الفصل 12
* * *
“جاء الأمرُ الإمبراطوريّ. يقول إنَّه يُمكِنُنا إقامةُ حفلةِ الزفاف خلال شهرٍ واحد.”
فتحت إينوسينسيا فمها باستدارةٍ كما لو أنّها سمعت كلامًا غير متوقّع.
“الأمرُ الإمبراطوريّ؟”
“تفضّلي واقرئيه بنفسِكِ.”
بدلًا من أن يشرح تيمينوس بتفصيلٍ طويل، قدّم لإينوسينسيا رسالةَ الإمبراطور.
أطلقت أصوات “أه، أُم، أوه” تمامًا كما فعلت يوم فقدت ذاكرتها ورأته للمرّة الأولى، قبل أن ترفع رأسها، وقد ازدحمت التجاعيد في حاجبَيها الجميلَين.
“أنا لا أفهم. مرّةً كان يريد قتلي، والآن لماذا يُثير ضجّةً ليُزوّجَنا؟”
رفع تيمينوس إصبعين.
“أولًا، ليتأكّد مِمّا إذا كان الجاسوسُ الذي أرسله قد قتلكِ أم لا. ثانيًا، وحتى لو فشل، فلفرضِ الضغط عليكِ.”
“ولماذا يكون أمرُ الزواج ضغطًا عليّ؟”
“أتعرفين المقولة: المرّة الأولى صعبة، أمّا الثانية فَسهلة؟”
كانت إينوسينسيا سريعةَ الفهم.
فقدَت ذاكرتها، ومع ذلك لم تتفاجأ حين رأت وجه تيمنوس من دون قناع، أمّا الآن فأطلقت صوتًا مذعورًا.
“يعني الآن… إن لم أُرِد الزواج، فَلْأَمُت؟”
“وكيف لي أن أتجرّأ على تخمينِ إرادةِ مَن هُو أعلى شأنًا.”
ردّ تيمينوس بسخرية، ثمّ أضاف مشيرًا بذقنه إلى الرسالة الموضوعة فوق الطاولة.
“في كلتا الحالتين، يبدو أنّه كان واثقًا من أنّنا لن نتمكّن من إقامة الزفاف.”
كأنّه لا يقبل بأيِّ عذرٍ من نوع “حالتي الصحية لا تسمح”، إذ إنّ المبعوث الذي أرسله الإمبراطور حمل معه كلَّ دواءٍ يقوّي الجسد ويُنعِشه.
والذين لا يعرفون الوضع سيصفون الإمبراطور بأنّه رحيمٌ ولطيف.
فهو أصلًا تدخّل بنفسه ليكون وسيطَ الزواج لأنّ تيمينوس فقد والديهِ صغيرًا، وكان ذلك يبعث على الشفقة.
حتّى تيمينوس نفسه كان يظنّ ذلك يومًا… ظنّ أنّ هذا الرجل يستحقّ الولاء.
وذلك… قبل أن يكتشف يوم مراسم وراثة اللقب، أمام جمعٍ من النبلاء، أنّ من فضح هويّته الحقيقيّة كان الإمبراطور نفسه.
وبينما كان تيمينوس يسترجع ذكرياته بضحكةٍ مُرّة، دوّى صوتٌ مرحٌ في المكتبة الهادئة.
“جيّد. لِنقُم بهذا الزواج.”
كان تيمينوس شاردًا تمامًا، فلم يفهم كلام إينوسينسيا فورًا.
“ماذا قلتِ الآن؟”
“قلتُ لِنفعل ذلك. كان الزواجُ تمثيلًا، لا إلغاءً. ثمّ إنّ…”
اقتربت إينوسينسيا قليلًا، وغطّت فمها بيدها وهمست:
“ألا تَقول إنّ الإمبراطور يظنّ أنّنا لن نتمكّن من إقامة الزفاف؟ فكيف سيكون شعوره لو ظهرتُ أنا أمامه سليمةً وتزوّجنا بالفعل؟”
فقد تيمينوس القدرة على الردّ مرّةً أخرى.
ليس فقط سيتفاجأ… بل سيشعر وكأنّ أحدهم ضربه على مؤخرة رأسه.
لكنّه لن يستطيع إظهار ذلك. لأنّ هذا الزواج هو الزواج الذي توسّط فيه بنفسه.
تخيّل تيمينوس للحظة وجه الإمبراطور المتيقّظ الغاضب، فتنحنح بخفّة.
“فكّري جيّدًا. قرارٌ مُتسرّع الآن قد تندمين عليه لاحقًا.”
“أندم؟ أنا؟ ولماذا؟”
لماذا؟ ألا تعرف حقًّا؟
‘آه… فقدان الذاكرة…’
حقًّا، يبدو أنّها فقدت ذاكرتها بالفعل.
تأمّل تيمينوس وجه إينوسينسيا الصافي قبل أن يقول:
“قد يكون ردّكِ الآن بسبب فقدان الذاكرة. لكن ماذا لو عادت ذاكرتكِ؟ ماذا ستفعلين؟”
فقد كانت تكره هذا الزواج لدرجة أنّها ما إن وصلت إلى الشمال، حتى ألقت بنفسها من أعلى البرج.
لكنّها أجابت بجملةٍ بسيطة:
“لا أعتقد أن هذا سيحدث.”
هل لم تفهم أنّ عليها التفكير بجدّيةٍ أكبر؟
فما إن عَبَس تيمينوس، حتّى قلدته إينوسينسيا بعبوسٍ مماثل.
“قلتُ لك. توقّف عن نبش الماضي. لنتحدّث فقط عن مستقبلٍ مشرقٍ ومُتألّق.”
“مستقبلٌ مشرق؟”
“أنتشلُ من يتيمةٍ مجهولة الأصل… وأُصبِحُ دوقة. هذا بالنسبة لي مستقبلٌ مُشرق… تمامًا.”
ثمّ نظرت بسرعة إلى تيمينوس.
كان تيمينوسُ حادّ الملاحظة، لذا ارتفع حاجبه حين رآها تتوجّس منه، وشعر فجأةَ بانقباضٍ غير مريح.
“والآن بعد أن فكّرتُ في الأمر… فأنت يا سيّدي الدوق لن تكسب شيئًا من هذا الزواج.”
سيّدي الدوق؟
‘هاه.’
هي التي طلبت أن تناديه باسمه قائلةً إنّ كلمة “الدوق” رسميةٌ جدًّا… وهي التي نادته بلقبٍ غريب عندما أرادت السخرية منه…
والآن تقول “سيّدي الدوق”؟
“يا لها من طريقةٍ ماكرة.”
“أيُّ طريقة؟”
هذا التظاهر بالبراءة لن ينطلي.
نظر إليها تيمينوس نظرةً حادّة.
“كنتِ تُحاولين دفعِي لأقول: صحيح، لن أكسب شيئًا من هذا الزواج، إذًا لن أتزوّج. أليس كذلك؟”
فتحت إينوسينسيا عينيها دهشةً.
“ماذا؟ لا! حقًّا لم أقصد ذلك! أنا فقط قلتُ إنّ الزواج من جهتي فقط مُفيد.”
“إن كان هذا صحيحًا، فليس لدينا أيُّ مشكلة في المتابعة، أليس كذلك؟”
“من جهتي، نعم.”
“إذًا اعتبري الأمر مُتَّفَقًا عليه.”
“أم… حقًّا لا بأس؟”
تنفّس تيمينوس ضاحكًا باستخفاف.
“حتى لو سألتِ ألف مرّة، لن تسمعي منّي كلمة ‘لا بأس’ على أيّ حال.”
“لكنّي لم أقصد شيئًا… حسنًا، فهمت. لنتزوّج إذًا.”
“إنّه زواجٌ برضا الطرفين. حتى لو حاول أحدُنا التراجع لاحقًا، فلن ينفع.”
“بالضبط. وتذكّر هذا جيّدًا. أنت مَن قال إنّه زواجٌ برضا الطرفين يا سيّدي الدوق.”
مجدّدًا… “سيّدي الدوق”.
‘هل تفعلين هذا عمدًا؟’
لكن تيمينوس فجأةً توقّف.
‘ولماذا يزعجني هذا أصلًا؟’
وبعد لحظة طويلة وجد تفسيرًا.
