1
الفصل 001
“إن أسرَكِ سيُنقذ هذا العالم.”
“……مـ-ما السبب؟”
“لأن وجودكِ وحده يكفيني لأتخلّى عن فكرة إفناء العالم.”
“….…”
“وأحسبكِ……لا تحتاجين أن تتصوّري النقيض، أليس لكِ أختٌ أعزّ من الحياة؟”
كانت مجرّد رواية قرأتُها يومًا حين مللتُ، تضفي بعض البهجة على طريقي من العمل وإليه.
قصّته؟ بطلٌ مجنون، يُمعن في أسر البطلة ويغرق في هوسٍ بها.
لكن، من كان يظن أنني سأُبعث فجأةً في عالم هذه الرواية؟
……وكان عنوانها، ‘قفص الطاغية’.
الشخصيّة الرئيسة ‘كاليستو’، وهي ابنة دوق، تُستدعى إلى القصر الإمبراطوري قبل أن ترث لقبها، وهناك تُختطف وتُحتجز على يد البطل.
ومن بين شتى صور الهوس والجنون، تنجح البطلة في الهرب.
ثم تعود لاحقًا وقد أصبحت قدّيسة، فتُصلح أمر البطل وتُنقذ العالم.
أُقرّ بندمٍ عميق على أيامي القديمة التي وجدتُ فيها روايةً كهذه مثيرة وممتعة.
وأمّا أنا، فقد وُلدتُ في هذا العالم بصفتي ‘هيلينا’، أخت البطلة، كاليستو.
دوري في القصة؟ فتاةٌ حقودة على أختها، تسعى عمدًا لأن تكون رهينة لدى البطل فتمدد بذلك فترة أسر أختها، شرٌّ خالص.
……ولقد استعدتُ ذاكرتي عن الرواية وعن بعثي فيها يومَ كنتُ في التاسعة من عمري، خلال مراسم دفن والدينا.
“آوه، يا للمساكين! أليسوا في حاجةٍ إلى وصي؟”
يومذاك، كانت أنظار أقاربنا الجشعين تتجه نحو ثروة عائلتنا الدوقية.
‘لا بدّ أن أتماسك!’
فأقنعتُ أختي الغارقة في الحزن أن ترفض وصاية أولئك الطامعين.
ولحسن الحظ، ظهر عمّنا الوحيد الخالي من الطمع، وتولّى وصايتنا.
وبذلك، استطعتُ تجنّب المصير الأول في الرواية. أن نُلقى إلى قارعة الطريق.
ومنذُ ذلك اليوم، صار لي هدف واحد.
‘أن أمنع أسر أختي!!’
فقرّرتُ أوّلًا أن أُلقّنها مفاهيم الرجولة السويّة.
“أختي، برأيكِ، ما صفات الرجل الطيّب؟”
“همم؟”
“هلّا رددتِ ورائي؟ لا تنسي. اتّزان! حياء! لا هوس!”
“لـ، لا هوس……؟”
وقد نجحتُ في التربية المبكّرة نجاحًا باهرًا.
ليت الأمر توقّف عند ذلك، ليت الجميع نالوا السعادة……!
“الأمر عاجلٌ للغاية، يا رودمين.”
طق، طق، طق. دَوَت خطواتي الرنانة في ردهات القصر.
كنتُ متوجّهةً إلى غرفة المكتب لعقد اجتماع طارئ مع مساعدي.
جلستُ على الكرسي دون أن ألتفت إليه، وأعطيتُه الأوراق.
“أختي رحلت.”
فتح رودمين فاه، لكنّه سرعان ما تمالك نفسه وقال بهدوء.
“أتقصدين أنها…….”
“نعم. أعلنتْ رفضها الزواج، وذهبت لتنضمّ إلى فرسان الهيكل.”
رفعتُ بصري إلى السماء، وفي ذهني تتردّد كلمات أختي التي كنتُ أعُدّها في السابق من باب المزاح…….
“……الذين يؤذون أختي دومًا رجالٌ، وكبار.”
