الفصل 13 :
“أنا فعلتُ ذلك؟”
انكمشَ تيمينوس قليلًا ثمّ خفَضَ رأسه لينظر إلى بطنه. بالفعل، كانت يده موضوعة فوقه.
أبعد تيمينوس يده وهو يُخفي شعورَه بالإحراج. وتجاهل عمدًا الإحساس الذي بقي على أطراف أصابعه من صلابة عضلات البطن.
“ليس هناك شيء. ذلك قبل كلّ شيء، يا ديفيد، عليكَ الانتباه إلى الألقاب في المستقبل.”
“نعم؟”
حدّق ديفيد بعينين مُرتبكتين وكأنّه لا يفهم سبب هذا التعليق المفاجئ.
لدرجة جعلت تيمينوس يُشير إلى الخطأ مباشرة.
“لقد رأيتَ التوقيع الذي وَقَّعتُه للتوّ. عندما نقيم حفل الزفاف، ستُصبح هي دوقة.”
“……آه، نعم!”
أدرك ديفيد خطأه بعد فوات الأوان فانحنى برأسه. ثمّ قال بصوتٍ يحمل بعض التردّد:
“سأُعامل السيّدة باحترامٍ شديد من الآن فصاعدًا.”
انتظر قليلًا، لكن لم يأتِه ردٌّ يقول إنّ الأمر لا يستحقّ كلّ هذا.
بل على العكس.
“إنّها ستكون سيّدة الشمال. مهما كان ماضيها، فعليكَ أن تُعاملها جيّدًا من الآن. صحيح أنّها ستنتقل إلى المبنى الرئيسي بعد الزواج، لكن عليكَ الاهتمام بأحوال المبنى الجانبي حتى ذلك الحين.”
“نعم، يا صاحب السعادة.”
“وانبّه الآخرين أيضًا ألّا يُثيروا أيّ كلامٍ عن ماضيها. وإن صدر من أحدهم حديثٌ غير لائقٍ في هذا الوقت السعيد، فلا تكتب له توصية، واطرده فورًا.”
“نعم، يا صاحب السعادة. سأُعالج الأمر فورًا كي لا تُضطرّ للقلق بشأنه.”
ابتلع ديفيد ريقه بصعوبة.
‘عليّ أن أستدعي جميع الخَدَمة فورًا.’
بما أنّ تيمينوس قال ذلك بهذه الصراحة، فإنّ أيّ شخصٍ يتجرّأ على ذِكر شيء عن ماضي إينوسينسيا سيقع في ورطة كبيرة.
ولمنع حدوث مثل هذه المصيبة، أسرع ديفيد بالخروج من المكتب واتّخذ خطواتٍ سريعة في الممر.
وفجأة خطر له شيء.
‘لحظة، قبل قليل…… ألم تتلاقَ أعينُنا؟’
لكنّه لم يشعر بالخوف.
نظر إلى ساعده وعليه جلدٌ خالٍ من القشعريرة على غير العادة، فارتجف لأنّ الأمر بدا له أكثر رعبًا من القشعريرة نفسها.
* * *
ولمّا استوعبتُ ما يحدث، كان موعد الزفاف قد تحدّد بالفعل. بعد شهر واحد فقط.
إقامة حفل زفاف لدوق، وهو منصب لا يملكه سوى ثلاثة في الإمبراطورية، خلال شهر واحد فقط…… هذا وقتٌ غير منطقيّ أبدًا.
لكنّي لم أقلق.
ولماذا أقلق؟ فأنا الزوجة المرشّحة الثالثة التي تأتي إلى هذا المكان. من الطبيعيّ أن يكون كلّ شيء جاهزًا باستثناء العروس نفسها، أليس كذلك؟
“الواقع هو أنّ…….”
“لحظة، ما هذا الردّ؟ لا تقل لي إنكم تركتم التحضيرات ناقصة؟”
اختفى تمامًا ذلك الشخص الذي كان يصرخ عليّ ويطردني ويُخبرني أن أدفن نفسي في الصمت، عندما فتحتُ عيني هنا لأوّل مرّة.
وكأنّه لم يعُد يتذكّر ما فعله في الماضي، انحنى ديفيد هذه المرة بعينين مليئتين بالحرج.
“بصراحةٍ تامّة……. كنّا نعتقد أنّ السيّدة المرشّحة ستهرب مثل سابقاتها.”
ماذا؟
“لحظةً واحدة. إذًا مسألة تأجيل الزفاف بحجّة حالتي الصحيّة…… كانت فقط لأنّكم لم تُحضّروا شيئًا!”
“ليس صحيحًا. كان صاحب السعادة الدوق قَلِقًا على صحتكِ بالفعل.”
