بمجرد أن خرجت من الاستوديو، استدارت بجسدي تحت قوة جذب مفاجئة من أحدهم.
وكان هناك جيهان واقفًا وهو يلهث من الغضب.
“أريد التحدث معك.”
كنت أتوقع أن يتواصل معي، لكن لم أكن أظن أنه سيتبعني مباشرة هكذا.
شعرت بأنظار الناس خلف ظهره.
“من الأفضل أن تتبعيني، إن لم تريدي إثارة ضجة.”
من نظراته المتقدة، بدا وكأنه مستعد لملاحقتي حتى مكان عملي.
وبما أن جيهان من النوع الذي لا يتراجع إذا عزم على شيء، لم يكن أمامي خيار سوى اللحاق به.
‘طالما أن المكان مليء بكاميرات المراقبة، فسيكون الأمر على ما يرام.’
– كواانغ!
خرج جيهان إلى الشرفة الخارجية وركل الدرابزين بعنف، وكأنه غاضب.
عندما بدأ البث، كانت ملابسه المرتبة لا بأس بها، أما الآن فقد أصبح مظهره فوضويًا تمامًا.
اقترب مني جيهان بخطوات واسعة بعدما تبعته إلى الشرفة.
“تكلمي.”
ضحكت بسخرية من طلبه المفاجئ بالكلام.
كنت أعرف ما الذي يريد أن يسأل عنه، لكن لم أكن أنوي إخباره بما يريد بصراحة.
“عن ماذا؟”
سألته بتظاهر بالبراءة، فانعقد حاجباه بعمق.
مرر يده بعنف في شعره محاولًا الحفاظ على هدوئه.
“هاه… عن مقالة سرقة التقنية الخاصة بـإنتك التي انتشرت الآن أنتِ من فعلها، أليس كذلك؟”
تقدم مني خطوة أخرى، وبدا أن حرارة الغضب المنبعثة منه يمكن الإحساس بها من بعد.
“كيف لواحدة مثلي، مجرد شخصية إعلامية، أن تعرف أو تفعل ذلك؟ ألا تظن أنك تبالغ في الاستنتاج؟”
حين أنفيت ذلك بتلك الطريقة، تشوه وجه جيهان بلا رحمة.
“شركة T-Cell تخوض الآن محادثات استحواذ مع W Group أضف إلى ذلك، لو لم تكوني أنت, ، هل كنت سأقتحم استوديو البث المباشر هكذا؟”
لم يكن من عادته أن يتحدث كثيرًا، لكن اليوم بدا ثرثارًا على غير العادة.
وهذا يعني أنه مرتبك حقًا بسبب مقال إنتك.
“هل لا زلتِي تظنين أنني أستنتج فقط؟”
رأيت عينيه المرتبكتين وشفتاه المرتجفتين، تنضحان بالعجلة.
نظرت إلى وجهه الذي امتلأ بمشاعر مضطربة لم أعهدها فيه، وابتسمت بهدوء.
“هل جئت لتستجوب إنسانة مشغولة هكذا لمجرد شكوك؟”
نظرت إليه بنظرة ازدراء وفككت ذراعي المتشابكتين.
كنت على وشك المغادرة، بعدما شعرت أنه لم يعد هناك داعٍ للبقاء.
لكن صوته الخافت أوقف خطواتي.
“لماذا أنتِ مصممة إلى هذا الحد على تحطيمي؟!”
استدرت باتجاهه، وهبت نسمة باردة من الريح.
كان جيهان يحدق في الفراغ، ثم التقت عيناه بنظري مباشرة.
كانت عيناه تمتلئان بالقهر والحسرة.
“ماذا فعلتُ لكِ حتى تستهدفي كل شيء أفعله؟!”
“…….”
“نعم، ما حدث مع سورين كان خطأي لكن هل يستحق الأمر أن أُدفع إلى هذا الحد؟!”
كان يصرخ بقوة حتى برزت عروق عنقه من الغضب، ينفجر مني بحسرة لا أعرف مصدرها.
لكن حين رأيت انفجاره، شعرت بأن قلبي قد أصبح باردًا كالصقيع.
“ثم إنني لا أعلم شيئًا عن محاولة القتل المأجورة التي دبرت بأمر من سورين!”
