الفصل 6 :
* * *
أليس أوصت إنوسينسيا بالخروج في نزهة لأن الأوامر جاءت من الأعلى.
وبالمثل، اختفاؤها بهدوء بعدما تبعت إنوسينسيا كان أيضًا بإشارةٍ من تيمينوس.
حين أدركت إنوسينسيا متأخرة أنّها صارت وحدها وأخذت تتلفّت حولها، راح تيمينوس يُقدّر التوقيت المناسب ليظهر أمامها.
‘يقولون إنّها فقدت ذاكرتها. والآن يزعمون أنّها صارت قديسةً تتلقّى الوحي؟’
بما أنّ الفرسان الذين وُضعوا خصيصًا لمراقبتها قد انخدعوا، فهذا يعني أنّ موهبتها في التمثيل لا بأس بها.
لكن تيمينوس كان واثقًا من أنّه قادرٌ على كشف كذب إنوسينسيا بسهولة.
فالتمثيل لا ينفع، إذ إنّها لن تستطيع حتّى أن تواجه عينيه.
“أع، أعذرني، أ، أريد أن أكون… وحدي…”
حين التقى تيمينوس بإنوسينسيا لأول مرّة، كان يرتدي قناعًا. ومع ذلك، كانت ترتجف ولم تستطع رفع رأسها.
أن تشعر الفريسة بالخوف أمام المفترس، هذه هي غريزة بقاءٍ طبيعية.
ومهما بلغت براعة الممثّل، فلن يستطيع كبت تلك الغريزة المنبثقة بشكل انعكاسي.
بل إنّ تيمينوس نزع قناعه عمدًا هذه المرّة كي يستفزّها.
ومع شعوره الغريب بنسيم يلامس نصف وجهه الأيسر، مدّ يده ليلامس وجهه بلا وعي.
قشورٌ ذهبية غطّت جزءًا من خده وفكه وجبهته. وإلى جانب ذلك، فإن حدقة عينهِ اليسرى المشقوقةً عموديًا، مقارنةً بعينه اليمنى العادية، جعلت مظهره أكثر وحشية وهيئةٌ تشبه الوحوش.
‘لعلّها ستصعد إلى قمة البرج لتُقدم على الانتحار مرةً أخرى.’
وبينما كان شبح السخرية يطلّ من ابتسامة تيمينوس، اندفعت إنوسينسيا نحوه.
“ماذا؟ لماذا تختبئ هاهنــ… آه؟”
هل ظنّت أنّه الخادمة؟
انقطع حديثها الودّي فجأة، وضعفت قبضتها التي أمسكت بذيله.
ورؤية ردّ فعلها كما توقّع جعلت ابتسامةً ساخرةً ترتسم على شفتي تيمينوس.
‘هل أقضي على شكوكها الآن؟’
ترك غطاء رأسه يُزاحه الهواء المتدفّق عن قصد، إلى أن انكشف وجهه.
وعندها تلاقت عيناه بعيني إنوسينسيا.
‘ستصرخ الآن.’
استعدّ تيمينوس بلا مبالاة لمواجهة صرخة الذعر التي اعتاد عليها.
لكن من هنا بدأت ردود فعل إنوسينسيا تحيد تمامًا عن توقّعاته.
“آه، أوه، أمم؟”
إنوسينسيا لم تصرخ.
لم ترتجف، ولم تُظهر تلك المشاعر التي أبدتها عندما رأته لأول مرة.
بل اكتفت برمش عينيها بدهشة، ثم أشارت بيدها اليمنى إلى النصف الأيسر من وجهه، وأغمضت عينًا واحدة وهي تتأمّل نصف وجهه الآخر.
“…….”
تيمينوس عجز عن الكلام.
لم يسبق له قط أن تلقّى نظراتٍ بهذه المباشرة، نظراتٍ أقرب إلى المشاهدة أو التقييم.
فلم يجرؤ أحدٌ يومًا على تأمل مظهره الغريب.
كلّ من واجهه إمّا خفض رأسه عمدًا أو عجز عن رفعه أصلًا.
