الفصل 10 :
* * *
لو لم أكن أعلم بوجوده لكان الأمر مختلفًا، لكن بما أنّي عرفتُ بوجود الجاسوس المتخفي، فإنّ القبض عليه مسألة وقتٍ لا أكثر.
وفوق ذلك، نحن نعرف هدفه، بل وحتى المكان الذي سيظهر فيه.
‘صحيح أنّه يُشعرني بالاهانة لأني لم أكتشفه في وقتٍ أبكر.’
كيه، الفارس ذو الشعر الأسود، أطلق صوتًا مستاءً وهو يعضّ على لسانه عندما لمح غرابًا يهبط عبر نافذة المبنى الفرعي.
الغراب الأسود، الذي بالكاد يُرى وهو يذوب في العتمة، كان يحمل في منقاره قصاصة صغيرة.
لو لم يُبقِ عينيه مفتوحتين بترقّبٍ شديد، لَما لاحظ الغراب أصلًا، وحتى لو رآه لَما أولاه أيّ اهتمام.
فهو لم يكن ليتخيّل أنّ هذا الغراب مجرد ‘رفيقٍ سحري’ لساحر.
“لقد حددنا موقع الساحر عبر رفيقه السحري. هل نلقي القبض عليه فورًا؟”
“لا. راقبوه أولًا وانتظروا الأوامر.”
ذلك كان أمر تيمينوس، وقد جاء استجابةً لاقتراح إنوسينسيا.
“سأتظاهر بطلب المساعدة منه. عندها قد نحصل على بعض المعلومات، أليس كذلك؟”
حينها، لم يكن تيمينوس قد استبعد بعد احتمال أن تكون هذه كلّها مسرحيةً من اختلاق إنوسينسيا.
ومع ذلك، قبِل باقتراحها، إذ رأى فيه فرصةً لمعرفة نواياها الحقيقية إن لم يكن لكشف الجاسوس.
والنتيجة؟
بفضل تعاون إنوسينسيا، تمكّنوا من القبض على كلّ رجال الإمبراطور الخفيين واحدًا تلو الآخر.
غير أنّ الاستجواب الذي تلا ذلك دفع بتيمينوس إلى مستنقع أعمق من التساؤلات.
لأنّ إنوسينسيا كانت بريئةً بالفعل.
‘الإمبراطور كان ينوي قتلها منذ البداية…….’
وهذا يعني أنّه—بافتراض أنّها فعلًا القديسة—لم يكن على علمٍ بالأمر.
لكن، لو كانت قد استيقظت كقديسة بالفعل قبل أن تغادر العاصمة، لما خفي ذلك عن البابا أو الإمبراطور.
بكلماتٍ أخرى، لم تُصبح إنوسينسيا قديسة إلا هنا في الشمال، في اللحظة التي قفزت فيها من ذلك المكان المرتفع.
فإن صحّ ذلك، تكون قد فقدت ذاكرتها في المقابل، واكتسبت قوّة القديسة.
ليست فرضيةً مستحيلة. بل، في هذه اللحظة، هي الاحتمال الأكثر منطقية.
لكن المشكلة أنّ الأمر عسير على التصديق.
‘……لا أنكر أنّها تغيّرت.’
إلى درجةٍ تجعلها تبدو كشخصٍ آخر تمامًا.
“إي، إي، إي…….”
“آآآه! كُفَّ عن ذكر ذلك الموضوع! هل ستظلّ تُنبش في ماضي الناس بهذا الشكل؟”
هل كان بسبب أنّه وُلد بنصف جسدٍ غير بشري؟ أم بسبب اللعنة التي حفرتها عقوبة الحاكم في دمه ولحمه؟
أمام حضوره، كان الناس يُصابون غريزيًّا بالخوف أو النفور.
حتى المقرّبون الذين أقسموا بولائهم له منذ صغره لم يكونوا استثناءً.
تمامًا كما يُشيح المرء بوجهه ويُغمض عينيه ليتفادى كرةً مقبلة، هكذا كانوا يُبعدون أنظارهم عن عينيه من تلقاء أنفسهم.
لهذا السبب، لم يخطر بباله يومًا أنّ أحدًا قد يُحدّق فيه بتحدٍّ أو يُرمقه بنظرةٍ حادّة.
ولا خطر له أنّ يده الممدودة قد تُمسك بتلك السهولة.
ولا أنّ أحدًا قد يقترب منه ويمشي إلى جانبه، أو أن يلتصق به حتى الخصر من غير رهبة.
