الفصل 3
فجأةً، استدار أدولو نحو شيون، وأخرج منديلًا ، وهو من الأدوات الأساسيّة لكبير الخدم، ليمسح عينيه اللتين أصبحتا رطبتين.
نظر شيون إليه وهو يكافح للحفاظ على تركيزه، ثمّ ردّ بأقصى ما يمكنه من إظهار الصدق:
“أفهم.”
‘يبدو أنّه سيكون مثاليًا لمسرحيّة عائليّة.’
“أنتَ لن تسأل..؟”
بعد أن جفّف أدولو عينيه بعناية حتّى جفتا تمامًا، أعاد المنديل إلى جيبه ورفع عينيه المتجعّدتين بسبب التقدّم في السنّ بنظرة حادّة.
‘…أوه، هل لاحظ أنّني غير مهتمّ؟’
نقر شيون على لسانه في سرّه.
عادةً، عندما يُذكر شخصٌ ما شيء مثل “ذلك الحادث قبل ثلاث سنوات” بطريقة دراميّة، يثير ذلك فضول أيّ شخص.
لكن شيون، الذي لا يهتمّ إلّا بأموره الخاصّة، كان استثناءً.
خصوصًا أنّه كان يكره القصص العاطفيّة والدراما المأساويّة.
“يبدو أنّ هناك قصّة عميقة، لكنّني لم أجرؤ على السؤال خوفًا من أنّني لا أستحقّ معرفتها.”
لكنّ شيون، كالثعلب الماكر، ردّ بلباقة وسلاسة.
“لستُ أتحدّث هنا بسبب خفّة لساني. لكن بما أنّك ستكون الأقرب إلى الآنسة لخدمتها، يجب أن تعرف ظروفها حتّى تتمكّن من تخمين كيفيّة خدمتها بإخلاص.”
اختفى الرقّة التي كانت تعلو وجه أدولو وهو يمسح دموعه، وحلّت محلّها جدّيّة عميقة.
كانت عيناه، اللتين بدتا كفتيلة محترقة، تشتعلان بنارٍ جديدة، كما لو أنّه لن يغفر أيّ خطأ في خدمة الآنسة.
كانت ولاء أدولو ومحبّته للآنسة صادقين تمامًا.
“…سأضع ذلك في الحسبان.”
كان هذا النوع من الأشخاص هو بالضبط ما يكرهه شيون.
فالأشخاص الذين ينقصهم شيء، أو لا يملكون قيمًا واضحة، أو لا يأخذون شيئًا على محمل الجدّ، كانوا الأسهل للتعامل معهم.
أمّا أمثال هذا الرجل العجوز، الذين يحملون شعورًا بالواجب والمحبّة والجدّيّة، فكانوا صعبي المراس، لذا تجنّب الاقتراب منهم قدر الإمكان.
بالنسبة لشيون، الذي يقسم الناس إلى نوعين فقط و هم من يسهل خداعهم ومن يصعب خداعهم و كان أدولو بلا شكّ من النوع الثاني.
“…قبل ثلاث سنوات، اختفى خطيب الآنسة آغاثا. كان قد سافر عبر البحر إلى قارّة أخرى لإتمام صفقة تجاريّة.”
هدأ أدولو من انفعاله وتكلّم، فظهرت شقوق في تعبير شيون المصقول لأوّل مرّة.
كان من سوء حظه أنّ القصّة التي كان يخشى سماعها دون دموع تحتوي على كلّ ما يكرهه، عاطفة و دراما و رومانسية مؤثرة.
كان هذا فظيعًا.
“على عكس خطوبات النبلاء السياسيّة الأخرى، كانا يحبّان بعضهما حقًا… لقد انهارت الآنسة تمامًا بعد سماع خبر اختفاء خطيبها. كأنّها أصبحت شخصًا آخر تمامًا منذ ذلك اليوم… توقّفت عن الأكل والشرب، وأصابها المرض تدريجيًا بسبب ضعفها الأصليّ. حتّى أفضل الأطبّاء لم يتمكّنوا من مساعدتها على التعافي، فجئنا إلى فونتين على أمل أن يُحسّن تغيير البيئة من حالتها…”
بدأ صوت أدولو يتقطّع.