وإذا التقت عيناه بعين أحدهم بالصدفة، فالمشاعر التي ترتسم على وجوههم كانت دومًا خوفًا غريزيًا أو اشمئزازًا بحتًا.
لكن الآن، لم يظهر على وجه إنوسينسيا أيٌّ من تلك المشاعر.
بل بعينين متألقتين، لا يُعرف ما يدور في ذهنها، كانت تنظر إليه كما ينظر خبيرٌ إلى جوهرةٍ معروضة في مزاد.
ثم نطقت ببراءة:
“أ، أنتَ… زوجي المستقبلي! أليس كذلك؟”
قالت هذا بكل بساطة، وهي تبتسم بابتسامةً مشرقة كـ سماءٍ صافية بلا غيوم.
تيمينوس عجز تمامًا عن الرد.
ردة فعل لم يتوقعها قيد أنملة ملأت رأسه بالارتباك.
‘هل هذا أيضًا تمثيل؟’
إن كان كذلك، فهي مُحتالةٌ عبقرية قادرةٌ حتى على بيع وطنها.
وإن كانت حقًا قد فقدت ذاكرتها، فلا بد أنّها فقدت معها حتى غريزة البقاء.
لذلك، لم يستطع تيمينوس أن يحسم أيّ الاحتمالين أصحّ، فهي أول شخصٍ ينظر إليه هكذا من دون خوف.
ولذلك قرر أن يختبرها مباشرةً بكلماته.
“ألم تكوني أنتِ من ألقت بنفسها رافضةً إياي؟ والآن ينطق فمكِ بكلمة زوجي؟”
تعمّد أن يقولها بسخرية لاذعة، لكن إنوسينسيا لم تبدُ عليها أيُّ علامة تأثر.
“آه، لحظةً من فضلك. لديّ ما أقوله بشأن ذلك. كنت أبحث عن فرصةٍ لنتحدث، وهذا ممتاز. يبدو أن رعاية الحاكم كانت معي.”
شبكت يديها بخشوع، ثم أمالت رأسها هامسة: “شكرًا يا إلهي، ثانك يو فيري ماتش.”
ثم أمسكت بذراعه اليسرى — لا عند كمّه هذه المرة، بل عند ساعده مباشرةً.
ومن دفء يدها، وجد تيمينوس نفسه لا شعوريًا يزيح يدها عنه بعنف.
صفعةٌ واضحة صدحت في المكان.
إنوسينسيا اتّسعت عيناها وهي تحدّق فيه، ممسكةً يدها التي بدا أنّ الألم بقي فيها.
والدهشة اعتلت وجه تيمينوس أيضًا.
فقد اعتاد أن يتلقى فقط الكراهية والخوف، حتى من والديه.
وما لامس جلده سوى ضربات الأيدي في طفولته، ولهذا أبعدها بخشونة.
كان على وشك أن يبرر: أنّه حساسٌ تجاه اللمس، وأنَّ الأمر لم يكن مقصودًا… لكن فجأةً صمت.
‘…هل لذلك معنى؟’
بدا له أنّها ستظنّه مجرد وحشٍ يفقد أعصابه كالعادة.
ففي عيون الناس، لم يكن سوى وحشٍ، لا أكثر ولا أقل.
“أه…”
لكن ما لم يدركه تيمينوس أنّ إنوسينسيا كانت تسير بالفعل في طريقٍ مختلف عن كلّ توقّعاته.
“آه، صحيح.”
نظرت إلى يدها ثم إلى يده، وأومأت كَمن فهم شيئًا.
“لم نقم بالزفاف بعد، وأنا لم أكن مهذبةً كفاية. أعتذر. لكن في الحقيقة، هدفي هو الحديث معك. اجلس أولًا، رجاءً.”
وكأنّها تقول له: انظر، لن ألمسك.
مدّت يديها كمن يهدئ وحشًا متوتّرًا.
ثم أبقت عينيها على عينيه، بينما أمسكت برفق بطرف كمّه وسحبته قليلًا لتدعوه للجلوس.