“هل يمكنني أن أناديك تيمينوس؟ ألا تملك اسم دلع؟ تيمي؟ ميني؟”
وجهها الذي ابتسم مازحًا ظلّ عالقًا في ذهنه. وصوتها الذي دغدغ أذنه، وخصرها النحيل الذي كان يمكن أن يُطوَّق بذراعٍ واحدة…… كلّها ظلت تدور في أفكاره.
“جلالتك؟”
صوت ديفيد أعاده فجأة إلى وعيّه.
حين أدرك متأخرًا نوع الأفكار التي كان يُغرق نفسه فيها، مسح تيمينوس وجهه بيده بعنف.
“هل أنت مُتعب؟”
سأل ديفيد بقلق، فأشار له تيمينوس بلا مبالاة.
“كنتُ سارحًا فحسب. أكمل تقريرك.”
“حسنًا. سأُواصل إذن…….”
وفجأة.
- طَرقٌ خفيف.
“يا دوق، وصل مرسولٌ من البلاط الإمبراطوري.”
“مرسولٌ من البلاط؟”
“نعم. يبدو أنّه يحمل ردًّا على الرسالة التي أرسلناها من قبل.”
الرسالة التي أُرسلت إلى البلاط كانت تتعلّق بوصول إنوسينسيا بسلامٍ إلى الشمال، لكن مع سوء حالتها الصحية، فتم تأجيل مراسم الزواج.
‘لقد مضى أسبوعٌ منذ القبض على الجاسوس……. لا بدّ أنّهم عَلِموا أنّ شيئًا ما تعكّر.’
لكنهم لم يعرفوا بعد بالضبط ما الذي جرى.
فما أكثر ما قد يشغل الإمبراطور الآن؟
‘هل اكتُشفت هويته كمرسِل للجاسوس؟’
لا. فحتى لو اكتُشفت، يكفيه أن يُنكر ببساطة.
‘……على الأرجح أنّ ما يُقلقه هو إن كان الجاسوس قد نجح فعلًا في قتل إنوسينسيا.’
وأسهل طريقةٍ للتأكّد من ذلك……
* * *
<“إلى دوق وينشتاين: لقد شاع في العاصمة أنّك تؤجل الزواج بحجّة مرض العروس، بعد أن وقعت حادثتان مشؤومتان من قبل. وقد أثارت هذه الأخبار استياء الرأي العام.
فكيف لِي، وأنا أرى شرف خادمي الوفي يُدنَّس بالشتائم والافتراءات، أن أقف مكتوف اليدين؟
لذلك أُرسل إليك أعشابًا مقويةً لعروسك الضعيفة، لكي تُقام مراسم الزواج بعد شهر.
هذا أمرٌ إمبراطوري.”>
كما توقعت تمامًا.
ارتسمت ابتسامةٌ مائلة على شفتي تيمينوس، إذ لم يختلف مضمون الرسالة قيد أنملة عمّا كان يتخيّل.
***
هل كانت ثمرة جهوده في الإمساك بالجاسوس؟ أم لأنّهم رأوا بعينيهم تيمينوس يعود معي إلى المبنى الفرعي في ساعة متأخرة؟
مهما كان السبب، فقد شعرتُ بتغيّرٍ في معاملة الخدم لي.
ليس تغيّرًا جذريًا، لكن ملحوظًا.
فوجبات الطعام صارت أوفر وأجود، والخدم الذين كانوا يتجاهلون وجودي صاروا على الأقل يُلقون السلام.
بصراحة، الثانية لا تهمّني، أمّا الأولى فأسعدتني كثيرًا.
‘كالعادة، القوّة عند الشخص في طعامه.’
لكن التغيير الأكبر كان في أمرٍ آخر……
فالفارسان اللذان التصقا بي في البداية من باب المراقبة حين زرتُ الكنيسة صاروا الآن حُرّاسي الشخصيين.
“اسمحي لي أن أُعرّف بنفسي. أنا تشيزاري فونتسل، وقد عُيّنت اليوم حارسًا لكِ يا سيدتي الخطيبة.”
“اسمي كيه. لا أُجيد المبارزة جيدًا، لكنني أُجيد استخدام السحر.”
الأول ذو شعرٍ أحمر، والثاني أسود.
وقفتُ أحدّق فيهما، وهما يقفان بصرامة بخلاف الماضي، ثم سألتُهما بصراحة.
“أنتم حُرّاسي فعلًا؟ ألستم مُكلّفين بمراقبتي؟”
“كُخخ، نحن حُرّاسٌ بالفعل! وسنسهر على سلامتكِ من الآن فصاعدًا!”