على الرغم من مظهره القاسي الذي يوحي بأنّه لن ينزف حتّى لو طُعن، كان أكثر حسّاسيّة ممّا يبدو.
سبق شيون الجميع وأخرج منديلًا وقدّمه لأدولو.
“شكرًا.”
مسح أدولو عينيه مرّة أخرى بالمنديل، ثمّ نفث أنفه وتنهّد.
نظر شيون إلى المنديل المجعّد ولم يستطع إلّا أن يعبّس.
“سأغسله وأعيده لك.”
“…لا داعي لذلك، لديّ الكثير من المناديل.”
“لقد أطلتُ الحديث. الآنسة تنتظر. هيّا بنا.”
سارع أدولو لاستكمال الخطوات العشر المتبقّية.
كان ذلك مريحًا لشيون، إذ لم يضطرّ للردّ على تلك القصّة المؤثّرة.
التمثيل العاطفيّ غير الصادق كان مرهقًا للغاية.
‘توقّعتُ قصّة عظيمة، لكنّها مجرّد حكاية مبتذلة. إذن، بسبب حزنها على فقدان خطيبها، جاءت إلى هذه القرية النائية وقضت ثلاث سنوات تهدر وقتها… هكذا إذن.’
لو كانت تعاني من مرض نفسيّ، لِمَ لم تستشر طبيبًا نفسيًا بارزًا في العاصمة؟
لم يكن انطباع شيون عن الآنسة، التي لم يلتقِ بها بعد، مفاجئًا.
امرأة جاهلة بالعالم، غارقة في حزنها، غير قادرة على تجاوز مشاعرها، تهدر سنوات حياتها في هاوية الاكتئاب.
يا لها من حياة يُحسد عليها!
بينما تحتفظ هذه الآنسة بهذا القصر الرائع لنفسها، منعزلةً، وتنفق المال والطعام، كان هناك من يعمل بلا توقّف لتأمين لقمة عيشه اليوميّة.
الآنسة تتلقّى مصروفها من قصر الدوقيّة بمجرّد أن تتنفّس، بينما يواجه معظم الناس خطرًا على معيشتهم إن توقّفوا عن العمل.
حتّى شيون، على الرغم من خروجه عن القانون، كان دائمًا يعمل بجدّ.
لو كان لديه مموّل مثلها، لما لمس أبدًا هذه الأعمال المزعجة والمتعبة.
كان هذا القصر يعكس جانبًا من ظلم العالم.
بينما ينشغل الخدم بتدبير أمورهم، كان هناك ركن في القصر تحتله امرأة غارقة في حزنها لسنوات، تتلقّى الخدمة من الآخرين.
معظم الناس لا يملكون رفاهيّة الانغماس في الاكتئاب.
عندما وصلت أفكار شيون إلى هذه النقطة، برَدَت عيناه اللامعتان كالزمرد.
“تذكّر، الآنسة مختلفة تمامًا عن أيّ سيّد خدمته من قبل.”
عندما وصلا أخيرًا إلى غرفة الدوقة، كرّر أدولو تحذيره الأخير قبل أن يطرق الباب.
أومأ شيون بطاعة، وفتح الباب بهدوء.
“أوه، إنّه كبير الخدم الجديد!”
رحّبت خادمة كانت برفقة الآنسة، وعيناها تلمعان كما لو رأتا جوهرة نادرة.
“دانيال.”
“أنا كانا.”
بينما كان أدولو يخبر الآنسة بوصول شيون، تبادل شيون وكانا تحيّة قصيرة.
بعد انتهاء التحيّة مع الخادمة، جال شيون بنظره بسرعة البرق في الغرفة.
كانت غرفة الآنسة، كما لو كانت تعكس عمق حزنها، مختلفة تمامًا عن غرف النبلاء الأخرى من حيث الأجواء.
لم تكن تحتوي على أيّ أثاث أو زخارف فاخرة للتباهي، بل كانت بسيطة للغاية، تحتوي فقط على الأغراض الضروريّة.