“……من دون مقدّمات؟”
“نعم، لذا سأُصبح الأقوى، كي لا يجرؤ أحد على الاقتراب من عائلتنا، يا هيلينا.”
……لم أدرِ.
لم أدرِ أن جسدي الضعيف جعلني هدفًا لخصومنا السياسيين، وليس هي.
رغم أني اختُطفت عدّة مرّات، إلا أنني نجوتُ بفضل ذكائي ومعونة عمّي.
لم أدرِ أن أختي، التي كانت تضحك بقوّة، كانت قلقةً إلى هذا الحد.
ولم أدرِ، فوق ذلك، أن بذور انعدام الثقة بالرجال كانت قد ترسّخت في أعماقها!
وفيما أنا غافلة، راح رودمين يُشيد بها.
“حقًّا، لقد كانت تتمرّن ليلَ نهار، لكن أن تتنازل لا عن الزواج فحسب، بل عن منصب الدوقية أيضًا، أمرٌ مذهل.”
“…….”
هاه. مزيجٌ فريد من الجنون والمثالية.
كانت أختي موهوبة في فنون السيف، بينما أنا موهوبة في الإدارة، فقلتُ، نتقاسم الأدوار وننجح معًا!
لكن، من كان يتوقّع أن ينقلب الأمر بهذا الشكل؟
قبضتُ على كفّي.
فقد تذكّرتُ كلماتها وهي تمسك يدي بقوة قبيل رحيلها.
“بعد كلّ ما رأيته عبر السنين، بتّ واثقة أنّكِ أنتِ، لا أنا، مَن يملك صفات الدوقة الحقّة، يا هيلينا.”
لقد تغيّرَت أختي كثيرًا عن صورتها في الرواية، لكن بقي شيءٌ لم يتغيّر.
إصرارها، واستقامتها.
“لذا، أرجو أن تواصلي قيادة بيت آكروكس كما تفعلين الآن. وأمّا أنا، فسأُكمل تدريبي كفارسة مقدّسة، وأعود إليكِ كالسيف الذي يحميكِ!”
قالت ذلك بعينين متألّقتين بالحياة، ولم أقدر على ثنيها.
إنها رغبتها. وأحببتُها حبًّا لا يُطيق الفرض أو القسر.
وإلّا، ماذا كنتُ سأكون إن منعتها؟ ألن أُشبه حينها ذلك البطل الرديء من الرواية؟
لذا، رغم ألمي، ابتسمتُ، وقلتُ لها.
“حسنًا، فهمتُ. رَحلةٌ آمِنةٌ.”
وعزمتُ في قرارة نفسي
أن أهيّئ لها مكانًا أفضل، في غيابها.
‘ما دام الأمر كذلك، فإني سأغزو الجميع…….’
أولئك الأوغاد الذين يتربّصون بأختي، وبهذا البيت النبيل، بل حتى البطل نفسه!
على أي حال، هذا ما جرى.
وراح رودمين، الذي كان يحدّق بصمتي، يسألني بحذر.
“……فماذا تنوين أن تفعلي الآن؟”
“ما عساني أن أفعل؟ سأتولّى أنا منصب دوقة آكروكس بدلًا من أختي.”
فالآن، وقد بلغنا سنّ الرشد، لا يجوز أن يظلّ منصب الدوقة شاغرًا.
ولا فائدة تُرجى من تأجيل وراثته.
‘إذ إن الحدث العظيم سيقع قريبًا.’
فكّرتُ سابقًا في جلب زوجٍ بالاسم كما فعلت أختي، لكن. لقد بدأتُ أرسم خططًا أخرى.
***
وبعد أيام قلائل، ارتقيتُ إلى منصب الدوقة.
أمرٌ ما كان ليخطر لي في أدقّ تفاصيل تخطيطي للحياة، غير أنه لا بأس به.
فلو قُدّر لي دخول القصر الإمبراطوري، فأنا على يقينٍ أني سأقدر على النجاة بجسدي وعقلي، وإن جاورتُ بطل الحبس والهوس.
وفي اليوم التالي، أُعلِن في القصر أن دوقةً جديدةً قد اعتلت عرش بيت آكروكس.
