122
المكان الذي كانت تقيم فيه القديسة ديزي ليڤيان كان حيًا فقيرًا مثيرًا للاشمئزاز.
“إذًا، هذا هو معنى أن تكون في الحرب.”
لقد أصبحت القرية في حالةٍ من الخراب الشديد، ربما لأن الشياطين توقفت عن التراجع وبدأت بالهجوم بلا هوادة.
الأزمات كهذه تبدأ دائمًا من أدنى الأماكن.
‘البشر سيفنون قريبًا.’
كان يعلمُ ذلك، ولكن الخراب السريع كان أكثر إحباطًا مما توقع.
‘لو كانت القديسة هنا، لكانوا صمدوا لفترةٍ أطول قليلًا.’
من المؤكد أنها لم تكن لتستسلم أبدًا.
في الواقع، ظهر البعض من البشر، عارضين أرواح أفرادٍ من العائلة المالكة الأخرى مقابل عقدٍ معه.
ولكن ذلك كان خيارًا لم تكن القديسة لتتخذه أبدًا.
لذلك لم يكن لديه أيُّ اهتمامٍ بهم.
أديليو، بوجهٍ متجهم، حكّ ذقنه ونظر حوله.
وجد المكان الذي تنبعث منه أقوى طاقةٍ شيطانية، واتضح أنه منزلٌ يبدو وكأنه قد ينهار في أيّ لحظة.
بدلاً من اقتحام الباب عديم الفائدة، طرق الباب – كنوعٍ من الاحترام الذي أظهره لديزي.
ولكن على عكس توقعاته، لم تكن القديسة وحدها هنا.
الشخص الذي فتح الباب وأطلّ كان شخصًا غير متوقعًا.
‘كلبة الأميرة الأولى؟’
شعرٌ أشعث وباهتٌ بلونٍ أشقر فاقدٍ للحيوية التي كان يتمتع بها سابقًا.
شعرٌ خشن ومُهمل مقترنٌ بعينين مليئتين بالحذر.
“من هناك؟ لا يبدو أنه نبيل.”
المرأة التي أطلّت من خلفها لم تكن مختلفة.
‘خطيبة الأمير الأول؟’
تذكرهما كأشخاصٍ تخلى عنهم أفراد العائلة الإمبراطورية.
بشرٌ ضعفاء انهاروا تمامًا لمجرد أنه تم نبذهم.
“لا يمكنني التعرف على وجهك.”
“بالطبع لا. أنا لست من النبلاء.”
وبشكلٍ أدق، أنا من العائلة المالكة.
عند سماع كلمات أديليو، أغلق الاثنان الباب بتعابير منزعجة.
‘إذًا، أنا لا أستحقُ حتى أن تتعاملنّ معي؟’
من مظهرهنّ، بدا أنهنّ أصبحنّ أكثر قسوةً مما كنَّ عليه من قبل.
ما الذي جعلهنّ بهذه الصلابة؟
أديليو كان يعرف الإجابة مسبقًا.
وضع يده على الباب.
القوة التي كانت تومض في يده حطمت الباب إلى قطع بصوت عالٍ.
كانت النساء، اللواتي يحدقنّ في بقايا الباب الممزقة بعيونٍ مذهولة، يُظهرنّ الآن عداءً خالصًا في أعينهنّ.
“شيطان!”
“صحيح.”
لاحظ وجود الطاقة الشيطانية على الفور.
لم يكترث أديليو لــ ڤيولا، التي رفعت سيفها رغم جسدها المتهالك.
اكتفى أديليو بإيماءةٍ صغيرة من يده. ومع هذه الحركة البسيطة، طارت ڤيولا بسهولةٍ بعيدًا.
بعدها حاولت ليليانا مهاجمة أديليو، لكنها انهارت دون حتى أن تتمكن من المحاولة.
بينما خطا أديليو خطوةً أخرى، صرخت الاثنتان في يأس.
“لا تدخل!”
“توقف حالًا!”
داخل هذا المنزل البائس، كانت الغرفة الوحيدة التي يمكن اعتبارها غرفةً تضم شخصًا واحدًا.
على سريرٍ صغير، كانت هناك امرأةٌ مستلقية.
أنفاسها المتطقعة والطاقة السوداء الغامضة التي غطت جسدها بالكامل كانت تلتهم حياتها ببطء.
‘ستموت قريبًا.’
جسدها، الذي كان يومًا ما مشبعًا بالقوة المقدسة، قد تدمر الآن.
تسللت الطاقة الشيطانية عبر الشقوق في جسدها المحطم، مما منع موتها السريع، وتركها فقط تنتظر نهايتها المحتومة وسط الألم.
‘لا أستطيع فعل شيءٍ حيال هذا.’
أراد إنقاذها، لكن ما بعد هذه النقطة كان في أيدي الحاكم، خارج نطاق قدراته.
‘إن حصول شيءٍ خارجٍ عن مقدرتي …… ألّا يعتبرُ هذا إنجازًا؟!’
امتلأ وجه أديليو بأكثر من مجرد شعور بعدم الرضا بدلاً من الإعجاب بالفكرة.