ورق جدران أزرق مخضرّ يبدو باهتًا، سرير بدون مظلّة، أريكة تبدو ثمينة لكنّها قديمة، ومنضدة زينة تشبه القطع الأثريّة، مع بعض الأثاث الأساسيّ الآخر، هذا كلّ ما في الغرفة.
كان المكتب، لسبب ما، ملتصقًا بالنافذة مباشرةً ليتلقّى ضوء الشمس، والدوقة جالسة أمامه، تحدّق في النافذة بلا حراك.
“الآنسة، هذا كبير الخدم الجديد.”
انحنى أدولو نصف انحناءة وهمس لامرأة ذات شعر أشقر بلاتينيّ، لا بدّ أنّها الآنسة.
لم تلتفت، بل أبقت رأسها نحو النافذة، وأومأت بصمت.
“مرحبًا، الآنسة آغاثا. أنا دانيال، كبير الخدم الجديد الذي سيعتني بكِ.”
ترك انطباع أوّل جيّد كان من أكثر الأمور التي يثق بها شيون.
عدّل نظارته، ثمّ ابتسم بابتسامة جذابة وهو يقترب من آغاثا، مضيفًا لمسة من سحر عينيه.
“سأخدمكِ بكلّ إخلاص.”
ثمّ، كعادته، أمسك يدها النحيلة برفق وقبّل ظهر يدها.
تفاجأ أدولو، بينما أمسكت كانا، التي كانت تراقب من الخلف، وجنتيها وأطلقت تنهيدة صامتة.
كانت تحيّته القصيرة لكنّها قويّة تجعل منه، بزيّ كبير الخدم، يبدو كأمير على حصان أبيض، مُحدثًا وهمًا ساحرًا.
لكنّ آغاثا لم تقل شيئًا، ولم تُظهر أيّ انزعاج، ولم تمنحه حتّى نظرة واحدة.
‘لم تؤدّ بالتأكيد أعمالًا شاقّة، لكن بشرتها خشنة.’
هكذا كان تقييم شيون عندما لامست شفتاه ظهر يدها.
بشرتها الجافّة كانت دليلًا على أنّها لا تأكل بما فيه الكفاية.
بينما انحنى لتحيّتها، ألقى شيون نظرة سريعة ودقيقة على آغاثا.
كان مظهرها، وهي تحدّق في النافذة بذهول، يبدو بائسًا للغاية، كما لو كانت تُعلن بجسدها كلّه أنّها مريضة.
شيون، الذي اعتاد على رؤية نساء يتزيّن بكلّ الوسائل من رأسهنّ إلى أقدامهنّ لإثارة إعجابه، كان يكافح لمنع فكه من السقوط دهشةً.
شعرها البلاتينيّ الطويل الذي يغطّي صدرها كان متشابكًا لدرجة أنّه يشبه فراء كلب البودل، كأنّها لم تمشّطه منذ زمن.
ورغم أنّ الشمس كانت في وسط السماء، كانت لا تزال ترتدي قميص نوم أبيض، كما لو أنّها استيقظت لتوّها.
وجهها، الذي لا يُصدّق أنّه لوجه أميرة دوقية، كان في حالة فوضويّة.
عيناها البنّيّتان الداكنتان، اللتين كان يُفترض أن تكونا دافئتين، كانتا باهتتين بلا تركيز.
شفتاها المتشقّقتان كانتا مفتوحتين نصف فتحة.
لم يكن هناك من أرهقها بالعمل طوال الليل، لكن تحت عينيها كانت هناك ظلال داكنة.
والأكثر إثارة للدهشة أنّ وجهها الشاحب كان الجزء الأقلّ سوءًا في مظهرها.
لكنّ الأكثر إثارة للانتباه في مظهرها الغارق في الاكتئاب كان تعبيرها.
تعبير خالٍ من أيّ فكر أو عاطفة، مخيف في فراغه.
كان وجهها، الذي بدا وكأنّه يسخر من شيون الذي يفخر بعدم اهتمامه بالآخرين، يُعلّمه كيف يبدو اللامبالاة الحقيقيّة بالعالم.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات