124
لم يُجب أديليو على سؤالي، بل مدّ يده نحوي.
لمْسَتُهُ الحذرة لامست خدي برفق وكأنه يدغدغني قليلًا، ثم ما لبثت أن مرّت يده بجانب أذني ليعيد ترتيب شعري المتناثر.
وحينما أملت وجهي نحوه وكأنني أتوق للمسةٍ خفيفة، شعرت بتردده للحظة.
ثم عدّل وضع جسده المستقيم ونزل من حافة الشرفة.
بينما كنت أراقب باندهاشٍ اختفاء جناحيه الكبيرين اللذين كانا يرفرفان، اقترب خطوةً أخرى مني.
“هل كنتِ تنتظرينني؟”
“نعم، كنت أعلم أنك ستأتي.”
فأنا على يقينٍ أن أديليو الذي أعرفه لن يقف مكتوف الأيدي بعد أن يتحقق من مشاعره.
بدا وجهه محمرًا وكأنه لم يتوقع إجابتي هذه.
ومع ذلك، رأيت تعبيرًا خفيفًا يعكس ندمًا على وجهه، مما جعلني أتساءل لوهلة: هل كنت مخطئةً في تقديري؟
ثم خطا أديليو خطوةً أخرى نحوي.
لم يُفسح لي المجال للهرب، بل شدّني نحوه واحتضنني.
مع التصاق جسدينا، اجتاحتني رائحته المألوفة.
“كما تعلمين …..”
بدأ بالتحدث بصوتٍ منخفض.
“كانت الحياة دائمًا مملةً بشكلٍ لا يُطاق بالنسبة لي.”
بدأ أديليو بهدوءٍ يبوح لي بما في داخله.
“ربما لأنني وُلدتُ بقوةٍ هائلة لدرجة أنني لم أستطع فهم الآخرين، ولم أكن أرغب حتى في فهمهم.”
“حقًا؟”
“نعم، أحيانًا كان ينتابني الفضول لمراقبتهم، لكن لم يكن هناك شيءٌ يثير داخلي مشاعر أعمق من ذلك. ولهذا السبب حطمت السلام الذي حافظ عليه البشر والشياطين لفترةٍ طويلة.”
كانت كلماته التي تعترف بخطاياه كفيلةً بأن تجعل طعم المرارة يتسلل إلى فمي.
أكان ذلك لأن هذه اللحظة أعادت إليّ الوعي بحقيقة أننا أعداء؟
لكنه تحدث بصدق، وكأن هذه الأمور لا تعني شيئًا مقارنةً بما يشعر به.
“لكنّكِ كنتِ مختلفة. وجدتُ نفسي دون أن أدركَ ذلك أطاردكِ.”
صوته كان خاليًا تمامًا من أيِّ ارتجاف، بينما كان يعترفُ بمشاعره بصراحة.
“ديزي، أنتِ الوحيدة التي أعطت معنى لحياتي. لم يكن الأمر مجرد فضولٍ عابر، بل شيءٌ أعمق بكثير.”
لم أستطع أن أشيح بنظري عن ملامحه الجادة وهو يبوح بمكنونات قلبه.
“في البداية، لم أفهم سبب عودتي إلى الماضي، لكنني أدركت الآن. لم أعد أرغب في رؤية مشهد موتكِ مجددًا يا ديزي.”
“ولماذا؟”
عند سؤالي هذا، ابتسم وكأنني طرحت شيئًا بديهيًا للغاية.
“لماذا؟ ربما بسبب المشاعر التي لم يدركها الشخص الأحمق الذي كنت عليه في الماضي.”
اقترب وجهه مني، حتى كادت المسافة بيننا تتلاشى، وقال بصوتٍ هادئ:
“أنا ممتنٌ لأنني أدركت ذلك ولو متأخرًا. كنتِ محقةً في كل شيء.”
تردّد قليلًا، ثم ابتسم بابتسامةٍ رقيقة كانت أجمل من أيِّ وقت مضى.
ابتسامةٌ جعلت قلبي يخفق بشدةٍ وجعلت وجهي يشتعل، وبدا لي وكأن الزهور تتطاير حولنا.
“أنا أُحبّكِ.”
نفَسه الدافئ بالقرب من أذني جعلني أشعر بحرارةٍ تتسرب إلى أعماقي.
