118
‘لم يكذب أديليو.’
حتى بعد مرور أسبوعٍ على مجيئي إلى قلعة ملك الشياطين، لم ينسَ وعده.
في الليلة الثالثة، في اليوم التالي لانتهاء محادثتنا، استمر أديليو في إظهار وجهه لي.
تناولنا الغداء معًا، وذهبنا في نزهة، وشربنا الشاي معًا، وحتى أننا توقفنا عند المكتبة للاستمتاع بالقراءة معًا.
واليوم هو اليوم الذي قررت فيه تجربة شيءٍ مختلفٍ قليلًا عن الأيام الماضية.
“آه، لا تتحرك.”
“متى سينتهي الأمر؟”
“عليّ فقط أن أرسم أكثر قليلًا وسوف ينتهي الأمر.”
“لقد كنتِ تقولين هذا منذ ساعةٍ فعلًا!”
قام أديليو بتقويم ظهره أكثر استجابةً لطلبي، لذلك لم يكن هناك ما يمنع يدي من الإمساك بالفرشاة.
“لماذا لا نقوم بفعل روتيننا اليومي؟”
“لا، أريد أن أرسم اليوم.”
تنهد قليلًا عند سماع كلماتي الحازمة بأنني لن أقبل أيَّ اعتراض.
“هل لديكِ هواية الرسم أصلًا؟ متى تعلمتِ هذا؟”
“لستُ موهوبةً بالرسم لذا توقفت عن التعلم في منتصف الطريق.”
توقفت عن تحريك فرشاتي وتنهدت بعمق.
“قال المعلم أن تعليمي مضيعةٌ للوقت والمال، أضاف أيضًا أنه لم يرَ شخصًا فظيعًا بالرسم مثلي من قبل.”
ذكريات طفولتي، عندما كنت مكتئبة حيث اعتقدت أنني لا أملك موهبة، جاءت إلى ذهني بشكلٍ طبيعي.
“أعتقد أنه قال ذلك بسبب الإحباط لأنني لم أكن موهوبةً أو جيدةً في أي شيء. لقد كان الأمر مؤلمًا.”
“بغض النظر عن مدى موهبة الطالب، لا أفهم لماذا يقول المعلم شيئًا كهذا. من الواضح أنه لا يمتلك الصفات اللازمة ليكون معلمًا من الأساس.”
لقد هدأ شعوري بالكآبة فجأةً عندما وقف إلى جانبي دون أدنى تردد.
“في المقام الأول، لا يمكن للشخص الذي يُفرّقُ بين الطلاب على أساس الموهبة أو عدمها أن يكون معلمًا جيدًا. انسيّ أمره.”
“هل هذا صحيح؟”
“إذا كان واقفًا أمامي الآن، فسوف ينفجر رأسه على الفور بسبب افتقاره إلى المؤهلات وفمه الثرثار ذاك.”
لقد كان الأمر مخيفًا بعض الشيء، لكنني شعرت أنه كان نوعًا من المواساة.
“لذا انسي ما قاله واستمرِ في الرسم. سأكون العارض المثالي لساعات.”
“في الواقع، انتهيت من ذلك منذ فترة.”
لقد تأثرت بمواساة أديليو للحظةٍ واحدة فقط.
“هل اللوحة سيئةُ حقًا؟”
لقد بدأت في رسم أديليو جالسًا تحت الشجرة …
لم تكن هناك أوراق خضراء.
لم يكن هناك سوى خلفيةٍ ذات ألوانٍ داكنة.
والشخصية الجالسة في المنتصف، بدلاً من أن يكون لديه جمالٌ خلاب، جعلته أشبه بشريرٍ سخيف.
“أريني إذا انتهيتِ.”
“ماذا؟”
نهض أديليو من مقعده بوجهٍ غير راضٍ ومشى نحوي.
“من الوقاحة عدم عرض اللوحة للشخص الذي تم رسمه.”
“لكنني أشعر بخجلٍ شديد ولا أريد عرضها لأحد!”
“لا تخجلِ. أنت لستِ رسامةً حتى، بل ترسمين اللوحات كهواية….”
التقط أديليو الصورة من يدي، ورفعها عاليًا لمنعي من أخذها، وبدأ في الإعجاب بها ببطء.
“هذا مذهل.”
“لا تكن ساخرًا؛ لأنني أعلم أنني فظيعة. إنها مجرد هواية حقًا.”
“من قال أنني أسخر منكِ؟ إنها مذهلةٌ حقًا. أنا مندهشٌ للغاية لدرجة أنني أتساءل عما إذا كانت هذه هي عظمة الشياطين الحقيقية. “
كان هناك حزمٌ في كلماته لم يتزعزع على الإطلاق.
“ضعها في إطار وعلّقها في مكتبي.”