هاه! بجدية! أنتَ تُدافعُ عنه لأنّه رئيسك؟!
ذاك الإنسان الذي قال إنّ مستوى الثقة بيننا تحت الصفر…… كان قلقًا عليّ؟! يا إلهي!
“ثمّ، رجاءً، تحدّثي براحة يا سيّدتي. من غير اللائق مخاطبة الخَدَمة باحترام.”
“لا تُغيّر الموضوع!”
وبينما كنتُ أتنفّس بغضب، خفَض ديفيد رأسه بصمت. عندها انطفأ غضبي كله.
‘أين اختفت تلك الوقاحة في اليوم الأوّل؟ كان يجب أن يقول: حتى لو وقّعتِ على وثيقة الزواج، لا يمكنني الاعتراف بك!’
كما حدث مع كاي وتشياري، أدركتُ أنّني ضعيفةٌ أمام الأشخاص الذين يعترفون بخطئهم بوضوح.
أما أولئك الذين يُبرّرون وقاحتهم ويُبرّقون بأعينهم…… فأولئك فقط هم الذين يستحقّون أن يُستعمل معهم الاستعلاء.
لكن ماذا تقول لشخصٍ يُنحني لأنه مذنب؟ لا يمكنكَ الاستمرار بالصراخ.
“……لا بأس، ارفع رأسك.”
تنحنحتُ بخفّة وأنا أراقب ديفيد وهو يرفع رأسه. ولدهشتي، لم يبدُ منزعجًا من كلامي غير الرسمي كما توقّعت.
ذلك الموقف جعل قلبي يلين بالكامل.
“إذًا…… هل يمكن إقامة الزفاف بعد شهر؟”
“لو كرّس كلّ العاملين في القصر جهودهم للتحضير، فسيكون ذلك مُمكنًا. لكن…….”
“لكن؟”
“ستكون السيّدة بحاجة إلى إعداد الكثير من الأمور أيضًا……. وسيكون من الصعب مواكبة الجدول الشاق.”
كان ينظر إليّ بحذر وقلق، وكأنّه يخشى أن أرفض أو أشتكي من شدّة صعوبة الأمر.
‘آه، يا إلهي.’
ولستُ قادرةً على التمارض والهرب من الأمر.
“بصراحة، لا يمكنني أن أعدك بأنّي سأتمكّن من مواكبة جدول قد يكون قاتلًا، ولكن…… سأحاول.”
“شكرًا لكِ يا سيّدتي. إذن……”
ما إن نطقتُ جوابي حتى صَفَّق ديفيد في الهواء.
وعلى الفور، فُتح الباب بتزامنٍ غريب، ودخلت الخادمات بملابس متناسقة وكأنهنّ فصيلٌ مُدرَّب ينتظر الإشارة.
قفزتُ خطوة للخلف من شدّة المفاجأة، بينما اصطفّت الخادمات بسرعة وانحنين أمامي بانضباطٍ تام.
“نُحيّيكِ، يا سيّدتي. سنبذل كلّ جهدنا لنُساعدكِ في إقامة حفل زفافٍ كامل.”
“رجاءً، اعتمدي علينا.”
“لحظة، لحظة فقط……!”
‘أنا أكره أن يحيطني هذا العدد الكبير من الناس!’
لكن لم يكن لديّ فرصةٌ للاستعداد، فقد دفعتني الخادمات نحو غرفة الملابس بسرعة.
وتوتّرت حواسي بين الظلال التي أحاطت بي. بشكلٍ لا إرادي، قبضتُ يدي فجأة.
“سيّدتي، سنبدأ أولًا بأخذ مقاسات الجسد.”
“وقبل ذلك…… هل هناك أيّ شيءٍ يجب أن ننتبه له؟”
“ننتبه……؟”
ماذا يقصدون تحديدًا؟
“إذا كان هناك أيّ جزء من الجسد لا تُريدين أن يراه الخَدَمة، أو عطر لا تُحبّينه، أو نوع قماشٍ أو مجوهرات تُزعجكِ…… رجاءً أعلمينا.”
“أه…….”
حينها فقط أدركتُ الأمر.
الخادمات اللواتي حملن شريط القياس والملابس وكتب التصميم، كنّ واقفاتٍ على مسافةٍ مُحترمة، ينتظرن أوامري قبل الاقتراب.
وذلك ساعدني على تهدئة أعصابي.
‘هؤلاء الناس لا يريدون محاصرتي…… بل مساعدتي.’
ارتخت قبضتي. وأخذتُ نفسًا خفيفًا ثمّ قلت:
“لا يوجد…… شيءٌ كهذا. فقط…… شعري طويل، لذا رجاءً انتبهن كي لا يتشابك أثناء التمشيط.”
