشرحِ.”
رغم أننا جلسنا، لم أستطع تحديد ما يجب أن أقوله.
كانت ليليانا وڤيولا قد هدأتا وبدأتا تراقباننا بهدوء.
بدا عليهما بعض الدهشة، كما لو أنهما لا تزالان غير قادرتين على تصديق ما يجري.
وبالطبع، كان الوضع غير قابلٍ للتصديق لأيِّ شخص.
فمن وجهة نظرهما، الشرير الذي قادهما إلى الهلاك قد ظهر الآن فجأةً بمظهر الشخص الذي يحبني ويرعاني.
لم يكن مجرد التحديق المستمر من ليليانا نحوي هو الأمر الغريب، بل النظرة المريبة التي كانت على عينيها، وكأنها تحاول اكتشاف شيءٍ ما.
“لا تخبريني أن ….. الليلة الماضية قد …..”
عندما خرجت هذه الكلمات من فم ليليانا، قمتُ بالسُعالِ بشكلٍ مصطنعٍ، وتحدثتُ بسرعةٍ.
“أعلمُ أن الأمرَ لا يُصدقُ، لكنهُ حقيقة. أنا حقًا أُحِبُّ أديليو.”
“وأنا أيضًا أُحبُّ ديزي.”
نظرَ إليّ أديليو بنظراتٍ مليئةٍ بالحبِ، ثم طبعَ قُبّلةً خفيفةً على أطرافِ شعري.
هذا التصرف اللطيف جعل وجنتيّ تحمرّان، وشعرت بثقل أنظار أختيَّ عليّ.
عندما التفتُ سريعًا، رأيت الاثنتين تحدقان نحوي بوجوهٍ غاضبة، مما جعلني أبتسمُ بتوتر.
“لقد كنت أشعر بمشاعر تجاه أديليو حتى قبل موتي، والآن بعد أن عدتُ، أصبحت واثقةً تمامًا. أنا أُحِبهُ.”
“رُبَّما هذا الشَّيطانُ قد أغواكِ أثناء غيابنا.”
“لِيليانا مُحِقَّةٌ.”
رغم جديَّتي في الحديثِ، إلَّا أن الاثنتينِ لم تقبلا كلامي.
“أُقسِمُ لكُما أنَّ مشاعري صادقةٌ وخاليةٌ من الكذبِ.”
“وأنا أيضًا أُقسِمُ بذلك.”
مع قسمِ أديليو، بدأت ملامحُ الشكِّ على وجهيهما تخفُّ قليلًا.
“لقد عدتُ فقط من أجل إنقاذِ ديزي. ولأُصبحَ حليفًا لها، استخدمتُ طريقةً غير تقليديةٍ لأتسللَ إلى الفرسانِ المقدَّسينِ وكنتُ بجانبها كُلَّمَا احتاجتني.”
بينما كان يتحدثُ بثقةٍ، بدأ يُسرِّحُ شعرِيَ الناشفَ برفقٍ مستخدمًا مشطًا، ولم يغفل عن إيصالِ رسالته.
“لقد قضيتُ على كلِّ من شكَّلَ تهديدًا على ديزي في الخفاء، وكانت جميعُ أفعاليَ تدورُ حولها فقط. وإذا كنتُ مذنبًا، فذنبي الوحيدُ هو أنني وقعتُ في حبِّ ديزي.”
كيف يمكنه قول مثل هذه الكلمات المحرجة بكلِّ سُهولةٍ هكذا؟
شعرتُ وكأن وجهي على وشكِ أن تبتلعهُ نيرانُ الخجلِ، وبدأت ألوّحُ بيديّ لتبريده.
“حتى أنني حاولت منعها من الاستيقاظ كقديسة، لكن ديزي ليست شخصًا يُهزم بسهولة.”
“هذا صحيح.”
“بلا شك.”
بدأت الاثنتان أخيرًا بالاتفاق مع كلام أديليو.
“على أيِّ حال، أهدافكما تتماشى مع هدفي، أليس كذلك؟ أن نحمي ديزي في هذه الحياة الثانية التي مُنحت لنا. أليس هذا صحيحًا؟”
ظهرت نظرات الحزم على وجوه ليليانا وڤيولا، وكأنهما توقعتا ما سيقوله.
“سأساعدكما.”
“لا نحتاج مساعدتك.”
رغم رفض ڤيولا القاطع، إلّا أن أديليو واصل الحديث.