“عذرًا؟ لا، لماذا؟”
“هذا لأنني أريد أن تكون الأعمال الفنية العظيمة قريبةً مني.”
لا أعتقد أنها كذبة.
لقد شعرت بالحرج نوعًا ما من الصدق في عينيه.
“إنها لوحةٌ أشعر بالخجل من إظهارها للآخرين.”
“إذا كان هذا هو الحال، علّقها في غرفتي.”
“لا!”
أردت أن أخبرها ألا تفعل ذلك، لكن الخادمة التي التقطت الصورة اختفت بسرعة البرق.
نظرت إلى أديليو بعيونٍ مستاءة بعض الشيء، لكن بدا أنه لا يهتم وكان يبتسم فقط في رضا.
“سيد أديليو.”
كان وجه أديليو مليئًا بالانزعاج من نداء الخادم الحذر.
“أعتقد أنه يجب أن تذهب الآن.”
“كم هذا محزن.”
أعرف جيدًا أنه مشغول، لكن الوقت الذي قضيناه معًا كان قصيرًا جدًا لدرجة أنني كنت أشعر بالندم في كل مرة.
“أعتقد أنه يمكننا أن نلتقي غدًا، أليس كذلك؟”
بغض النظر عن مقدار الوقت الذي نقضيه معًا، فإنه دائمًا ما يبدو قصيرًا لأنني سعيدةٌ جدًا بالوقت الذي أقضيه مع أديليو.
لقد استغرق الأمر الكثير من الوقت فقط لأنني أردت الرسم ولم أعد أستطيع القيام بالمزيد.
‘لأنني لا أريد أن أكون مصدر إزعاج.’
حاولت كبت ندمي.
“… أعتقد أنه يمكننا تناول العشاء معًا.”
“حقًا؟”
لم أستطع إخفاء عينيّ المتحمستين وأنا أمسك يده مع ابتسامةٍ كبيرة.
“أنا لا أكذب.”
“أعرف!”
بقلبٍ سعيد، أمسكت بيده وعانقتها كما لو كانت ثمينة.
“سأنتظر.”
“سآتي في الوقت المحدد.”
انفصلنا مع وعدٍ بتناول العشاء في جوٍ وديٍ ودافئ.
‘يمكنني رؤيته مرة أخرى هذا المساء.’
لم يكن هناك الكثير من الوقت، لكن كان الوقت الذي قضيناه معًا ثمينًا للغاية، لذلك أردت أن أكون معه قدر الإمكان.
“إنه جيدٌ حقًا.”
“لم أر أبدًا السيد أديليو يعامل شخصًا بهذا اللطف.”
“إنه شخصٌ مخيفٌ للآخرين، لكن كيف يمكنه أن يصبح لطيفًا للغاية أمام ديزي؟”
لم أتمكن من إخفاء فرحتي بمجاملات الخادمات، فانفجرت ضاحكة.
“كنت قلقة لأن ديزي بشرية، لكن رؤيتكِ تبلين جيدًا تزيح عني الهم.”
“هذا صحيح. أنتِ لستِ خائفةً منا، ولا ترفضيننا.”
“أنتما الإثنان تليقان ببعضكما البعض، لذا أعتقد أن مستقبل الشياطين سيكون مشرقًا.”
لقد كان إطراءً لطيفًا، لكنني لم أشعر بالراحة.
‘هؤلاء الخادمات غير مدركات لحقيقة كوني القديسة.’
باستثناء أديليو وكورت، لم يكن هناك أحدٌ في قلعة ملك الشياطين يعرف أنني قديسة.
في نظر الجميع، أنا فقط كإبنةٍ لعائلةٍ نبيلة.
‘لقد مر أسبوعٌ منذ أن أتيت إلى هنا، لذا أعتقد أنه يجب عليّ الاتصال بأخواتي مرة أخرى قريبًا.’
أعلم جيدًا أنه لا ينبغي لي التخلي عن واجباتي لمجرد أنني أستمتع بقضاء الوقت معًا.
‘سيتعين عليَّ أن أسأل عن شيءٍ ما هذا المساء.’
بجانب الشخص الذي خطط لخطفي، هل هناك آخرون عقدوا عقدًا مع الشياطين؟
‘هل أسأل عن هذا بشكلٍ طبيعي؟’
يبدو أن أديليو سيخبرني إذا كنت فضولية، لكن يبدو أيضًا أنه سيبقي الأمر سرًا حتى النهاية لأنه قد يتعارض مع خططه.
‘في أوقاتٍ كهذه، من المحزن جدًا أن نكون أعداء.’