وكما كان متوقّعًا، أتى الردّ من القصر الإمبراطوري وكأنهم كانوا على أحرّ من الجمر ينتظرون.
إنه الحدث الذي يُفضي في نهاية المطاف إلى أسر أختي.
“على دوقة آكروكس أن تُلازم وليّ العهد وتخدمه لعامٍ كامل.”
كانت تلك، ببساطة، أوامر بأن أُصبح سكرتيرة لوليّ العهد الفاسد، الذي سيصير لاحقًا طاغيةً لا يُضاهى.
***
غرفةٌ مظلمة.
الأرضية مغطّاةٌ بأوراقٍ مبعثرة، وهو أمرٌ لا يليق بصاحب الغرفة المعروف بحرصه على الترتيب والنظافة.
أما هو، فقد كان متمدّدًا على الأريكة، مسترخٍ كمن أُنهكه الملل.
“سموك وليّ العهد.”
في يده سيف، وطرف السيف مغمورٌ بالدم.
وبجوار الرجل، انحنى كبير الخدم خضوعًا وقال.
“بعد أسبوع، ستأتي الدوقة الجديدة من آكروكس، وستُكلّف بخدمتك، يا سموك.”
“آه، أَوَقَد حان دور آكروكس بهذه السرعة؟”
قيل إن صوته، حين يتكلّم، كأنه موسيقى تنزل من السماء.
غير أن ما رآه الخادم كان هوّة الجحيم التي يصنعها هذا الأمير الجميل.
“يبدو أن شخصًا جديدًا سيطأ هذا القصر.”
قالها جاكال بنبرة باردة كأنه يتكلّم عن أمرٍ لا يعنيه.
“وما دام والدي لن يظلّ صامتًا……فلا شكّ أن عليّ أن أُزيل جثّة أخرى. أليس كذلك؟”
“……عذرًا، يا سموك.”
كان الخادم على يقينٍ أن الدوقة الجديدة ستُقتَل بيد وليّ العهد لا محالة.
إذ إن الأمير جاكال أنطوس ذائعُ الصيت بكونه فاسقًا طائشًا، كثيرَ الغرائب، داخل العاصمة الإمبراطورية.
بهيّ الطلعة، وجهه كأنه مصنوع من نور، يفتنُ الناظر قبل أن يقتله.
كم من فتيات وفتيان، انجذبوا إليه بسحر ابتسامته، فذابوا فيه كالعثّة في النار، ولاقوا حتفهم.
والخصوم لم يكونوا أوفر حظًّا.
يبدو هادئًا مسالمًا، ثم ينقلب فجأةً على أحدهم، فيستلّ سيفه.
وأحيانًا، كان يحتجز بعض خدمه الأعزّاء في غرفٍ مظلمة كأنهم أسرى حرب.
بل تُروى إشاعة أنه قتل مربيتَه بيده في صغره.
ولـ جاكال أنواعٌ من التعلّق والهوس لا تُحصى.
مرّةً يهيم بقطة صغيرة.
وأخرى يُفتَن بحجرٍ غريب الشكل.
لكن ما يبعث القشعريرة في ظهر الخادم هو أن كلّ ما تعلّق به جاكال……مات، إلا تلك القطة الوحيدة التي ما زالت على قيد الحياة.
ابتسم الرجل بفتورٍ مريب.
ثم ما لبث أن سكن، ونظر إلى الأرض بتفكّر.
“ما اسم هذه الدوقة الجديدة؟”
“تُدعى، هيلينا آكروكس.”
توقّف الرجل فجأة.
ثم نهض بجسده دفعةً واحدة.
“هيلينا؟”
“نعم، يا سموك.”
وعلى وجهه الجميل مرت غمامة من المشاعر الغامضة.
“إذن. لم أكن واهمًا…….”
يُتبع….
Chapters
Comments
- 1 - كلُّ شيءٍ بدأَ بإعلانِ أُختي عن عزمِها على الامتناعِ عن الزواجِ منذ يومين
- 0 - المُقدِّمة [رَسمٌ توضيحِيٌّ] منذ يومين
التعليقات لهذا الفصل " 1"