“أُحبّكِ يا ديزي.”
مع نظراته التي كانت مليئةً بالعاطفة، تسارعت دقات قلبي بشكلٍ محرج، وكأنها تعكس مشاعري كلها.
“حتى لو كان الوقت متأخرًا، هل يمكنكِ قبول مشاعري؟”
ظهرت ابتسامتي دون وعيٍ على شفتيّ عند اعترافه البسيط ولكن العميق.
مددت يديّ ولففتهما حول عنقه، غير راغبةٍ في أن يبتعد عني.
“هل نسيت؟ لقد قلت لكَ أنني أُحبّكَ أيضًا.”
“مستحيلٌ أن أنسى. لن أنسى ذلك أبدًا.”
ضحكته المنخفضة كانت حلوةً وكأنها نغمةٌ موسيقيةٌ هادئة.
كلما طالت نظراته نحوي، شعرت وكأن جسدي يشتعلُ بحرارةٍ غريبة.
“هل ستسمحين لي بأن أقبّلكِ؟”
ابتسمت بمكرٍ على طلبه الحذر وقلت:
“هذا ليس شيئًا تسأل عنه بهذه الطريقة الساذجة.”
ضحك بخفة، وكانت ضحكته كافيةً لتجعل وجنتيّ تحمرّان.
وحين فتحت فمي لأشاركه الضحك، خفَضَ رأسه فجأةً ليُقبّلني.
كانت قبلةً لطيفةً لدرجة أنني شعرتُ بمشاعره.
كانت قبلته عميقةً لدرجة أنها أخذت أنفاسي. حاولت دفعه بعيدًا لأتنفس، لكنه لم يتحرك.
“انتظر، فقط لحظة.”
تمكنت أخيرًا من خلق مسافةٍ بيننا، لكن عينيه المليئتين بالرغبة جعلتني أبلع ريقي بتوتر.
“مرة واحدة فقط.”
“لحظة…”
لم يهتم لكلماتي وضم شفتيه إلى شفتيّ مرة أخرى.
كان مصممًا على ألّا يتراجع، وقبّلني بشغفٍ مجددًا.
وفي النهاية، أغلقت عينيّ، مستسلمةً لقبلته الحارقة.
كلما شعرت بأن أنفاسي تنقطع، كان يتوقف للحظات ليتيح لي فرصة التنفس، ثم يعود ليُقبّلني مرة أخرى.
استمرت قبلتنا لفترةٍ طويلة لدرجة أنني شعرت بأن شفتيّ تورمتا، حتى توقف أخيرًا.
“هاه… هاه…”
مسح دموعي التي تراكمت بشكلٍ طبيعيٍ برفق، ثم طبع قبلةً خفيفةً على زاوية عيني.
كان صوت القبلة الناعم محرجًا لدرجة أنني انفجرت في الضحك دون أن أشعر، فاحتضنني وكأنه لا يريد أن يتركني.
“لا أستطيع التخلي عنكِ بعد الآن، ديزي. هل تصدقين أن قلبي ينتمي بالكامل لكِ؟”
لم يكن هذا السؤال موجهًا لي، بل كان يسأله لنفسه، وسرعان ما أجاب عنه.
“لا أستطيع أن أصدق ذلك. لكنني لن أخفي هذه المشاعر. لذا، أتمنى أن تنظري إليّ فقط.”
بينما كان يحتضنني بقوة، شعرت برغبةٍ قوية في التملك تنبعث من ذراعيه اللتين لم ترغبا في التخلي عني.
“إذا تحوّلت نظراتكِ إلى شخصٍ آخر، فقد أفقد عقلي بسبب الغيرة.”
“لا تفعل ذلك.”
أضفت كلماتي على عجل، فعلّق بصوتٍ جاف:
“سأحاول.”
ربما بسبب الحرارة التي شعرت بها منذ لحظاتٍ قليلة، أصبح النسيم الليلي البارد يشعرني بقشعريرةٍ شديدة.
رغم أن أديليو كان يحتضنني، فإن الاختلاف في درجات الحرارة بين الداخل والخارج كان واضحًا.
واصل طبع القبلات على وجهي، لكن تعابير وجهه بدت وكأنها غير مكتفية.
“المكان باردٌ قليلًا …..”
لا أعرف كيف ترجم كلماتي، لكنني لاحظت تلك الشرارة الغريبة من النيران تعود إلى عينيه.