“سنُراعي ذلك. إذن يا فتيات……”
صفّقت الخادمة الرئيسة بخفّة.
“لنبدأ.”
وفي تلك اللحظة، تغيّرت نظرات الخادمات فجأة. عندها أدركتُ أنّني اطمأننتُ بسرعة كبيرة!
“سنُساعدكِ في تغيير الملابس الآن. هل ترفعين ذراعيكِ قليلًا؟”
“وفي الوقت نفسه، هل تنظرين في دفتر التصميم هذا؟ إذا أعجبكِ تصميمٌ ما، أخبرينا فورًا.”
“سنُجرّب بعض الأساور والأقراط. قد تكون باردةً قليلًا، فلا تفزعي.”
أخذ مقاسات الجسم المطلوبة لصنع الفستان، بينما أتصفّح دفتر التصاميم.
تجربة ثلاث قلائد دفعةً واحدة، وأربع أقراط، وخمس أساور، لتحديد المجوهرات التي تُناسب لون بشرتي وشعري وعينيّ.
وبعد الانتهاء من كل ذلك، كان عليّ الجلوس في ماء استحمام ممزوج بالأعشاب المفيدة للبشرة…… بينما أحفظ أسماء أهمّ النبلاء ومعلوماتهم، وعلاقاتهم مع عائلة وينشتاين.
“سننسحب الآن يا سيّدتي.”
“سنزوركِ باكرًا جدًّا غدًا، لذا رجاءً ارتاحي جيدًا الليلة.”
……ليس كلّ من يتحدّث بلطف يكون حقًا لطيفًا……!
اشتقتُ بشدّة لحياتي القديمة…… حين كانت أليس تُغلق الستائر وتغادر بهدوء إذا لم أشأ النهوض.
‘هل…… كنتُ أُفكّر بأنّ الزواج من الدوق سيكون أمرًا سهلًا؟’
كان الأوان قد فات على الندم.
وأدركتُ ذلك بمرارةٍ شديدة عندما جاءت الخادمات في الفجر التالي…… قبل أن تشرق الشمس.
* * *
كان الوقت يتدفّق مثل الماء.
وليس مجرّد ماء، بل كشلالٍ جارف. أُغمض عيني لثانية، لأجد يومًا كاملًا قد مرّ…… ثم يومين آخرين.
ومع ذلك، وبسبب كلّ ذلك الجهد المجنون…… استطعتُ بعد عشرة أيام أن أنتهي من جلسة قياس الفستان، وأستلم طرحة الرأس، والحذاء، وطقم الإكسسوارات المُصمّم خصيصًا لزفافي.
“يا إلهي……. هل صُنِع كلّ هذا حقًا خلال عشرة أيام؟”
“يمكنني القول فقط إنّ الخياطين والصاغة كانوا مشغولين بقدرنا نحن.”
“حسنًا، في هذه الحالة الأمر منطقي. بل ويمكنهم صنع المزيد.”
أومأتُ بينما أحدّق في وجهي المنعكس في المرآة.
بفضل العناية اليومية مرتين في اليوم، أصبح شعري وبشرتي لامعين ومتوهّجين. حتى الجمال الذي كنتُ أظنه جيّدًا سابقًا…… ازداد تألّقًا.
‘الغريب…… أنّ ملامح هذا الوجه تُشبه وجهي الأصلي قليلًا.’
لذلك لم أشعر بنفورٍ كبير عند النظر في المرآة. بل أعجبني أنّ العيوب التي كنتُ أكرهها…… اختفت.
‘هل…… هذا أحد مزايا الانتقال إلى هذا العالم؟’
يا ريت لو كان ذلك مالًا بدلًا من الجمال.
وبينما كنتُ أفكّر في نافذتي الفارغة في قائمة العناصر، تنهدتُ قليلًا.
“طالما أن الأمور العاجلة انتهت…… هل يمكنني أخذ وقت فراغٍ اليوم؟”
“نعم، يمكننا منحكِ ساعتين.”
ساعتان فقط من أصل 24 ساعة قضيتها سابقًا في الكسل…… يا للكرم!
كنت ممتنّة وشاكرة أيضًا.
وخوفًا من أن تُغيّر الخادمات كلامهنّ، أخبرتهنّ أن يسترحن قليلًا لأنّهنّ عملن بجد…… ثمّ هربتُ في الحال.
تبعتني كاي وتشياري.
“إلى أين نُرافقكِ؟”
“إلى المعبد. اليوم…… عليّ الذهاب إلى هناك والصلاة للحاكم.”
والحقيقة……
كنتُ أنوي الاستلقاء أمام التمثال وأطلب بشدّة…… أن يُنزِل الوحيّ مرّةً أخرى، مجانًا هذه المرّة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 قناة التيلجرام مثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿ 《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"