‘ما هذا…؟’
هل نسيت ما جرى منذ عشر ثوانٍ فقط؟ أم أنَّ فقدان ذاكرتها يتجدد في كل لحظة؟
ورغم امتعاضه، جلس تيمينوس برفق كما أرادت، خشية أن تلمسه مرة أخرى.
وبينما كان يراقبها بحذر، قدّمت له شيئًا بخفوت كما لو كان سرًا.
“انظر لهذا. لقد تركه أحدهم في غرفتي البارحة.”
“أتمنى أن تعودي إلى القصر المقدّس. سأساعدكِ على الهرب من الدوق الوحش.”
ارتسم الجمود الحاد على ملامح تيمينوس بعد أن قرأ الرسالة.
“من ترك هذا؟”
“لا أعرف. لم أسمع سوى طرق النافذة. أليس لديك أيُّ تقارير؟ فأنتَ تراقبني، أليس كذلك؟”
ارتبك تيمينوس ودافع بلا وعيّ.
“ليست مراقبة، بل حماية. فأنتِ قد تؤذين نفسكِ مجددًا.”
“أعرف. لكن وأنتَ تراقبني، ألم تلحظ شيئًا؟”
هل كانت تظن أنّه سيجيبها بصدقٍ بهذا الشكل؟
بل إنّها عرضت عليه ورقةً مكتوبٌ فيها “الدوق الوحش” بلا تردّد، وهذا أمرٌ يتجاوز فهمه.
‘ما الذي تفكر فيه بحق السماء؟’
ظنّ أنّه سيكشف نواياها بمجرد محادثة، لكن كلّما تحدث معها، تضاعفت حيرته.
هل فقدت ذاكرتها فعلًا؟ أم لا؟
هل تلقت وحيًا حقًا؟ أم أنّه محض كذب؟
وبينما كان يحدق فيها ليفهم حقيقتها، خفضت عينيها فجأة.
وكأنها تتوقع منه، هو “الوحش”، مشاعر شفقةٍ بشرية.
“أنا أطلب مساعدتك بجدية. خذ الأمر بجدية. سمعت أنّك علمت أنّني تلقيت وحيًا البارحة، صحيح؟ هل تعرف ماذا كان؟”
تضيق حدقة عينه اليسرى المشقوقة بحدة.
“وماذا كان؟”
أجابت إنوسينسيا بصراحة:
“الذي كتب الرسالة جاسوسٌ للإمبراطور. ولو تبعته فسوف أموت.”
“…جاسوسٌ للإمبراطور؟”
“نعم. لكن الحاكم لم يخبرني مَن هو. أفهمت معنى ذلك؟”
بالطبع كان يعرف.
وكان تيمينوس متأكدًا.
‘…إنها مُحتالةٌ بلا شك.’
عاد ذهنه وكيانه إلى هدوء بارد.
فالوحي لا ينزل بمثل هذه الأمور الشخصية التافهة.
على مرّ التاريخ، كانت النبوءات تحذّر فقط من الكوارث الطبيعية أو الأوبئة أو الحروب الأهلية.
‘كيف تجهل مرشحةٌ لمنصب القديسة هذا، ثم تدّعي تلقت الوحي؟’
غاصت نظرات تيمينوس أكثر، مظلمةً وهو يحدّق فيها.
لكنها، دون أن تفقه ذلك، مالت نحوه وهمست.
“أتدري ما معنى ذلك؟”
وقالت وهي تواجه بعينين صافيتيّ البريق عينَه الحمراء المشقوقة العمودية مثل عين زاحف.
“معناه أنّ الشخص الوحيد الذي أستطيع الوثوق به والاعتماد عليه هنا… هو أنت.”
غير مُمكن.
منذ أن لُقّب بالدوق الوحش، بل قبل ذلك بكثير، منذ أن وُلد بهذه الهيئة وتعرّض للتعذيب من والديه…
لم يتوقّع يومًا أن يسمع مثل هذا الكلام في حياته.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"