“نُدرك أنّنا تجاوزنا حدّنا في الماضي. فلن نُبرّئ أنفسنا، ولذا سنبقي رؤوسنا منحنيةً حتى يزول غضبكِ!”
وما كان منهما إلا أن انحنيا بشدّة، كمن يُعاقب نفسه طواعية.
بصراحة، ارتبكتُ من هذا الموقف.
‘لا، ليس من المفترض أن يكون كذلك!’
كان يجب أن يُنكروا ويقولوا: “لم نُخطئ، كان ذلك وَهمكِ!”
هكذا أستطيع أن أستغلّ نفوذي باسم تيمينوس وأُمارس عليهم القليل من السلطة!
“هل…… أمركما أحدٌ أن تفعلا هذا؟ تحاولان كسب وُدي مثلًا؟”
“أبدًا، سيدتي!”
“نُريد فقط أن نعتذر عن وقاحتنا السابقة!”
“إن كان الأمر كذلك، فلماذا فعلتما ذلك آنذاك؟”
“لأننا…….”
ترددا قليلًا ثم قالا بصراحة:
“ظننا أنّكِ تُحاولين تشويه سمعة دوق وينشتاين.”
“لقد أسأنا فهم نواياكِ يا سيدتي. نرجو السماح!”
“آه…….”
‘صحيح! لقد كانا في الغابة وقت حادثة الرسائل!’
فها هو السبب. لقد أثّر فيهما كوني خاطرتُ بحياتي وشاركت في خطة الطُعم.
‘لقد تأثرا بتصرّفي إذن.’
شعرتُ بحرارة في صدري.
أن تُخطئ ثم تعتذر—هذا طبيعي. هكذا يجب أن يكون.
‘لكن الاعتذارات التي اعتدتُ سماعها كانت من نوع: “حسنًا آسف، ارتحتي؟ انتهى؟ هل ارتحتي؟”‘
……يا للغضب.
لا أعلم لماذا تذكرتُ مثل تلك الذكرى الآن، من شخصٍ لم يعد له وجودٌ في حياتي.
“سيدتي……. هل أنتِ بخير؟”
ألقت أليس، التي كانت بجانبي، نظرةً قلقة وهمست لي.
إذ رأتني صامتةً ونظرت إلى الفارسين المنحنيين، فظنّت أنّني متأثرةٌ بهما.
‘……الحق يُقال، هذه أول مرةٍ يُبدي فيها أحدهم قلقًا عليّ.’
لقد وجدتُ نفسي داخل عالم روايةٍ محكومٍ عليه بالفناء. كنتُ أظنها كارثة.
لكنني اكتشفتُ أنّ هناك أشخاصًا يقلقون عليّ إن بدا وجهي حزينًا، ويقفون في انتظاري إن لم ألحق بهم.
حقًا، شعرتُ بالامتنان لوجودي في هذا العالم.
‘حسنًا، سأصفح عنهم.’
“انهضا. أصفح عنكما من أجل أليس.”
“شكرًا جزيلًا!”
“سنخدمكِ بولاءٍ كامل من الآن فصاعدًا!”
نهضا بسرعة، ووجهاهما محمران من شدّة الارتباك.
لم أتمالك نفسي وضحكت، وظللتُ أكتم ضحكتي لفترةٍ طويلة.
وسط هذه الأجواء اللطيفة، تذكرت أليس شيئًا وأخرجت شيئًا من جيبها.
“سيدتي الخطيبة، تذكرين حين بحثتِ عن القلادة في الكنيسة؟”
“القلادة؟ ……آه!”
إنها الأداة التي يجب أن يحملها الكاهن دومًا ليتمكّن من الصلاة.
بعد عودتي من الكنيسة حيث تلقيتُ الوحيّ، قلّبتُ أغراضي فلم أجدها.
فظننتُ أنّني أسقطتها، وطلبتُ من أليس أن تبحث عنها إذا سنحت لها الفرصة.
“هل وجدتها؟”
“نعم، لكن…….”
ترددت أليس ثم قدّمت لي منديلاً معقودًا بشريط.
“آسفة. لقد كانت محطّمة.”
حين فتحتُ المنديل، وجدتُ القلادة مُجزأة إلى عدّة قطع.
وبمجرّد أن وقعت عيناي عليها، اجتاحني شعورٌ قويّ بالديجا فو.
‘لحظة…… أليست أنا من حطّمها؟’
وفي تلك اللحظة.
[تم العثور على بقايا هرطقة.
الشروط قد استُوفيت.
سيُفتَح وحيّ الحاكم.]
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"