‘فقدان الذاكرة… حسنًا. لكنّ موضوع الوحيّ لا يزال غامضًا.’
نعم… لم يستطع أن يثق بها بعد.
ربّما لهذا يشعر دائمًا باضطرابٍ وضيقٍ داخليّ حين ينظر إليها.
وبينما كانت ترمش نحوه بفضول، مدّ تيمينوس يده ودعا ديفيد.
“أحضِر أوراق إثبات الزواج.”
“نعم؟”
“الآن، حالًا.”
فهرع ديفيد متوتّرًا.
وبعد قليل وُضعت الوثائق على المكتب، ووقّع تيمينوس بسرعة.
“وقّعيّ.”
“حاضر.”
وقّعت إينوسينسيا بخطٍّ واضحٍ مستقيم، بلا عيب.
“هل كتبتُه بشكلٍ صحيح؟”
استغرب تيمينوس سؤالها، ثمّ تذكّر فقدان ذاكرتها.
“هل فقدتِ القدرة على القراءة والكتابة أيضًا؟”
“تساءلتُ أنا أيضًا، فأخذتُ كتابًا من المكتبة، وقرأتُ وكتبتُ… ونجح الأمر.”
قالت ذلك ببراءة.
فأعاد تيمينوس فحص توقيعها مرّاتٍ عدّة، ليتأكّد أنّها لن تدّعي يومًا أنّها كتبت “إينوسينسيا” بشكلٍ خاطئ.
“ديفيد، احتفظ بهذه الوثيقة جيّدًا.”
“آه، لحظة. فقط للاحتياط… أريد نسخةً لديّ أنا أيضًا.”
رفع تيمينوس حاجبه.
“ستُتلفين الدليل؟”
“لا، لا! أقصد… نكتب نسخةً أخرى.”
تنفّست إينوسينسيا بعمق، ثمّ تمتمت بخفوت:
“هل كنتُ ساذجة طوال حياتي؟ لماذا لا يثق بي أحد…”
كان كلامها بلا تكلّف لدرجة أنّ ديفيد نظر إلى تيمينوس مذعورًا.
لحسن الحظ، لم يغضب تيمينوس… بل شعر بالحرج، إذ أدرك أنّه كان مبالغًا في الشكّ.
“أحضِر نسخةً أخرى.”
“حاضر!”
وبعد قليل، خرجت إينوسينسيا من المكتبة، والوثيقة الإضافية في حضنها، وعلى وجهها سعادةٌ ظاهرة.
وبينما ابتعدت، كانت خطواتها خفيفةً ومتناغمة، وبدت كأنّها تُدندن، وقد التقطت أذن تيمينوس اليسرى – المغطاة بشعرٍ ذهبيّ وتنتشر فوقها قشورُه الخفيفة – ذلك الصوت.
وفوقه سُمِع صوتُ ديفيد المرتجف حماسةً:
“إنّك مذهل يا سيّدي الدوق.”
للحظةٍ شعر تيمينوس بفراغٍ غريب، لكنه لم يعرف سببه، وقال:
“فيما ذلك؟”
“لقد سبقتها لأنّك خِفتُ أن تقول في اللحظة الأخيرة إنها لا تريد الزواج، أليس كذلك؟”
“لا، ليس تمامًا…”
هل كان هذا ما فعله حقًّا؟
‘…نعم. لو قالت إنها لا تستطيع الزواج، لوقعنا في مأزق.’
فهذا زواجٌ رتّبه الإمبراطور نفسه. ولم يكن لتيمينوس حقّ الرفض أصلًا.
لذلك أصرّ على توقيعها.
وإلا… من سيتزوّج امرأة تتكلّم عن “عضلات البطن الرائعة” و”الصدر السميك” وهي تُشير إلى جسدٍّ غير جسدها…!
“سيّدي الدوق؟ هل تشعرون بتوعك؟”
“ماذا؟”
نظر تيمينوس إلى ديفيد بعينَين مرتجفتَين، وقد أساء فهم كلامه.
ارتبك ديفيد بدوره وقال بتلعثم:
“فقط… كنت تُدلّك بطنك طوال الوقت، فظننْتُ أنّك تُعاني من ألمٍ فيه…”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"