عندما بدأت أشعر أنني ربما قلت شيئًا خاطئًا، شدّني إليه وسأل دون تردد:
“هل يمكنني الدخول إلى الغرفة؟”
الشعور المفاجئ بالبرد جعل فكرة الدخول إلى الغرفة تبدو مغريةً للغاية.
لكن…
“أريد الدخول معكِ.”
كان من الطبيعي أن أشعر ببعض الخوف من تكرار ما حدث قبل قليل داخل الغرفة.
لا، لم يكن ذلك خوفًا تمامًا …. كان شيئًا آخر تمامًا.
كانت لمسة يده على خصري مشابهةً لما سبق، فلماذا شعرت بأنها غريبةٌ إلى هذا الحد؟
لم أستطع منع نفسي من الشعور بالحرج.
بين الخوف والتوقعات، كنت مترددة، حتى…
“أرجوكِ، اسمحِ لي.”
تنفّس بعمقٍ بالقرب من عنقي، مما تسبب في قشعريرةٍ خفيفة، ومعها عاد الدفء الذي شعرت به من قبل.
“هاه؟”
دفن رأسه في عنقي وكأنه يتدلل، وأصدر أصواتًا رقيقة، ولم أستطع دفعه بعيدًا.
لا، لم أرغب في دفعه بعيدًا.
“حسنًا. لنذهب معًا.”
هذا الرد كان كافيًا.
حملني أديليو بين ذراعيه بخفة، وفي لحظات كنا داخل الغرفة.
انغلقت نافذة الشرفة تلقائيًا، دون أن أحتاج إلى إغلاقها بنفسي، مما حجب الهواء البارد الذي كان يداعبنا.
شعرت وكأن الغرفة أصبحت أكثر دفئًا مما كانت عليه.
وضعني أديليو برفقٍ على السرير، ثم استلقى فوقي.
كانت نفس الوضعية التي كان فيها عندما نظر إليّ من أعلى قلعة ملك الشياطين. لكن هذه المرة، كانت مشاعرنا متبادلة، ولقد كانت أعيننا مليئةً بمشاعر جديدة.
“هل أنتِ خائفة؟”
“لا، لست كذلك.”
هززت رأسي بخفة، فرسم ابتسامة رضا على وجهه.
انحنى أديليو وطبع قبلةً خفيفة على شفتيّ.
كانت القبلة مختلفةً عن تلك التي سبقتها، فلم تكن شرسة بل كانت لطيفة وحذرة، وكأنه لا يريد أن يفزعني.
لأني لم أرد أن أفترق عنه، قمت بلفّ ذراعي حول عنقه وسحبته ناحيتي. حينها، سمعت ضحكةً منخفضة بالقرب مني.
تلك الضحكة المنخفضة بدا وكأنها عذبةٌ بطريقةٍ غريبة.
أو ربما كان هذا الشعور العذب مجرد انعكاسٍ لروعة هذه اللحظة.
“لا تغلقِ عينيكِ.”
قال بصوتٍ متوسل، وكأنه لا يريد أن أغمض عينيّ خجلًا.
ثم عاد ليطبع قبلةً أخرى على شفتيّ.
“أُحبّكِ.”
ابتعد قليلًا ليُعبّر عن مشاعره بكل وضوحٍ وصراحة.
“أُحبّكِ.”
كانت اعترافاته المتكررة، وكأنها لا تزال غير كافيةٍ للتعبير عن مشاعره، تبدو محببةً للغاية.
“تبًا ….. أنا أُحبّكِ كثيرًا.”
صوته الذي كان يحمل شعورًا بالارتباك، بعيدًا عن هدوئه المعتاد، أظهر لي مدى تأثره بهذه اللحظة.
كان ذلك كافيًا لجعل قلبي يخفق بشدة.
“ديزي ….. أنا أعشقُكِ حقًا.”
رؤيته وهو في تلك الحالة اللطيفة جعلتني أبتسم دون أن أدرك.
“وأنا ….. أنا أيضًا أُحبّكَ.”
سرعان ما تلوّن وجهه المحمرّ بمزيدٍ من العاطفة، ولم يمضِ وقتٌ طويل قبل أن يعود لتقبيلي.
[ يُتبع في الفصل القادم ……]
– ترجمة خلود