الفصل 8 :
فتحَ تيمينوس الباب ودخل، ولم يبدُ عليه أيّ تغييرٍ كبير عمّا كان عليه حين غادر المكتبة قبل ساعة.
لكن ديفيد أخذ يدور حوله بوجهٍ مفعم بالقلق.
لقد كان هكذا منذ الطفولة. كلّما عاد تيمينوس من مقابلة والديه، كان ديفيد يعبس بوجهه ويدور حوله على هذا النحو.
صحيح أنّه لم يستطع النظر في عيني تيمينوس مباشرةً، ولا لمس جسده المكسوّ بالقشور.
“هل فعلتْ تلك المحتالة شيئًا غريبًا لدوقنا؟ هل آخذها فورًا إلى السجن تحت الأرض؟”
“لقد أعطتني ورقة.”
“نعم؟”
سلّم تيمينوس الورقة التي كان يمسكها إلى ديفيد بصمت.
وحين فتحها ديفيد بتعجّب وقرأ ما فيها، قفز غاضبًا.
“هذ، هذا..! كيف تجرؤ على إهانة دوقنا بهذه الطريقة! هذا أمرٌ لا يُغتفر أبدًا!”
وأخذ يصرخ بأنه سيقود الفرسان حالاً إلى الجناح الملحق، لكن تيمينوس أوقفه بإشارةٍ خفيفة من يده.
جلس أمام المكتب القريب من النافذة وأدار كرسيه بشكلٍ اعتيادي ليُبقي نظره إلى الخارج، مراعاةً لمشاعر ديفيد الواقِف خلفه.
“كم عدد الرجال المكلّفين بمراقبة الجناح الملحق؟”
فهم ديفيد فورًا أنّه يقصد قوّة المراقبة.
“ستة رجال. وإذا أضفنا حرّاس الجناح الملحق الأصليّين يصبحون ستة عشر رجلاً.”
“بحسب ما قالت، هناك شخصٌ مجهول ترك هذه الورقة عند نافذة غرفتها.”
“هذا مستحيل! حتى لو تجاو أمر الحراسة، فهناك ستة فرسان يراقبون!”
“حقًا مستحيل؟”
أمام سؤال تيمينوس الذي بدا وكأنّه يستوثق، أطبق ديفيد فمه.
فالسؤال لم يكن عن صعوبة الأمر، بل عن استحالته المطلقة، وكان عليه أن يجيب بحذر.
“…… أعذرني. سأتحقّق من الأمر بدقّة.”
“يكفي أن تتأكّد مِمّا إذا كان هناك مجال لشخصٍ ثالث أن يضع الورقة عند النافذة. لا تبحث أبعد من ذلك حتى لو وجدت أثرًا.”
“ماذا؟ لكن إن كان قد فعلها حقًا، ألا ينبغي أن نكشف هويّته؟”
“سيتكفّل بذلك شخصٌ آخر.”
“مَن تقصد؟”
ارتسم في ذهن تيمينوس بريقُ تلك العينين البنفسجيتين المحدّقتين فيه.
وربّما لذلك علت أذنه نغمةُ صوتها العالقة في ذاكرته.
-“أقصد أنّ الشخص الوحيد الذي أستطيع أن أضع ثقتي واعتمادي عليه هنا، هو أنت.”
“…… ديفيد.”
“نعم؟”
“لو أنّها لم تكن مجرّد محتالة، بل كانت بالفعل القديسة …… فما نوع الوحي الذي قد تتلقّاه برأيك؟”
“لا أعلم. الاحتمال ضعيفٌ طبعًا …… لكن القديسات السابقات كنّ يتلقّين وحيًّا يتعلّق بالكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو الحروب الأهلية. على الأرجح شيئًا من هذا القبيل.”
أجل، هذا ما يقوله المنطق.
لكن أيُّ خاطرٍ جعلها تدّعي أنّها تلقت ذلك النوع من الوحي؟
إن كانت تعاني فعلاً من فقدان الذاكرة لدرجة أنها نسيت حتى هذه البديهيّات، فلن يخطر لها أبدًا أن تختلق وحيًّا زائفًا.
-“الذي أرسل هذا إنّه جاسوسٌ للإمبراطور، وإن لحقتُ به فسأُقتل.”
إن كان ذلك صحيحًا …… فهذا يعني أنّ الحاكم يقدّر حياتها وحدها بقدر مئات آلاف الأرواح الأخرى.
‘…… سنرى مع الوقت.’
ألم تقل بنفسها إنها ستستعيد ثقته بجهدها؟
لكن إن تبيّن أنّ كلّ هذا ليس سوى خدعةٍ كبرى……
‘فلن.’
فلن يغفر لها أبدًا.
غشّى البرد ناظرَي تيمينوس وهو يعاهد نفسه بذلك.
***
بعد يومين من تلك الليلة التي تُركت فيها الورقة.
عثر رجل على ورقةٍ مطويّة عند نافذة غرفة إنوسينسيا.
<هل حقًا ستُساعدني على الهرب من هنا؟ وكيف؟ ماذا لو اكتشف الدوق الوحش الأمر؟>
‘كما توقّعت.’
كانت ورقةً مشبعةً بالرجاء للهرب.
سخر الرجل من سذاجة إنوسينسيا، وترك ورقةً أخرى تُغريها.
