الفصل 9 :
* * *
“هل كان الهدف الحقيقي أن تموت هنا؟”
مع صوتٍ منخفض، أُضيء المصباح.
كان مجرد مصباحٍ صغير لا يكاد يضيء سوى ما حوله، لكن مجرد أن صرتُ أستطيع أن أرى أمامي جلب لي شعورًا هائلاً بالارتياح.
حين ارتخى توتري، انسحب كلّ ما في جسدي من قوّة.
“ههواا…”
تمكنتُ بالكاد من الاستناد على نفسي ومددتُ يدي. وفي راحة كفّي بقي أثرٌ دائريّ، تمامًا بشكل الكرة التي كنتُ أقبض عليها.
“لماذا لم تستخدميه؟”
“لم أتعمد ذلك… لكن كان الظلام حالكًا فلم أستطع تقدير المسافة.”
هذه الكرة كنتُ قد حصلتُ عليها عندما اقترحتُ خطة الطُعم، وقالوا إنّها أداةٌ سحرية تُقيّد الخصم بالسلاسل متى ما أصابته.
خطيبي أوصاني أن أرميها فورًا في اللحظة التي يُظهر فيها العدو وجهه الحقيقي. لكنني ما دمتُ أؤدي خطة الطُعم، أردتُ أن أستخلص معلومات أكثر.
كِدتُ أن أُطعن بالسكين، لكن بما أنني جنيتُ مكاسب لا بأس بها فلا ندم لدي.
وكان من بين تلك المكاسب، نتيجة رهانٍ أيضًا.
‘كنتُ حتى أفكر أن أتحقق إن كان سيطعنني حقًا أم لا.’
لو كان بطل الجزء السبعين من الرواية، لكان فعل ذلك. ففي تلك المرحلة كان قد ارتكب شيئًا مشابهًا مع بياتريس.
‘في الرواية، كان البطل يمر بعدة نوبات انفجار، ومعها بدأ ذهنه يزداد اضطرابًا.’
والآن عندما أتذكر، في ظهوره الأول في الرواية، كان قد وُصف كمن بدا مرهقًا بشدّة.
‘يبقى هذا كلّه مجرد حدسٍ منّي…’
لكنني أظن أنّه في حالته الحاليّة، حتى لو واجه بياتريس في غابةٍ مظلمة، لم يكن ليستلّ سيفه مباشرة.
“أخبرتُكِ إن الأمر سيظل خطرًا، حتى مع امتلاككِ لمثل هذه الأداة السحرية.”
أن يُشكّ بي ومع ذلك يقلق لأجلي…
الغابة غارقةٌ في ظلامٍ دامس. والمصدر الوحيد للنور هو المصباح الذي يحمله خطيبي.
مع اهتزاز ألسنة اللهب، راحت الظلال المرتسمة على وجهه نصف المقنّع تتمايل كـ ستارة.
الأجواء القاتمة التي تخرج من نصف قناعٍ معدني ووجه بلا أيّ تعابير، تُبيّن بوضوح سبب تلقيبه بالدوق الوحش.
‘لو أنّه ابتسم قليلاً لكان الأمر أفضل.’
تذكرتُ أنّه في الرواية لم يُذكر ولا مرة أنه ابتسم، ففتحتُ فمي بهدوء.
“لو لم أفعل كلّ هذا، لما كنتَ ستُصدّقني.”
وكأنّني أصبتُ كبد الحقيقة، خفض نظره بصمت.
بعد لحظات، رفع عينَيه إليّ.
“ما السبب الذي يجعلكِ تبذلين كل هذا الجهد لكسب ثقتي؟”
“كما قلتُ سابقًا، نحن خطيبان. وبعد فترة سنُصبح زوجين حقيقيّين. أليس من الطبيعي أن تكون هناك ثقةٌ بين الزوجين؟”
“قلتِ إنكِ لا تريدين الزواج ولذلك جسدكِ…”
“آآآه! كفى الحديث عن ذلك! ألن تكفّ عن الحفر في الماضي كأنكَ شخصٌ حقود؟”
نظرتُ إليه بحدة، فإذا بخطيبي يُظهر ملامح مرتبكة.
وبالفعل، حتى تلك الملامح كانت أفضل بكثيرٍ من وجهه الخالي من أيّ تعبير.
لذلك رفعتُ ذقني بتحدٍّ وكأنني أقول: ‘وماذا؟’
كان يبدو وكأنّه يريد أن يقول شيئًا، فتح فمه وأغلقه عدّة مرات، لكنه في النهاية صمت.
ثم فجأةً قال:
“أنا تيمينوس.”
“ها؟ … آه!”
وكأنه فتى مراهق ألقى هدية وفرّ، استدار خطيبي، تيمينوس، مبتعدًا عني بسرعة، وركل بقدمه الرجل الملقى على الأرض فزحزحه جانبًا.
وعندها، ظهر فجأة فارسان لا أعلم من أين جاءا، فأخذا الرجل وغابا في الظلام.
أما أنا، فلم أكترث سوى بالنظر إلى تيمينوس، دون أن أمسح الابتسامة عن وجهي.
-“حين يصبح كلّ شيء صفرًا، سأُخبركِ باسمي.”
“إذن، هل يمكنني أن أناديك تيمينوس؟ ألا يوجد اسم دلع؟ تيمي؟ ميني؟”
“لا يوجد. ثم إننا لم نتزوج بعد. فلنلتزم بالاحترام المتبادل.”
“آه، يعني اسم الدلع بعد الزواج فقط؟”
قلتُها بنبرة ساخرة، فوجه تيمينوس إليّ نظرةً ضئيلة من الغضب.
من حولي سُمعت أنفاسٌ متفاجئة، لكنني لم أكترث وضحكتُ بصوتٍ مرتفع.
“حسناً، لن أُمازحكً أكثر. أنا إنوسينسيا.”
“أعرف ذلك.”
“حقًا؟ لم تنادني باسمي ولا مرة، فظننتُ أنك لا تعرفه.”
لم يُجبني تيمينوس. بل اقترب مني ومدّ يده.
حينها فقط أدركت أنني ما زلتُ جالسةً على الأرض.
“شكر…”
لكن ما إن أمسكتُ بيده لأقف، حتى شعرتُ بجسده يرتجف.
‘ماذا؟ هو الذي مدّ يده لي، أليس كذلك؟’
لو رآنا أحد لظن أننا لسنا في العصور الوسطى بل في عصر جوسون.
هل يعقل أن يكون شديد التحفظ هكذا، لمجرد أنّنا أمسكنا بأيدينا؟
“كنتُ أقصد أن تُعيدي لي الأداة السحرية.”
“آه.”
إذن كنتُ أنا المخطئة.
لإخفاء ارتباكي، تنحنحتُ قليلاً، لكنني مع ذلك ظللتُ ممسكةً بيده حتى وقفتُ، ثم ناولتُه الأداة السحرية على هيئة كرة.
“تفضّل. شكرًا لأنك أعرتني إيّاها.”
“لا داعي للشكر.”
أومأ تيمينوس برأسه، ثم وضع الأداة في جيبه واستدار ليمضي.
كانت خطواته سريعة، وكأنه يهرب. فخشيتُ أن يتركني خلفه، فأسرعتُ لألحق به.
“لقد ضبطنا رجلاً من رجال الإمبراطور وهو يحاول مهاجمة المرشحة لمنصب القديسة. ألا يمكننا أن نواجه الإمبراطور بهذا ونسأله لماذا فعل ذلك؟”
“لا نستطيع. جلالته لن يعترف.”
“ولماذا؟ ألم يقل ذلك الرجل بنفسه إن الإمبراطور هو من أمره بقتلي؟”
“هل لديكِ دليل؟”
“آه…”
الوحيّ قد زال بالفعل، فلا أستطيع تقديمه كدليل.
“ألا توجد أداةٌ سحرية تُسجّل ما يقوله الخصم أو يفعله؟”
“توجد، ولكن حتى لو قدمنا أيّ شيء، فسوف يدّعي الإمبراطور أنّ كلّ ذلك مؤامرة من وينستاين لتشويه سمعته.”