وبينما لم يكن يدرك ذلك، تمتم:
“القديسة ستموت قريبًا.”
أدار أديليو ظهره ووقف أمام الاثنتين اللتين انهارتا عاجزتين عن الحركة.
“أبرما عقدًا معي. يمكنني أن أقتل أفراد العائلة المالكة الذين فعلوا هذا بكما، بل وسأدمر الأسرة الإمبراطورية بأكملها. آه، هل أدمّر الإمبراطورية بأسرها أيضًا؟”
كانت أعينهما المحتقنة بالدماء لا تزال تحمل غضبًا لا يهدأ.
بعد لحظة من التردد، قدّم أديليو اقتراحًا جديدًا.
“أو يمكنني إطالة عمر القديسة قدر الإمكان. يمكنني أن أجعلها تعيش بلا ألم وتغمض عينيها بهدوء.”
عند سماع فكرة حياةٍ بلا ألم وموتٍ مريحٍ لــ ديزي، اهتزت أعينهما بعنف.
لم تؤثر ملامحهما المليئة بالدموع والندم العميق في أديليو، الذي أخرج عقدًا ووضعه أمامهما.
“الأمر بسيط. فقط أبرما عقدًا معي.”
عقدٌ مع شيطان.
وصمة عار ألقت بحياتهما في هاوية اليأس.
كانت شروط العقد واضحة:
خيانة البشر والعمل من أجل الشياطين.
إذا وافقتا، سيضع حدًا لمعاناة ديزي، ومع ذلك سيُدمر الإمبراطورية كهديةٍ إضافية.
بينما قرأتا تفاصيل العقد أمامهما، نظرتا إلى ديزي التي ترقد هزيلة، ثم أومأتا برأسيهما بعيونٍ مليئةٍ بالدموع.
“يمكننا أن نعيش بهذه الطريقة، لكن ديزي لا تستطيع.”
“نحن سندفع ثمن الخطايا التي ارتكبناها، لكن ديزي لم ترتكب أيَّ ذنب.”
وقّعتا العقد والدموع تفيض من أعينهما المليئة بالندم.
“لن نسمح لأولئك الذين فعلوا هذا بديزي أن يعيشوا بسلام.”
“إذا لم أتمكن من تمزيقهم بيدي، فعلى الأقل سأشاهدهم يموتون بشكلٍ بائس.”
الانتقام من أجل القديسة … يبدو أن القدوم إلى هنا كان قرارًا صائبًا.
شعر أديليو بشعورٍ جيد أن هذه الحرب المملة قد تصبح أخيرًا ممتعة.
✲ ✲ ✲
بعد ثلاثة أشهرٍ بالضبط من وصولها إلى قلعة ملك الشياطين، فتحت القديسة عينيها.
“كان الكثيرون ينتظرون استيقاظكِ.”
اتسعت عيناها في دهشة، وكان مظهرها في تلك اللحظة لطيفًا للغاية لدرجة أنه لم يتمكن من منع نفسه من الابتسام بخفة.
‘لم أرَ هذا التعبير على وجهها من قبل.’
كانت دائمًا إما غاضبةً أو تبدو عازمة، لذا رؤية هذا الجانب الجديد منها لم يكن أمرًا سيئًا.
“ديزي، أنا آسفة. نحن حقًا آسفات.”
“نحن نعتذر بشدة. نأسف حقًا.”
وهي تنظر إلى شقيقتيها اللتين كانتا تذرفان الدموع، لا شك أن تلك القديسة كانت تفكر بشيءٍ من هذا القبيل:
“كان ينبغي أن أكون أنا من يبرم العقد بدلاً من ذلك.”
لذا، عندما غادرتا وبقيا لوحدهما، سألها مباشرة:
“هل تشعرين بالندم؟”
ارتجفت شفتاها كما لو أن سؤاله أصابها في صميم قلبها، ولم يتكن من كبح ضحكته.
“هل هو لأنكِ لا تستطيعين الصمود دون التضحية بنفسكِ؟ أم أن هذه هي طبيعتكِ؟”
بغض النظر عن التعبير الذي ارتسم على وجهها، انحنى قليلاً للأمام وألقى التحية رسميًا.
“اسمي أديليو جوينوس. أنا ملك الشياطين، وبفضل العقد الذي أبرمته شقيقتاكِ، أصبحت أملك حياتكِ بين يديّ.”
لا يمكن إزالة الطاقة الشيطانية، ولن تعيشِ طويلًا.
حتى بعدما قال ذلك، لم تُظهر القديسة أيّ علاماتٍ على اليأس.
بل على العكس، سألت بهدوء:
“هناك شيءٌ آخر، أليس كذلك؟”
عندما نظر إليها الآن، أدركَ أنها حادة الذكاء.
إذًا، لماذا خانها الآخرون بتلك السهولة؟
‘ولمَ لا؟ بسبب طيبتها المفرطة.’
“لهذا السبب، امتلاك الكثير مما يجب حمايته ليس بالأمر الجيد. فهذا يعني وجود المزيد مما يمكن فقدانه.”
“لا أريد أن أتحدث معك بعد الآن.”