“أنت لم تكن تعلم؟”
“أقسم بذلك لا يوجد لدي أي مكسب من قتلك لماذا أتحمل خطرًا كبيرًا مثل ذلك؟!”
نظرت إليه بعينين ضيقتين بشك، لكن حين حدقت في عينيه الثابتتين التي لا تتزعزع، بدا أنه لا يكذب.
‘حتى لو كنت لا تعلم، فإن هذا لا يمحو الجرائم التي ارتكبتها حتى الآن.’
كنت أعلم أن القتل المأجور كان من تخطيط سورين وحدها.
فجيهان لم يكن يملك سببًا يدفعه إلى قتلي بذلك الاستعجال.
صحيح أنه لم يكن متورطًا مباشرة في القتل المأجور، لكن هذا لا يلغي ما فعله بي.
أنا ما زلت أعيش كابوس حياتي السابقة، وألم الحادث أمام المحكمة يوم موتي لا يزال حيًّا في ذاكرتي.
لا يمكنني أن أسامحك، أنت الذي ترك فيّ ذلك الندب العميق.
“لقد تزوجتي بأخي الآن، وأصبحتِ رسميًا جزءًا من عائلة هوچين ما المشكلة إذًا؟”
“…….”
“سواء بي أو بأخي، المهم أن تكوني جزءًا من هوچين، أليس كذلك؟”
تملكني الذهول من وقاحة كلماته كم يجب أن يكون الإنسان سيئًا ليفكر بهذه الطريقة الوضيعة؟
ارتسمت على شفتيّ ابتسامة باردة وأنا أحدق فيه.
“ما بكِ بحق الجحيم؟!”
تجمد وجه جيهان حين رأى ابتسامتي ذات المعنى العميق.
“سيد جيهان، هل كنت تظن أنني لم أكن أعرف؟”
“……تعنين ماذا؟”
ارتجف صوته قليلًا وهو يسألني.
“كنتُ أعرف أنك تتواطأ مع نائب الرئيس كيم يونغ مين، وأنك عقدت صفقة معه مقابل وعود باندماج مع مجموعة W.”
“…….”
“ولهذا كنتَ تلاحقني بإلحاح، وتتظاهر بأنك زوج مثالي، وتقول كلمات مغطاة بالسكر وكأنك ستحوّل نفسك إلى عائلتي.”
اصطدم جيهان بالصدمة حين أدرك أنني أعلم بما دار بينه وبين نائب الرئيس كيم يونغ مين.
صحيح، لو لم أكن قد عُدت إلى الحياة، لما كنت لأعرف شيئًا من هذا.
فقط بعد أن مت وعدت للحياة بدأت أرى تلك الحقائق واحدة تلو الأخرى.
“لو كنا قد تزوجنا في ذلك اليوم، لكنت خلال بضع سنوات بلا أي شيء، مفلسة تمامًا.”
“…….”
“أما حادثة إنتك التي وقعت اليوم، فقد كانت كارثة متوقعة قد لا ترغب بتصديق هذا، لكن…”
فقط جايها هو من عجل بحدوثها قليلًا.
في الأصل، كانت لتحدث بعد عامين، لكنني لم أكن لأنـتظر عامين آخرين.
في حياتي السابقة، كان جيهان هو من تسبب بانهيار هوچين بسبب استثماره الضخم في إنتك.
أما في هذه الحياة، فبما أنه اندمج مع إنتك، هي مجموعة هوچين تتجه نحو الهاوية لا محالة.
“ما حدث كان نتيجة حتمية لعدم كفاءتك، وليس بسبب ما فعلته أنا.”
ارتسم الشحوب على وجه جيهان عندما سمع كلماتي الحاسمة.
مهما حاول مواجهتي الآن، فلن يتغير شيء فكل ما حدث كان ثمرة لما زرعه بنفسه.
نظرت إلى ساعتي، وقد اقترب موعد البث.
قررت أن الوقت قد حان للعودة، فتجاوزته.
لكن بينما كنت أغادر، خطر ببالي شيء، فاستدرت إليه من جديد.
“صحيح، وأعتقد أنك أخطأت العنوان.”
رفع جيهان رأسه ببطء عندما سمع همسي المنخفض.