هل يعرف أديليو أنني لا أستطيع التخلي عن هذا الوقت السعيد لأنني أعلم أننا نسير في طريقٍ لن يسمح لنا أبدًا بأن نكون معًا؟
‘لماذا يجب أن يكون البشر والشياطين أعداء لبعضهم البعض؟ منذ متى كنا أعداء؟’
هل من الممكن ألا تتغيّر هذه العلاقة؟
لقد اختفت المشاعر السارة التي شعرت بها قبل لحظاتٍ فجأة.
لا أستطيع الاختباء هنا إلى الأبد والهروب من الواقع.
الآن عليّ مواجهة الواقع والعودة إلى حيث يجب أن أكون.
“انتبهِ اثناء السير.”
“آه.”
كنت غارقةً في أفكاري مرة أخرى لدرجة أنني لم أرَ حتى الشخص الذي يسير أمامي.
لحسن الحظ، أمسك الشخص الذي أمامي بكتفي وأوقفني قبل أن أصطدم به مباشرة، لذلك لم يحدث الاصطدام.
“هذه هي المرة الأولى التي أرى فيه وجهكِ.”
أخبرتني نبرة الصوت المريحة واللطيفة أن الشخص الذي أمامي ليس عاديًا.
أول ما لفت انتباهي كان الشعر الأحمر الذي يشبه اللهب.
كانت ترتدي ملابس مريحة، قميصًا وبنطالًا فقط، وكان شعرها الأحمر المجعد مربوطًا، لكن بساطة مظهرها لم يستطع إخفاء جمالها المتميز.
“أنتِ جميلة.”
قالت بصوتٍ مهتم ورفعت ذقني برفق بإصبعها السبابة.
حالما رأيت بشرتها البيضاء وحاجبيها المرتفعين قليلًا وعينيها الزرقاوين المألوفتين، عرفت من تكون هذه المرأة.
“إذًا ما اسمكِ يا فتاتي الجميلة؟”
على الرغم من أن الأمر كان محرجًا لأنه لم يكن من الشائع تلقي المجاملات على مظهر المرء، إلا أنني أعطيتها الإجابة التي كانت فضوليةً بشأنها.
“أنا ديزي ليڤيان.”
“……”
“……؟”
“هكذا إذًا. اسمكِ جميل تمامًا مثل وجهكِ.”
“ما المشكلة؟”
“لا، لا شيء.”
أزالت المرأة اليد التي كانت تمسك بذقني ولوّحت بيدها على عجل.
ثم أدارت رأسها ونظرت حولها ومدّت يدها إليّ.
“اسمي ستيلا جوينوس. أنا أميرة هذا المكان. أوه، ليست هناك حاجةٌ لأن تكونِ رسميةً معي.”
مدّت ستيلا يدها وكأنها تطلب مني مصافحتها.
قد يصبح الجو محرجًا إذا لم أصافحها، لذا صافحتها وبدأت تهز يدي لأعلى ولأسفل بعنف وسحبتني على الفور إلى جانبها.
“أوه، يا أميرة ستيلا!”
نادت الخادمات المحرجات ستيلا، لكن لم يكن هناك من يستطيع إيقافها عندما بدأت تمشي بتهورٍ في الرواق.
“سأعتني بــ دايزي، لذا لا تلحقنّ بي.”
لم تعرف الخادمات ماذا يفعلنّ بأمر ستيلا، لكنهنّ أحنينّ رؤوسهنّ تحت نظراتها القاسية.
بينما كنا نسير، تاركين الخادمات المنتظرات خلفنا، سرعان ما أدركت أنه لم يتبقَ سوى أنا وستيلا في الرواق.
سألتني ستيلا مرةً أخرى وهي تمشي.
“أنتِ الفتاة التي أحضرها أخي إلى هنا، أليس كذلك؟”
“نعم، أنا صديقة أديليو.”
“صديقته؟ هل لديه أيّ أصدقاء من الأساس؟ ذلك الرجل قبيحٌ ذو شخصيةٍ شريرةٍ وملتوية.”
“صحيحٌ أنه يتمتع بشخصيةٍ سيئة، لكنه ودودٌ للغاية.”
كان تصريحًا متناقضًا، لكنه كان صحيحًا.
كان تعبير الصدمة على وجه ستيلا واضحًا، وكأنها اكتشفت شيئًا لم تكن تريد معرفته.
“يكفي حديثًا بشأن ذلك الوغد. لا أريد معرفة أيّ شيءٍ متعلقٍ به حتى.”
كانت تمشي ببطء لكنها توقفت فجأة.
ثم استدارت ونظرت إليّ بعيونٍ باردة، على عكس ذي قبل.
فتحت فمها في جوٍ كان من الواضح أنها تحاول أن تقول فيه شيئًا جادًا.
“أعلم أنكِ القديسة.”
كانت هذه الكلمات هي التي جعلت جسدي يتصلب.
[ يُتبع في الفصل القادم ….]
– ترجمة خلود