لسبب ما، أثارت كلماتها استيائه.
بخفّة، سحب الطاقة التي كانت تحيط بجسدها، وأمسكت ببطنها في ألمٍ شديد.
بعد ثلاث ثوانٍ بالضبط، أعاد الطاقة إلى حالتها الأصلية، وعندها حدقت به بغضب.
“كيف تستطيعين أن تبقي بهذا الثبات، بينما أملك حياتكِ بالكامل في قبضتي؟”
“أليس هذا خرقًا للعقد؟”
ظن أنها لا تهتم إلا بالآخرين وتضحي بنفسها فقط، لكن يبدو أن لديها جانبًا آخر.
“ذكية، أليس كذلك؟”
لم يكن ذلك مقصودًا.
دون وعي، امتدت يده وبدأ يلمس شعرها بلطف.
كان الأمر وكأنه يتعامل مع شيءٍ ثمين وهش يمكن أن يتحطم في أيّ لحظة، حتى أنه تفاجأ من نفسه.
ورغم أنها دفعته بعيدًا بسرعة، مدعيةً أنها شعرت بالانزعاج، إلا أنه لم ينزعج.
“أنتِ بالتأكيد ستضحين بنفسكِ إذا كان ذلك سيُنقذ الجميع، أليس كذلك؟”
“أيُّ شخص سيفعل ذلك.”
“لا، هذا غير صحيح. البشر ليسوا مختلفين عن الشياطين – فهم مليئون بالجشع والطمع.”
لقد واجهتِ الكثير من هذا الطمع حتى الآن.
لم يستطع منع السخرية من الظهور على وجهه، ولم تتمكن القديسة من الرد، بل اختارت أن تصمت مع شفتيها المطبقتين.
“لهذا السبب أنتِ مثيرة للاهتمام.”
كان لديه شعورٌ بأن هذا الفضول لن ينتهي، ربما حتى اللحظة التي تلفظ فيها أنفاسها الأخيرة.
✲ ✲ ✲
كانت القديسة حقًا شخصًا غريبًا.
في البداية، حافظت على تعبيرٍ بارد، ثم بدا عليها الملل، فشكرته بابتسامةٍ مشرقة فقط لأنه سمح لها بالتنزه خارجًا.
وجد ابتسامتها المشرقة، التي كانت تتفتح كبرعم زهرة، مذهلةً لدرجة أنه حدق بها بذهول، لكنها سرعان ما بدأت بالبكاء.
وبدافعٍ غريزي، حاول مواساتها، لكنها بكت بشدةٍ أكبر.
كانت امرأةً غريبة ومثيرةً للقلق بحق.
كانت القديسة ترغب أن يبقى أديليو بجانبها كلما غابت أخواتها الأكبر.
قالت إنها تشعر بالوحدة عندما تكون بمفردها.
كان ذلك طلبًا سخيفًا كان يجب أن يرفضه فورًا، لكن قبل أن يدرك الأمر، كان أديليو قد أخذ مكانه بجانب القديسة بشكلٍ طبيعي.
وعندما أدرك كم أصبح هذا مألوفًا بالنسبة له، بدأ يشعر أن هناك شيئًا غير طبيعي.
في كل مرة تُظهر القديسة اهتمامًا بشخصٍ آخر، كان مزاجه يسوء بشدة، ويشعر بامتعاضٍ شديد.
لكن كلما عادت وركزت انتباهها عليه، كان يشعر بالارتياح مجددًا وكأن شيئًا لم يحدث.
كان الأمر غريبًا، لكنه لم يعره اهتمامًا كبيرًا.
“أنا فقط لا أحب أن يأخذ أحدٌ ألعابي.”
اعتقد أن اهتمامه المتزايد بها لم يكن أكثر من مجرد فضول.
“هذه تذكارات والديَّ.”
حتى في لحظاتها الأخيرة، مع كونها ضعيفةً جدًا لدرجة أنها لم تعد قادرةً على مغادرة غرفتها، سلّمته النصف الثاني من قلادة الــ ليڤي.
وعندما سألها عن سبب إعطائها له، أجابت القديسة بابتسامةٍ باهتة.
“لأننا قد نلتقي مجددًا في الحياة القادمة.”
“……”
“لذا لا تنسَ، وتعال وابحث عني. ربما لو التقينا في وقتٍ أبكر، لكنا أصبحنا أصدقاء أفضل.”
“…ألا تحملين أيَّ ضغينةٍ نحوي؟”
كما لو أن السؤال كان سخيفًا، أغلقت القديسة عينيها بهدوء وابتسمت.
“أنا لا أحمل أيّ ضغينةٍ تجاهك. شكرًا لك، أديليو.”
حتى في لحظة موتها، كانت كلماتها الأخيرة موجهةً إليه.
لا شك أن هذا كان شعور القديسة الصادق.
“آه.”
لقد كانت عينيها مغلقةً بهدوء.
لقد فارقت الحياة.
أصبح جسدها يبردُ تدريجيًا.
لقد ماتت القديسة.
[ يُتبع في الفصل القادم …… ]
– ترجمة خلود