“بدلًا من أن تأتي إلي، ألا يجدر بك أن تذهب وتتوسل لرئيس مجلس الإدارة؟”
***
خرج جيهان من محطة البث، وتوجّه مباشرة إلى منزل العائلة في بيونغتشانغ دونغ بعد أن تلقى اتصالاً من مينغوك.
طوال الطريق، كانت المكالمة التي أجراها مع مينغوك تتردد في ذهنه.
كان مينغوك قد غادر في رحلة عمل طويلة إلى الفرع الموجود في الولايات المتحدة.
وذلك لإنهاء صفقة عاجلة قبل الذكرى السنوية لتأسيس الشركة.
ويبدو أنه قد اطلع على مقال إنتيك هناك أيضاً، فاتصل به فوراً.
– “ما هذا الذي فعلته بحق السماء؟! بأي عقلية كنت تعمل لتقوم هوجين بالاندماج مع شركة تُتهم بسرقة التكنولوجيا؟!”
فور صدور المقال، أصبحت شركة إنتيك تُعرف على مستوى العالم كجماعة لصوص.
– “وليس هذا فحسب، بل تقول المقالة إنهم سرقوا تقنية شركة تيسل! بدلاً من أن نصبح شركة عالمية، نحن على وشك أن ندخل قائمة أسوأ الشركات!”
استعاد جيهان كلمات مينغوك وهو يحاول تهدئة أنفاسه المتسارعة.
بعد مقال فسخ الخطوبة، ثم قضية القتل المأجور المتعلقة بسورين، أصبحت صورة مجموعة هوجين في الحضيض بالفعل.
– “ما الذي تنوي فعله الآن؟! كل ما بنيناه طيلة هذه السنين ينهار بسببك!”
ظل مينغوك بارداً حتى النهاية، رغم توسلات جيهان لمنحه فرصة أخيرة.
– “اذهب إلى المنزل الرئيسي، وارجُ الرئيس أو توسّل له هذا شأنك الآن!”
ولم يتوقف توبيخ مينغوك حتى أُغلق الخط.
“اللعنة!”
حتى بعد إنهاء المكالمة، ظلت كلمات مينغوك ترنّ في أذنيه، فتمتم بشتيمة بصوت منخفض.
قال له السكرتير كيم إنه منذ انتشار المقال، اختفى الباحث المعني فجأة، وهم يحاولون تحديد مكانه.
كان جيهان يقدّر قيمة تقنية شركة إنتيك.
لكنه لم يتصور حتى في أسوأ كوابيسه أن تكون تلك التقنية مسروقة من شركة أخرى.
كان واضحاً أن صفقة الاندماج هذه كشفت عن مدى عدم كفاءة جيهان
ما إن دخل القصر حتى رأى موجين يلتفت إليه من مقعده في غرفة الجلوس.
“اتبعني إلى المكتب.”
قال ذلك بصوت منخفض شديد البرودة، ثم اختفى داخل المكتب.
يد جيهان التي طرقت على باب المكتب كانت ترتجف.
وعندما دخل، وقعت عيناه على موجين واقفاً مستنداً إلى المكتب.
كان وجه موجين، الذي اشتهر بهدوئه واتزانه، متوهجاً من الغضب.
وذهبت عينا جيهان تلاحظ كيس الأدوية المبعثر على مكتبه، وكأن موجين قد تناول دواءً للضغط.
رفع موجين كوب الماء البارد وشرع يشربه دفعة واحدة وكأن حلقه جاف.
“سيدي الرئيس…….”
نادى جيهان بصوت مرتجف.
وبمجرد أن نطق، ارتكزت نظرات موجين الحادة عليه كنصلٍ يخترق قلبه.
“لن أطيل الكلام استعد للتخلي عن منصب الوريث.”
“سيدي الرئيس!”
ركض جيهان حتى وقف أمامه، ثم جثا على ركبتيه.
“لن أُسلِّم مجموعة قضيت عمري كله في بنائها لفتى مثلك.”
“أرجوك، فقط أعطني فرصة واحدة فقط…….”
“فرصة؟”
سخر موجين عندما سمع كلمة “فرصة”.
أمسك بكيس الأدوية بقبضة جعلت يده تشحب من شدة الضغط عليه.