“رينارد وبلير، هذان الاثنانِ سيدفعانِ هذه الإمبراطورية بلا شكٍ إلى طريقِ الهلاكِ. وفي هذه العملية، لن تكونَ ديزي قادرةً على تجنبِ التضحيةِ بنفسهَا.”
“وهذا كلهُ بسبكَ!”
صرخت ليليانا، فاقدةً لأعصابها، لكن أديليو استمر دون أن يتأثر.
“سأساعد في القضاء عليهما. وسأساعِدكما في العثور على النبلاء المرتبطين بالشياطين ومعاقبتهم.”
“…….”
كانت الشروط الصادمة كافيةً لجعل الاثنتين تقفان عاجزتين عن الرد، وتحدقان فيه بريبة.
“كيف لنا أن نثقَ بكَ؟”
سألت ڤيولا.
وكأنه كان ينتظر ذلك السؤال، نقر أديليو بأصابعه.
ظهرت وثيقة عقدٍ مكتوبٍ عليها بنود الاتفاق.
“إذا وافقتما، يمكن تعديل شروط العقد. أليس من الضروري إنهاء أمر رينارد وبلير بشكلٍ قاطع؟”
تصلّبت أختيّ عند رؤية العقد ولم تتحركا.
“طالما أنني هنا، ستبقى ديزي بأمان. وإذا كانت ديزي بأمان، ألّا يوجد أمرٌ ترغبان في القيام به؟”
لا تقل لي …
“الانتقام.”
اتسعت عينا أختيّ عند سماع الكلمة المختصرة.
على الرغم من عزمهما على عدم التردد، إلّا أن الارتجاف المستمر في حدقتيهما كشف عن ارتباكهما.
حاولتُ بسرعةٍ إيقاف أديليو، لكن العقد كان قد طار بالفعل ووصل إلى يديهما.
“سأضمن أن يعيشوا حياةً بائسةً بحيثُ لا يتمكنون من التعافي أبدًا، ومعهم أولئك الأوغاد القبيحين الذين عرّضوا ديزي للخطر.”
“أديليو.”
حاولت إخباره أن هذا ليس صحيحًا، لكنه ربَّت على كتفي مطمئنًا ولم يتراجع عن كلامه.
“الثمن بسيط: حماية ديزي.”
عند كلمات أديليو، بدأت الأحرف المكتوبة على العقد تطفو في الهواء، وأُعيدَ ترتيبها، ليُنشأ عقدٌ جديدٌ تمامًا.
قرأت أخواتي العقد الذي يُرفرفُ أمامهما بعناية.
وبعد لحظات، سألت إحداهما بوجهٍ جادٍ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى:
“ما الذي قد يجعلُ هذا العقد باطلًا؟”
“كما تعلمان بالفعل، لا يُسمح بانتهاك شروط العقد. وفي الظروف العادية، لا يمكن حتى تعديل محتوى العقد بهذه الطريقة.”
قام أديليو بالتربيت على رأسي بلطف.
“وقت إنشاء العقد الأصلي يقعُ في المستقبل البعيدِ عن الآن. وبما أننا ما زلنا قبل التوقيع على العقد الأصلي من الناحية الزمنية، فإن تعديل العقدِ ممكنٌ حاليًا.”
“بفضل ديزي بالطبع؟”
“يسعدني أنكِ تفهمين بسرعة. ليليانا، لطالما عرفتُ أنكِ شخصٌ سريع البديهة.”
“كُفَّ عن التملق، لا أريدُ أن يتم مدحي من قِبلكَ.”
قالت ليليانا بحدة قبل أن تعود لقراءة العقد مرة أخرى.
“وأنتِ تعلمين بالفعل عن السر الموجود في مكتبة شجرة العالم.”
“…….”
“توقعت أنكِ ستبحثين عنه بعدَ أن أشرتُ إليه في الحياة السابقة. وبالطبع كنتِ تعتزمين الكشفَ عن كل شيءٍ للعالم دون أيِّ تحفظ.”
“…….”
“ومن المؤكد أن معلمكِ، السيد غرايتون، كان سيوقفكِ.”
كان هذا حديثًا جديدًا بالنسبة لي.
تصلّبت ملامح ليليانا كما لو أن الحديث أصاب نقطةً حساسةً لديها.
“هل كنتِ تعتقدين أن كشف الحقيقة، أن الشياطين ليسوا أعداءً، سيجعلُ البشر يتوقفون عن التمييز ويبدأون في السعي للتغيير؟”
“اخرس.”