“ماذا؟ وهل يمكن للإمبراطور أن يتصرّف بهذه الرعونة؟”
“نعم. لأنه إمبراطور مقدّس، بينما دوق وينستاين مجرد وحش.”
عندما سمعته يُشير إلى نفسه كوحش بكل بساطة، لم أجد ما أقول.
‘بالفعل…’
في هذا العالم حيث سلطة الدين عظيمة، الإمبراطور الذي نال الخلود من حاكمٍ يُسمّى قديسًا، ويحظى بدعمٍ مطلق من البابا.
أما دوق وينستاين؟ فقد كان وحشًا نال عقاب الحاكم.
فلو تعارض مع الإمبراطور سياسيًّا، فمن الواضح أنّ كلّ الشعب سينحاز إلى أيّ جانب؟
“إذن لو أنا شهدتُ…”
“آه!”
لأن المصباح صغير، كان المكان حولنا معتمًا. وبمحاولتي مسايرة خطى تيمينوس الكبيرة تعثّرتُ بجذر شجرة.
‘سأسقط!’
أغمضتُ عيني استعدادًا للألم، لكن كما حدث قبل قليل، لم أشعر بأيّ وجع.
بل شعرتُ بذراعين قويتين تعانقان خصري.
رفعتُ بصري بذهول، فإذا بتيمينوس نفسه، بنصف قناع، يُظهر ملامح مرتبكة.
يبدو أنه لم يقصد أن يُمسكني. فما إن استوعب الموقف حتى سحب ذراعه بسرعة.
“آه!”
لحسن الحظ، أمسكتُ سريعًا بالشجرة القريبة، فنجوتُ من السقوط المخجل.
التفتُّ إليه بعينين فيهما بعض العتاب.
“لو أردتَ مساعدتي، فلتُكمل للنهاية…”
هل كان يدرك أنّه تصرف بشكل غير لائق؟
فتح شفتيه كأنه يريد أن يقول شيئًا، لكنه استدار فجأةً وواصل سيره.
“انتظر، لنذهب معًا!”
خشيت أن يتركني، فأسرعتُ خلفه.
وبعد ثلاث خطوات فقط، لاحظتُ.
خطوات خطيبي صارت أبطأ، وبُعد خطاه قد ضاق.
‘ها…’
لم يسبق أن تلقيتُ مثل هذه المراعاة. لم أتوقعها، لذلك اندهشتُ لدرجة أنني توقفتُ مكانَي.
“إنها قد اصبحت بالغةً الآن. أخبريها أن تعيش مستقلةً.”
“وماذا لو رفض الخروج؟”
“عندها ننتقل نحن. وأنتِ، إياكِ أن تأتي إلى العنوان الجديد.”
“أمي، معقولٌ أن تكونوا مجانين؟”
دائمًا، الأشخاص الذين كنتُ أرجو أن يلتفتوا إليّ، تركوني وحدي ورحلوا.
“…لماذا تقفين هناك؟”
صوتٌ جاء من الأمام، فأفقتُ ورفعتُ رأسي.
كان تيمينوس واقفًا ممسكًا بالمصباح، ينتظرني.
شعرتُ بدغدغةٍ في قلبي. كأنّ أول قطرة مطر قد سقطت على أرضٍ متشققة.
“أممم، يعني… أظنني لويتُ كاحلي عندما كدتُ أسقط قبل قليل…”
“أنتِ مرشحةٌ لمنصب القديسة، لا بد أن تكوني قد شُفيتِ بالفعل.”
“آه، صحيح؟”
رفعتُ قدمي اليمنى وطرقتُ بها الأرض مرارًا.
“صحيح. لا أشعر بأيِّ ألم.”
فمن الطبيعي ألا أشعر بالألم ما دمتُ لم أُصب أصلاً. ومع ذلك مسحتُ أنفي بخفّة وركضتُ نحوه.
‘بالتأكيد، يجب أن أتزوج هذا الرجل.’
وعندما تُرفع عنه تلك اللعنة أو العقاب، سأُخبر كلّ العالم.
زوجي، أبدًا ليس وحشًا.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"