“سأُصلح ما أفسدت! بأي طريقة كانت، سأعوّض الأضرار التي لحقت بالمجموعة…….”
لكن جيهان لم يستطع مواصلة حديثه.
فقد سكَب عليه موجين زجاجة الماء التي كان يحملها مباشرة فوق رأسه.
تدفقت المياه عبر شعره وتقطّرت على الأرض، مبلّلة السجادة تحته.
ثم رمى موجين زجاجة الماء الفارغة إلى جانبه، وكأنما يُعلن أنه لم يعد هناك مجال لمنح المزيد من الفرص.
– طاق!
دحرجت زجاجة الماء الفارغة حتى اصطدمت بركبة جيهان التي كان يجثو عليها.
وفي تلك الزجاجة المهملة على الأرض، رأى جيهان انعكاس حاله—كما لو أنه هو نفسه قد تُرك خالي الوفاض، وقد سُلب منه كل شيء وسقط حتى القاع.
وما إن أغمض عينيه ببطء حتى سمع صوت موجين يعلو مجددًا.
“لقد منحتك عددًا لا يُحصى من الفرص منذ لحظة دخولك إلى هذه العائلة.”
“……”
“أنك أصبحت وريث مجموعة هوجين متخطياً شقيقك هو أكبر دليل على ذلك.”
كان صوت موجين الغاضب لا يقلّ عن حكم بالإعدام.
“لكن، ولأول مرة اليوم، ندمت على اختياري أن أُسلّم هوجين لرجلٍ عديم الكفاءة مثلك؟ الأفضل أن أتركها لإدارة احترافية.”
“سيدي الرئيس…!”
ما إن سمع جيهان لفظ إدارة احترافية يخرج من فم موجين، حتى فتح عينيه على اتساعهما.
أن يُقال له إن المجموعة ستُسلَّم لغيره، وكأن وجوده لا قيمة له، كان إهانة لا تُغتفر.
وامتلأت عيناه بعروق حمراء، وكأن كبرياءه جُرح حتى العظم.
“لماذا؟ ما إن أصبحت وريثًا، ظننت أن هوجين باتت في قبضة يدك؟”
زاد أسلوب موجين الساخر في الحديث من استفزاز جيهان.
“لقد كرّست حياتي كلها لأصبح الوريث! أنت تعرف هذا، سيدي الرئيس! لا يمكنني التراجع بهذه البساطة.”
“……”
“كيف تفكر في تسليم هوجين لشخص آخر بينما أنا لا زلت هنا؟! ما الذي يُفترض أن يُثبت كفاءتي أكثر من هذا؟!”
ما إن انتهى من كلماته حتى ضحك موجين ضحكة عريضة.
لم تكن مناسبة للضحك، ومع ذلك، لم يستطع كتمها، وجيهان الذي حدّق به بتوتر، تجمدت تعابير وجهه.
“مضحك ، تقول إنني لا أستطيع تسليم هوجين لشخص آخر؟”
“……”
“صحيح، لقد مرّ أكثر من عشرين عامًا منذ أن دخلت بيتنا كابن لمينغوك الزمن يمر بسرعة.”
“……؟”
مع استمرار كلمات موجين الغامضة، بدأ التوتر يعلو ملامح جيهان.
فما كان من موجين إلا أن انخفض بركبتيه لينظر إليه في عينيه مباشرة.
“أنت وأبوك… متشابهان في بعض الأمور، ومختلفان في أخرى.”
“ماذا تعني…؟”
اهتزت أصابع جيهان حين التقت عيناه بنظرات موجين الثابتة.
وكانت دقّات قلبه تتسارع من القلق الذي أثارته تعابير وجه موجين الغامضة.
“ألم تتساءل يومًا؟ رغم أن علاقتنا كانت غير شرعية، إلا أن أمك التي أنجبتك لم تستطع دخول كوريا بدون إذني.”
“……”
“وفوق هذا، جميع أفراد العائلة يعانون من حساسية تجاه الأدوية… باستثنائك أنت.”
ضغط موجين بكفه العريضة على كتف جيهان بقوة.
شدة الضغط كادت أن تُخرج منه أنينًا، لكنه كتمه بصعوبة.
“ألا تتساءل لماذا؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
التعليقات لهذا الفصل " 98"