“أنتِ شخصٌ ذكيٌ حقًا، ولكنكِ تثقين بالبشر وكأنهم جميعًا كائناتٌ خيّرة بالفطرة.”
“…….”
بدأ الحزن يغمرُ وجه ليليانا تدريجيًا.
“أديليو.”
غير قادرةٍ على التحملِ أكثر، قرصتُه بقوةٍ في خصره. شعر بالألم وغيّر مسار الحديث بسرعة.
“حسنًا، بالنظر إلى أنكما بجانب ديزي، فمن الطبيعي أن تريدا تصديق مثل هذه الأشياء.”
كان الجو قد تحوّل إلى فوضى عارمة، ولم يعد بالإمكان استدراكه.
أما ڤيولا، فاكتفت بالتربيت على كتف ليليانا بصمت، في حين بقيت ليليانا غارقةً في كآبتها.
أما أنا، التي لم تكن تعلم شيئًا مما يجري، فكنت أنظر إلى الثلاثة بنظرةٍ بلهاء.
“ما القصة التي كنتما تتحدثان عنها؟”
كان عليّ أن أفهم القصة التي فاتتني.
ردًا على سؤالي، شرح أديليو نيابةً عنهما.
“هناك مكتبةٌ ضخمةٌ داخل شجرة العالم. مصدر العالم مدوّنٌ هناك بلغةٍ الحُكام، والتي لا يمكننا تفسيرها.”
لم أستطع إخفاء دهشتي عند سماع هذا، فأكمل حديثه.
“من بين النصوص، هناك كتابٌ تستطيع ليليانا تفسيره. يحتوي على أصل البشر والشياطين.”
في البداية، نمت ثمرتان كبيرتان على شجرة العالم. من الثمرة الحمراء نشأت أسلاف الشياطين، ومن الثمرة الزرقاء نشأت أسلاف البشر.
بدءًا من شجرة العالم، أنشأ الاثنان أُممًا تسمى بالبشر والشياطين، وتعايشا وتقدما معًا كإخوة.
كانا يدعمان بعضهما البعض خلال الأوقات الصعبة، لكنهما بدأا في التباعد تدريجيًا، مدفوعين بجشع حُكامهم، مما أدى إلى نشوب حرب.
كانت نتيجةُ الحربِ مُدمرةً بلا فائزٍ حقيقي، كلا الطرفين خسر قوته.
في النهاية، وقّع الجنسان اتفاقية هدنة، ومنذ ذلك الحين عاشوا وهم يعتبرون بعضهم أعداء.
“إذًا، هذا ما حدث.”
عند انتهاء الشرح، لم أستطع إخفاء الصدمة التي علّت وجهي.
“شجرة العالم، كما تعلمين، هي أصل هذا العالم ومركزه. إنها تمتدُ عبر العالم كله، وتراقبُ كل شيء. مكتبة شجرة العالم دليلٌ على ذلك.”
المجموعة الهائلة من الكتب الموجودة في ذلك المكان تحتوي على تاريخ هذا العالم، مما يجعلها بمثابة أرشيفٍ محظور.
“وأنتِ كنتِ تنوين الكشف عنها بدون التفكير ولو للحظة. لهذا السبب قلت إنكِ تبدين ذكية، لكنكِ ترتكبين حماقات.”
“أديلّيو، لن أسمح لك بإهانة أختي مرةً أخرى.”
“يا لها من مفاجأة. أعتذرُ يا ليليانا. إنها عادةٌ سيئةٌ لديَّ من حياتي السابقة.”
أضاف أديليو أن تغيير عاداته السابقة قبل العودة إلى الماضي ليس بالأمر السهل. أومأت ليليانا برأسها قليلًا وكأنها معتادةٌ على ذلك، غير مكترثة.
ردُ فعلها المعتاد ذكّرني بمدى صعوبة شخصية أديليو.
“فتح المكتبة ليس تصرفًا حكيمًا. البشر والشياطين في النهاية سيصدقون فقط ما يريدون تصديقه.”
“إذًا، هل لديك خطةٌ أخرى في ذهنك؟”
عند سؤال ليليانا الحاد، ارتسمت ابتسامةٌ واثقةٌ على شفتيّ أديليو.
“مع وجود أميرات ليڤيان وملك الشياطين معًا، بالطبع هناك حل. سنجده في الوقت المناسب.”
أضاف أديليو بثقة، ثم أعلن بحزم:
“في الوقت الحالي، لنبدأ بإعادة المعبد إلى حالته الأصلية.”
[يُتبع في الفصل القادم …..]
– ترجمة خلود