<لديّ رفاقٌ داخل هذا القصر. جميعهم يشفقون على حالكِ ويريدون مساعدتكِ. سيشغلون أنظار الوحش.>
<بما أنّ جلالة الإمبراطور أمرني بأن أكون عروسًا للدوق الوحش، فلن أستطيع العودة إلى المعبد حيّة. إلى أين ستأخذني؟>
<قداسة البابا يرغب في مساعدتكِ، بما أنّكِ كنتِ مرشّحةً لمنصب القدّيسة. لن تعودي مرشّحةً ولن تحتفظي باسمك، لكن يمكنك أن تعيشي حياةً جديدة في المعبد.>
‘الإمبراطور والبابا إلى صفّه.’
سواء أطربها ذلك أم أنها كانت متلهّفةً للهرب، فقد جاءه جوابها سريعًا.
<أرجوك. ساعدني كي أعود إلى المعبد في أقرب وقت.>
‘انتهى الأمر.’
سهلةٌ لدرجةٍ مثيرةٍ للملل.
عادةً ما تكون المهمّات التي تسير بهذه السهولة علامةً على خطبٍ ما.
لكن الرجل لم يشكّ لحظةً في أنّ الخطة ناقصة.
فإنوسينسيا، المعزولة في أقصى الشمال بلا أيِّ سند، لم يكن أمامها خيارٌ سوى التمسّك بيده.
<لقد رَشوتُ الخادمة. أما من القصر إلى سور قلعة وينستاين فبوسعي الذهاب وحدي. فلنلتقِ غدًا ليلاً هناك.>
بل وساعدته بنفسها.
أما الحرّاس الذين يراقبون الجناح فسيلهيهم رفاقه المتسلّلون. لقد كان النجاح مضمونا في نظره.
فانتظرها بثقة لا تهتزّ عند ظلّ سور قلعة وينستاين الشاهق.
“لقد جئتِ.”
اقتربت إنوسينسيا مرتديةً قلنسوةً تُخفي وجهها، وهي تلتفت حولها بقلق واضح.
“أأنتَ من ترك الرسائل؟”
“أجل. هيا بنا بسرعة. فقد يكتشفنا الدوق الوحش في أيِّ لحظة.”
وأسرع بخطواته ليدفعها للتقدّم، متظاهرًا بالعجلة حتى يمنعها من طرح الأسئلة.
ولحسن الحظ، سارت صامتةً خلفه.
كل شيء سار بانسياب.
لم يبدُ أنّ أحدًا انتبه إلى هروبها، وكان القصر هادئًا.
ولم يشعر بأيّ مطاردةٍ حين غادروا القصر إلى الغابة.
هكذا بلا أيّ عوائق، وصل بها إلى المكان المتّفق عليه.
“لقد وصلنا.”
“ماذا؟ وصلنا إلى أين؟”
كانوا في أعماق الغابة، حيث لا يمكن معرفة الاتجاه بلا بوصلة.
وما إن أطفأ الرجل الفانوس حتى ابتلعهم الظلام الكامل.
“ماذا تفعل؟!”
تقلّصت إنوسينسيا في مكانها، تدور بعينيها في العتمة.
لكن بالنسبة لرجلٍ مدرَّب على القتل، كان رصد حركتها في الظلام أمرًا سهلاً.
أخرج خنجرًا من خصره وتقدّم منها.
“لا تقلقي كثيرًا. لن أقطع سوى أوتار كاحليكِ الآن.”
“لا، لا تلمسني! أتظنّ أنّ جلالة الإمبراطور وقداسة البابا سيتغاضيان عن هذا؟!”
“لسوء حظكِ، مَن أصدر إليّ الأمر هو جلالة الإمبراطور نفسه.”
“كذب!”
“أحسنتِ. استمري بالصراخ أعلى. حتى تسمعنا الذئاب.”
تعثّرت وهي تتراجع إلى أن سقطت جالسةً على جذع شجرة.
فضحك الرجل على حالها، فلطالما كان يحبّ السخرية من ضحاياه قبل قتلهم.
وتقدّم بخطواتٍ واثقة، ومدّ يده إلى قدمها.
“أن، أنا مرشّحة لمنصب القديسة! أمتلك قوةً مقدّسةً عظيمة! أنت تعلم ما معنى هذا!”
“لكن إن طعنتكِ مرارًا، فستنضب تلك القوة. وأنتِ لستِ قديسةً حقيقية.”
رفع يده بالخنجر، ففهمت غريزيًا أنّ الموت وشيك، وأغمضت عينيها بقوة.
ـ فُق!
اندفع الخنجر في اللحم.
لكن لم يأتِ أيُّ صراخ.
بل الرجل هو الذي انقبضت أسنانه على الألم المفاجئ الذي مزّق جسده.
“كك!”
‘ماذا؟ لقد تخلّصنا من كلّ المراقبة!’
ذلك التساؤل المباغت حرمه من فرصة الانتحار.
‘هذه الطاقة…… اللعنة!’
حين أدرك أنّه محاصر، حاول أن يعضّ السم المخبوء في فمه.
لكن قبل أن يتمكّن، شعر بألم يسحق فكه ففقد وعيه.
“الهدف الحقيقي هو…….”
كان هذا آخر ما سمعه بخفوت.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"